طباعة

تربية الشباب بين الاصالة والتجديد

تربية الشباب بين الاصالة والتجديد

 يكتسب الحديث التربوي حول الشباب أهمية خاصة ، لأنّه يستهدف بناء الشخصية ، وهي في مرحلة التحول الأساسي ، الذي يتميز بأنّه متعدد في عناصره المكونة لذلك التحول ، كما أنّه ذو انعطافة حادّة على غير السياق التغيري الذي درج الشاب عليه في مرحلة ما قبل المراهقة والشباب ، وحتى يختلف عموماً ومن حيث الحدّة عما يعتري شخصيته في المرحلة التي تلي الشباب .

فعلى المستوى العقلي مثلاَ ينتقل من مؤمن بكل حقيقة إلى مستفسر عن أدلة اثباتها من مجتّر ومكرّر للاهتمامات العقائدية والفكرية التي تطرحها عليه الاسرة والآخرون إلى مولّدٍ ذاتي للأسئلة التلقائية التي تدور في خلده .

ومن الناحية النفسية يتحول من حالة الانفعال الذاتي (السلبي) إلى الانفعال البنّاء، من حالة الانكفاء على الذات إلى حالة المواجهة، من عدم الاهتمام بالآخرين إلى محاولة فهمهم والتعامل معهم ، من غاطس في افق حاضره إلى متطلع إلى مستقبله.

وعلى مستوى الأسرة، من الانصياع لارادة الوالدين إلى الانضباط الذاتي، من التلقي من الوالدين إلى التفاعل معهم كأصدقاء، من الشعور الفردي اللامسؤول إلى الاحساس بالمسؤولية تجاه الاسرة، من الفطرة الاحادية المستوحاة من الاسرة في تقييم أفرادها إلى النظرة الموضوعية المنفتحة على الجميع في التقييم .

ومن الناحية الاجتماعية يتحول غالباً من رفض التعامل الاجتماعي إلى قبوله، من مستوى التزمّت في العلاقة إلى مستوى التعايش، من مستوى التطرف في القبول المطلق أو الرفض المطلق للمعطيات الاجتماعية إلى الفرز –القيمي والقبول الانتقائي، من عدم مراعاة الجانب الاجتماعي إلى احترام العرف، من الاهتمام السطحي الجذّاب إلى محاولة التعمّق ووعي الحقيقة، من اللامبالاة إلى الشعور بالمسؤولية .

إضافة إلى تحولات أخرى، ليست أقل أهمية من هذه إن لم تضاهيها أو تفاقها أحياناً مثل ما يعتريه من وضع غريزي جنسي ضاغط، نزعته الاستقلالية ورفضه للحالة التبعية، تطلعه إلى التخصص و لتحديد مساره المهني والعلمي، تفكيره وتخطيطه للعلاقة الزوجية .هذه مجمل التغيرات التي يتعرض لها الشباب وبصورة غالبة وليست قطعية بكل مفرداتها .

إنّ مثل هذه الانعطافة حملت كثيراً من علماء النفس على تفسير المراهقة بانها حالة غير طبيعية ، حيث " يشعر المراهق بالضياع ... إلى أن يصل إلى مرحلة النضج .

أما " فرويد " و" ستانلي هول " فهما يفسران مرحلة المراهقة : هي مرحلة الجيشان الانفعالي والتناقضات السلوكية وهي عرضة بوجه خاص إلى النكوص والارتداد إلى كثيرمن الأمراض النفسية .

هذه العوامل الذاتية بالتغير في شخصية الشاب تضفي الأهمية على مثل هذا الموضوع إضافة إلى عوامل أخرى منها شرعية وأخرى عرفية تصب بالاتجاه نفسه .

