• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ولادة الامام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف

 

السيد محمّد القبانچي

(مقدمات في طريق إثبات الولادة)
المقدّمة:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين, واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين... اللهم وفقّنا وجميع المشتغلين.
لعلّ من هوان الدنيا على الله سبحانه, ومن مصائب الدهر أن نحتاج لإثبات ولادة المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وما أشبه هذه المصيبة بمصيبة إثبات يوم الغدير... يوم الغدير الذي شهده مئات بل ألوف وسمعوا من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) (1) بل لم يكتف بهذا القول, وإنما أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام وكشف عن الإمام بيده وعمّمه بعمامته وأخذ البيعة له وبقى فترة في الغدير, ثم بعد ذلك نضطر إلى إثبات سند الغدير.
من مصائب الدنيا وهوانها على الله سبحانه أن نحتاج إلى إثبات يوم الغدير, وكذلك من مصائب الدنيا _ كما قلت _ بدلاً من أن نجتمع لنستفيد مما ورد عن وليّ الله الأعظم أرواحنا فداه من كلمات ونصائح وأوامر, الذي هو أمل الإسلام, أمل الأنبياء عليهم السلام، أمل الرسل عليهم السلام وأمل الشهداء على مرّ التأريخ, هذا الإمام بدلاً من أن نستفيد ممّا صدر منه سلام الله عليه نريد أن نثبت ولادته.
على أي حالة وليست هذه المصيبة بأعظم من مصيبة كربلاء التي تحمّلها أهل البيت عليهم السلام كما تحمّل ما تحمّل أصحاب الأئمّة عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام أنفسهم في حياتهم.
وليست هذه المصيبة بأعظم من مصيبة حرماننا وحرمان المسلمين من رؤية الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف في هذه الفترة, والدنيا مليئة بالمصائب, كما نقل عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: (الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات) (2) ولو كانت الجنة محفوفة بالشهوات لما تخلّف أحد عن السعي للوصول إلى الجنة، أي لسعى الكل إلى الجنة.
نظرة على الشبهات:
الشبهات التي تثار حول الإمام الثاني عشر عليه السلام هي شبهات واهية ضعيفة ولا تستحق أن ينظر أحد فيها, ولكن كما قلت قبل قليل أنه ليست هذه المصيبة بأعظم من المصائب التي مرّت على أهل البيت عليهم السلام وعلى الإسلام وعلى دين الله سبحانه.
ونحن نشير فعلاً إلى بعض الشبهات ونمهّد المقدمات, وبعد تمهيد بعض المقدّمات نحاول أن نثبت أنّ حدوث ولادته وثبوتها كاد أن يكون أمراً وجدانياً لا يشك فيه إلاّ من ابتلي بالعمش ولا يرى الشمس.
وأبرز الشبهات أنّ بعض المؤرّخين, أو بعض أهل النسب, أو الذين يدّعون أنّهم من أهل الخبرة في النسب ينكر وجوده المادي, قائلين بأنّه _ أي الإمام العسكري عليه السلام _ لم يعلم له ولد, أو مات الإمام العسكري عليه السلام عقيماً... كما أنّ أخا الإمام العسكري جعفر أنكر, والطبري أنكر وابن تيمية أنكر في منهاج السنة الذي ملأه بالشتائم على الشيعة وخصوصاً على العلامة الحلي.
هذه عمدة الشبهات, وما عدا هذه الشبهات فمجرد استغرابات أو مبنيّة على عدم معرفة حقيقة الإمام عليه السلام.
فكما أنّ الله سبحانه وتعالى أعمى بصيرتهم عن فهم حقيقة النبي والنبوة كذلك الله تعالى أعمى بصائرهم وبصيرتهم عن فهم حقيقة الإمام عليه السلام.
عمدة هذه الشبهات:
أنّ بعض أهل النسب أنكر.
وجعفر الكذاب أنكر.
وسلطات ذلك الوقت هجموا على بيت الإمام العسكري عليه السلام فلم يجدوا الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, الطفل الذي نحن الشيعة نسمّيه الإمام الثاني عشر المنتظر عليه السلام.
وأنّ الإمام العسكري عليه السلام أوصى بأمواله إلى والدته هو.
واختلاف أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
هذه هي الشبهات, وكأنّ هذه الأمور تكسبهم دليلاً أو علماً على عدم وجود الإمام عليه السلام (العياذ بالله).
تمهيد:
ونحن قبل أن نحاول الردّ على هذه الشبهات نمهّد بعض المقدّمات:
المقدمة الأولى:
لا شكّ ولا ريب أنّ التواتر يفيد العلم عند جلّ الأصوليين, إلاّ من شذّ منهم, وهم من بعض أبناء العامة, وهم أيضاً استنكروا قول من يقول بأنّ التواتر لا يفيد العلم.
نعم بعضهم قالوا بأنّه يفيد علماً وجدانياً, كما ربّما يلوح من كلام الغزالي في كتابه المستصفى في علم الأصول, وبعض آخر ذكروا بأنّ التواتر يفيد الاطمئنان, أي يفيد علماً اطمئنانياً وليس علماً وجدانياً.
ولم يختلف أحد من العقلاء ممّن يعتنى بقوله وعقله في مجال العلم أنّ التواتر أفضل الأخبار وأحسن الأخبار, وهو العمدة في إثبات أمر بخبر.
ولا نتلف الوقت في إثبات أنّ التواتر يفيد العلم, ومعلوم أنّ طلابنا يدرسون في الحوزات أنّ التواتر ربّما يكون من اليقينيات, إذ أنّه في الكتب المنطقية البدائية بحث هذا, في الكتب التي ألّفها العامّة والخاصّة.
التواتر من الأمور التي يعتمد عليها العقلاء, بل تبتني عليها أمور الدين والدنيا في الجملة. هذا ممّا لا ينبغي الريب فيه.
إنما الكلام في بعض النقاط المهمة, فقد قالوا: التواتر قسم من الخبر, ويشترط في الخبر أن يكون المخبر يدرك المخبر عنه بأحد الحواس, كأن يرى بعينه أو يلمس بيده أو يسمع بأذنه وهكذا, هذا المعنى كأنّه اتفق عليه الكل.
ولكن هناك أمورٌ لا يمكن وصول الحواس الخمس إليها, أيّ من الحواس الخمس لا يمكن أن يصل إلى ذلك الشيء, فإذا كان الأمر من هذا القبيل لا يمكن للحواس الوصول إليه, فكيف يمكن إثباته بالأخبار أو بالشهادة أمام القاضي أو بالخبر الواحد أو بالخبر المتواتر؟!
فمثلاً عدالة العادل كيف يمكن إثباتها؟ خصوصاً بناءً على المعروف من أنّ العدالة ملكة, فكيف يشهد الشاهد بأنّ زيداً عادل، وكيف يمكن إثباته؟ فقالوا: إنّ هذا المخبر يعاشر زيداً معاشرةً تكشف عن خبيّات حاله بحيث يطمئن هذا المخبر _ هذا الشاهد _ بعدالة زيد, فإنه يُصبح مطلعاً ومطمئناً من عدالته من خلال ما يشاهد من حالات وشؤون زيد والعمل والمواظبة.
إذن من هذا ماذا نستفيد؟ نستفيد أنّه إذا كان المخبر عنه أو المخبر به من الأمور الملموسة أو المحسوسة فالمخبر يشاهده, فمثلاً يقول: رأيت زيداً مدّ يده إلى قفل فكسره وسرق الأموال التي كانت محروزة فيه، وأما إذا كان الخبر عن أمرٍ غير محسوس, فالشهادة والإخبار يتم تحملهما بالمعاشرة, أي بمشاهدة أمور, وتكون تلك الأمور مفيدة للاطمئنان أو العلم بأنّ هذا الفعل قد حصل كما في عدالة زيد.
ثبوت الأنساب:
ولادة إنسان من إنسان من قبيل الأمور غير المحسوسة, فمثلاً يقال: زيد ابن عمرو, هل يمكن معرفة تولّد زيد من نطفة عمرو؟! وهل يمكن إحراز ذلك بالمشاهدة؟ كلاّ, فإنّ ذلك مستحيل, لأنّ تولّد زيد من عمرو يمرّ بمراحل, وكثير من تلك المراحل لا يمكن إدراكها بأيّ من الحواس الخمس, وأمّا كون زيد من نطفة عمرو فإنّ الذي يمكن إثباته بالمشاهدة هو أنّ عمراً واقع زوجته فقط _ لأنّ المواقعة أمر محسوس _ وأنّه قذف في رحم زوجته, وهذا الذي يمكن إحرازه في بعض الأحيان بالحواس, ولكن أنّ زيداً تكوّن من نطفة عمرو, فلا سبيل لمشاهدة ذلك أبداً كيف يمكن ذلك؟ افرض أنّ عمرواً كان يواقع زوجته, من أين يثبت أنّ زيداً تولّد من نطفة عمرو؟ وكيف يمكن معرفته؟ لا يمكن ذلك أبداً.
بل بعض الفقهاء من العامّة والخاصّة قالوا بأنّ نسبة المتولّد على الفراش إلى صاحب الفراش هو بظاهر الإسلام؛ لأنّه لا سبيل لإثبات ذلك, إذ يمكن أن تكون قطرة من نطفة شخص وقعت في مكان وامرأة خالد جلست في ذلك المكان, والرحم يجذب المني من الخارج, فربّما يتكوّن الطفل من هذا المني الذي هو غير نطفة زوج هذه المرأة, وهذا احتمال وارد.
هذا ماذا يثبت لنا؟ يثبت أنّه لا يمكن الإحراز بأحد الحواس الخمس أنّ فلاناً متولّد من نطفة فلان.
هذه مرحلة, ثمّ بعد ذلك انتقلت النطفة إلى رحم الأم, والمراحل التي تلي ذلك من أين ندركها؟ حتى لو كانت المرأة عادلة مؤمنة صالحة تمام الصلاح, إذ أننا قلنا بأنّ الرحم يجذب المني.
بل من باب تقريب المطلب نقول: بأنّ لأبي حنيفة فتوى نقلها الحنفية وغيرهم, والفتوى موجودة في كتاب المغني لابن قدامة(3) وغيره, وهذه الفتوى معروفة, وهي أنّ شخصاً في المشرق تزوّج امرأة في المغرب وبعد فترة هذه المرأة جاءت بولد ولم ير أيّ منهما صاحبه, قال: لا يحق لذلك الزوج أن ينكر ولادة هذا الولد من عنده! لماذا؟ يقول: لعلّ الهواء حمل النطفة وأوقعها في منطقة معيّنة, وكانت تلك المرأة هناك وجذب رحمها تلك النطفة, فإذا أنكر الرجل كان السبيل اللعان.
ماذا يثبت لنا من هذا كلّه؟ يثبت أنّه لا سبيل ولا يمكن إثبات ولادة شخص من شخص بالمشاهدة.
أقصى ما يمكن أن يشاهد الإنسان أنّ فلاناً واقع زوجته وأنّ زوجته أنجبت, أي خرج الطفل من رحمها بعد فترة معينة، لا يمكن رؤية أكثر من ذلك, أي لا يمكن إثبات أنّ هذا متكوّن من فلان.
فكيف تثبت الأنساب إذاً؟ نفس الطريقة التي تثبت فيها العدالة كذلك نثبت النسب, كيف نثبت العدالة! قلنا: العدالة بناءً على أنّها ملكة, إنّما تثبت بالمعاشرة وبالمشاهدة للأمور التي تلازم عادةً الشخص التقي والعادل, كذلك هاهنا أمور ملازمة لصحّة النسب إذا شاهدناها فحينئذٍ يثبت النسب.
مثلاً يعترف الوالد بأنّ هذا ابنه, ويثبت أنّه ولد على فراشه, ويثبت أنّ الولد اعترف بأنه ابن فلان.
هذا الذي يمكن مشاهدته, هو خروج الطفل من بطن أمه.
وكذلك يمكن إثبات ذلك باعتراف كلّ من الوالد والولد, هذا الذي يمكن مشاهدته, وهذا الذي به تثبت الأنساب, وبغير هذه الطريقة لا سبيل إلى إحراز الأنساب أبداً.
وإلاّ على إحسان إلهي ظهير إذا لم يكتفِ بهذا _ وهو من أشدّ المتحمّسين الجدد وقبله ابن تيمية وقبلهما غيرهما _ عليه أن يثبت بالشواهد أنّه كان هناك من يشاهد بالنظّارة (بالمجهر) أو بالأشعة أنّه خرجت نطفة أبي إحسان إلهي ظهير من ظهره ودخلت إلى رحم أمّه, وكان هناك من يشاهد كلّ مراحل تكوينه إلى أن صار طفلاً مشؤوماً وبعد ذلك خرج, ثمّ تثبت الشهادة أيضاً أنّ أمّه لم تغيّره بغيره, هذا إذا كان هناك من يراقب طفولته ورداءته, وإلاّ فهو ليس ابن أبيه, أي ابن من ينسب نفسه إليه.
خلاصة الكلام في هذه المقدمة هو أنّ نسبة شخص إلى شخص وإثبات أنّ فلاناً ابن فلان منحصر في الشهادة على الاعتراف بأنّ فلاناً يعترف بأنّه ابن فلان وفلاناً يعترف بأنّ فلاناً ابنه, أو تشهد النساء أو غير النساء على أنّ هذا الطفل خرج من بطن أمّه.
بهذا فقط يثبت النسب إلى الأم، وأمّا إلى الأب فلا يمكن أن يثبت إلاّ بالاعتراف أو بظاهر الفراش الذي قلنا إنّما يثبت بحسب الظاهر.
هذه المقدّمة الأولى التي ينبغي أن نبقى على التفات لها في هذه المباحثة التي نعرضها للإخوان.
المقدّمة الثانية: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود:
هذه قاعدة عقلائية، إذا لم تكن عقلية.
فلو أنّ إنساناً بحث عن شيء في غرفة فلم يجده، فعدم وجدانه لا يعني بالضرورة عدم وجود ذلك الشيء في الغرفة, وخصوصاً إذا كانت هناك دواعٍ لإخفاء ذلك الشيء, أي وجود أسباب تدعو إلى إخفاء ذلك الشيء, ففي هذه الحالة عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود, مما لا ينبغي الريب في هذه القاعدة.
وعلى هذه القاعدة العقلائية, بل العقلية, رتّب علماء العامّة والخاصّة مطالب علمية كثيرة, وفي مختلف أبواب علم الأصول والفقه وغيرهما. من جملتها أنّهم قالوا: بأنّ الجارح يقدّم قوله على المعدّل, فمثلاً لو اختلف شخصان في عدالة أحد الرواة، أحدهما يعدّله _ يحكم بعدالته _ والآخر يحكم بفسقه, هاهنا من الذي يقدّم؟ قالوا: بأنّ الجارح يقدّم على المعدِّل, لأن الذي يحكم بعدالته _ بناءً على أنّ العدالة ملكة _ إنما يدّعي أنّه عاشر هذا الرجل من قريب ورآه في قيامه وقعوده وفي صلاته وصومه, وعاش معه في جواره, وكان له صديقاً لفترة طويلة ولم يجد منه إلاّ الحسن, أكثر من هذا لا يتمكّن أن يثبت. ومن هنا اكتشف أنّه عادل, وأما الجارح فيقول: أنا رأيته يشرب الخمر (العياذ بالله) أو يرتكب جريمة يعاقب عليها الشرع.
ففي تقديم قول الجارح على قول المعدِّل ليس تكذيباً لقول المعدِّل, بخلاف ما إذا رجّحنا قول المعدِّل, فإنّ فيه تكذيباً للجارح, لأنّ المعدِّل يقول بأنّه لا يرتكب, والجارح يقول أنا رأيته يرتكب المعصية, أنّه سمعه يدلّس في الأخبار مثلاً, أو أنه سمعه يفتري, أو ينسب خبراً إلى فلان مع أنّه لم يره لأنه ولد بعده بكذا فترة من الزمن فهو كاذب فلا بدّ أن يرفض خبره, والمعدِّل يقول بأنّه لم ير منه ذلك, فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
وعلى هذا الأساس قالوا بأن عدم وجدان المعدِّل صدور المعصية من هذا الشخص لا يعني أنّه لم تصدر منه هذه المعصية.
نعم إذا كان الله تعالى هو الشاهد على عدالة أحد أو عصمة أحد, فإنّ الله هو علاّم الغيوب, و هذا مطلب آخر, فكلامنا هنا حسب الموازين الظاهرية, وفي الموازين الظاهرية القاعدة العقلائية, بل العقلية, محكّمة في جميع شؤون العباد والبلاد, وهي أنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.
ومعظم أدلّة هؤلاء _ إحسان إلهي ظهير وابن تيمية ومن لفّ لفهم _ مبتنية على قول بعض أهل الأنساب ممّن حمل في طياته النصب لأهل البيت عليهم السلام حيث قالوا: لم يعلم له خبر, أو لم يعرف له ولد, وهذا يعني أنّنا لم نجده, وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
فهذه الأخبار إن صحّت, وهي _ كما سنثبت _ ليست صحيحة, معظمها أكاذيب إحسان إلهي ظهير وابن تيمية, نعم إن ثبتت فإنّما تدل على أنّ من أخبر ابن تيمية ومن أخبر إحسان إلهي ظهير لم يجد, لا أنه يتمكّن من إثبات العدم.
لا يمكن إثبات العدم, حيث إنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود, هذه قاعدة عقلية وإذا لم تكن عقلية فهي عقلائية, لا يمكن إنكارها, وقلنا بأنّ جملة وافرة من شؤون البلاد والعباد تبتني على هذه القاعدة, ولا نطيل أكثر من هذا في هذه القاعدة البديهية.
المقدّمة الثالثة: اشتراط عدم النصب:
ومن جملة المقدمات التي ينبغي أن ننظر فيها: نقطة وردت في كلام الغزالي في أواخر بحث التواتر, حيث قال: إنّ الروافض يشترطون في إفادة التواتر العلم بوجود المعصوم بين المخبرين...(4)
ليت شعري من اشترط ذلك؟! هذه كتب أصول المذهب وغيرها بين أيدي العامّة والخاصة, عدّة الشيخ الطوسي قدس سره, وكتب العلامة الحلّي في الأصول والفقه... وكتب غيرهم, كأنّ الغزالي _ كغيره _ يأخذ المذهب الجعفري وقواعده من أفواه الشوارع ولا يطّلعون على المبادئ التي حقّقها ومحّصها علماؤنا الأبرار.
