• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

موقف الزهراء ( عليها السلام) هو " الفصل "

في الأحداث التاريخية يلعب العقل دورا كبيرا في استخلاص النتائج والاعتبار بها والاستفادة منها ومن ثم الانطلاق لتحديد موقف معين تجاه تلك الأحداث. والتاريخ الإسلامي كتاب الثقافة الذي حفظ لنا تراثا ضخما، ما زالت الأمة تعيش على معينه.. وطوال تاريخ أمتنا الإسلامية مرت أحداث عظام مثلت منحى لهذه الحضارة التي قامت أسسها على تعاليم الوحي بشقيه القرآن والسنة. وبما أن التاريخ ثبت لنا مجموعة من الأحداث

يجب علينا نحن اليوم النظر فيها بعين الإنصاف، كما يجب علينا التعقل لنستخلص منها عبرا تعيننا لتحديد اتجاه السير الصحيح خصوصا وأن الأمة وبعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) شهدت اختلافا كبيرا امتدت آثاره إلى يومنا هذا.
وقضية الزهراء ( عليها السلام) ومأساتها لم تكن لتنفك عن أمر الرسالة الإسلامية، وموقف الزهراء ( عليها السلام) لا يمكن أن يمر عليه العاقل المهتم بأمر الإسلام مرور الغافلين، بل لا بد من التوقف عنده والسؤال، هل كان موقف فاطمة ( عليها السلام) يعني شيئا في مسيرة تحديد هويات الاتجاهات المختلفة؟ ذلك ما سنعرفه الآن، ولكن هناك مقدمة ضرورية قبل الإجابة على هذا السؤال وهي:
نحن في تحديدنا للمواقف المتعددة يجب وقبل كل شئ معرفة صاحب الموقف معرفة تامة لأن ذلك يعيننا لتشخيص وتحليل الموقف تماما وهذا شئ طبيعي وعقلائي، فمثلا عندما يقف الرسول موقفا معاديا لشخص آخر فإننا تلقائيا ندين الطرف الآخر الذي وقف منه الرسول موقفا عدائيا لأننا على يقين بأن الرسول هو المقياس للفصل بين الحق والباطل وبالتالي إذا وقف في وجه شخص آخر فذلك الشخص على خطأ لا يحتاج منا إلى بيان ولكن هذا احتاج منا إلى مقدمات تجاوزناها سلفا وهي عصمة الرسول وحجية قوله وفعله وتقريره وهذه الحجية لا تكون إلا إذا كان قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله وتقريره حقا ولا يمكن أن يكون بحال من الأحوال باطلا لأن القول بخطأ النبي (صلى الله عليه وآله) يستلزم الطعن في القرآن الذي أمر بطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) دون قيد أو شرط، بل ليس الطاعة فقط وعدم المخالفة إنما عدم الحرج في قضائه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).. من هذه الخلفية نكون على اطمئنان بكل موقف يقفه النبي (صلى الله عليه وآله) إذ أن معرفتنا للشخصية تجعلنا نقيم الأحداث بشكل سليم بأفضل ما يكون.
والزهراء ( عليها السلام) رفضت أن تبايع الخليفة.. وعارضته بأشد ما يكون وتركت آثار معارضتها إلى الآن إذ أنها أمرت بدفنها ليلا وسرا (ولم يكشف عن مكان قبرها إلى الآن)، فما مدى تأثير هذا الموقف الذي جوبه بأشد أنواع العنف، في سير الرسالة وما مدى حجيته علينا نحن المسلمين اليوم. وإن ذلك يستدعي التعرف على شخصية الزهراء بصورة تفصيلية خصوصا فيما يختص بالحجية " يعني هل فعلها حجة لها أم عليها " وذلك من الناحية التشريعية وإلا قد مر عليك فضائل الزهراء ومناقبها.

