في ذكر وفاة الزهراء(سلام الله علیها) وماجرى على أهل البيت(عليهم السلام):
من الحقائق التأريخية المرتبطة بوفاة الزهراء(سلام الله علیها) أنها توفيت وهي متأثرة بالأحداث التي أشرنا إليها، ولذلك فإنّ ردود الفعل، أو الاستجابة الصادرة من ذويها ومحبيها لابدّ وأن تتناسب مع فداحة الموقف، حيث تجتمع المصيبتان: الأذى والموت، وفي هذا السياق ورد عن ابن عباس في حديث قال: «لمّا توفّيت فاطمة(سلام الله علیها)شقّت أسماء جيبها وخرجت، فتلقّاها الحسن والحسين(عليهما السلام) فقالا: أين اُمّنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدّة، فحرّكها الحسين فإذا هي ميتة، فقال: يا أخا آجرك الله في الوالدة. وخرجا يناديان: يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدّد لنا موتك إذ ماتت اُمّنا، ثمّ اُخبر عليّ(عليه السلام) وهو في المسجد فغشي عليه، ثمّ أفاق فحملهما، ثمّ أدخلهما بيت فاطمة وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وايتامى محمد، كنّا نتعزّى بفاطمة بعد موت جدّكما، فبمن نتعزّى بعدها.
فكشف عليّ عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها، فنظر فيها فإذا فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور.
يا عليّ، أنا فاطمة بنت محمد زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري، حنّطني، وغسّلني، وكفّنّي بالليل، وصلِّ عليَّ، وادفنّي بالليل، ولا تُعلِم أحداً، وأستودعك الله واقرأ على وُلدي السلام إلى يوم القيامة...» الحديث([1]).
وقال الإمام أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) بعد وفاتها(سلام الله علیها):
ألا هل إلى طول الحياة سبيل***وأنّى وهذا الموت ليس يحول؟
وإنّي وإن أصبحت بالموت موقناً***فلي أمل من دون ذاك طويل
وللدهر ألوان تروح وتغتدي ***وإنّ نفوساً بينهنّ تسيل
ومنزل حقٍّ لا معرّج دونه***لكلّ امرئ منها إليه سبيل
قطعت بأيّام التعزّز ذكره***وكلّ عزيز ما هناك ذليل
أرى عللّ الدنيا عليَّ كثيرةً***وصاحبها حتّى الممات عليل
وإنّي لمشتاق إلى من اُحبّه***فهل لي إلى من قد هويت سبيل؟
وإنّي وإن شطّت بيَ الدار نازحاً***وقد مات قبلي بالفراق جميل
فقد قال في الأمثال في البين قائل***أضرّ به يوم الفراق رحيل
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة***وكلّ الّذي دون الفراق قليل
وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل
وكيف هناك العيش من بعد فقدهم***لعمرك شيء ما إليه سبيل؟
سيُعرض عن ذكري وتُنسى مودّتي***ويظهر بعدي للخليل عديل
وليس خليلي بالمَلول ولا الّذي***إذا غبت يرضاه سواي بديل
ولكن خليلي من يدوم وصاله***ويحفظ سرّي قلبه ودخيل
إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي***فإنّ بكاء الباكيات قليل
يريد الفتى أن لا يموت حبيبه***وليس إلى ما يبتغيه سبيل
وليس جليلاً رزءُ مال وفقدُهُ***ولكنّ رزءَ الأكرمين جليل
لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع***وفي القلب من حرّ الفراق غليل
وقوله مخاطباً للسيدة فاطمة(سلام الله علیها) بعد وفاتها:
مالي وقفت على القبور مسلّماً***قبر الحبيب فلم يردَّ جوابي
أحبيبُ ما لك لا تردّ جوابنا***أنسيت فينا خلّة الأحباب؟!([2])
في من تولّى غسلها(سلام الله علیها) وتكفينها:
ما تقدّم يجسّد النصوص الواردة في احتضارها، وإليك ما ورد من النصوص المؤرَّخة لغسلها وتكفينها ودفنها، فبالنسبة إلى غسلها وتكفينها ورد:
عن جعفر بن محمد، عن أبيه(عليهما السلام): «أنّ عليّاً غسّل امرأته فاطمة(سلام الله علیها) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)»([3]).