وليس هذا من شرائط إفادة التواتر للعلم, إذ لم يشترطه أحد, لا من أبناء العامّة ولا من أبناء الخاصّة, نعم السيد المرتضى قدس سره علم الهدى أضاف شرطاً إلى الشرائط المعتبرة في إفادة التواتر العلم, وهو أنّ العقل إنما يستفيد من التواتر العلم إذا كان خالياً عن النصب والعداوة اتجاه شخص، وأما إذا كان في ذهنه العداوة والنصب والاعتقاد بأن الأمر ليس كذلك، فأنه كلما زاد المخبرون عن ما هو خلاف عقيدته زاد تعنتاً وعداوة ووحشية، كما هو حال أمثال ابن تيمية وإحسان إلهي ظهير, فعندما يرى أخباراً متواترة في ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف يزداد تعنتاً.
اشترط علم الهدى هذا الشرط القائل بأنّ التواتر يفيد العلم إذا لم يكن هناك في قلب من سمع الخبر نصب وعداوة _ هذا مضمون كلامه الشريف _ تجاه هذا الخبر, أمّا إذا كان مسبقاً معتقداً بأنّ الأمر ليس كذلك فمهما أخبره الناس عن هذا الخبر فلا يصدّقهم أبداً, فلا يحصل العلم بالخبر المتواتر, نعم هذا الشرط موجود, ولكن هو لم يشترط وكذلك لم يشترط غيره من علمائنا الأبرار أن يكون في المخبرين معصوم.
جاءت كلمة المعصوم في كلمات الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة,(5) حيث قال بأنّه لمّا أنكر جعفر أخو الإمام الحسن العسكري عليه السلام الولادة فإنّ هذا الإنكار لا يكون مفيداً للعلم مقابل الأخبار التي تثبت الولادة؛ لأنّه ليس معصوماً؛ إذ لو كان معصوماً لأمكننا الاعتماد عليها لنفي هذه الأخبار كلّها, ولكنه لما كان غير معصوم فلا قيمة لخبره في مقابل هذه الأخبار, وهذا شيء آخر غير ما ينسبه الغزالي في مستصفاه إلى المذهب الجعفري إذ يقول بأنّهم يشترطون أن يكون في المخبرين معصوم.
هذه بعض المقدّمات التي نحاول أن نحافظ عليها كمقدّمة لدفع الشبهات التي ذكرها أعداء أهل البيت عليهم السلام, أعداء الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وإن شاء الله البعض الآخر من المقدمات سوف نعرضها على الإخوة في الندوة القادمة.
والحمد لله رب العالمين
(الإجابة على أسئلة الندوة الأولى)
الأسئلة:
بعض الأسئلة التي وجّهها الحاضرون لسماحة الشيخ دام ظله, بعد انتهاء هذه الجلسة من الندوة التي استمرّت لثلاث ليالٍ.
س 1/ ما هي الطريقة لإثبات ولادة الحجة عليه السلام مع وقوعها بصورة سريّة؟
ج 1/ نعم, هذا السؤال هو الذي من أجل الإجابة عليه اجتمعنا في هذه الجلسة الميمونة, وبعد التمهيد لهذه المقدّمات نحاول أن نثبتها بالتواتر إن شاء الله.
س 2/ هل يؤمن أبناء العامّة بالمهدي عجل الله فرجه الشريف وأنّه سيظهر في آخر الزمان؟
ج 2/ نعم, هناك روايات كثيرة جداً جمعها علماؤنا في مؤلّفاتهم, مثل حلية الأبرار وغيرها, ومن الروايات المروية في كتب أبناء العامّة يظهر أنّهم يؤمنون أنّ في آخر الزمان سيظهر من ولد سيد الرسل من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً, والغريب أنّي لم أجد في رواياتهم أنّه يولد في آخر الزمان, بل كل الروايات تقول أنّه يظهر في آخر الزمان, وهذا اعتراف ضمني بوجوده, أي يظهر المختفي, لا أنه يولد.
س 3/ ما هو السرّ الكامن في خفاء ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف مع قدرة الله عز وجل على حفظه بطرق أخرى؟
ج 3/ هذا السؤال غريب, كان بإمكان ربّ العالمين أن يحفظ موسى بن عمران ظاهراً, ولكن لم يحفظه إلا خفياً مستوراً, وكذلك كان بإمكانه أن يحفظ عيسى بن مريم على وجه الأرض سالماً من القتل, لكنه لم يفعل إلا بإخفائه... الله لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
س 4/ ما هي الثمرة المترتّبة لأبناء العامة على إنكار ولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف؟
ج 4/ هذا مجرّد تشنيع على المذهب الجعفري وإبعاد للناس عن المذهب الحق, قائلين أنّ أبناء المذهب الجعفري يؤمنون بالخرافات, وأنّهم لا يؤمنون بأشياء معقولة, لا أكثر ولا أقل.
وإن آمنوا بوجود الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف يجب أن يؤمنوا بإمامة أبيه عليه السلام ثمّ الإمام عليّ الهادي عليه السلام وهكذا إلى الإمام الصادق عليه السلام وبهذا تنهار القصور الوهمية التي بنوها على آراء أئمّتهم الأربعة، فهم يحاولون المحافظة على تلك القصور الوهمية التي بنوها, ولذلك لا يعترفون وينكرون ذلك.
س 5/ ما حكم من أنكر ولادة الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ؟
ج 5/ هو منكر ضرورة من ضرورات المذهب, فلا يعتبر من الشيعة الإثني عشرية, ولا أحكم بكفره ولا بنجاسته.
س 6/ هل يشير القرآن الكريم إلى ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ؟
ج 6/ الآيات التي استدلّ بها على هذا ليست فيها صراحة على الولادة, ولكن هناك آيات تدل على أنّ الله سبحانه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... أمّا بصراحة فلا توجد آية أبداً.
س 7/ هل يؤمن أبناء العامّة بولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ؟ ولو كانوا يؤمنون بذلك فهل يصلح إيمانهم دليلاً على ولادته؟ أم يكون مجرد مؤيد لما ذهبت إليه الطائفة الحقة؟
ج 7/ أغلب علماء العامّة أنكروا وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, ولكن آمنوا أنّه سيظهر في آخر الزمان من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, وإذا كانوا يؤمنون بولادة الحجة عجل الله فرجه الشريف لما اجتمعنا في هذه الجلسة.
س 8/ هل يتواصل وجود بعض الوكلاء أو السفراء للإمام عجل الله فرجه الشريف في هذه السنوات العجاف؟
ج 8/ هذا السؤال لا مجال له, بعدما علمنا أنّه بعد وفاة السفير الخاص الرابع انقطعت النيابة الخاصّة وبقيت النيابة العامّة بالمعنى المعروف بين العلماء والمراجع.
س 9/ ألا تظنّون أنّ مصبّ الشبهات لأبناء العامة ليس مأخوذاً من ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف أو عدم الولادة, بل من وجود المصلحة وعدمها من غيبته, وهذا واضح من كتاب منهاج السنة وغيره؟
ج 9/ هناك فرق, عندهم شبهات في أصل الولادة وهناك شبهات أنّه كيف يبقى شخص في هذه المدّة, وهذه شبهة تختلف عن تلك الشبهة, وكلامنا في هذه الندوة في الشبهة الأولى المختصة بالولادة, وأمّا أنّه كيف يمكن أن يبقى فغريب, فالشيطان اللعين ولد أو خلق قبل آدم عليه السلام ولحد الآن هو موجود, فهل أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يبقي الشيطان هذه المدّة ولا يقدر أن يبقي شخصاً ولد بعد ولادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام!
س 10/ هل تحققت معظم علامات ظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ؟ وهل هذا هو زمن الظهور؟
ج 10/ علامات ظهور الإمام كما قرّر العلماء على قسمين: بعضها حتمي والآخر غير حتمي, العلامات الغير حتمية يحتمل أن يظهر الإمام عليه السلام بعدها وليس ذلك مؤكّداً، وهذه العلامات تقريباً كلها تحقّقت, وأمّا الحتمية فلم يظهر منها شيء لحدّ الآن.
أمّا بالنسبة لزمن الظهور فالإمام المعصوم عليه السلام قال: (كذب الوقّاتون).(6)
س 11/ لماذا كان الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف خصوص ابن الإمام العسكري عليه السلام, ألا  يمكن أن يكون شخصاً آخر يولد في آخر الزمان يرتبط به نسبياً؟
ج 11/ الإمكان موجود, ولكن الواقع هو خلاف ذلك, فإنّ الذي حدث هو أنّه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
س 12/ هل إنّ رؤية الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف في عصر الغيبة الكبرى ممكن وواقع أم لا, خاصّة مع ورود تكذيب مدّعي الرؤية؟
ج 12/ هناك اشتباه ربّما وقع الكثير فيه, وهو أنّ الذي ورد التكذيب في حقّه هو أن يدّعي أحد أنّه يلتقي به عليه السلام وهو رسول وسفير عنه أو مبلّغ عنه, هذا الذي ثبت تكذيبه أو كذبه بأمر الإمام عليه السلام, أمّا أنّه ربّما يتوفّق شخص ما بالتشرّف برؤيته فهذا ممكن جداً, ولا يجوز لمن  يحدث له هذا أن يخبر أحداً بذلك. (شبهات في طريق الولادة)
تذكير:
إنّ من هوان الدنيا على الله سبحانه أن نعقد الندوات في مثل هذه الندوة الميمونة لإثبات ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وهو الإمام الذي بشّر به الأنبياء عليهم السلام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام.
بل ووعد به ربّ العزة في كتابه الكريم على نحو الإيماء والإشارات: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... ) (7) ومعلوم أن هذه النبوءة وهذا الوعد لم يتحقق لغاية هذا اليوم ولا بدّ من أن يتحقق لأنه قد أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك، والروايات من الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يأتي من ولدي أو من ولد الحسين عليه السلام من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
والذي احتمله أن الداعي لأعداء أهل البيت عليهم السلام وأعداء الإمام عجل الله فرجه الشريف من إثارة مثل هذه الإشكالات أمران, حيث أنهم يتصوّرون _ وهذا دليل على ضعف مخيلتهم _ أنهم يتمكنون من الوصول إلى أحد الأمرين أو كليهما على سبيل (مانعة الخلو) كما يقال في التعبير العلمي:
أحدهما: أن يتمكنوا من صرف شيعة أهل البيت عليهم السلام عن الإمام عجل الله فرجه الشريف ، ولكن الله تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون أو المجرمون.
والأمر الثاني: حسب تخيّلهم, لجهلهم بمعنى الإمامة وعلم الإمام عليه السلام أو عن حقيقة الإمام أنهم يريدون بهذه الطريقة أن يتمكنوا من معرفة مقام الإمام عجل الله فرجه الشريف وموضع وجوده وشخصه الشريف, حتى يتمكّنوا من القضاء عليه.
وقفة على الشبهات:
وعلى كل حال, قدّمنا في الندوة السابقة بعض المقدّمات التي يجب أن ننتبه إليها في هذا الصدد، واليوم نشير إلى بعض الإشكالات الواهية التي ذكرها دعاة الضلالة مثل إحسان الهي ظهير وابن تيمية وغيرهما ممن استفاد من كلماته.
أهل النسب:
وقد لهج ابن تيمية وإحسان الهي ظهير وأصرّا وأكّدا أنّ أهل النسب نفوا وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام ، في كتاب الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير, ومنهاج السنة لابن تيمية، وحينما نطالع كلمات هذين الرجلين نريد أن نعرف من هو من النسّابة _ أي من علماء النسب _ الذين نفوا ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ؟ فكل واحد منهم يقول:
أكّد علماء النسب ولم يذكر واحداً منهم.
قبل أن استمر في هذا الكلام قلنا في الندوة السابقة:
إنّ عدم الوجود لا يدل على العدم, لو ثبت أنّ أحداً من علماء النسب نفى ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف, لم يكن في جعبته أكثر من أن يقول بأنّه لم يجد, وليس له أن يثبت العدم, وذلك لأنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
بعدما تابعنا كلمات هذين الرجلين الناصبيين _ ابن تيمية وإحسان الهي ظهير _ نجدهم ذكروا اسم شخص واحد وهو (النوبختي) صاحب كتاب فرق الشيعة (أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي), وهو من أعلام القرن الرابع حسب ما يعترف إحسان إلهي ظهير في كتابه الشيعة والتشيع، يعني أنه بعد أكثر من مائة وأربعين سنة _ تقريباً _ من ولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، يا لها من فضيحة, يا لها من خديعة, أنّ مثل هذا الشخص ابن تيمية وإحسان إلهي ظهير يلقبونه بتلك الألقاب وهؤلاء النسّابة معروفون بأنهم يذكرون النسب حسب اطّلاعهم, ويحذفون الإسناد، هذه كتب الأنساب بين أيديكم لا يذكرون الإسناد, لماذا؟ هم أعلم بذلك.
أوّلاً: حسب اعتراف إحسان الهي ظهير, أنّ هذا الرجل من أعلام القرن الرابع, وولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف سنة 256 هـ يعني أكثر من 140 سنة يوجد هذا الشخص ويذكر أنه لم يوجد للإمام العسكري عليه السلام عقب, وذلك حسب ادعاء إحسان إلهي ظهير.
علماً أنه هو لم يقل, وإنما إحسان الهي ظهير هو الكاذب في ادّعائه كما سنذكر عبارة هذا الرجل ولكن إن صحّ ما يقوله إحسان, إذ لعلّ عنده نسخة نحن لم نطلع عليها مثلاً.
يقول: إن هذا الشخص من أعلام القرن الرابع من علماء النسب وهو يؤكد أنه ليس له ولد.
إذن هنا ملاحظتان:
الأولى: أن الرجل حسب اعتراف إحسان ولد بعد أكثر من مائة سنة من ولادة الحجة عجل الله فرجه الشريف.
والثانية: لم يذكر سند دعواه, كيف يدّعي أنه لا عقب للإمام العسكري عليه السلام ؟ من أين يعرف هل نزل عليه الوحي, أم رأى في عالم الرؤيا؟
الظاهر أن إحسان الهي ظهير جاهل حتى بعلماء النسب, فإن هذا ليس من علماء القرن الرابع, بل هو من علماء القرن الثالث, فقفز به قفزة قرن كأنه أراد أن يضرب رأسه بفأسه مثلما يقال يريد أن يستند إلى من يقول بأنه من علماء القرن الرابع وهو من علماء القرن الثالث, غريب...! هكذا هم أعداء أهل البيت عليهم السلام دائماً يتخبّطون.
على أي حال، هذا الرجل ينسب إليه أنه يؤكد أن لا عقب للإمام العسكري عليه السلام. وهذه هي العبارة التي يريد أن يستفيد منها هذا الرجل الناصبي بأنه لا عقب للإمام العسكري عليه السلام.
فيقول عن طريق الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
(ولد الحسن بن عليّ عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة 232هـ وتوفي في سرّ من رأى (سامراء) يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأوّل سنة 260هـ ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام وهو _ أي الإمام الحسن العسكري _ ابن 28 سنة وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل، وكانت إمامته خمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام, وتوفي ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر).(8)
لم يقل لم يولد له ولد, بل قال: لم ير أثر.
يا إحسان إلهي ظهير افتح عينيك يقول (لم ير له أثر) ولم يقل: لم يلد ولم يولد له أثر، بل يقول: ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد، ولم يقل لم يولد ولد له وإنما قال: لم يعرف له ولد ظاهر.
هذه عبارة هذا الرجل الذي لهج بذكر اسمه هذان الناصبيان _ ابن تيمية وإحسان الهي ظهير _ وقالا بأنّه نسّابة وانه يؤكد انه لا ولد للحسن العسكري عليه السلام, هذه عبارته فهو يقول لم يعرف له ولد ظاهر, ونحن أيضاً نقول: ليس ولد ظاهر الآن أنا وأنتم نقول ليس له ولد ظاهر معروف, هذا نعرفه.
تقسيم الميراث:
يقول إحسان إلهي ظهير: قُسّم ميراث الإمام العسكري عليه السلام بين أخيه وأمه.
ويرد على قوله أوّلاً: على خلاف قاعدة مذهب الجعفريّة إذ مع وجود الأم كيف يأخذ الأخ الحصّة من الميراث؟ يقول: (فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه) أي أنّ هناك كانت مواريث لم تكن ظاهرة ولم يعلم أين ذهبت.
وأمّه وهي أمّ ولد فإن كانت ما زالت على رقّيتها فليس لها ميراث وإن كانت قد تحرّرت _ هذا واقع الحال فهي قد أصبحت حرة بواسطة حرية ولدها وهو الحسن العسكري عليه السلام... فالميراث كله لها وليس لجعفر ميراث.
وفي رواية أخرى أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد أوصى بالمال الظاهر إلى أمه لتعيش منه مدة حياتها,(9) ولم تكن هناك مسألة ميراث.
يقول هذا الرجل: في هذه الحالة تحيّرت الشيعة, أي أنّ عامة الشيعة تحيرت وذهب كل قسم منهم إلى رأي, فيذكر هناك الآراء التي ظهرت بين الشيعة حين ذاك، ويذكر ثلاث عشر أو أربع عشر فرقة أصبحت حسب رأي إحسان إلهي ظهير.