فالشريعة المقدسة تتعامل مع الشاب على أنه مكلف ومسؤول عن كل تصرف من تصرفاته ، وانه عرضة للحساب في كل عملٍ حرام ، وأفردت مجموعة كبيرةً من الأحكام الشرعية تتناول شخصية الشاب في أوجه متعددة – عبادته ، تعامله مع أبويه ، حقه ومسؤوليته في الزواج ، طلبه للعلم ، خوضه مجالات التكسب ، علاقاته بالآخرين ، انخراطه في الاتجاه السياسي ... وبذلك دخلت الشريعة على شكل رقابة في حياة الشباب ، سواء مورست هذه الرقابة من قبله و نبعت من داخله أم أتخذت بصفة موضوعية مورست عليه من خارجه .

أما الجانب العرفي فقد تحرك هو الآخر على صعيدين في عالم الشاب :
الصعيد الأول : الحس الاجتماعي لديه وما يمنحه ذلك من رصيد يتناغم مع رغبته النامية ويتفاعل مع قناعاته بالشكل الذي يجعله جزءاً من الواقع الاجتماعي الذي يحبط به ويشترك معه في المتطلبات والأهداف والمعايير .

الصعيد الثاني : وهو دخول المجتمع عنصر تقييد لحركة الشاب ، يحمله على ضرورة مراعاة اللياقات الاجتماعية خاصة وان الشريعة المقدسة راعت بعضها وحملت الشاب على أخذها بنظر الاعتبار " من وضع نفسه في موضع التهمة ، فلا يلومن إلا نفسه "

فإذا كان قبل هذه المرحلة يفكر بمردود كل عمل على أساس ما يحدثه في داخله من الناحية النفسية أو مدى قناعته المجردة عن كل شيء فانّه بدا منذ الآن يفكر بالجائز والحرام من وحي الرقابة الشرعية " المسموح الشرعي " كما يفكر في حدود ما سمحت به الشريعة كذلك " بالمألوف العرفي " لأن الرقابة العرفية هي الأخرى أخذت تلاحق مسيرته وهو في مرحلة الشباب ، لا كما كان عليه في مرحلة الطفولة وحتى الصبا .

حريّ بنا الآن أن نحدد مفردات العنوان ، وما هو المقصود بها؟

ما هي " التنمية " وما هي " الأصالة ؟ وما هو " التجديد؟

1- التنمية
لا نريد بالتنمية معني التقادم الزمني المجرد أو الفرق الحيوي (البايولوجي ) أو النمو العلمي والثقافي المجرد مهما كانت طبيعة تلك العلوم ، أو الفارق الذي يحدث بنمو الشباب بين زمن وآخر جرّاء تحليّة الظاهر بصفات معينة واعتياده على ممارسات ما ومراعاته للياقات اضافية لم يكن قد تحلّى بها أو راعاها سابقاَ ،بحيث تكون العملية أشبه ما تكون بوضع اللبنات لا قامة جدار عال ، دون أن يكون ثمة ترابط مشترك بين هذه الوحدات البنائية أو أي تفاعل فيما بينها ، وإنّما نريد " بالتنمية " وهي عملية " التربية " أو عملية " التغيير " وهذه العلمية " التنموية" تتطلب أن يتزود الشاب بالفكر ويحوّل ذلك الفكر إلى ممارسة وبذلك يحدث في نفسه اضطرادات بالنمو من خلال سلوكه الفردي والاجتماعي ، فيكون بذلك تقادم الزمن أو تحصيله الثقافي أو بناؤه البدني والاجتماعي عوامل يمكن أن تصبّ في إثراء مسيرته التربوية . هذا هو باختصار ما نريده بمفهوم " التنمية" .

2-الاصالة
من الناس من يتخذ من ( القدم) أصلاً له بالتعامل والتقييم ، وبناء على ذلك يفهم الأصالة هو التمسك بالقديم لقدمه ، فهو حين ينظر إلى القديم وقد انحدر عبر أجداده وآبائه ليصل إليه لا يقوى على تجاوزه ولا يتصور أن يرقى إلى قداسة ذلك الأصل مقدس آخر " أصالة القدم" .

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الشريحة من الناس في أكثر من آية شريفة : بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون ، إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنّا على آثارهم مهتدون .