وعنه ـ صلوات الله عليه ـ أ نّه قال: «غسّل عليّ فاطمة(سلام الله علیها) وكانت قد أوصت بذلك إليه»([4]).
وعن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): جعلت فداك، من غسّل فاطمة(سلام الله علیها)؟ قال: «ذاك أمير المؤمنين(عليه السلام)»، قال: فكأنّي استعظمت ذلك من قوله، فقال: «كأنّك ضِقت ممّا أخبرتك به؟»، قلت: قد كان ذلك جعلت فداك، قال: «لا تضيقنّ فإنّها صدّيقة لا يغسلها إلاّ صدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلاّ عيسى(عليه السلام)»([5]).
وعن عليٍّ صلوات الله عليه: «أوصت إليّ فاطمة أن لا يغسّلها غيري، وسكبت الماء ابنة عميس»([6]).
ابن شهر آشوب قال: قالت أسماء بنت عميس: أوصت إليّ فاطمة أن لا يغسّلها إلاّ أنا وعليّ، فأعَنتُ عليّاً على غسلها([7]).
المحبّ الطبري قال: وخرّج الدولابي: أنّ الوصية كانت إلى عليٍّ بأن يغسّلها وأسماء، ويجوز أن تكون أوصت إلى كلِّ واحد منهما([8]).
أبو بكر موفق بن أحمد الخوارزمي قال: فلمّا جنّ الليل غسّلها عليّ([9]).
ذكر صاحب كتاب «وفاة الصدّيقة» في كيفية تغسيل الزهراء(سلام الله علیها): أنّ علياً أمير المؤمنين(عليه السلام) أفاض عليها من الماء ثلاثاً، وخمساً، وجعل في الخامسة الكافور، وكان يقول: اللهمّ إنّها أمتك، وبنت رسولك، وخِيرتُك من خلقك، اللهمّ لقّنها حجّتها، وأعظم برهانها، وأعلِ درجتها، واجمع بينها وبين محمد.
وحنّطها من فاضل حنوط رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي جاء به جبرئيل.
وكفّنها في سبعة أثواب، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى : يا اُمّ كلثوم ، يا زينب، يا حسن يا حسين هلمّوا وتزوّدوا من اُمّكم الزهراء فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة.
فأقبل الحسنان(عليهما السلام) يقولان: واحسرةً لا تنطفي من فقد جدّنا محمد المصطفى واُمّنا الزهراء، اُمّاهُ إذا لقيت جدّنا فأقرئيهِ منّا السلام وقولي له: إنّا بقينا بعدكَ يتيمين في دار الدنيا ثمّ ألقى الحسن والحسين(عليهما السلام) بنفسيهما على صدر اُمّهما(سلام الله علیها).
فقال أمير المؤمنين: إنّها حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء. فرفعهما عنها وعقد الرِداء عليها([10]).
في أخبار من شيّعها وصلّى عليها(سلام الله علیها):
بعد أن لاحظنا ردود الفعل الصادرة من ذويها(سلام الله علیها)، يجدر بنا متابعة الموقف ومنه: كيفية تشييعها ودفنها، ومن نزل في قبرها، حيث ورد عن ابن أبي الحديد قال: روى الواقدي بإسناده في تأريخه عن الزهري، قال: سألت ابن عباس: متى دفنتم فاطمة(سلام الله علیها)؟قال: دفنّاها بليل بعد هدأة، قال: قلت: فمن صلّى عليها؟ قال: عليّ([11]).
الطبري قال في حديث: فغسّلها أمير المؤمنين ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب واُمّ كلثوم وفضّة جاريتها وأسماء بنت عميس... إلى آخره([12]).