أما هذا الرجل النسّابة _ أي النوبختي _ الذي قالوا بأنه ينفي وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام فعبارته في حديثه عن الفرقة الثانية عشر كما يلي:
يقول: (قالت الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية ليس القول كما قالت هؤلاء كلّهم _ الفرق الأخرى _ بل لله عز وجل في الأرض حجّة من ولد الحسن بن عليّ عليه السلام, وأمر الله تعالى بالغ وهو وصي لأبيه، على المنهاج الأوّل والسنن الماضية ولا تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجوز ذلك, ولا تكون إلاّ في عقب الحسن بن عليّ عليه السلام إلى أن ينقضي الخلق، متّصلاً ذلك ما اتّصلت أمور الله سبحانه وتعالى، ولو كان في الأرض رجلان لكان أحدهما الحجة، ولو مات أحدهما لكان الآخر الحجة ما دام أمر الله ونهيه قائمين في خلقه ولا يجوز أن تكون الإمامة في عقب من لم تثبت له إمامة (يقصد جعفر)، ولم تلتزم العباد به حجة ممن مات في حياة أبيه _ أيّ ممن قال بإمامة من توفي قبل الإمام الحسن عليه السلام _ ولا في ولده، ولو جاز ذلك صلح قول أصحاب إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ومذهبهم، ولثبتت إمامة محمّد بن جعفر عليه السلام إذن، وكان من قال بها محقاً بعد مضي جعفر بن محمّد عليه السلام ).(10)
يقول هذا الرجل صاحب الكتاب الذي ينسب إليه إحسان ظهير ما نسب وكذلك ابن تيمية ما نسب، يقول:
(وهذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الصادقين، الذي لا تدافع له بين هذه العصابة ولا شك فيه لصحة مخرجه وقوة أسبابه وجودة أسناده، ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة ولو خلت ساعة لساخت الأرض ومن عليها، ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق كلها فنحن مستسلمون بالماضي، وإمامته، مقرّون بوفاته _ وهذا ثابت _ ومعترفون بأن له خلفاً قائماً من صلبه، وأنّ خلفه هو الإمام من بعده حتّى يظهر ويعلن أمره ما ظهر وعلن أمر من مضى من آبائه ويأذن الله بذلك، إذ الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهوره وخفائه، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (اللهم إنّك لا تخلي الأرض من حجة لك على الخلق ظاهراً معروفاً أو خائفاً مستوراً أو مغموراً كي لا تبطل حجتك وبيناتك) (11) وبذلك أمرنا جاءت الأخبار الصحيحة عن الأئمّة الماضين عليهم السلام الماضين، لأنه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله تعالى ويقضوا بلا علم لهم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يأمر بذلك هو عليه السلام إذ هو عليه السلام خائف مغمور مستور بستر الله سبحانه وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل ولا يجوز لأن في إظهار ما ستر عنا وكشفه إباحة دمه ودمائنا، وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنهما وصيانتهما ولا يجوز لنا ولا لأحد أن يختار إماماً برأي واختيار... إلى أخر كلامه الشريف).(12)
هذا هو مذهب النوبختي إخوتي الأجلاء، وهذا استدلال إحسان إلهي ظهير واستدلال ابن تيمية أن هذا الرجل النسّابة يذكر ويؤكد أن لا عقب للإمام العسكري عليه السلام ، وهو يقول بإمامة الحجة عجل الله فرجه الشريف... هكذا يفعل هؤلاء.
كيف ما كان، هذا أهم ما يستند إليه هؤلاء في قولهم بأن النسّابة أكدوا أن لا ولد للإمام العسكري عليه السلام ، في الوقت الذي نرى فيه أن ذلك النساب يؤكد أنّ للإمام العسكري ولد وهو المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
الاختلاف في المولد:
ومن جملة إشكالاتهم أنه اختلف في مولد الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، وهذا دليل على عدمه.
وهذا غريب، حيث استدلوا على أن الاختلاف في ولادة دليل على عدمها، أليس المسلمون اختلفوا في ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
أليس القرآن الكريم قد شهد باختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف؟! ليس في تاريخهم بل في أنفسهم يقول: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ...)(13) فهل يعني أن أصحاب الكهف غير موجودين.
إنكار جعفر:
ومن جملة أدلتهم _ بل نقول سخافاتهم _ يقولون: لو كان له ولد لعلم أخوه جعفر، لأنّه أقرب الناس إليه، لكنّه أنكر وادعى الإمامة.
ونحن نقول لإحسان إلهي ظهير: إنكار عمّ النبي لرسالته هل يصلح دليلاً على عدم نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
لماذا إنكار قحافة لخلافة ابنه لا يعدّ دليلاً على عدم خلافته؟ لقد أرسل أبو بكر إلى أبيه وقال له: لقد بايعني الناس وأنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: كلامك متناقض تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقول الناس اختاروني! اخرج من الأمر الذي أنت لست أهلاً له، لما اختارك الناس وفيهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال: أنا أكبر منه سناً، قال: أنا أبوك أكبر منك سناً، إذا كانت الخلافة بكبر السن فأنا أكبر منك وإذا كانت في العمر كان سلمان الفارسي أكبر منهم.(14)
إن كان إنكار جعفر لولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف دليلاً، كذلك إنكار قحافة يكون دليلاً على عدم خلافة أبي بكر.
الاختلاف في اسم الأم:
ومن جملة إشكالاتهم وسخافاتهم اختلافهم في اسم أمّ الإمام المنتظر. هذا من جملة الأدلة.
أوّلاً: اختلاف الأسماء أو تعدد الأسماء إن كان دليلاً على العدم فإنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، بناءً على أن الأسماء توقيفية، وإلاّ فهي غير محصورة كما ورد في دعاء الجوشن الكبير, هل يعني هذا أن الله تعالى غير موجود (العياذ بالله).
من هوان الدنيا أن يكون ويعبر عن هؤلاء الأشخاص بأنهم علماء ومحققون للمسلمين.
يقولون لا، ليس تعدد الأسماء بل اختلاف الأسماء، فقد قيل اسمه كذا وقيل: كذا وكذا.
وقد نسى إحسان الهي ظهير وابن تيمية أن هناك رواية صرحت بتعدد أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف باعتبارات متعددة, وليس هناك اختلاف في اسمها بل لها أسماء متعددة، كما للزهراء سلام الله عليها وكذلك لعائشة.(15)
وتعدد الأسماء لا يقتضي عدم وجودها على من كان له خبرة بالتاريخ ولو بسيطة جداً، إن الجواري كانت تتعدد أسماؤها غالباً، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أمّ ولد، كما أنّ أمّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام أمّ ولد.
وتعدّد الأسماء كان له أسباب وكانت الأسباب حسب الجارية، إما لعفتها أو لنزاهتها وغيرها، وربما تعددت الأيدي على ملكها، ويستحب تغيير اسم المملوك عندما يشتريه المشتري، ولذلك ربّما تعددت الأسماء لهذا السبب، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف كانت في بلد النصارى وكان لها اسم بلغتها ثم هي أخفت اسمها وسميت باسم جديد لها في الطريق، ثم الإمام عليه السلام سماها باسم آخر.
وهناك وجوه أخرى وردت في الرواية لماذا تعددت أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.(16)
عدم الظهور:
ومن أدلتهم على عدم وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أنه لو كان موجوداً لظهر إلى العيان.
وهذا عين دليل الملاحدة الذين ينكرون وجود الله سبحانه قائلين بأنّه لو كان الله موجوداً لرأيناه. وهناك أحد الملعونين في الاتحاد السوفيتي السابق يقول: صواريخنا وصلت إلى القمر وما وراء القمر لم تر الله سبحانه وتعالى.
وما ورد في القرآن الكريم: (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَْسْبابَ) (17) أي سلماً عالياً أرى إله موسى عليه السلام.
اختفاء الإمام عليه السلام:
ومن جملة خرافاتهم أنه لو كان موجوداً ما كان هناك داعٍ للاختفاء.
ونحن نقول: لماذا أخفى الله سبحانه وتعالى آثار أهل الكهف؟ ولماذا أخفى ولادة موسى بن عمران عليه السلام ؟ أفهل كان سبحانه وتعالى عاجزاً عن حماية موسى عليه السلام من فرعون إلاّ بالإخفاء (العياذ بالله).
هذه أبرز الإشكالات، وعمدتها كان هذا الكتاب، وهو كتاب فرق الشيعة للنوبختي (رضوان الله تعالى عليه).
إثبات الولادة:
في الواقع أن هذا الرجل _ النوبختي _ هو من كبار علماء الشيعة، كما أكّد النجاشي(18) وغيره, وكان معروفاً بالتدين والورع والعفة والصلاح والخبرة وغير ذلك، ولكنهم أرادوا أن يتشبثوا بهذا.
قلنا في الندوة السابقة بأنّ انتساب إنسان ما إلى والده لا بدّ أن يكون بذكر اللازم فقط، وإلاّ نفس الانتساب وإقامة البينة عليه, وإقامة الشهادة عليه مستحيلة، لأنه كيف يعلم أن زيداً ولد من نطفة عمر, هذا لا يمكن مشاهدته، بل أكثر ما يمكن الشهادة عليه هو أن والده واقع زوجته وبعد تسعة أشهر خرج من بطن أمه, وخروجه من بطن أمه يثبت بنوته لأمه ولا يثبت بنوته لأبيه، إلاّ أن يثبت أنّ هذه النطفة خرجت من فلان ودخلت إلى رحم فلانة، ولا طريق لإثباته من طريق الحواس الخمس، وليس له طريق إلاّ بإثبات اللازم بالشهادة, الأم تقول: إنّ هذا ابن فلان، الأب يعترف أن فلان ابنه، الابن يعترف أنّ فلاناً أبوه ولم يكن له مانع.
والفراش يعتبر علامة شرعية بحكم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش) (19) وذلك حينما يدعي غيره.
وأمّا أصل الإثبات فلا يكون إلاّ بالاعتراف من الوالد أو الولد أو الأم.
أما إثبات نسبته للأم فيمكن ذلك بشهادة القابلة، وبشهادة من حضر من النساء أو غير النساء عند خروج الطفل من بطن أمه.
فإنّ هناك روايات متعددة من رواة متعددين تحمل شهادة حكيمة عليها السلام أنّها كانت حاضرة في خدمة أم الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، ليلة ولادة الإمام المنتظر عليه السلام فولد عليه السلام.(20)
وطائفة أخرى من الروايات تذكر شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام حيث قدّم ولده الشريف إلى الخاصة من شيعته وقال: (هذا إمامكم بعدي وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ).(21)
هاتان طائفتان من الروايات، وهناك طائفة ثالثة تروي اعتراف الأئمّة السابقين، فمثلاً إمام يقول: كذا جيل بعدي يكون السابع أو التاسع من أولادي إمام، أي يحدد العدد.
وبعض الروايات: عن الإمام الرضا عليه السلام ،(22) أو عن الإمام الصادق عليه السلام ،(23) والبعض الآخر عن الإمام الكاظم عليه السلام (24) كلها تثبت ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف.
وقلنا: الولادة والنسب يثبت بإثبات اللازم فقط ولا يحتاج إلى تكوّن الولد من النطفة، وإلاّ فعلى إحسان إلهي ظهير أن يثبت إنه ابن والده أو ابن تيمية.
وعليه لا سبيل للإثبات إلاّ عن هذا الطريق.
فتكون عندنا ثلاث طوائف من الروايات:
طائفة عن الإمام العسكري عليه السلام قال فيها بأنّ هذا ابني وهو إمامكم بعدي.
وطائفة ثانية تنتهي إلى حكيمة عليها السلام وشهادتها بذلك، وشهادة النساء بخصوص الولادة مسموعة.
وطائفة ثالثة ترجع إلى الأئمّة عليهم السلام الذين أخبروا أنّه بعد العدد الفلاني من الأئمّة يكون الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، أو يكون منه الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
مما يثبت أن الروايات متواترة، لأنّها روايات من أشخاص متعدّدين مختلفين لا يعرف أحدهم الآخر، فكل منهم يدخل في سند مستقل عن الآخرين.
أما أخبار الأئمّة عليهم السلام ففي عقيدتنا أنّهم يخبرون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنهم أئمّة، وأنهم أولياء أمر, وأنهم معصومون، فعندما يذكر الإمام الرضا عليه السلام أنّ فلاناً بعد فلان وبعد فلان فلان من ولدي فالإمام الرضا عليه السلام _ حسب مسلكهم _ لا يعلم الغيب ولكن يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ التسلسل الفلاني من ولده يكون هو الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، وهذا أكبر شاهد ودليل على ولادته سلام الله عليه.(الإجابة على أسئلة الندوة الثانية)
الأسئلة:
س 1/ هل يمكن القول أن الإمام منذ ولادته هو إمام ولا يمكن له تحمل أمور الإمامة حتى وفاة الإمام الأب؟
ج 1/ ينبغي أن نعلم أن كل إمام لاحق يجب عليه إطاعة الإمام السابق، والإمام السابق كما هو إمام على باقي الناس كذلك هو إمام على ولده وابنه الإمام، فمثلاً كما كان أمير المؤمنين عليه السلام إماماً على الناس كذلك كان إماماً على الحسن والحسين عليهما السلام.
س 2/ حديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (أنّ الأئمّة بعدي اثنا عشر إماماً كأسباط بني إسرائيل)،(25) ألا يعتبر هذا دليلاً على وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف خلافاً إلى ما ذهب إليه إحسان إلهي نظير وابن تيمية؟
ج 2/ هذا ليس هو مورد الإشكال، إذ أنّ الإشكال لم يكن في عدد الأئمّة، ولكن الإشكال في أن الإمام الثاني عشر ولد أم لم يولد. فلا يمكن جعله دليلاً.
س 3/ إذا كان جعفر أخو الإمام العسكري عليه السلام يعلم يقيناً أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسنين عليهما السلام فكيف يقنع الشيعة وهم عالمون بهذا الأمر بإمامته لو لا تأكده من عدم وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف؟
ج 3/ هذا السؤال غريب وغير واضح، فكيف تمكّن السامري من إقناع بني إسرائيل بأن ربهم هذا العجل؟! هذا أوّلاً، وثانياً قصة جعفر فيها كثير من الغموض لا يسع الوقت لذكرها.
س 4/ البعض يقول: إن ما يحصل في الآونة الأخيرة لهو دليل أو علامات على ظهور الحجة عجل الله فرجه الشريف؟
ج 4/ علامات ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف مذكورة ومحددة في الكتب، بعضها حتمي وبعضها غير حتمي، أما الغير حتمي فأغلبها تحققت، وأما الحتمي فلم يحدث منها شيء، وأما اختلاف الناس والشيعة فهذا المعنى حاصل منذ القدم وليس بشيء جديد.
س 5/ هل هناك من يتصل بالإمام عجل الله فرجه الشريف في زمن الغيبة بالمباشرة؟ أم أن اللقاءات الواردة مع الإمام عليه السلام حاصلة ولكن لا يعلم الذي التقى به أنه الإمام عجل الله فرجه الشريف ؟ ما هو المانع من الاتصال بالإمام عجل الله فرجه الشريف بالمباشرة على فرض عدم الإمكان من الاتصال به؟
ج 5/ أوّلاً: قلت في الجلسة السابقة أن الأمر الممنوع هو إدعاء السفارة الخاصة، بأن يدّعي شخص أنّه السفير الخامس، بعد أن ثبت أنّ السفراء الخاصين هم أربعة فقط.
وأمّا الرؤية فممكنة كما حصلت لبعضهم، كما نسب أيضاً لبعض الأعلام، ولكن عليه أن يخفي ولا يظهر ذلك إلاّ إذا أمره الإمام عجل الله فرجه الشريف بإظهاره. ولكن معظم ما روي من القصص أنه انتبه أن الشخص الذي ألتقاه هو الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف بعد ما فارقه، ونقل أن شكل الإمام عجل الله فرجه الشريف لا يثبت في فكر الرائي أبداً فلا يستطيع أن يحدد شكله عند رؤيته ثانياً، لأن الله تعالى يريد إخفائه.(إثبات التواتر في ولادته عليه السلام)
لقد كان الكلام في دفع الشبهات التي خاض فيها أعداء أهل البيت عليهم السلام حول ولادة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف, كما قلنا في البحث السابق, وقد استمعنا للشبهات التي أثارها شخصان _ في الواقع _ هما ابن تيمية الحراني الدمشقي, والثاني إحسان إلهي ظهير _ وهو من وهابية باكستان _ هذان الشخصان حاولا إثارة الشبهة أكثر من غيرهما, وقد بيّنا في الجلسة السابقة بعض تلك الشبهات التي يعتبرها بعض البسطاء أنها الدليل والمدرك على تأييد ما قالوا.
واليوم نحاول إثبات التواتر في ولادة  الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف.
وقلنا في الجلسة السابقة: إنّ الروايات التي يمكن اللجوء إليها لإثبات التواتر على ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى والثانية:
وهي التي تنقل كلمات الأئمّة عليهم السلام في تحديد هذا المولود المبارك، وأنه ابن العسكري عليه السلام. والروايات في هذا الشأن كثيرة جداً جداً، وكثير من هذه الروايات اكتفت بالإشارة إلى صفات الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف بأنّ له غيبة, والناس يتحيرون فيه من طفولته.
نحن نأخذ من تلك الروايات التي تحدد بأنه ابن الإمام العسكري عليه السلام لنؤكد كذب مدّعاهم, وما قاله إحسان إلهي ظهير وابن تيمية بأن الحسن العسكري عليه السلام توفي وهو عقيم.
هذا كذب وافتراء، فالروايات كثيرة جداً, وسنذكر منها بعض ما يشير إلى أنه ابن الإمام العسكري عليه السلام وأنه الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام.
وللاختصار نذكر بعضاً منها فهذا المقدار يكفينا لإثبات التواتر, كما سيتضح في نهاية الكلام إن شاء الله.
يروي الشيخ الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة: أنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بعدما اضطر إلى مهادنة ابن هند _ معاوية _ قال: (إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره... ). (26)
الأوّل الإمام عليّ عليه السلام والثاني الإمام الحسن عليه السلام والثالث الإمام الحسين عليه السلام والتاسع من ولده الإمام المنتظر عليه السلام.
وعبارة الإمام المنتظر عليه السلام لتحديد وصف التاسع، وهذا يعني أنه قد ولد, لأن الثامن وهو الإمام الحسن العسكري عليه السلام هو وآباؤه الطيبون في الجنّة فيكون الإمام المنتظر عليه السلام التاسع.
وكذلك بسند معتبر في إكمال الدين وإتمام النعمة, قال الحسين بن عليّ عليه السلام: (في التاسع من ولدي سنّة من يوسف سلام الله عليه).(27)
وفي رواية أخرى قال: (قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي _ التحديد بالتاسع _ وهو صاحب الغيبة).(28)
وكذلك عن سيد الشهداء عليه السلام قال: (منّا اثنا عشر مهدياً أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها, ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون, له غيبة يرتد فيها أقوام, ويثبت على الدين فيها آخرون), فيؤذون ويقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ), أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).(29)
وهناك روايات أخرى عن سائر الأئمّة عليهم السلام, نكتفي بالإشارة إلى بعض منها فقط.
عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال : (القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا: لم يولد بعد _ وكأنّ الإمام يدري سيأتي إحسان إلهي ظهير وينكر ولادته _ ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة.(30)
وعن الإمام الباقر عليه السلام:
قال الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة بسنده عن أم هانئ الثقفية وهي امرأة شريفة معروفة في ذلك الوقت.