فقد كان موقف هذه الشريحة الاجتماعية سلبياً دائماً من كل تغيير أو تحول ، لأنّه من وجهة نظرها يمسّ المقدس : أصالة القدم " فحاربت كل جديد وتحفظت عليه وفاءً لذلك " المقدس" .

والأصالة عند بعض الناس تنبع من فكرٍ منغلق يتوجّس من الفكر الآخر ولا يقوى على مواجهته ، ولذلك يرفضه جملة وتفصيلاً ، ومثل هذا النمط من الناس يفتقر إلى وعى الآخر كي يقف من موقع الوعى على نقاط القوة والضعف ونقاط الاتفاق والاختلاف .

أنّ غياب هذا الوعى " وعي المشترك" يحول دون رؤية الحقيقة عند الآخرين مهما كانت لديهم من مكارم .

الجامع لمثل هذه المصاديق هو غياب المفهوم بذاته أصل إسلامي ولا " الذاتي الفردي " أو " الذاتي الاجتماعي " أو " الذاتي العنصري " هي الآخرى أُصول اسلامية ولا " الانغلاق

اللاواعي " كذلك أصل إسلامي .

إذن ما هي الأصالة ؟
إنّها تعني تحديد أصل كل شيء وارجاع الشيء إلى ذلك الأصل ، وحين نتحدث عن " الأصالة الاسلامية ، فاننا ننطلق من الآية الكريمة :" الم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء .

فقيل المراد بالكلمة الطيبة : هي شهادة أن لا إله إلّا الله . وقيل : الايمان وقيل القرآن وقيل مطلق التسبيح والتنزيه وقيل الثناء على الله مطلقاً وقيل كل كلمة حسنة وقيل جميع الطاعات وقيل المؤمن .

" والذي يعطيه التدبر في الآيات أن المراد بالكلمة الطيبة التي شبهت بشجرة طيبة من صفتها كذا وكذا ، هو الاعتقاد الحق الثابت فانه تعالى يقول بعد وهو كالنتيجة المأخوذة من التمثيل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة .

والقول هي الكلمة ولا كل كلمة بما هي لفظ ، بل بما هي معتمدة على اعتقاد وعزم يستقيم عليه الانسان ولا يزيغ عنه عملاً .

وقد تعرّض تعالى لما يقرب من هذا المعنى في مواضع من كلامه :
انّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وقوله : انّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا .

وقوله : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه .

وهذا القول ( الكلمة الطيبة) هو الذي يرتب الله سبحانه وتعالى عليه تثبيته في الدنيا والآخرة أصله وهم الذين آمنوا ثم يقابله باحتلال الظالمين ويقابله بوجه آخر بشأن المشركين .

وبهذا يظهر أنّ المراد بالممثل هو كلمة التوحيد وشهادة أن لا إله إلاّ الله حقّ شهادته …

وكذلك كل كلمة حقة وكل عمل صالح مثله هذا المثل ، له أصل ثابت وفروع رشيدة وثمرات طيبة مفيدة نافعة .

فالمثل المذكور في الآية يجري في الجميع كما يؤيده التعبير بكلمة طيبة بلفظ الفكرة ، غير أنّ المراد في الآية على ما يعطيه السياق هو أصل التوحيد الذي تتفرع عنه سائر الاعتقادات الحقة ، وتنمو عليه الأخلاق الزاكية وتنشأ منه " الأعمال الصالحة " .

الأصالة الإسلامية بناءً على هذا الفهم القرآني هو التوحيد كأصل تتفرع عنه سائر الاعتقادات ، وهو ذات الأصل الذي يمد الأخلاق بالنمو كما ترتكز عليه الأعمال .