عصمة الزهراء ( عليها السلام)
المتتبع للنصوص الواردة في القرآن والسنة الشريفة عن أهل البيت ( عليهم السلام) بما فيهم الزهراء ( عليها السلام) لا يجد سوى الاقرار بعصمتهم وعلو شأنهم عن الذنوب والمعاصي، وإليك لمحات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تثبت عصمة أهل البيت ( عليهم السلام) وطهارتهم وقد مر عليك ذكر بعضها.
لقد مرت عليك عزيزي القارئ آية التطهير ودلالتها على عصمة أهل البيت المقصودين في الآية وفاطمة منهم ونورد الأدلة التالية تعزيزا لقولنا بعصمة فاطمة ( عليها السلام):
1 - قول الرسول (صلى الله عليه وآله) عنها " إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها "، هذا القول للرسول (صلى الله عليه وآله) تلازمه العصمة لأنه من المستحيل أن يناط غضب الزهراء بغضب الله سبحانه وهي غير معصومة... لأن القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في الزلل والخطأ وربما تغضب لغير الحق، والرسول (صلى الله عليه وآله) في كلامه إطلاق بلا تقييد يعني أن الزهراء ( عليها السلام) لن تغضب إلا لشئ يغضب الله بسببه ومن كان غضبه يعني غضب الله فهو لن يفعل إلا الحق ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين وبالتالي يمثل غضبه الحق، وفي الواقع إن هذا الحديث يدلل أن للزهراء مكانة عظيمة لا تدرك بالعقول.
ولبيان هذه العظمة التي من تجلياتها عصمتها ( عليها السلام) أكد الرسول تكرارا عليها كقوله (صلى الله عليه وآله) " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها " (1). إن أذى الرسول يعني أذى الرسالة، أذى القيم والمبادئ، لأنه (صلى الله عليه وآله) هو محور الحق بل هو الحق الذي يجب أن نقتبس منه، إن الرسول (صلى الله عليه وآله) يمثل الإرادة الإلهية وهو قطب الرحى الذي به يعرف الموحد من المشرك والكافر إذ أن الله تعالى غيب لا ندركه بعقولنا وأوهامنا والارتباط به تعالى يكون عبر رسله وأنبيائه. لذلك كان مبعث الأنبياء وتولية الأوصياء. ولذلك لا يكون الرسول إلا معصوما حتى لا يفترق عن الحق لحظة واحدة وبالتالي تكون كل تصرفاته حق وأذيته تعني التحدي للرسالة والإرادة الإلهية ولبيان هذه الحقيقة يقول القرآن الكريم (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (سورة الأحزاب: آية / 57) وأكرر القول إن الرسول (صلى الله عليه وآله) عندما يتحدث عن شخص أو يدلى بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة وبالتالي يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حق، والمتفق عليه أن قول الرسول (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره حجة يعني شرع نتعبد به قربة إلى الله تعالى. وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام فاطمة بضعة مني يعني هي جزء لا يتجزأ من كيانه وروحه وهو كما قلنا محور الحق والشرع وبالتالي تكون الزهراء ( عليها السلام) أيضا كذلك، لذلك جعل الرسول أذاها أذاه وكل شئ يريبها يريبه وهو المعصوم الذي لا تميل به الأهواء ومن يكون جزءا منه يؤذيه ما يؤذيه فهو أيضا مؤهل أن يكون معصوما. وبهذا التقريب نرى عصمة الزهراء ( عليها السلام) جلية وواضحة فقط تحتاج إلى وجدان صاف سليم وعقل مستنير.
2 - قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) إن كل الأنبياء السابقين لم يطلبوا أجرا من أقوامهم إنما كان قولهم (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) لقد ذكر ذلك في القرآن على لسان الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (2). ولكن نبينا الأعظم أمره الله عز وجل بأن يسأل أمته المودة في القربى ولكن لا لكي يستفيد هو بل لتستفيد أمته، لأنه ليس بدعا من الرسل ليطالب بأجر لرسالته من دون الرسل، كما أنه ليس من المتكلفين كما جاء على لسانه قوله تعالى (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) (3)، ودليلنا على أن الفائدة من هذا الأجر الذي طلبه منا تعود علينا نحن قوله تعالى (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله) (4)، وبنظرة أخرى إلى آيات القرآن الحكيم نجد أن هذا الأجر المتمثل في مودة القربى هو السبيل إلى الله تعالى في قوله عز وجل (ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) (5)، وهو