قالت أم هانئ: قلت: يا سيدي ما معنى قول الله عز وجل: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (31) قال: (نعم المسألة سألتيني يا أم هانئ، هذا مولود في آخر الزمان هو المهدي من هذه العترة, تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام, ويهتدي فيها أقوام, فيا طوبى لك إن أدركتيه, ويا طوبى لمن أدركه).(32)
وعن الإمام الصادق عليه السلام روايات كثيرة بهذا المعنى.
منها: معتبرة صفوان بن مهران عن الصادق عليه السلام أنه قال: (من أقرّ بجميع الأئمّة عليهم السلام وجحد المهدي عليه السلام كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نبوّته. فقيل له: يا بن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم  تسميته).(33)
رواية أخرى بسند ابن محمّد الحميري في حديث طويل يقول فيه: (قلت للصادق عليه السلام: يا ابن سول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحّة كونها. فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: (إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي, وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان وخليفة الرحمن. والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر, فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(34)
هكذا كان الأئمّة عليهم السلام يعلمون بتعليم الله تبارك وتعالى.
قال الصادق عليه السلام: (إن الله تعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا, فقيل له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين, آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجّال ويطهر الأرض من كل جور وظلم).(35)
ورواية عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنّكم أحد عنها.
يا بنيّ إنه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. إنّما هي محنة من الله عز وجل امتحن الله بها خلقه, ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا لاتبعوه.
فقلت: يا سيدي ومن الخامس من ولد السابع؟
فقال: (يا بنيّ عقولكم تضعف عن ذلك, وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه).(36)
وهناك رواية في إكمال الدين وإتمام النعمة أيضاً عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:
(سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا عليّ بن موسى عليه السلام قصيدتي التي أوّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة            ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج         يقوم على اسم  الله والبركات
يميّز  فينا  كل  حقّ وباطل         ويجزي  على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً, ثم رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين, فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ فقلت: لا، يا مولاي إلاّ أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني, وبعد محمّد ابنه عليّ, وبعد عليّ ابنه الحسن, وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته, المطاع في ظهوره, لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وأما (متى) فإخبار عن الوقت, فقد حدّثني أبي, عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: مثله مثل الساعة التي لا يجليها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة.(37)
وهناك روايات عديدة عن الإمام الرضا عليه السلام بهذا المعنى.(38) وعن الإمام الجواد عليه السلام ذكر الشيخ الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة: حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي الحسني قال: (دخلت على سيدي محمد بن عليّ الجواد عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره, فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم _ عبد العظيم الحسني كان يكنّى بأبي القاسم _ إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره, وهو الثالث من ولدي, والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة وخصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه, فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً, وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبي.
ثم قال عليه السلام: أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج).(39)
وهناك روايات أخرى عن الإمام الجواد عليه السلام والإمام العسكري عليه السلام. مؤدّاها واحد, فقد جاء في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة بسنده إلى محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه يقول: سمعت أبي يقول:
سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: (إنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه إلى يوم القيامة, وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية), فقال عليه السلام: (إنّ هذا حق كما أن النهار حق _ يعني كان الوقت نهاراً, فقال كما أن النهار هذا موجود فهو كذلك _ فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي, من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون, ويهلك فيها المبطلون, ويكذب فيها الوقّاتون, ثم يخرج, فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة).(40)
وهنالك روايات كثيرة عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن كل واحد من ولده الأئمّة الأطهار عليهم السلام, وهذه الروايات الصريحة التي ذكرناها هي بعض منها.
الطائفة الثالثة والرابعة:
وهي عبارة عن مجموعة من الروايات التي قمنا بجمعها, وقد دلّت على وجود أشخاص رأوا الإمام وهو طفل في حجر والده، كالسيدة حكيمة عمّة الإمام عليه السلام وأنها كانت قد شاهدت الولادة, أو خدم الإمام العسكري عليه السلام الذين رأوا الإمام عليه السلام وهو طفل في دار والده.
وهذه الروايات كثيرة, نذكر أسماء رواتها فقط، وهم:
محمّد بن العطار,(41) الحسين بن عليّ,(42) حكيمة بنت محمّد بن القاسم بن حمزة,(43) جعفر بن محمّد بن مسرور,(44) الحسين بن محمّد(45) وهذا بنفسه قد رأى الإمام.
وعن عليّ بن محمّد(46) أنه بنفسه رأى الإمام عليه السلام ، وكذلك إبراهيم بن محمّد بن عبد الله الذي يروي عن نسيم خادم الإمام الحسن العسكري عليه السلام ،(47) وكذلك بهذا السند جارية الإمام عليه السلام اسمها مارية.(48)
وقد ذكر الكليني رواية أخرى بسنده عن إبراهيم بن محمّد عن نسيم خادم الإمام عليه السلام.(49)
وأورد رواية أخرى عن نسيم أيضاً،(50) وعن محمّد بن العطار وغيره عن إسحاق بن رياح البصري عن أبي جعفر العمري رأى الإمام عليه السلام طفلاً في بيت  والده،(51) ومحمّد بن العطار عن عليّ الخيزراني عن جارية الإمام الحسن العسكري عليه السلام ،(52) والحميري عن محمّد بن عثمان العمري أنه رأى الإمام في حجر والده,(53) محمّد بن إبراهيم الكوفي والمطهري أبو حكيم الطرفي روى قصة رؤية الإمام عليه السلام,(54) وعن ابن وجناء الحسن رأى الإمام عليه السلام طفلاً في بيت والده,(55) وعن محمّد بن الحسن الكرخي يروي عن أبي هارون _ رجل من أصحاب الإمام عليه السلام _ أنه رأى الإمام عليه السلام في حجر  والده.(56)
ابن المفكر الحميري, محمّد بن إبراهيم عن عثمان بن سعيد العمري الذي رأى الإمام عليه السلام بنفسه.(57)
أحمد بن عبد الله مهران عن أحمد بن محمّد بن الحسن عن إسحاق القمي أنّه رأى الإمام عليه السلام بأمّ عينيه.(58)
عن عبد الله بن عباس العلوي والحسن بن الحسين العلوي, رأى الإمام عليه السلام في بيت والده.(59) أبو محمّد بن ضيرويه التستري وأبو سهل بن مرقد يروي عن عقيد خادم الإمام العسكري عليه السلام رأى الإمام في حجر والده.(60)
الصفّار يروي عن محمّد بن عبد الله المطهري عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ عليه السلام عمة الإمام العسكري عليه السلام تروي قصة الإمام،(61) حتى ابن زكريا يروي عن محمّد بن عليّ عن حكيمة بنت الإمام الهادي قصة ولادة الإمام.(62)
وكذلك الشيخ الطوسي في غيبته عن الشلمغاني _ قبل ارتداده _ يروي عن إبراهيم بن إدريس أنه رأى الإمام في بيت والده.(63)
هذه الروايات عن أشخاص مختلفي الطوائف ومن مختلف الأصقاع والأمصار, كلهم قد رأوا الإمام عليه السلام وهو طفل في حجر والده, والإمام عليه السلام يقول لهم: هذا ابني إمامكم وهو خليفة الله في الأرض وهو ابني وهذا هو الذي وعد الله سبحانه وتعالى أن يملأ الأرض به قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
فبعد هذه الشهادات كلها واختلاف الأشخاص واختلاف الرواة, ومع اختلاف الناس يمكن أن نحكم عادة باستحالة اجتماعهم واتفاقهم على الكذب.
وقد قلنا في معنى التواتر هو أن يحصل عدد الرواة في رواية بحيث عادةً يمتنع اجتماعهم على الكذب, ولا أتصوّر أن هذا النحو من التواتر تحقق واضحاً إلاّ لجده عليّ بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير. وكأنّ الله سبحانه أراد أن يتم الحجة على عباده بهذا التواتر الذي تحقق.
وملخّص القول: قد أصحبت لدينا أربع طوائف من الروايات:
الطائفة الأولى: وهي الروايات المشتركة عن المعصومين عليهم السلام من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام العسكري, وتذكر هذه الروايات الإمام الثاني عشر بصفاته وخصوصياته المختصة, وأنه من أولاد الإمام الحسين, وأنه يظهر الله الحق على يديه الشريفتين.
هذه الروايات فقط تذكر صفات الإمام سلام الله عليه كغيبته وحيرته وضلال الناس فيه وغيرها. هذه صفاته المختصة به دون سائر الأئمّة من آبائه سلام الله عليهم.
الطائفة الثانية: التي ذكر فيها أنه التاسع أو أنّه السابع... وهكذا, بل في بعض الروايات ذكر اسمه الشريف. وهذه الروايات وردت عن الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام وإلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام, إماماً بعد إمام, كلهم وردت الروايات عنهم  في هذه الطائفة.
الطائفة الثالثة: أولئك الذين رأوا الإمام عليه السلام وهو طفل في بيت والده أو في حجر والده الإمام العسكري عليه السلام.
الطائفة الرابعة: وهم الذين سمعوا من الإمام العسكري أو من خدام الإمام أو عمة الإمام ولادة الإمام.
وهذه الروايات لا يشترك بعضها مع بعض إلاّ نادراً, لأن الروايات مختلفة بالسلسلة, فهذه في سلسلة وتلك في سلسلة وهذه يرويها شخص وتلك يرويها شخص آخر, وهذه الظاهرة كانت موجودة إلى زمان كتابة إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق, وقد استمرت سلسلة هذه الروايات وسجلت في كتب أصحابنا مثل كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وكتاب الغيبة للنعماني وكذلك كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق والكليني وبعد ذلك صاحب البحار الشيخ المجلسي حيث قاموا بجمع هذه الروايات في كتبهم.
وبعد هذا التواتر ومع أجلى نصوصه هناك رواية معتبرة عن الإمام نفسه أنه ولد أو أنه ابن الإمام الحسن العسكري.
ومع ذلك يدعي ابن تيمية وإحسان إلهي وغيرهما من أصحاب الأقلام المأجورة في العصر الحديث بأن وجود الإمام عليه السلام خرافة والعياذ بالله.
مع المعاجز التي ظهرت عند ولادته سلام الله عليه، ولكن لأنهم يجهلون حقيقة الإمام يعتبرونه مثل أئمّتهم الذين يدرسون ويجتهدون كعامة الناس.
فهذه الأمور التي لا تدركها عقولهم التي طفحت بالنفاق, ولكن القلوب المملوءة بالإيمان تقبلها وتؤمن بها.
ولست أدري كيف يعتقد المنكرون لولادة المهدي عليه السلام بحياة إبليس والخضر إلى يومنا هذا, مع أن إبليس خلق قبل آدم والخضر عاصر موسى عليه السلام.
مع أنّ الشك في بقاء الإمام حياً إلى يومنا هذا, شك في قدرة الله سبحانه وتعالى، وما دامت الحياة والممات بيد الله سبحانه وتعالى، فإذا أراد الله أن يبقي شخصاً حياً إلى آخر الدنيا هذه قدرته سبحانه وتعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).(64)
ولا أظن بعد هذه المطالب المختصرة التي ذكرتها في خدمة إخوتي وأولادي وبخدمة من يصل إليه كلامي بأي طريقة أن يكون فيهم عاقل يشك بولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
اللهم اجعلنا من أنصاره والذابين عنه والمستشهدين بين يديه, اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة, اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد. (الإجابة على أسئلة الندوة الثالثة)
الأسئلة:
س 1/ البعض يدّعي أن هناك روايتين عن حكيمة عمّة الإمام العسكري عليه السلام تصرّح بولادة الحجة عجل الله فرجه الشريف لكنهما ضعيفتان سنداً ومختلفتان مضموناً, إذ تقول إحداهما: إنّ الطير هو الذي أخذه وغيبه والثانية ليس فيها ذلك؟
ج 1/ ذكر في إحدى الروايتين أن الطير أخذ الإمام لفترة وجيزة ثم إن الله سبحانه وتعالى أرجعه إلى أبيه الإمام الحسن العسكري، ولا تعارض بين الروايتين، إذ أن إحداهما تذكر هذا الأمر والأخرى لا تذكره. واختلاف الروايات في بعض الخصوصيات في قصة طويلة مع وجود كثير من الروايات الدالة على وجود الإمام المهدي لا يكون لها أثر أبداً.
س 2/ هل أن ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف له علاقة طردية بملأ الأرض ظلماً وجوراً, أي كلما ملئت ظلماً وجوراً اقترب ظهور الإمام؟ وهل هذا الإملاء للظلم والجور حتم، أي إن لم تملأ الأرض ظلماً وجوراً سوف لا يظهر الإمام؟
ج 2/ ليس المقصود من هذه الكلمات التي وردت في الروايات هذا المعنى. بل المقصود من ذلك أنه بعد ما طالت الفترة وطغى الطغاة على الأرض, وارتداد الناس والإجحاف الذي حصل بحق الدين وحماته امتلأت الأرض فساداً وظلماً, وهذا الامتلاء لا يمنع أن يكون هناك, أو يبقى هناك مؤمن, وإلاّ من أين يأتي الإمام عجل الله فرجه الشريف بأنصار له, فالمقصود من وراء ذلك أن المؤمنين من أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تأخذهم الحيلة ولا يأخذهم بذلك الضعف, حيث أن امتلاء الأرض لا يعني أنه لا يبقى حق, بل الحق يظهر ولو امتلأت الأرض ظلماً وجوراً وفساداً.
س 3/ هل يمكن التوفيق بين ما روي عندنا وما روي عند العامّة أن المهدي عجل الله فرجه الشريف يولد آخر الزمان ونحن نقول أنه مولود؟ ووجه التوفيق أن العامة عندهم السنة منحصرة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحين بشّر بالمهدي لم يكن مولوداً!
ج 3/ ليس هذا التزاماً بالروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ كما قلت في الجلستين السابقتين _ فكلها تقول يظهر, يولد آخر الزمان, ولكن ما هو المقصود بآخر الزمان؟ لقد وصف آخر الزمان بالقياس إلى عدد الأئمّة عليهم السلام فهو آخر الزمان, وكلمة آخر الزمان كلمة إضافية لا يمكن تحديدها. والذي ذهب إليه جمع وما قلته بخدمتكم في الجلسة السابقة والأسبق هو أن الروايات الواردة في كتب أبناء العامة كلها تقول: إنّه سيظهر, وهناك روايات تقول: ولد وسيظهر. بهذا تجتمع الروايات.
س 4/ وردت في دعاء العهد هذه الآية من القرآن الكريم: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (65) فما المقصود بفساد البحر؟
ج 4/ ليس هناك من يسكن، ولكن الأرض المتصلة والقارات المتصلة بعضها مع بعض عبّر عنها بالبر والناس الذين يعيشون في الجزر المحاطة بالماء عبّر عنهم بالبحر.
س 5/ قال أبو جعفر عليه السلام إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع به عقولهم وكملت به أحلامهم(66) إذا لم يكن للمعجزة دور في عصر الظهور فما هو الرد على هذا الحديث في قول الإمام: (وضع الله يده على رؤوس العباد)؟
ج 5/ نعم, بالعكس سُئل كثير من المحققين والعلماء: ما السبب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك أمير المؤمنين لم يتمكن من فتح الأرض كلها! وكيف يتمكن الإمام المنتظر من ذلك؟ فأجاب أن وسائل أمير المؤمنين والرسول كانت عادية طبيعية. والإمام المنتظر يكون مؤيّداً بالمعجزات والقوة الخارقة وبذلك يتمكّن من ملء الأرض عدلاً وقسطاً.
س 6/ كيف يمكن مواجهة الدول المسماة بالعظمى التي تملك أسلحة مدمّرة, القليل منها يدمر العالم فضلاً عن الكثير في حالة عدم تحقق المعجزة؟
ج 6/ ممكن أن ينتشر الإسلام في تلك الدول وتصبح هذه الأسلحة بأيدي المسلمين بدون تعب, أليس الله قادراً على ذلك!
س 7/ من المعروف من خلال الروايات أن النداء في شهر رمضان والظهور في شهر محرم ألا تشكل هذه الفترة بين الشهرين خطورة على الإمام عجل الله فرجه الشريف من قبل أعدائه؟
ج 7/ الله سبحانه وتعالى لا يسأل عمّا يفعل وهو سبحانه يفعل ما به مصلحة للإمام عجل الله فرجه الشريف.
س 8/ ما هو دورنا نحن المكلّفون في زمن الغيبة وخصوصاً في هذه الأيام التي امتلأت بالفتن؟
ج 8/ أشرنا سابقاً إلى أنّ علينا الالتزام بالدين والتقوى, وخصوصاً نحن طلاب العلوم الدينية نقدم لعامة الناس العون وبذلك نهدي الناس إلى الصراط المستقيم, والعمل معاً قولاً وفعلاً فردياً واجتماعياً.
س 9/ مع إمكان وإقرار رؤية الإمام فهل عاصرتم أو سمعتم ممن عاصرتموه برؤية الإمام عجل الله فرجه الشريف في مدة حياتكم الشريفة؟
ج 9/ قلنا في الجلستين السابقتين أنّنا منعنا من ذكر اسمه الشريف فضلاً عن ذكر اللقاء به, ومن رآه إن لم يسمح له الإمام عجل الله فرجه الشريف بذكره لا يجوز له أن يذكره. نعم سمعنا ذلك لعله أكثر من سماع ولكن لا يجوز التفوّه بذلك.
س 10/ ورد في الروايات أن الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف يقتل قتلة الإمام الحسين, فأين هم في زمن ظهوره؟ وورد في الأحاديث أنّه يقتل قتلاً كثيراً؟
ج 10/ هذه الروايات التي تتعرّض إلى خصوصيات أحداث ظهوره روايات مختلفة, ويصعب التكهّن بكل ما يحدث في زمان الظهور, وهذه الروايات التي ذكرتها من هذا القبيل, فلا يمكن التكهّن بما يحصل أيام ظهوره.
س 11/ ورد في الأحاديث أنه يظهر في عدد من السنين الفردية إلى غير ذلك، أفلا يعتبر هذا توقيتاً؟
ج 11/ ليس هذا توقيتاً, بل هو من قبيل القول بأنّه عجل الله فرجه الشريف يظهر في آخر الزمان, والتوقيت هو ذكر اليوم والشهر والسنة.