من هنا احتل التوحيد موقعاً خاصاً في العقيدة الإسلامية ، كما أصبح منطلقاً متميزاً للأفكار والقيم والممارسات ، فما لم تتخذ الفكرة من التوحيد منطلقاً لها ، ومالم تتحرك القيم في إطار التوحيد ، ومالم يكن السلوك انعكاساً للتوحيد فقد كل ذلك عنصر " الاصالة الإسلامية" .

والأصالة الإسلامية بهذا المعني أكدّ عليها كل الأنبياء والمرسلين (ع) وهي لذلك ليست وقفاً على قومية دون أخرى ، أو حبيسة أرض معينة أو رهينة مقطع زمني دون آخر . وقد يقابل كلمة " الأصالة " الزيف ".

فمثلما نقول : انسان أصيل وسلوك أصيل وفكر أصيل ، نقول : انسان زائف وسلوك زائف وفكر زائف .

 المقابلة الصحيحة إذن بين الأصالة والزيف . وليس بين الأصالة والتجديد كما سيتضح ذلك .

3- التجديد
مثلما تفاوتت وجهات النظر حول " التنمية ، و" الاصالة" كذلك تفاوتت حول التجديد ، فمنهم من فهم " التجديد " ان تتحدث بلغة اليوم ، فما دمت مرتبطاً بالماضي وملتصقاً به فلست مجدداً وما دمت تأبي تناول المصطلح المعاصر بما له من بريق وجاذبية ، ومادمت تطرح الفكرة بأسلوب لا يعتمد الطريق الحديثة  من الاستعارات التجديديه المعقدة ، اذن أنت لست مجدداً .

فإذا كانت للتجديد سمات فإنّ من نفس سماته " غرابة المصطلح وتعقيد الفكرة والتواء الاسلوب ".

ومنهم من أعتبر " التجديد " هو " المدنية " بكل ما تحمل في أشواطها المعاصرة من ارهاصات علمية واكتشافات وفنون وقدرات اقتصادية واختراعات وتطوير في طرق العيش ، وبالتالي فإنّ من دواعي التجديد أن نتطلع إلى " المتفوق المدني .

ونترسم خطاه ونقتفي آثاره ومثل هذه النظرة " نظرة الانبهار" تعمي الأبصار عن كل المساوئ التي منيت بها مجتمعات الغرب التي تفوقت مدنياً وعملياً لكنها تراجعت من الناحية الأخلاقية والسلوكية .

وتترافق مع هذه النظرة نظرة أخرى لكل التاريخ والتراث " نظرة دونية " تخجل من استلهام أية فكرة أو قيمة مهما عظمت لأنّها تفتقر إلى أفق التقدم الصناعي والعلمي والاقتصادي تستطيع أن تتحرك فيه .

ومنهم من اعتبر " التجديد " من استحقاقات سيطرة القوة وسيادة القوي سياسياً أو عسكرياً ، فالقيمة تتبدل بتبدل ميزان القوى ، ولما كان عالم اليوم تسوده قوى الغرب بما لها من امكانات مادية وعسكرية وادّعاءات سياسية عريضة ، فإنّ التفاعل مع هذا الواقع هو التجديد بعينه . وإنّ الانشداد إلى الخلف والإصرار على إحيائه ضرب من اللاواقعية لأنه لا يقوى على تجميد الحاضر مثلما لا يستطيع أن يحرّك الماضي ؟

" التجديد يعني التعامل مع المتغيّر على أساس ما يفرزه من نتائج ومسوغات موضوعية مطابقة للحقيقة الثابتة التي ينطلق منها الانسان ، أي انّ التجديد بمفهومة الصحيح هو تأكيد الأصالة وليس نقيضاً لها .

ربما يقف التجديد مقابل التجديد مقابل التجميد . لأنّ الأول يستهدف التعامل مع المتغير بموضوعيته ، والثاني يكون عائقاً أمام حركته .

علاقة الأصالة بالتجديد
عودة إلى جو الآية الكريمة :

ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها...