الذكرى للعالمين كما يقول تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) (6). إذا مودة القربى هي الذكرى وهي السبيل الذي يقول عنه تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) والسبيل إلى الله لا بد أن يكون قويما لا عوج فيه يعني باتباعه نضمن أننا على الصراط المستقيم ونهايتنا الجنة بمعنى أقرب لا بد أن يكون معصوما وقد تجسد في القربى وهم أهل البيت ( عليهم السلام) كما هو المسلم به عند جميع المسلمين فيما يرتبط بنزول الآية في أهل البيت ( عليهم السلام) وفاطمة عماد ذلك البيت فوجب أن تكون معصومة لأنها أحد مصاديق ذلك السبيل.
3 - فاطمة ( عليها السلام) ومريم ( عليها السلام): فيما سبق من روايات وضح لنا أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين وهي سيدة نساء الجنة. وما إليه من أحاديث تثبت أن الزهراء ( عليها السلام) أفضل النساء من الأولين والآخرين، ومن جملة النساء الكمل مريم الصديقة ( عليها السلام) أم النبي عيسى ( عليه السلام) لقد ارتقت مريم سلم الكمال حتى اصطفاها الله تعالى وطهرها، بل وخاطبها الوحي كما جاء في القرآن الكريم يقول تعالى (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) (سورة آل عمران: آية / 42) لقد طهر الله مريم واصطفاها وهذه هي العصمة بعينها، ولا يمكن بمجال أن يكون الفاضل أقل درجة من المفضول فإذا ثبتت عصمة مريم ( عليها السلام) فبالأولى إثبات عصمة الزهراء ( عليها السلام) لأنها أعلى رتبة وأخص درجة بما عرفت عنها ومدح الرسول (صلى الله عليه وآله) لها.
لقد أوردنا ما أوردناه لإثبات عصمة الزهراء ( عليها السلام) أو لا أقل بيان قدسيتها بحيث يمتنع صدور فعل قبيح منها يخالف الشرع أو يرضي طموحا شخصيا لها. ورغم قناعتي بأن الكثير من المسلمين لا يحتاجون إلى مزيد من الكلام حول طهارتها وقدسيتها إلا أنني تأكيدا للحجة على المعاندين والمغالطين أطلت الحديث عن هذا الموضوع ولأنه سيكون المعتمد الأساسي في الإجابة على سؤال عريض سيواجهنا وتجب الإجابة عليه.
ألا وهو أين نقف نحن بالنسبة لموقف الزهراء من أبي بكر؟ وكيف المخرج؟ هل يجوز لنا القول بأن الزهراء ( عليها السلام) مخطئة؟
أما بالنسبة للسؤال الأخير فلا يحق لنا ذلك بل إن القول به يعني الكفر بالله وبآياته وبرسوله، ويبدو لي أن الإجابة على بقية الأسئلة واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء.
ولكن قبل أن أنهي الحديث عن هذا الموضوع، الذي أترك فيه المجال لأصحاب العقول المنيرة والضمائر الحية ليحددوا فيه الموقف، أعرج على حديث شغلني كثيرا وأنا أقيم موقف الزهراء ( عليها السلام) من الخليفة أبي بكر وغضبها وعدم السماح له ولعمر بالصلاة عليه حتى وهي ميتة، ألا وهو الحديث المشهور (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
حسنا لقد أصبح أبو بكر خليفة للمسلمين بعد انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى. والخليفة هو الإمام وقد جاء في الحديث أن من لم يعرفه يموت ميتة كميتة الجاهلية. وفاطمة ( عليها السلام) ليس فقط لم تعرف الخليفة بل عارضته وهاجمته وغضبت عليه وأمرت أن لا يصلي عليها فكيف المخرج من هذه المعضلة؟!
فإما أن تكون فاطمة ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله وهذا ما لا يقول به مؤمن برسالة أبيها (صلى الله عليه وآله) وإما أن تكون في موقفها على حق وبالتالي تنسف كل شرعية للخلافة القائمة آنذاك وهو ما قامت عليه الأدلة والبراهين فثبتت نقلا وعقلا كما بينا وسنبين المزيد إن شاء الله تعالى.

--------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) - لمعرفة مصادر هذه الأحاديث يرجى مراجعة فضائل الزهراء في هذا الكتاب.
(2) - مراجعة الآيات 109 - 127 - 132 - 145 - 164 - 180) من سورة الشعراء.
وقد جاء في صحيح البخاري في المناقب ج 4 ص 219 عن ابن عباس قال: إلا المودة في القربى، القربى قربى محمد (صلى الله عليه وآله).
(3) - سورة ص: آية / 86.
(4) - صورة سبأ: آية / 47.
(5) - سورة الفرقان: آية / 57.
(6) - سورة الأنعام: آية / 90.
 
تأليف الكاتب السوداني عبد المنعم حسن
إعداد مركز الأبحاث العقائدية


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page