س 12/ الروايات التي ذكرتموها هل وردت في كتب أبناء العامّة مثل الصحاح وأنكروها أم لم ترد أصلاً؟
ج 12/ الروايات في كتب أبناء العامّة تشير أكثر من مرة إلى هذا المعنى, وهو أنه سيظهر. أما ولادة شخصه فالروايات في كتبهم شبه نادرة.
س 13/ يقال أن عدد أصحاب الإمام عجل الله فرجه الشريف بعدد أصحاب بدر، فهل هذا العدد هو عدد قادة الجيوش أم عدد الناصرين للإمام؟
ج 13/ لا أعتقد أن يكون عدد الناصرين منحصراً في (313) فقط لأنّ هذا غير مقبول عقلاً. وقد علمنا أن الإمام يريد أن يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بالقوة وبالسيف فيمكن أن يكونوا قادته حسب ميزاننا أو قادة جيوشه أو مثل ما يقال برلمانه المقدّس.
س 14/ ما اسم أمّ الإمام عجل الله فرجه الشريف ونسبها؟
ج 14/ وردت عدّة أسماء: نرجس وصيقل وصقيل وحكيمة وأسماء أخرى, ونسبها ينتهي إلى بعض حواريي عيسى بن مريم عليه السلام وكانت في بلاد الكفر والإمام بشّرها فأسلمت ثم هاجرت إلى البلاد الإسلامية في قصة طويلة مذكورة في الكتب.
س 15/ بالنسبة إلى أصحاب الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف (313) هل يمتازون بصفات مناصب أو مراكز اجتماعية أو مراكز رئاسية؟
ج 15/ لا يمكن التكهّن بذلك، هم أتقياء شرفاء, ومطيعون للإمام عجل الله فرجه الشريف, هذه صفة جامعة بينهم, أمّا غير ذلك فغير مذكور في الروايات.
س 16/ هل يشترط بهم الاجتهاد؟
ج 16/ لا يشترط الاجتهاد, إنّما يشترط التقوى والحكمة والشجاعة والبسالة والطاعة المطلقة.
س 17/ البعض يقول لأجل تقريب ظهور الحجّة لابدّ من أن ننشر الفساد والظلم في الأرض لكي نمهّد للظهور, فهل هذا الرأي صحيح؟
ج 17/ هذا من نفحات الشيطان, الله يكره الفساد ويكره المفسدين وسوف يأتي سلام الله عليه ويقطع رقاب المفسدين ويذهبون إلى النار بغير حساب.
س 18/ نأمل من سماحتكم ندوة أخرى حول إثبات إقامة دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وعلامات الظهور؟
ج 18/ علامات الظهور قسمان بعضها تحقق فلا نحتاج إلى البحث عنه, أما العلامات التي لم تتحقق وهي قليلة جداً مذكورة في كتب الأصحاب, مثل إكمال الدين وإتمام النعمة, والشيخ الطوسي أشار إليها أيضاً وكذلك صاحب كتاب الأمالي. ولا نحتاج إلى إقامة ندوة، فهذه علامات تكوينية والتكهن بها غير ممكن ولا يعلم بوقتها إلاّ هو.
س 19/ هل صحيح أن هناك روايات تذهب إلى أن الإمام المهدي يستشهد على يد امرأة؟
ج 19/ هناك رواية لم يثبت سندها. وقد قلت قبل قليل لإخوتي: لتكونوا على بيّنة أن الروايات التي تتعرض لبيان خصوصيات أعماله سلام الله عليه بعد ظهوره مختلفة وإثبات سندها مشكل, ولا يمكن الجزم بشيء من الخصوصيات الجزئية لما يحدث في زمان الإمام بعد ظهوره الشريف, إنما نقول أنه يكوّن حكماً إسلامياً حقيقياً لا يخاف في دولته أحد من المؤمنين.
س 20/ من هم الأبدال؟ وما هو السبيل والمنهج للوصول إلى هذه المرتبة العالية؟
ج 20/ لا سبيل إلى ذلك إلاّ تقوى الله, ويتم ذلك تحت إشراف وهداية وإرشاد رجل عاقل فاهم عالم حتى يرشد الإنسان إلى كيفية الالتزام بتقوى الله وكيف يسري إلى تزكية النفس وطهارة النفس، وكل ذلك يحتاج إلى البحث والعلم والفحص والعمل.
س 21/ ما هو رأي سماحتكم حول الولاية التكوينية للإمام عجل الله فرجه الشريف, مع توضيح الولاية!
ج 21/ الولاية التكوينية, هذه كلمة ترددت على ألسن الناس... إنّ الولاية التشريعية تعني تشريع الأحكام, فالله شرع الدين والأحكام على يد الرسول, والأئمة كانوا موضحين ومفسرين لتلك الأحكام, نعم إذا تمكن أحد من الأئمّة _ مثل أمير المؤمنين لفترة محدودة والإمام الحسن فترة وجيزة جداً أشهر فقط _ من إقامة سلطة ظاهرية يفتقر إلى تشريع بعض الأحكام, مثل قواعد المرور وقواعد الشرطة وقواعد الأمن والمخابرات ونحو ذلك, هذا المقدار من التشريعات بيد الإمام, وهذه من ملازمات الولاية العامة, أي السلطة التشريعية. وأمّا الولاية التكوينية بمعنى أن يكون غير الله تعالى _ يعني أحد المعصومين _ له تصرف في الإحياء والإماتة وما إلى ذلك, فإنّ كان المقصود به أن الله تعالى استقال (العياذ بالله) فهذا كفر وإلحاد، وقد نفى الله سبحانه وتعالى هذا المعنى, وقال في كتابه: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (67)ونسب هذا الفكر إلى اليهود ولعنهم (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ).(68)
وإن كان المقصود أن المعصوم ربّما يتمكّن من التصرف في التكوينيات بعنوان الإعجاز فذلك من صميم معتقدات الإمامية.

والحاصل:
مع سماحة الشيخ ودار معه هذا الحوار حيث أجاب عن أسئلة المجلة مشكوراً
س 1/ شيخنا الأجل بعد تعريفكم لمفهوم الانتظار قد يتداعى إلى الذهن ان الانتظار بحالته السلبية هو ما تعنيه المفاهيم المطروحة، وبحالته الايجابية هو ما لم تحدده رويتنا الفعلية للانتظار؟ اذن كيف تنظرون للانتظار بحالته السلبية والايجابية في ضوء روايات الأئمة عليهم السلام والواقع الفعلي المعاش والحالة النفسية التي يعيشها؟
ج 1/ الانتظار من التنظر وهو توقع الشيء والانتظار المأمور به في المقام هو توقع دولة الحق على يدي الموعود والمؤمل من لدن ادم وإلى زماننا هذا، والمستفاد من الروايات أن دولة الحق موعودة وعد بها الله سبحانه عباده الصالحين وأنه يأتي يوم يحكم الحق تحت راية السلطان العادل البسيطة كلها قال الله سبحانه (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ). والذي ينبغي أن يلتفت إليه في هذا الشأن ضمن هذه العجالة أمور منها:
الأمر الأوّل: ان الانتظار واجب بحكم العقل والشرع أما العقل فلما نعلم من طبيعة البشر أنه لا يندفع إلى فعل ولا ينبغي أن يندفع إلا إذا أحرز أنه يؤدي إلى ما يرغب فيه ويتمناه، وتوقع الوصول إلى البغية يدفعه إلى العمل، فالتوقع والانتظار لدولة الحق على يد الإمام المنتظر عليه السلام مقدمة أساسية ومنطلق فكري وعملي نحو بذل الطاقة والجهد في سبيل الوصول إلى تلك البغية، وأما الشرع فقد ورد الأمر بالانتظار في كثير من الروايات فبلغ حد التواتر بل في بعضها أن الانتظار من أفضل الأعمال في عصر غاب عنه الحق عن البسيطة وأصبحت الأرض بيد الطغاة يلعبون بالصالحين وبمقدراتهم بل مقدرات الشعوب كلها حسب ما تشتهي نفوسهم وتدفع إليه أهواؤهم فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمن حديث (انتظار الفرج عبادة) وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه وقد سأله رجل عن أحب الأعمال إلى الله سبحانه قال: (انتظار الفرج) وعن علي بن الحسين عليهما السلام ان أهل زمان غيبة (الإمام المنتظر) القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً، وقال عليه السلام انتظار الفرج من أعظم الفرج، وفي رواية عن الإمام علي سلام الله عليه (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله وإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج)، وعن أبي جعفر عليه السلام عن جده رسول الله أنه قال: (اللهم لقني إخوتي) مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم. وعنه عليه السلام عن جده رسول الله أفضل العبادة انتظار الفرج، وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من مات على هذا الأمر منتظراً له هو بمنزلة من كان مع الإمام القائم في فسطاطه ثم سكت هنيئة ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )، وعن الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل )، وعن الإمام الرضا سلام الله عليه وقد سئل عن شيء من الفرج فقال: (أليس انتظار الفرج من الفرْج) فقد روى أكثر من سبعين رواية تدل على وجوب الانتظار.
الأمر الثاني: ان الانتظار لشيء مهم كما يدفع الإنسان إلى التهيؤ والإعداد والاستعداد لما يتوقعه وينتظره كذلك يقض مضجع العدو المعاند للحق، وقد سطر في التاريخ كيف كان الطغاة يخافون وجود الإمام المنتظر وولادته على غرار خوف فرعون من ولادة موسى حتى ذبح ما لا يعلم عدده من الأطفال ليحول دون ولادة موسى عليه السلام ولكن الله بالغ أمره، وقد سعى بنو العباس ومن قبلهم بنو أمية لقطع نسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذرية علي طمعاً في الدنيا وحذرا من مجيء دولة الحق وكان أيام الغيبة الصغرى وما تلتها من الأيام موحشة ومربكة لبني العباس فكانوا يبحثون عن الإمام المنتظر وعن وكلائه وعمن يدل عليه بحث الخرزة فكانوا يقتلون كل من يسمعون منه كلمة تدل على إيمانه بالغائب فبقاء العدو في قلق واضطراب وفقد الطمأنينة وتخبطه خبط عشواء من الفوائد المهمة المترتبة على الانتظار.
الأمر الثالث: لا شك في أن إقامة دولة الحق على أنقاض نظم الفساد والجور وإقامة صرح العدل بعد هدم قصور الجور والطغيان يتوقف على الإعداد النفسي، فلو حصلت تلك الدولة بدون الإعداد النفسي الكامل وإصلاح العقول التي شوشت وانحرفت عن نهج التفكير السليم وأصبحت ترى في كثير من الأحيان الباطل حقا والحق باطلاً، وكذلك الأجسام التي تعودت على حب الدنيا، والعيون التي تأثرت وتغوشت بمباهج الحياة الدنية الخلابة يكون مصير تلك الدولة مصير سلطة علي بن أبي طالب والإمام الحسن عليهما السلام فان الأسباب الطبيعية لم تكن موآتية والنفوس لم تكن مستعدة لدولة الحق والظلمة التي سيطرت عليهم بعد وفاة رسول الله وانمحت ملامح السلطة العادلة عن النفوس واختفت جل القلوب الطيبة في تلك المدة التي جاوزت ثلاثة وعشرين سنة، والظروف التي نعيشها تشبه تلك فلابد من إصلاح الأنفس بزرع حب الدين وحب العدل والإنصاف وكره الظلم والفساد إعداداً للنفوس لتقبل الحق.
الأمر الرابع: يجب إعداد الظروف الخارجية لنشر الحق وإعداد الأنصار للدين ونشر الوعي بين المسلمين أولاً وبين غيرهم جلبا للنفوس الصالحة للهداية ثانياً، فان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات الشرعية والعقلية والاجتماعية فما لم يكن هناك أنصار بعدد واف لنصرة الحق وما لم يكن هناك وعي كاف لاحتواء الحق وما لم يكن هناك ما ينبغي تهيئته لاستقبال دولة الحق لم يكن وجه لبدء إقامة تلك الدولة والاستعجال في مثل هذه الأمور بالتأكيد يأتي بنتائج وخيمة ويفوت من ذلك أعظم المقاصد.
الأمر الخامس: يجب إتمام الحجة على كل مناوئ للحق ومعاند له لان دولة الحق سوف تحاسبهم فلا ينفع الانصياع للحق حين إقامة العدل ووقت المحاسبة وإنزال العقوبة على كل ظالم غاشم وغاصب ومفسد، وإلى هذا المعنى أشير في عدة آيات قرآنية ففي سورة الأنعام: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) آية 185 وفي سورة الأعراف آية 71 اشارة الى ذلك وإلى الحجج الواهية لدى أهل الباطل يستندون إليها في مناوأة الحق قال: (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) وفي سورة يونس إشارة إلى استعجال أهل الباطل ما لا يؤمنون به سخرية واستهزاءاً وتمرداً واستخفافاً (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة يونس آية 102 (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)  وفي سورة هود (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) وفيها تحذير واضح للمعاندين لئلا تهدأ نفوسهم ولا تهنأ معيشتهم بما نالوا بالظلم من حقوق المظلومين، وبعث الأمل في نفوس المحرومين بالبشارة لهم بالانتقام من الظالمين
ان الانتظار يشتمل على أمل للصالحين وحثهم على التمسك بالطريقة المثلى، ويحتوي على تحذير للظالمين، وبث روح التضحية والفداء للمخلصين، والدعوة إلى الحق للضآلين والهداية للمنحرفين والزام المؤمنين بالإعداد والاستعداد لذلك اليوم العظيم اليوم الذي يظهر فيه الله الحق ويزهق الباطل على يد الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
س2/ هل تعني حالة الانتظار طقوساً تمارس من قبل المكلفين فحسب؟ أم الانتظار يعني ديناميكية العمل، الفكر، الرؤية، الموقف؟
ج 2/ الانتظار بمفهومه العقلائي والشرعي لا يعني أبداً مجرد الترقب والإتكالية واللا مبالاة بما يجري حولنا، فالركود والخضوع للواقع الفاسد القائم والمحيط بالنوع البشري عامة والمؤمنين المتمسكين أو الذين يرون أنفسهم متمسكين بالدين بخوع في غير محله وانخداع بمباهج الحياة الخلابة وتسويف في الواجب المنهي عنه وهي وسيلة العاجز أو المتعاجز والخاضع لرغبات النفس وشهواتها التي تجر دائما إلى هاوية الملذات الموهومة العاجلة ويصبح الإنسان في أحضان الكسل ويؤدي به إلى رقيّة أهوائه بل لرقيّة أهواء كل ظالم وطاغ ويصبح عبدا للشيطان وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: (لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ)، بل الانتظار بمفهومه الحركي الذي أشارت إليه الروايات يعني ان يكون الإنسان دائماً منشغلاً في إعداد نفسه أولاً وإعداد من حوله من أفراد عائلته وأسرته وعشيرته وقومه معرجاً إلى من بعد عنه وذلك استعداداً لإشعال الثورة المهدوية حين تحل ساعة الصفر.
ويجب أن يعلم أن أول خطوة في هذا السبيل تتمثل في إصلاح النفس الذي يمر بمراحل التخلية والتحلية ومرحلة الاتصال المباشر من خلال التصفية وإصلاح النفس لتتفتح عليه أبواب الرحمة الإلهية ويتمكن من تلقي الأوامر الصادرة من الإمام عليه السلام حين تصدر ويصل الإنسان مرحلة من الاندماج الروحي مع الحب والطاعة والإخلاص بأن تصبح أنفاسه بل كل حركاته وسكناته بل حتى خلجات قلبه صعوداً ونزول أنفاسه طوع إرادة الشرع المقدس ويصبح مؤمنا حقا خالياً من الملكات الرذيلة الحسد والجبن والبخل والميل إلى الشهوات في غير الإطار الشرعي، فديناميكية العمل تنطلق من نفس الإنسان الحركي حتى يصبح في حالة لا يخضع معها إلا لله ولا يحب إلا ما يحبه الله ولا يكره إلا ما يبغضه الله أو يسخطه ليكون مثالاً لعائلته وأسرته ولكل من يحيط به ويكون بكل موقف من مواقفه داعية لمبدأ المهدوية ويكون بعمله قبل قوله وبسلوكه قبل لسانه داعية للحق ويصبح واقعه يمثل واقع سلمان وأبي ذر وعمار بن ياسر حيث كان كل عملهم إعداد الأرضية الصالحة لتقبل سلطة علي ابن أبي طالب عليه السلام حينما فقدها سلام الله عليه نتيجة تآزر من غرته الدنيا وباع حظه من الآخرة بالأرذل الأدنى في مرحلة، واثر صغاية من صغى لضغنه وميل من مال لصهره مع هن وهن كما وصفه الأمير عليه السلام في مرحلة أخرى، فكان عمل هذه النخبة صياغة أنفسهم في القالب الإسلامي صياغة واقعية لا يخرم عملهم وسلوكهم ما رسم لهم الشرع المقدس وفي المرحلة التالية إيصال كلمة الحق إلى كل من يمكن إيصاله وإتمام الحجة على الكل وتنبيه من يمكن تنبهه وفضح الحكام الجائرين وإلفات الناس إلى همجيتهم وابتعادهم عن جادة الصواب وإطلاع الناس على عمق المصيبة التي هم فيها فيجب أن يكون المؤمن في زمن الغيبة في مرحلة الانتظار مثالاً لأولئك الأبطال الذين رسموا الطريق للثائرين بأحرف من نور ولونوها بل زينوها بدموعهم على الواقع المرير، وبدمائهم الزاكية أشعلوا السرج لينيروا الدرب لكل من أراد الهداية ورغب في الحق.
وأما الأدعية التي وردت في المصادر المعتبرة والتي أمرنا بالالتزام بها في زمن الغيبة الكبرى وزمن الانتظار فهي في الواقع لا تعني الركود والخضوع للواقع الفاسد كما ربما يتخيل، بل إنها تعني توثيق الروابط بين المؤمن وبين ربه ليستمدّ منه تعالى العون على نفسه من جهة وعلى الآخرين من جهة أخرى وعلى الطغاة من جهة ثالثة ويستمد منه النور ليهتدي به إلى طريقه في ظلمات الظلم والطغيان والانحراف الخلقي والديني والإنساني، كما أن هذه الأدعية تشتمل على معان تومئ إلى ما عليه الواقع المنحرف الذي نعيشه في زمن الغيبة بل منذ اضطرار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى المهادنة مع ابن آكلة الأكباد فهذه الأدعية تشتمل على التوعية وإنكار المنكر وفي النتيجة هي تحث وتدعو إلى العمل بما يؤدي إلى زوال هذا الفساد عن الأرض فهذه الأدعية ليست طقوساً تقليدية تدعو إلى الركود والانصياع للواقع الفاسد كما يتخيل ولا ينخدع المؤمن بالتفسير الخاطئ الذي قد تنزلق إليه الأفهام للروايات التي تدل على الابتعاد عن الفتن ومثيريها مثل: كن في الفتنة كابن اللبون إلى آخره أو: الزم بيتك حتى تسمع الصيحة إلى آخر ما يدل على هذه المعاني، فإنها تعني كما يظهر بالتأمل فيها ضرورة الأخذ بعين الاعتبار (في مقام العمل لخدمة الدين وإصلاح المجتمع) الظروف التي تحيط بالإنسان فيكون تحرك كل عاقل بملاحظة تلك الظروف كي لا يؤدي به العمل إلى الإفساد بدلاً من الإصلاح، فان التحرك من كل شخص في كل ظرف من حيث المقتضيات والموانع والحاجات ضمن إطار يخصه ولا يعني أبداً الانصياع لما يريد الطغاة ويطلبه شياطين الإنس والجن.