الطبرسي قال: صلّى عليها أمير المؤمنين(عليه السلام) والحسن والحسين(عليهما السلام)، وعمّار ومقداد وعقيل والزبير وأبو ذرّ وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم([13]).
المحبّ الطبري قال: صلّى عليها عليّ(عليه السلام)، وقيل: العباس([14]).
في ذكر من نزل في قبرها عند دفنها(سلام الله علیها):
وأمّا من نزل في قبرها، فقد ورد عن عليّ بن عيسى الإربلي قال:... ونزل في حفرتها العباس بن عبدالمطّلب هو وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)والفضل بن عباس([15]).
المحبّ الطبري قال: ودخل بها في قبرها عليّ والفضل، وكانت أشارت إلى عليٍّ (رضي الله عنه) أن يدفنها ليلا([16]).
في ما ظهر عند دفن فاطمة(سلام الله علیها):
تتفاوت النصوص في تحديد قبر فاطمة(سلام الله علیها)، وفي ما يأتي نلاحظ بعض الظواهر الإعجازية، مصحوبة بالمكان الذي حدّد فيه الدفن، حيث نقل ابن شهرآشوب قال: روي أ نّه لمّا صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولها وانصرف([17]).
الموفّق بن أحمد الخوارزمي قال: ذكر وهب بن منبّه، عن ابن عبّاس فصلا طويلا في وفاة فاطمة(سلام الله علیها)كتبنا منه ما هو المقصود من ذلك... : ـ إلى أن قال: ـ فلمّا جنّ الليل غسّلها عليّ ووضعها على السرير، وقال للحسن ادعُ لي أبا ذرّ فدعاه، فحملاها إلى المصلّى فصلّى عليها، ثمّ صلّى ركعتين ورفع يديه إلى السماء ونادى: هذه بنت نبيّك فاطمة أخرِجْها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلا في ميل، فلمّا أراد أن يدفنها نودي من بقعة من البقيع إليّ إليّ، فقد رفع تربتها، فنظر فإذا بقبر محفور فحمل السرير إليها فدفنها، فلما رجع عليّ والحسن والحسين جلس عليّ وقال: يا أرضُ أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، فنودي منها: يا عليّ، أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تَهِم، فرجع وانسدّ القبر... الحديث([18]).
-----------------------------------------------
[1] . الدمعة الساكبة: 1/70.
[2] . صحيفة الزهراء: 256 ـ 257.
[3] . بحار الأنوار: 43/206/33، عن قرب الاسناد.
[4] . دعائم الإسلام: 1/228.
[5] . علل الشرائع: 1/218/ باب 148، ح 1، بحار الأنوار: 43/206/32.
[6] . دعائم الإسلام: 1/228.
[7] . المناقب: 3/413.
[8] . ذخائر العقبى: 53.
[9] . مقتل الحسين: 1/131، الإصابة: 8/159.
[10] . وفاة الصدّيقة: 108.
[11] . شرح النهج: 16/392، الاصابة لابن حجر: 8/160.
[12] . دلائل الإمامة: 46.
[13] . إعلام الورى بأعلام الهدى: 1/300.
[14] . ذخائر العقبى: 54. وليُعلَم بأنّ فاطمة الزهراء(سلام الله علیها) لم يصلِّ عليها إلاّ أمير المؤمنين وأهل البيت(عليهم السلام)ونفر من خلّص صحابة الرسول ممّن حضر تشييعها وأمير المؤمنين(عليه السلام).
[15] . كشف الغمّة: 1/474، الإصابة: 8/159 ـ 160، تأريخ ابن عساكر: 1/293، اُسد الغابة: 5/524.
[16] . ذخائر العقبى: 54.
[17] . المناقب: 3/414.
[18] . مقتل الحسين: 1/130/77.
تغسيلها وتكفينها وتشييعها والصلاة عليها، ودفنها وإعفاء قبرها
- الزيارات: 20616