أصلها ثابت "انها الأصالة الإسلامية " التي لا تتبدل لأنها تعبّر عن الحقيقة ، المطلقة وهي التوحيد وما يترتب على التوحيد من لواحق إيمانية . إنّ هذا الأصل مدّ فروعه في حياة الانسان وأعطى لكل عصرٍ " أكلها وهناك امتداد زمني تجديد كل حين وهناك ترابط عضوي بين الأصل والفرع بين الأصالة والتجديد " بإذن ربها " مثلما ينطلق الانسان المؤمن من قاعدة التوحيد في الحياة ليرسم مساره ويحدد في الحياة ليرسم مساره ويحدد سلوكه ومثلما يتطلع إلى العطاء المتدفق على مستوى التجديد المرتقب كذلك يفترض فيه أن يحقق هذا الارتباط والوصول إلى كل ألوان العطاء الزاخر من خلال نفس الروح الإيمانية التي تبقى متفتحة على العقيدة التي انطلقت منها لتواصل شوطها مع كل جديد وتحدد موقفها عل وفق نفس المعيار الإيماني بالرفض والقبول .

لقد حثّ الاسلام المؤمنين على الانفتاح المتجدد مع كل بادرة واستثمار كل مناسبة من أجل الوصول إلى الحقيقة " الأصالة " .إن تأكيد القرآن الكريم طلب العلم " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " إنّما يخشى الله من عباده العلماء "" تأكيد الوصول من خلال المستجد الذي يكشفه العلم في إطار الايمان إلى تأكيد الأصل التوحيدي وما يترتب عليه .

كذلك الروايات الشريفة " اطلب العلم ولو في الصين " وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة "" كل المسلمين لا انغلاق ولا محدودية على بعض دون بعض ، بل النظر إلى الحكمة على أنها ضالة لابد من البحث الشريف " الحكمة ضالة المؤمن ... فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق .

ركز الاسلام على الشباب بالذات في طلب العلم ، فقد جاء في الحديث الشريف " انما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته " العلم في الصغر كالنقش في الحجر " .

لما كان العلم في بعض مجالاته انفتاحاً على المتجدد وما يحمل من حقائق ، فإن اكرام العلم والعلماء وطلاب العلم معناه مواكبة الجديد والوقوف عليه .

فلا تعارض ولا تنافي بين الأصيل والجديد ولا مفر من التعامل على أساس " الأصالة والتجديد معاً .

وعي الأصالة والتجديد
نريد بالوعي تمييز مفهوم الأصالة عن كل ما يحيطه من شبهة لا ترتبط بالأصالة بصلة من جانب وكذلك التجديد ، ومن الجانب الآخر النظرة المتكاملة إلى كل من الأصالة والتجديد على أنّهما متكاملان فلا أصالة مع الأنكفاء و الانعلاق على الجديد ولا تجديد مع الانقطاع عن الأصالة ، فإنّ ما أودعه الله تبارك وتعالى من حقائق في الكون ، وما أمر من استخدام العقل لاكتشافه وسبر غوره ، لهو الرافد الأساس في البناء الحضاري الاسلامي كما انّ الثبات والقرار على المرتكز المعنوي الذي يمثل الأصابة هو الهوية والعمق الحضاري .

فبمقدار ما ينطلق المؤمن ضمن وعي " أصيل " يكون أكثر ثباتاً وبمقدار ما ينطلق من وعي التجديد يكون أوسع أفقاً وبهذين الوعيين ، وعي الأصالة ووعي التجديد يتم الحفاظ على صفة المبدئية والواقعية وعندها لا معنى أن يعاني المؤمن من حالة الازدواج في التحرك أن يكون أصيلاً أم مجدداً مبدئياً أم واقعياً .

كما لا معني لأن نتصور حركة المؤمنين على انهما ركبان ، ركب " الاصالة " المنغلق وركب التجديد المنفتح ركب الماضي والحاضر ، ركب المتشدد والمتسامح ، فكلها تصبح مقولات لا أساس لها من الصحة ، ولا ينبغي التعويل عليها ما دامت لا تمت لحضارتنا بصلة .