س 3/ ماذا تعني علامات الظهور في نظركم؟ إنذار؟ بشارة؟ تأسيس رؤية مستقبلية جديدة؟ ام لا هذا ولا ذاك، انما سرد لتكهناتٍ أو احتمالات لمستقبل؟
ج 3/ علامات الظهور المنصوصة في المصادر الموثوقة تقتضي أموراً:
1 _ إنها تدعو حين بروزها إلى إحراز الاستعداد بمرتبة أعلى في النفس لتلقي الواقع الجديد الذي يبتدئ من بدء مرحلة ظهور الحق ومنطلق شرارة الثورة المهدوية الشاملة.
2 _ إنها تبعث النفوس على أمل بقرب ظهور الحق وهو يساعد على شد العزائم ورفع المعنويات في النفوس التي ربما تكون مفتقرة إليه.
3 _ تبعث تلك العلامات على الوعي إلى حالة جديدة تتطلب التكليف العملي والواقع الجديد والإعداد اللازم للمرحلة القادمة التي تكون مختلفة عما نعيشه كما انها إنذار لكل من استولت عليه الغفلة ومن استهان بالواقع المهدوي جهلا منه بحقيقته، وتلك العلامات تساعد على مقاومة دواعي الخمول وبواعث الركود وقطع دابر اليأس الذي ربما يتسلل إلى النفوس من طول الانتظار وشدة ظلمة المحنة التي نعيشها كما إنها تشير إلى دنو ساعة الصفر التي تعني الاستعداد والإعداد بأعلى مرتبة ولا تعني أبداً التكهنات التي يتشبث أو ويتعلل بها الراغبون في الركود ويتسلى بها من يرغب في ظهور الحق طمعا في الراحة الدنيوية.
س 4/ إذا كنا نلمس منكم الاهتمام بمعرفة علامات الظهور، اذن كيف نتعامل سندياً مع تلك الروايات، التسامح السندي أم التشدّد السندي أم الحالة الوسطية التي تحفظ الاطار العام لعلامات الظهور؟
ج 4/ ربما يتخيل البعض ان الروايات التي تتعلق بالتاريخ سواء كانت تتحدث عما مضى من الحوادث أو تحكي عما في المستقبل القريب والبعيد لا ينبغي الاهتمام بسندها ما لم تتضمن حكماً شرعياً ويكتفي بورودها في الكتب المعتبرة، وعلى ألسنة من سبق وفحص ومحص الأخبار والأحاديث، فمثلا يكتفي بوجود الرواية في الكافي ونحوه من المصادر المعتبرة لدى أهل التحقيق والتمحيص إلا أن هذا المبدأ لا نرتضيه لأن الرواية مهما كان مضمونها فهي تشتمل على نسبة فعل إلى شخص ما أو تصفه بوصف ما ونحوها من الأمور التي لا يصح نسبتها إلى أحد ما لم يكن هناك مسوغ ومبرر وينحصر في وثاقة الخبر أو وثاقة الراوي، نعم ربما يكون كثرة الروايات في شأن قضية معينة توجب الاطمئنان بحصولها في ظرفها وإن لم يمكن التأكد بالخصوصيات المرتبطة بها والمحيطة لها وذلك شيء آخر بعيد عن المبدأ الذي نتحدث عنه، وينبغي أن يعلم أنه ربما يجد الباحث في كلمات بعض المحققين ما مغزاه عدم ضرورة التمحيص والبحث عن سند القضايا التاريخية، ولكن ذلك ليس منه التزاماً بمضمون تلك الروايات، بل يعني في معظم الأحيان ما أشرنا إليه أو أنه يعلم قصور الأيدي في العصور المتأخرة عن التأكد بصحة الأخبار التاريخية لانعدام العلم بالوسائط التي وصلت الأخبار إلينا عن طريقها.
وهناك مبدأ آخر قد يظهر الميل من البعض إليه وهو أن الأخبار التاريخية ومنها روايات علامات الظهور تندرج في قاعدة التسامح في أدلة السنن وهو خبط وخلط؛ لان قاعدة التسامح _ مع الشك في ثبوتها بل نفيناها في محله _ مغزاها هو الالتزام بروايات من بلغ التي مفادها أنه من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثواب على عمل وعمل به رجاء ذلك الثواب الموعود فالله سبحانه يمنحه ذلك الثواب كرامة للنبي ورفقا بالعبد ومراعات لعزمه على الطاعة ورغبته في الثواب الإلهي وعمم بعضهم مفاد هذه الروايات لتشمل المكروهات أيضا لكن هذا المعنى كما ترى بعيد عن الروايات التاريخية، فان تصديق الروايات والجزم بتلك القصص المروية غير داخل في مضمون تلك الروايات بل التصديق بقضية ما من القضايا التاريخية الماضوية أو المستقبلية يعني التصديق بما لم يثبت، وربما تصل الحال بالمصدق إلى الافتراء على أحد من المسلمين أو الطعن والنيل من بعضهم وأين هذا من ذلك.
والذي نتمكن أن نقوله في هذه العجالة إن الأخبار المشتملة على العلامات صنفان:
ما يمكن إحراز مقومات الاعتبار والحجية فيه خصوصاً ممن يرى كفاية وثاقة الراوي أو وثاقة الخبر بنحو العموم، ويكتفي بكل واحد منها، فالناظر الناقد البصير قد يتمكن من إحراز وثوق الخبر من القرائن المحيطة به أو التي اشتمل الخبر عليها أو القرائن البعيدة الموجودة في بعض الروايات المعتبرة، ومغزى هذا الاتجاه الالتزام بصنف واحد من هذين الصنفين والذي يتم من الأخبار على هذا المقياس ويخرج سليما من الخدشة بقسطاس مستقيم قليل جدا، ولنا اتجاه آخر قد ننتهجه ونرجحه وهو يتمثل في النظر إلى مجموع روايات العلامات إنها بجملتها تتحدث (ولاسيما التي تتحدث عن العلائم الحتمية مثل الخسف في البيداء والصيحة بين السماء والأرض وبزوغ الشمس من المغرب وكسوف الشمس في وسط الشهر وخسوف القمر في أوله على خلاف الموازين الهندسية والجغرافيا الفلكية) إنها بجملتها تتحدث عن حدوث أمور غير طبيعية وعلى خلاف ما يقتضيه النظام الكوني القائم المعتاد والذي استأنست النفوس للتعايش معه منذ قرون جيلا بعد جيل، ومعلوم انه كما يصعب حسب الموازين العلمية المقررة في محلها الجزم بصحة كل واحدة من هذه الأخبار كذلك نجزم بصدق بعضها ونقطع بعدم كذب جميعها لكثرتها وتشعب خصوصياتها واتساع دائرة رواتها ومن رويت عنه، فاحتمال التواطؤ على الكذب مرفوض بحكم العادة فعليه هي متواترة إجمالا ونلتزم بما اتفقت عليه من المعاني وأبرزها حدوث أمور كونية غير معتادة وهي تمثل إرهاصات لظهور الحق على غرار ما حدث حين ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كسقوط شُرف طاق كسرى وخمود نار فارس فجأة وغور بحيرة ساوه وفيضان وادي السماوة وغيرها، وقد سطرها أهل التحقيق في مصادرهم، فما روي في علامات الظهور يجري في هذا المجرى، فهي تتحدث عن حدوث كوارث أو آيات مقدمة لظهور الحجة عجل الله فرجه الشريف فهي أشبه شيء بجلبة وهزة نسمعها قبيل وصول الجيش العرمرم بعدته وعدده، وكذلك اهتمام علمائنا الأبرار بهذه الروايات بالجمع والمبالغة في استقصائها في كتب مستقلة أو ضمن مؤلفاتهم الموسعة، ومعلوم أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين التشريعات الإلهية التي تنبعث من ملاحظة المصلحة والحكمة فيها أو في مصبها وبين تسلسل الحركة الكونية والتسابق والتنافس بين الحقائق التكوينية في الانصياع للإرادة الحقيقية المنطلقة من عموم فيض المبدأ الأعلى والرحمة الشاملة والنور الحقيقي الذي أزاح بُهم الظلمة عن الكائنات كلها فاستقت الأودية وارتوت وفاضت بنور ربها ودارت الممكنات في فلكها، كما يكشف ذلك تقيد التكاليف الإلزامية والاعتبارات الشرعية أو متعلقاتها بالأوضاع الكونية من حيث الزمان والمكان المحيطة بالمكلف مع الأخذ بعين الاعتبار مراحل تكونه وتدرجه في مراقي التكامل التكويني، ويوجب ذلك الارتباط الاحتزاز والتدافع والتجاذب حسب تنجز التشريعات والاعتبارات المتشابكة والمتعلقة بمظهر الرحمة الربانية ومحور السعادة الكونية فتظهر بوادر الصلاح بزوال العقبات والعوائق الناشئة من طول الانحرافات من المكلفين وخروجهم الطويل عن الصراط المستقيم المانعة في سبيل انتشار الصلاح وشموله للعالم كله ضمن إنذار وتحذير لكل معادٍ وإتمام الحجة على كل مناوئ.
س 5/ التعارض في روايات علامات الظهور تعالج كما هو الحال في الروايات الفقهية؟ أم لديكم مبنى آخر تختصون به؟
ج 5/ التعارض بين الروايات التي تتحدث عن علائم الظهور يمكن معالجته بأحد الأمرين:
1 _ أن نلتزم بخبر الثقة أو الموثوق الصدور، والذي يحمل هذا الوصف قليل فتصبح المعارضة بين الواجد لمقومات الاعتبار والفاقد لها فيرتفع موضوع المعارضة.
2 _ الالتزام بالقدر المتيقن والقاسم المشترك بين الروايات المختصة بهذا الشأن وحينئذ يرتفع أيضاً موضوع التعارض إلا أنه يعني صرف النظر عن خصوصيات كل واحد من الروايات وهذا الذي يقتضيه الميزان العلمي، فبالنتيجة نحن ما زلنا في إطار القواعد العامة التي قررناها في الأصول وفي الدراية للتعامل مع الأخبار المتعارضة وقد أشرنا فيما سبق أنه لا أساس ولا مسوغ للجوء إلى قاعدة التسامح.
س 6/ إذا كانت التوقيعات الصادرة عن الإمام عليه السلام تعني معايشته وكونه حاضراً في ضمير الأحداث فعلا، فما يعني الاعراض عن هذه التوقيعات من خلال:
1 _ عملية الاستنباط الفقهي.
2 _ التعاطي العملي مع هذه التوقيعات.
3 _ حالة الحضور التي يعيشها المكلف مع الإمام عليه السلام.
ج 6/ النظرة الشمولية في التوقيعات المروية عن المنتظر عجل الله فرجه الشريف يوقف الباحث على أمور مهمة جداً منها: إن كثرة التوقيعات مع اختلاف طرق الوصول إلينا وفي ظروف بالغة التعقيد من جهة وتنمر السلطة الطاغية الغاشمة أبان صدورها وسعي أولئك الطغاة الحثيث في البحث عن الإمام عليه السلام والتتبع لكل شاردة أو واردة بل كل لمحة أو إشارة ترمز إلى وجود الإمام أو ترشد إلى من يتصل به من قريب أو بعيد بكل الوسائل الإجرامية من جهة أخرى، كل ذلك يجعل الناقد على ثقة من أن هذه التوقيعات لم يكن أحد يتجرأ على روايتها فضلاً عن الاحتفاظ بها إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان وكان مستعداً بل متحمساً للتضحية بكل غال ونفيس مما يجعل الناظر على ثقة واطمئنان. بصحة سندها ووثاقة صدور جملة من هذه التوقيعات ولاسيما منها ما كان في تلكم الظروف المشار إليها مثل التوقيع المشتمل على قوله عليه السلام: (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا... الخ) فان عقلية حسين بن روح رضوان الله عليهما تصف عصر صدور هذا التوقيع وتناقل الشيعة له بان السيف يقطر دما، فعلى هذا الأساس يمكن للفقيه أن ينتقي من تلك التوقيعات ما يصلح للاعتماد عليه فيدرجه في مصادر الاستنباط.
ومع الغض عن هذا المعنى فان التوقيعات تعتبر تحدياً من الإمام المنتظر ومن شيعته لأولئك الطغاة الذين عميت بصائرهم وفقدوا بصيرتهم بنخوة التجبر وحب الدنيا وعميت قلوبهم باللذة الفانية بل الخيالية التي يستشعرها كل سلطان جائر فانّ هؤلاء رغم تجبرهم وجبروتهم وتوفر الوسائل التي يستعين بها (السلطان الواسع السلطنة) ذو الهيبة السلطوية على البحث عما يريد. لم يتمكن أي من أولئك من الوصول إلى غبار مركبه عليه السلام ولم يمنع ذلك شيعة الإمام عن التمسك به وعن تناقل التوقيعات المروية عنه سلام الله عليه، إماماً غالباً منصوراً مؤيداً بروح القدس محمياً بالعناية الإلهية ومحاطاً بحب شيعته المندفعين والمتسابقين إلى التفاني دونه سلام الله عليه وأرواحنا لمقدمه الفداء، وكيف لا يكون وهو الذي بيمنه رزق الورى وبجوده ثبتت الأرض والسماء وهو بالنسبة إلى العالم كالقطب إلى الرحى.
وفي ضوء ما تبين نفهم أنه يمكن الاستفادة بالتوقيعات الشريفة كدليل على الحكم الشرعي وضمن عملية الاستنباط الفقهي إذا توفرت (فيما يتمسك به من التوقيعات على الحكم الشرعي) المقومات والمؤهلات المعتبرة، كما يمكن اتخاذه مؤيداً لما دل على الحكم الشرعي من الأدلة الأخرى، كما يمكن إحراز الاعتبار من خلال عمل الفقهاء المشهورين استناداً إلى مبدأ التوثيق والجبر بالعمل واكتساب الوهن والضعف من الاعراض، ولكن المبدأ الأخير كالذي قبله مرفوض لدى أهل التحقيق في محله.
كما يتضح أنه يمكن الاستفادة من هذه التوقيعات في إسناد الجانب العقائدي لما نعلم من الأثر الجميل الناشئ من النظر في هذه التوقيعات متضامناً للعقيدة والحب اللا متناهي الذي يحمله كل مؤمن تجاه هذا الإمام المظلوم أمل الحاضر والغائب، ومحط نظر الشاهد والبعيد، بل هو محط أنظار كل الصالحين من لدن آدم إلى زمان حضوره وهو مضمر في كل ضمير طاهر، فكل من أحب الحق أحبه مقدار حبه له.
ومن الفوائد البارزة إن لم يكن من أبرزها ان هذه التوقيعات تجعل الناظر فيها والمفكر في معانيها والمترشف لرشحات فيضها يعيش في حالة خاصة تجعله مرتبطاً بالإمام ارتباطاً وثيقاً وربما يستشعر المؤمن المتأمل فيها أنه يعايش الإمام سلام الله عليه في غيبته فهو لديه غائب حاضر وحاضر غائب، وهذا المعنى يجعله يجسد الصفات الحميدة التي دعا الإمام إليها من خلال تلك التوقيعات وحث على الالتزام بها، فالتوقيعات تحفة نادرة في عصر الغيبة فهي ملجأ كل لاجئ ومستمسك كل متحير وهداية لكل مهتدٍ، ومن هنا تجد علماءنا الأبرار المختصين بجمع الاثار اهتموا غاية الاهتمام بهذه التوقيعات.
س 7/ دعاء الندبة ماذا يعني لسماحتكم؟ تلاوته كاحدى الطقوس العبادية أم هو حالة معايشة يعيشها المكلف مع الإمام عليه السلام؟
ج 7/ دعاء الندبة يمكن النظر فيه من عدة جوانب يبدو بعضها سلبياً في النظرة البدوية ولكنها مهمة حسب المقاييس العلمية التجريدية، فحينما ننظر فيه من جانب السند فنجد ان غير واحد من المحققين في هذا الميدان المتضلعين في علم الاسناد والأحاديث يرفضون التصديق بصحة هذا الدعاء غير أنهم لا يمنعون من قراءته كدعاء فحسب، فان فقرات هذا الدعاء تربط العبد مع الله سبحانه شأنه في ذلك شأن كل دعاء روي بسند معتبر أو غير معتبر أو ابتدعه الداعي حسبما يملي عليه غرضه من الدعاء وتدفعه الحاجة إليه، وأما المبدأ القائل بأنه لا ينظر ولا يهتم باسناد الأدعية فان قصد به ما قلناه فهو ما يستدعيه العلم بالقواعد في باب الدعاء، وإن كان يعني التسامح في النسبة إلى من نسب إليه إنشاء الدعاء فلا يمكن تسليمه أبداً لتعارضه مع الموازين العلمية.
وفي ضوء ذلك تبين أن دعاء الندبة لا بأس بتلاوته والمناجاة مع الله سبحانه من خلاله وإبراز ما يحسه المكلف أثناء تلاوته لهذا الدعاء مع حضور قلبي وفكري تام بحيث تنطلق الجمل بما تحمل في طياتها من المعاني السامية من عمق ضميره، وتكون الفقرات صوت قلبه وخلجات فؤاده، يجعل المكلف يعيش مع الإمام في مأساة الغيبة التي ابتليت بها الأمة نتيجة انحرافها عن الطريق السليم وطغيانها من لدن مواجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعضهم بالتمرد والعصيان والنبي يعاني سكرات الموت بأن وجه إليه تهمة الهجر وتلاها مؤتمر السقيفة وما ترتب عليه مما لا يعلم سلبياته وشموله إلا الله، فدعاء الندبة تعايش مع الإمام ومواساة له ويدفع الإنسان إلى خلق الاستعداد وإلى الإعداد الروحي والاتصال الإيماني بالإمام عجل الله فرجه الشريف ، فاعرف أيها المؤمن قيمة هذه المعاني وغيرها الكثير الذي يلمسها الداعي ويعجز القلم عن الاحاطة بها والكشف عنها ويقصر عن وصفه فهي تعرف باللمس الروحي والاحساس القلبي والتعايش مع الواقع فاقرأ الدعاء واندب ما ندب عليه فيه والله الموفق.
س 8/ ما الفرق بين العبارة الواردة في دعاء الندبة (وعرجت بروحه إلى سمائك) وعبارة (وعرجت به إلى سمائك) هل تعني العبارة الأولى مخالفة مفهوم المعاد الجسماني في الفلسفة الشيعية أم هناك رؤية عرفانية يستشعرها القارئ حينئذ؟
ج 8/ جميع الصفات الكمالية وغيرها التي يكسبها الإنسان بالعناية الإلهية أو يمنحها رب العالمين بلطف منه ومنة على من وهبه وعلى غيره محورها هو روح الإنسان والنفس التي تدبر البدن وتديره وعلاقة البدن بالروح أو النفس كعلاقة الحاكم إلى المدينة والربان إلى السفينة والاحساسات التي يستشعرها الإنسان من الالم واللذة والارتياح والانزعاج والخوف والطمأنينة والشعور بالرفعة والانحطاط كل ذلك ليس للبدن بل هو للروح والبدن إنما هو آلة هذه الاحساسات كلها والكرامة التي يحصل عليها البدن إنما هو لأجل ارتباطه بالروح أو النفس، ولذلك البدن المنفصل أو الجزء منه المنفصل عن الروح انفصالا بتياً وتاماً لا يحس ولا يشعر بشيء مما أشرنا إليه فتكريم البدن وشرافته إنما لأجل ارتباطه بروح أو نفس معينة فاعزاز البدن لأجل ارتباطه بالنفس أو الروح، وهو من باب ما يقال شرف المكان بالمكين، وعلى هذا الاساس فالمستقبل للفيوض الإلهية النفس أو الروح وبما أنه قرر في محله في مقام التفرقة بين العقل والنفس ان الأول مجرد وغير مفتقر إلى المادة وإلى عالم الناسوت في أفعاله كتجرده واستغنائه عنها في ذاته بخلاف النفس فإنها وإن تجردت عن المادة والماديات ومقتضيات في ذاتها الا أنها تفتقر إليها مع مستلزماتها وفي تقبل الكمالات والمنح الإلهية والفيوضات الربانية ولذلك لا تثاب ولا تعذب في الدنيا وفي القبر _ عالم البرزخ _ وفي الآخرة إلا من خلال الجسم البرزخي أو البدن الذي تمتلكه في الدنيا ويُعادُ لها في الآخرة.
فتبين من ذلك كله أنه لا فرق من حيث المغزى بين التعبيرين وأما اختيار إحدهما دون الآخر فيرتبط أولاً بالنسخ الصحيحة وغيرها للدعاء، وثانيا ترتبط بالجوانب البلاغية فإنه ربما تقتضي مقتضيات البلاغة ربط العروج بالروح مباشرة وأخرى بواسطة البدن وفي خصوص التعبيرين لو اختير ارتباط العروج بالروح ففيه دلالة إلى سمو الروح فقط وبواسطته على علو البدن بخلاف التعبير الثاني إذ فيه دلالة على ارتباط علو المرتبة وسمو المقام وشموخ المنزلة بالبدن والروح جميعاً، على أن هناك لنا كلاما في محله ان الضمائر التي تستخدم للاشارة الى شخص فإنها تشير إلى الروح وليس إلى البدن، فمثلاً حينما قلت يدي أو رأسي أو صدري فإنها كلها تشير إلى إضافة هذه المذكورات إلى الروح والمضاف إليه هو الروح حتى يقال بدني فالمضاف إليه هو الروح وليس البدن والا لاختل نظام الكلام، وهكذا ضمائر الخطاب والغيبة، وعلى هذا الاساس يصح أن نقول إن الفرق بين التعبيرين ينحصر في التصريح بالروح في أحدهما دون الآخر فحينئذ تكون الفائدة تكريم الروح بالذكر أو التبرك بطرح ما يدل عليه في لسان الداعي.
ومن ذلك كله اتضح أنه لا تعني العبارة الأولى مخالفة أو منافاة مع مفهوم المعاد الجسماني فإن الاعتقاد به لا يتنافى مع شيء مما أشرنا إليه ولا يسع المجال للكلام أكثر مما طرحناه.
س 9/ إذا كانت هذه أهمية دعاء الندبة هل ترون أن الفرد العراقي إبان العهد الجديد وقد رفعت محاذير الرقيب من قبل السلطة قد أدى دوره في إحياء دعاء الندبة على مستوى:
_ المجالس الخاصة المنعقدة في البيوت.
_ الحسينيات والمساجد.
_ المراقد المقدسة.
وما هي مسؤولية الفرد فضلاً عن رجال الدين عندئذ؟
ج 9/ لا ريب في أن دعاء الندبة مشتمل على معان خاصة قد لا نجدها مجتمعة في سائر الأدعية الموجودة في المصادر وكتب الأدعية المتوفرة لدى عامة المؤمنين، كما أن التعابير التي تضم هذا الدعاء تحمل في طياتها معاني بلاغية خاصة كما يتميز هذا الدعاء بسبك خاص وأسلوب معين للتعامل من الداعي مع الدعاء والمدعو بنحو خاص يساعد على سهولة التدرج في مدارج القرب وتسلل تلك المعاني إلى أعماق الداعي والمستمع من أخوانه المؤمنين بسرعة فائقة. وتربط تلك المعاني والتركيبات للجمل المترابطة الداعي بالقوة العاطفية المنسجمة مع الإيمان بالموعود وبالوسائط، فتسحبه وتنطلق به إلى أبواب الرحمة الإلهية بأيسر أسلوب وأقرب طريق فيرى الداعي نفسه قد وصل إلى أبواب الرحمة ويطرقها بمطرقة الإيمان مغمورة بالعواطف منسجمة مع عدم تخليه عن عالم الناسوت مع عالم الروح فيستشعر سمواً روحياً وعروجاً في مدارج القرب الإلهي ضمن تلك المجموعات التي تشارك معه في الدعاء متمسكاً بأولئك الأولياء الذين يندبهم فيندفع الروح إلى الإلحاح في الطلب بقرب قيام المنتقم من الظلمة والمجيء للشريعة والمبير للطغاة والمبيد للفساد، ومما يجعله على طريق إصلاح الفساد استعداداً للالتحاق بركب الثائرين مع الثائر الحقيقي والاوحد المؤمل والموعود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
وعلى هذا فحث الناس على إقامة المجالس والدعاء في البيوت والحسينيات والمساجد والمراقد المقدسة أمر مرغوب مطلوب غير أنه لا تنحصر وظيفة رجال الدين في ترغيب المؤمنين في الالتزام بهذا الدعاء لأن المعاني السامية والمقاصد العالية التي ترمز إليها فقرات هذا الدعاء لا يستطيع عامة البشر استطراقها ويعجز الفرد البعيد عن العلوم العقلية والنقلية النظرية وغيرها من احتواء المعاني، ومن ثم يفقد مغزى هذا الدعاء فيكون الحث على الالتزام به سوقاً للفرد إلى ما لا يعلم فالاندفاع منه لو حصل يكون وقتياً، فيجب على من يتمكن من إرشاد الناس أن يحاول شرح هذا الدعاء وتوضيح معانيه وتبسيط الصعاب التي تحول دون إدراك عمق مطالبه ليتمكن الداعي بعد إدراك المعاني من الانسجام مع واقع الدعاء فيحصل بالعناية الإلهية ما يرنو إليه كل عاقل ويبتغيه كل مجتهد ويقصده كل من يطمع في الفيوض الإلهية والله نسئل أن يمدنا جميعاً بالتوفيق ويمهد لنا الطريق إليه ويسددنا في السلوك إلى مرضاته ويعيننا على تحمل المسؤوليات ويتقبل منا ما نعمل ويجزينا بأحسن مما نأمل.
س 10/ كيف توصون:
_ بتمتين الثقافة المهدوية؟
_ تأصيل مفهوم الانتظار؟
_ الموقف التأسيسي لإحياء الشعائر المهدوية كالاهتمام بدعاء الندبة وإشاعته في الوسط العراقي؟
ج 10/ الثقل الأكبر في عصر الغيبة الكبرى يقع على عاتق رجال الدين وأصحاب الفكر وفرسان القلم وأبطال المنبر الحسيني وسادة ميدان الخطابة، إذ من الواضح أنه ما دام الوضع البشري عموماً والإسلامي بنحو خاص على ما هو عليه وعلى ما نلمسه ونشاهده لا نجده أحسن حالاً أبداً مما كان عليه إبان حدوث الغيبة الكبرى، فإن النفوس متوغلة في حب المادة كما كانت، ومعنى الإيمان لا ينزل إلى الاعماق ولا يندمج مع الروح كما كان، والدين لعق على ألسنة الناس يحوطون به كما كانوا، والبلاد تحت سيطرة الجبابرة على وجه العموم كما كانت، فهناك استبداد وهناك استيثار بالفئ، والنفوس التي تتصف أو توصف بالإيمان فارغة عن محتواه فالنفوس محتوية على نحو العموم _ عدا ما شذ وندر أو قل واندثر _ في الصفات الرذيلة فيقودها الحسد أو التحاسد والتباغض والأعمال التي هي أبشع من كثير من الكبائر كالغيبة والنميمة وحب الجاه ورأس كل بلية حب الدنيا، ولا تجد _ إلا من شذ _ أحداً يسعى في خدمة الدين، وإذا رأيت مجموعة أو طائفة مندفعة في الظاهر إلى إحياء كلمة الحق فإذا فتشت خباياهم لفررت منهم فرارك من الأسد وهربت بجلدك منهم كهربك من الحية والعقرب، فعليه يجب على كل واحد ممن يعد نفسه من رجال الدين القيام بالواجب الإلهي الملقى على عاتقه فيجب السعي في ترسيخ وتمكين الثقافة المهدوية من خلال بيان الحاجة وتوضيح مناشئ الافتقار إلى الثورة المهدوية فتشتاق النفوس إلى الإمام المنتظر الموعود وترتبط به ارتباطاً وثيقاً من خلال توضيح حقيقة المهدي والواقع الذي سوف يتسلط على العالم في ضوء هدى المهدي، كما يجب على من به صلاحية أن يسعى في إرساء المفهوم الحقيقي للانتظار وبيان ما ينبغي أن نفعل وما يجب أن نسعى إليه في زمن الانتظار لنخرج بالمكلفين من هوة الاتكالية والخمول إلى ميدان العمل والمبارزة مع النفس الامارة بالسوء سعياً في خلق الواقع الذي يمهد النفوس لتقبل النعمة العليا المتمثلة في ظهور ولي الله الأعظم كما يجب تبسيط الطريق أمام الثورة المهدوية الشاملة لإصلاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، كما يجب على من له أهلية ذلك الالتزام النفسي من جهة وإرشاد الآخرين من جهة أخرى إلى إحياء الشعائر الدينية عامة والسعي في دمج المجتمع ولو بقدر المستطاع بالشعائر الدينية كالصلاة جماعة ولو في البيت لمن يعجز أن يخرج مع عائلته إلى المساجد والاهتمام بالدعاء الجماعي بالأدعية المألوفة والمعروفة وذات التعبيرات السلسة والمعاني السهلة التي تتسرب إلى الروح مع أدنى انفتاح في النفس لتقبل تلك المعاني مثل الدعاء الذي علمه سيد الأوصياء لتلميذه الزاهد كميل بن زياد والدعاء الذي أنشأه سيد الشهداء يوم عرفة ودعاء الندبة حتى نتمكن من أداء وظيفتنا الشرعية أولاً، ودفع المجتمع إلى الاصلاح والاستصلاح ثانياً، وخدمة الثورة المهدوية المرتقبة ثالثاً، ومن هنا تعرف أن المهمة شاقة والطريق طويل والعوائق والموانع كثيرة والقوى خاوية، وكل ذلك لأننا نفتقد أوليات عوائد هذا العمل فهناك خمول أخذ يتسرب إلى نفوس طلاب العلوم الدينية وهناك تخاذل ناشئ عن حب الراحة والرغبة في سرعة التخلص من المحنة والتعب أخذت تدعو إلى السطحية في الدراسة هذا من حيث الجو الحوزوي، والعلماء ساعدهم الله لا يألون جهداً في التفكير في الاستصلاح والإصلاح إلا أن المصيبة أعظم مما نتصور، وأما على المستوى الشعبي فهم في خبطة عشواء ينتظرون من رجال الدين والمراجع المعجزة ولا يلامون على ذلك إذا كان هذا مبلغ فكرهم ويجب أن نعطف عليهم ونبكيهم ونبكي لهم، وأما المراكز العلمية الجامعات والكليات فحالها ليس خيراً مما يبكي عليه فهي أولى بأن تذرف عليها الدموع حيث تجد الطلاب يدرسون بغية الوصول إلى الشهادة ومنها إلى الوظيفة وشذ ما تجد شاباً طموحاً في الخروج من ربقة العبودية للغرب، فلا تجد إلا من ندر يفكر في امتلاك أزمة الأمور في البلاد الإسلامية أو يسعى في العلم لنتمكن من إدارة أنفسنا بأنفسنا، ولست أدري متى يأتي صبح هذا الليل المظلم الطويل البهيم ومتى تنجلي هذه الطخية العمياء التي سادت المجتمع الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ومتى نجد الشباب في السلك التعليمي من يسعى إلى السيطرة على العلم ليسيطر على العالم أو يسعى في استنقاذ البلاد من براثن المستكبر المستأثر؟ أليس مما يدعو إلى البكاء أنا لا نعرف كيف نستغل ثرواتنا وكيف نستفيد منها؟، أليس من السخرية إنا نمتلك النفط مثلاً والأراضي الخصبة ولا نعرف كيف نستخرج النفط وكيف نميز عناصره بعضها عن البعض؟ أليس مما يدعو إلى التحسس بالخزي أن الشبان يفتخرون إذا تعلم أحد منهم طريق الضغط على أزرار الكمبيوتر أو تمكن من المخاطبة مع أحد من طريق الانترنيت أو الهاتف الخلوي اليدوي وغيره ولا يستشعر أن الفخر ليس لمن يعرف كيف يتكلم من خلال الهاتف وإنما هو لمن صنعه واستعبد كل العالم من خلال هذه الصناعة، ولمسنا من خلال استقبالنا جملة وافرة من الجامعيين الأساتذة والطلاب إنهم بعيدون عن هذه المعاني وينتظرون المعجزة من المراجع حفظهم الله ورعاهم.
واعلم أيها الأخ المؤمن إنك ربما تحن وتطمح لسرعة ظهور الإمام المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء إلا أنك لو فتشت نفسك لربما وجدت نفسك إنما تطمع في الدنيا والراحة الوقتية التي ترغب في الحصول عليها في ظل حكومة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف لما سمعت وقرأت من شمول العدل الإلهي البسيطة كلها مع أنك غافل أن نفسك ربما تغرق في ملك أسباب الراحة في الدنيا بدون تعب وهذا الذي لن يحدث في زمان الحضور لأن الإمام سوف يطالبنا بالعمل والجد والاجتهاد بالنحو الذي كان يطالب جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
واعلم أن تحمل العدل صعب على من لم يصلح نفسه فيجب إصلاح النفس أولاً ثم التفكير في الدعاء والسعي في جلب سيطرة العدل على العالم.
س 11/ نعرف أن التواتر في القول أو الرواية دليل قطعي على المدعى ولكننا نجد في الواقع مشكلة يمكن ان نصطلح عليها أزمة حقيقية وهي كيفية معالجة ادعاء أهل السنة بعدم ولادة الإمام المهدي عليه السلام ودعوى تواتره، هل هذه حجة قطعية لديهم؟
ج 11/ تقرر في محله أنه يجب على الباحث التجرد عن الرواسب السلبية اتجاه أية قضية يحاول البحث حولها، ونجد أن من ادعى عدم ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف من أهل السنة لم يكن بالمستوى المطلوب في هذا المجال فانصاع لدواع سلبية وبواعث العصبية ومقتضيات الحقد الدفين اتجاه ذرية علي وفاطمة عليهما السلام فلم ينظر في قضية المنتظر عجل الله فرجه الشريف بعين مجردة فحصل ما حصل، ومعلوم أن الخبر الذي يدعى تواتره على قمسين أحدهما: أن يكون مغزاه إثبات وجود شيء، الثاني: ما يقتضي عدم الشيء، ومن الجلي الذي لا ينبغي الارتياب فيه أن الصنف الثاني لا يُثبتُ في معظم الأحيان إن صح السند أو تواترت الأخبار، الا عدم الوجدان، فلو ثبت وجود ذلك الشيء ولو بخبر واحد معتبر لم يكن هناك تصادم بين الخبر المتواتر النافي للوجود أو للعلم به وبين ما دل على ثبوت ذلك الشيء، فإن جل الروايات التي نقلت عن طريق أبناء العامة وأهل السير منهم فإن مغزاها ينحصر في أن نقلة الأخبار لم يجدوا للحسن العسكري عليه السلام عقباً وهو لا يثبت سوى عدم العلم بالوجود إذ لم يصل سلسلة شيء من تلك الروايات إلى نفس العسكري أو أم الإمام المنتظر يثبت عدم وجود الإمام المنتظر باعتراف والديه، فعليه دعوى التواتر من أبناء العامة _ إن صحت _ لا تسمن ولا تغنيهم شيئاً، فيبقى المجال واسعاً لتصول وتجول أدلة الاثبات في ميدان البحث، كيف وقد ثبت بالتواتر ولادة الإمام سلام الله عليه، وكثرة من رآه في المهد وحينما كان يحبو وحينما ترعرع وحينما بلغ يافعا إلى انتهاء زمن الغيبة الصغرى بموت النائب الرابع من نوابه الأربعة الذين كانوا سفراء ووسطاء بينه وبين شيعته عليه السلام ، ويزيد على ذلك ان هناك من أبناء العامة من اعترف بولادته سلام الله عليه: فهذا ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ينقل عن أهل الاطلاع أن عمر الإمام المنتظر عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة. وابن خلكان في وفيات الأعيان قال ما نصه ضمن ترجمة العسكري سلام الله عليه أبو محمد حسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية وهو والد المنتظر صاحب السرداب ويعرف بالعسكري وأبوه علي أيضاً يعرف بهذه التسمية.
وقال في منتخب الأثر: ذكر ابن شحته الحنفي في تاريخه المسمى بروضة المناظر في أخبار الأوائل (وولد لها الحسن يعني الحسن العسكري ولده المنتظر الثاني عشر ويقال له المهدي والقائم والحجة محمّد، ولد في سنة خمس وخمسين ومائتين إلى أن قال وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين)، وذكر ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ولد أبو القاسم محمّد الحجة ابن الحسن الخالص بسر من رأى في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة ثم ساق نسبه الشريف من جهة أبيه إلى سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وقال: وأما أمه فأم ولد يقال لها نرجس خير أمة، وقيل اسمها غير ذلك، وأما كنيته فأبو القاسم، وأما لقبه فالحجة والمهدي والخلف الصالح والقائم المنتظر وصاحب الزمان وأشهرها المهدي، ونقل المحدث النوري في كتابه كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار عن أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد الشافعي في كتابه مطالب السؤول (أبو القاسم محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب المهدي الحجة الصالح المنتظر عليهم السلام).
وكذلك نقل في كشف الأستار عن الحافظ أبي الفتح محمد ابن أبي الفوارس الشافعي وغيره في المصدر المذكور من أقوال أهل السنة الذين آمنوا بولادة الإمام المنتظر ولا يقل عددهم عن ثلاثين من أهل البحث والتحقيق فمع هذه الأقوال لا يبقى مجال لأي شك في ولادة الإمام ووجوده الشريف.
س 12/ ربما يكون من أهم الأدلة العقلية على وجود الإمام الحجة عليه السلام هو قاعدة اللطف وذلك باعتبار أن الوصول إلى الكمال لا يحصل إلا بالنظام وذلك لا يتم إلا بوجود الإمام فوجوده لطف مقرب إلى الطريق المفضي إلى الكمال. ولكن هذه القاعدة العقلية لا ترتضيها مدرسة الإمام الخوئي قدس سره حسب علمنا حيث أخذت عليها بعض الايرادات وربما غيرها من المدارس الفكرية، وعلى هذا الأساس ما هي أهمية قاعدة اللطف في الاستدلال على الإمام المهدي عليه السلام ؟ وهل يوجد لدينا دليل آخر عقلي غير قاعدة اللطف يفيدنا في هذا الباب؟
ج 12/ يمكن التحدث حول هذا الموضوع في هذه العجالة ضمن نقاط:
1 _ إثبات وجود الإمام في كل عصر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو وجود الحجة المتصف بالعصمة في كل عصر عن طريق اللطف ينحصر بثوابت العدلية نظراً إلى أنهم هم القائلون بقاعدة اللطف وبامتناع تركه على الله سبحانه، فعلى فرض صحة الاستدلال بها لا يكاد يغني في مقام الاثبات عندما يكون البحث مع من لا يقول بهذه القاعدة مضافاً إلى أن من أنكر إمكانية إثبات وجود الإمام بالقاعدة إنما يرفض إمكانية الاستناد إليها لشبهة اعترته.
2 _ محاولة إثبات وجود الإمام بدليل عقلي، وينبغي أن نعلم في هذا الصدد أنه قد يختلط على من يكتفي بالنظرة السطحية في المباحث العلمية الحكم العقلي بالحكم العقلائي، فالحكم الذي لا يرجع إلى أول الأوائل: امتناع اجتماع النقيضين ويدرك العقلاء صحته فهو عقلائي وليس بعقلي، وهو يتوقف الحكم بصحته على الترويض والتأديب والاصلاح، ومن نتائج هذا الخلط حصول التخبط وادعاء البداهة والضرورة من المتخاصمين على ثبوت ونفي لشيء واحد، فهو من بواعث التأمل في ما يصدر من الاعلام لئلا يذهب الناظر شططاً.
3 _ إثبات الأدلة التي أقيمت أو يمكن إقامتها في محل البحث إنما تكون عقلائية ولا تكون عقلية بالنحو الذي أشرنا إليه وينبغي التنبيه على ذلك.
4 _ إذا أردنا إقامة الدليل العقلائي على مسلمات الخصم جدلاً فلا يستند إلى المستقلات العقلائية وتلخيصه أن الشارع المقدس قد نهى عن الظلم وقد دلت الآيات الشريفة على أن الله لا يرضى الظلم لعباده فهو قبيح لديه ولا ريب أنه يستحيل دفع الظلم بدون المعصوم إذ غيره لا يؤمن منه الظلم ودعوى امكان تقويمه بغيره مفضوحة بلزوم الدور أو التسلسل وبعدم كفاية ذلك وجداناً فإن القواعد والقوانين الوضعية التي يدعى إنها عادلة أو مدعومة بمجالس تراقب تصرفات الحاكم كلها لم تتمكن من إزالة الظلم، والفساد من العالم بل ولا عن منطقة واحدة بل تسببت في ازدياد الظلم ولأجل ذلك أقرت الإمامية العصمة في الحاكم المطلق والتنصيص من الله سبحانه لأجل امتناع إحرازه إلاّ من قبله.
وإذا أردنا صياغة الحجة على موازين العدلية فيمكن أن يقال: الظلم قبيح والرضا به قبيح أيضاً وإبقاءه واستمراره كأصل حدوثه قبيح أيضاً كل ذلك بحكم العقل والعقلاء استناداً إلى التحسين والتقبيح العقليين أو العقلائيين كما نبه الله على قبح الرضا بالظلم بقوله: (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ). ولا ريب أن الظلم قائم وحاصل وهو نتيجة تولي الأمور من قبل المجرد عن العصمة المتأثر بالشهوات والرغبات المادية والنفسانية، وإن تمكن أحد منهم السيطرة على أهوائه سيطرة تامة فرضاً فهو غير مؤيد بروح القدس ولا مسدد بالوحي الإلهي أو الإلهام فيتعثر عثرة تلو الأخرى للجهل والقصور الملازمين لغير المعصوم، هذا إن فرض خلوه عن التقصير الغير المتعمد حسب الخيال أو المنتهي إلى التعمد ولو في مراحل المقدمات وإعداد الأسس، فعليه يجب في حق القادر على إزالة الظلم قطع دابره واجتثاث جذوره ولا يتم إلا بوجود إمام معصوم يتولى تأسيس قواعد يبنى على أساسها المجتمع وتبنى المدينة الفاضلة التي تحتوي على آراء أهل المدينة الفاضلة التي هي بُغيَة الأنبياء ومقصد الصالحين وغاية الشهداء من تضحياتهم. وقد وعد الله سبحانه بقوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ).
هذه جملة موجزة في هذا الشأن ضمن العجالة المفروضة حسب الموازين المتحكمة حالاً.
س 13/ قد يشكل البعض ويلقي شبهه مفادها ضعف الروايات الدالة على ولادة الإمام عليه السلام من الناحية السندية. والسؤال هو كيف نتعاطى مع الروايات التاريخية والعقائدية إن أصيبت بمثل هذا الخلل السندي وهل نحكم عليها كما هو العمل في روايات الأحكام حيث تصنف إلى الصحاح والموثق والحسن والضعيف؟
ج 13/ النظر في سند الرواية محطة أخبار الاحاد، والروايات المروية الحاكية لولادة الإمام المنتظر متواترة معنى لأنها كثيرة جداً ذكرها العلماء في مصادر الحديث والروايات مثل إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق، والمجلسي في البحار وغيرهما من أبطال هذا الميدان فإنها كثيرة جداً وقد تقدمت الاشارة ضمن الجواب الحادي عشر إلى جملة وافرة من علماء أبناء العامة الذين اعتقدوا واثبتوا في كتبهم ولادته سلام الله عليه كالشمس في رائعة النهار، بل كالنار على المنار، ولكن ماذا نفعل في قبال من عميت بصيرتهم وعُمِّشت عيونهم بالحقد على الحق وزُقّ البغض لأهل بيت العصمة زقاً (لا تَعْمَى الأَْبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
س 14/ هنالك روايات مستفيضة تفيد حرمة التصريح باسم الإمام المهدي عليه السلام وتعلل ذلك بوقوع الطلب حين ذكر الاسم وملاحقته من قبل الظالمين وهنا نتساءل:
أ _ ما قيمة هذه الروايات من الناحية السندية؟
ب _ هل يعني التعليل في الروايات بوقوع الطلب عدم الحرمة فيما لو ارتفع المحذور المفترض، أو أن عدم ذكر الاسم أمر تعبدي لا علاقة له بزمان دون زمان؟
هـ _ كيف نفهم نهي الأئمة عليهم السلام عن ذكر الاسم والحال أنه معلوم وواضح لكل أحد حتى لأعدائه، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشّر به وقال: (اسمه اسمي وكنيته كنيتي)، فعلى هذا الأساس ما هي الثمرة من إخفاء الاسم مع أنه معلوم لكل أحد؟
ج 14/ الروايات الناهية عن التصريح باسم ولي الله الأعظم كثيرة ولا يبعد دعوى التواتر الاجمالي أو المعنوي، وذلك يغنينا عن النظر في سند كل واحدة على أنه لا يبعد أن يدعى وثاقة صدور بعضها فعلى هذا الأساس لا ينبغي الريب في ثبوت النهي عن ذكر اسمه المقدس، وأما دعوى أن الحكم معلل أو مرتبط بإمكان وقوع البحث وتحريض الطلب على الإمام وتعريضه للاغتيال أو الأذى بنحو آخر فلا ينبغي أن يصغى إليه بعد ورد التصريح في جملة وافرة من أخبار الباب بأن اسمه اسم رسول الله وكنيته ولقبه معروفان لدى القاصي والداني ولدى المؤمن والكافر ولدى الموالي والمعادي، على أنه بإمكان الإمام إذا سأله أحد عن اسمه الشريف بأن يسمي نفسه باسم آخر وله أسماء كثيرة يتمكن من أن يضلل به الباحث عنه فالظاهر أن النهي عن ذكر اسمه الشريف بعنوان العلم به ممنوع تعبداً وإلاّ فقد صرح باسمه المقدس وما زال علماء النسب والتاريخ يصرحون بأن والده يكنى بأبي محمد.
وأما البحث عن الثمرة في إخفاء اسمه المقدس فيرتفع موضوعه بعد الالتزام بتعبدية الحكم المذكور، ولا يبعد أن يكون للإخفاء فوائد منها إكثار هيبة اسمه الشريف بمعنى أنه كما غيب شخصه وأمرنا بإخفاء اسمه ليشتاق الناس وتتشوق القلوب إلى اسمه الشريف قبل اشتياقهم إلى ذاته المقدسة ويمكن افتراض فوائد أخرى أيضاً.
س 15/ نجد في هذا الوقت من ينتحل زوراً شخصية معينة كوكيل خاص للإمام عليه السلام وأن هناك اتصالاً يحدث بينه وبين الإمام عليه السلام مما حدا بالبعض إلى تصديقهم ومتابعتهم فما هي نصيحتكم؟
ج 15/ قد ورد في التوقيعات الشريفة المروية عنه سلام الله عليه بطريق الخلص من أصحابه انقطاع السفارة بينه وبين شيعته منذ وقوع الغيبة الكبرى فمن ينتحل زوراً وبهتاناً شخصية معينة كوكيل خاص للإمام عليه السلام أو سفير بينه وبين شيعته وأنه يتلقى الأوامر والنواهي منه عليه السلام مباشرة فهو كذاب أشر فاسد ومفسد ويكذب على الإمام المعصوم ويجب ردعه بكل وسيلة ممكنة وفضحه وفضح نواياه ليأمن المسلمون شره ولو تمكن الحاكم الشرعي لوجب تعزيره وتعزير من يصدقه، وأما انخداع بعض العوام وتصديق مثل هؤلاء الباهتين فلا يستغرب، فإن الناس في كل زمان هم الناس، وقد روى القرآن الكريم قصة عبادة اليهود لعجل السامري مع وجود هارون بينهم وميل الناس عن أشرف المخلوق بعد رسول الله إلى من لا يكاد يدرك شأوه ولا ينال غباره، ولكن الزمان هو الزمان يقول سيد الأوصياء (متى اعترى بي الريب مع الادل منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر) (انزلني الدهر ثم انزلني حتى قيل علي ومعاوية).
س 16/ كيف يرتبط الإنسان من الناحية العملية بالإمام المهدي عليه السلام ؟
ج 16/ كما أن الارتباط بالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ممكن بل مطلوب شرعاً إذ هو إمام زماننا ونحشر يوم القيامة في قيادته لقوله سبحانه: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ونحن نعيش تحت رعايته وسلمنا الله تعالى ويسلم سائر المؤمنين ببركته ودعائه بل بيمنه رزق الورى وبجوده ثبتت الأرض والسماء، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ولكن ينبغي أن يعلم أن فقدان الارتباط بالإمام لا ينبغي أن يعزى إلى انقطاع الفيض منه وانصراف عطفه عنا فإن ذلك يعاب على الكريم بل هو كآبائه الطاهرين مصدر كل خير ومنبع كل رحمة وإنما ينشأ للقصور أو التقصير فينا نحن، فإنا نجد أن سيد الشهداء سلام الله عليه صرف بعضهم عن الخروج معه إلى القتال ودعا آخرين إلى الالتحاق به ويفسر ذلك باختلاف مراتب الأشخاص وتفاوت الصلاحيات الذاتية المكتسبة والموهوبة.
ومن هذا المنطلق يجب على كل مكلف إعداد نفسه وإصلاحها ليستعد لقبول الفيوض الربانية ويطهر عيونه لتكتحل بالنظر إلى الغرة الحميدة والطلعة الرشيدة، وينبغي أن نعلم أن أول الأوائل في هذا السبيل ترسيخ العقيدة بالمبادئ الإسلامية وضروريات الدين الحنيف ثم ترويض النفس بالأخلاق الحسنة بالابتعاد عن المعاصي والسعي في خلع الملكات الرذيلة والاستعانة بالمرشدين العلماء الأبرار ولو من خلال مؤلفاتهم وتزيين النفس بالمستحبات واللجوء إلى الله تعالى بكل كيانه ليعينه على نفسه ويطلب منه الثقة به تعالى ويستجديه التوكل عليه ويستفيضه العون والهداية والقوة والتسديد في السلوك إليه، وقد ورد في غير واحد من الروايات أن ولاية أهل البيت لا تدرك إلا بالتقوى والجهاد مع النفس، وقد ورد أن شيعتهم هم المتقون نرجوه سبحانه أن يعيننا على أنفسنا ويهب لنا الثقة به ويجود علينا بالتوكل عليه بالمغفرة عما سلف والعون على ما بقي.
س 17/ كما هو واضح لدى سماحتكم من تواتر الروايات وإجماع المسلمين واتفاق الفرق الإسلامية جميعاً على أن عيسى بن مريم يصلي خلف الإمام المهدي عليه السلام حين ظهوره السؤال هو: ما هي الدلالات والمعطيات العلمية العقائدية التي يمكن أن نستفيدها من خلال هذه الظاهرة؟
ج 17/ قد جرت السنة الإلهية أن يبعث مع الهداة من كبار الأنبياء والمرسلين من يصدقهم ويكون عوناً له بأمر من الله تعالى على تحمل المسؤوليات وقد أعان تعالى موسى بأخيه هارون استجابة لدعائه (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) وكذلك كان دعاء الرسول الأعظم فأعانه الله سبحانه بأبي طالب أولاً في أول البعثة وبابن عمه علي ابن أبي طالب عليه السلام وهكذا كثيرٌ من الأنبياء والرسل، وأعان الله إبراهيم بنبيه لوط، فلا بأس في أن يكون قد ادخر الله عيسى بن مريم لأداء هذه المهمة الصعبة المستصعبة، كما أنه يكون وجود عيسى بن مريم واقتداءه في الصلاة حجة على من يدعي أنه على دين عيسى ليلتزم باتباع حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبرز ثماره دعم موقف الإمام المنتظر بعيسى بن مريم وقطع للمعاذير ودحض للأباطيل، ويكون تأكيداً على وحدة الدين من لدن آدم إلى ظهور الإمام المنتظر وتأكيداً وتفسيراً لقوله سبحانه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) وفي اقتداء عيسى بن مريم وانضوائه تحت لوائه تأكيد على أشرفية شريعة الرسول الأعظم وأكمليته وردع لمن يعتقد ببنوة عيسى لله سبحانه (نستجير بالله) وإثبات لعبوديته ليكون تفسيراً عملياً لقوله سبحانه: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) وفوق كل ذلك دخول عيسى بن مريم في جيش الإمام وأنصاره بيان لعظمته فإن عظمة الجند يكشف عن عظمة القائد وشرافة الرعية يكشف عن شرافة السلطان، وهذه بعض ما يمكن عده من المعطيات لهذه الظاهرة الشريفة ظاهرة صلاة عيسى خلف المهدي.
س 18/ كيف نتعامل مع الروايات التي تذكر مشابهة اسم أبي الإمام المهدي عليه السلام لاسم أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الاتحاد في اسم الأب وهو عبد الله علماً أن هذه الروايات لا تقتصر على أهل السنة، بل بعض الشيعة أشاروا إلى ذلك تمشيا مع تلك الروايات فما هو الاعتبار العلمي لمثل هذه الروايات من الناحية السندية والدلالية.
ج 18/ الرواية التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلت على أن اسم أبي الإمام المنتظر هو نفس اسم والد النبي الأعظم يعني عبد الله هذه الرواية يجب رفضها حسب الموازين العلمية وذلك:
أولاً: إنها ضعيفة السند أو مقطوعته.
وثانياً: لا يمكن أن تقف في وجه الروايات الكثيرة التي حددت نسب الإمام سلام الله عليه وبينت أنه يكون الثاني عشر في سلسلة الإمامة مثلاً يقول الإمام الصادق أنه يكون المهدي هو الخامس من ولد السابع ثم نص الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه وهو الإمام المعصوم على ابنه وأنه هو الموعود كل هذه الروايات ترفض وتدفع تلك الرواية.
وثالثاً: من القريب جداً أنها مفتعلة ومكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجل تأييد وتقوية سلطة بني العباس فالمنصور الدوانيقي سعى في صرف أنظار الناس عن أولاد علي ابن أبي طالب عليه السلام وذرية رسول الله وحاول أن يدعي أن المهدي الموعود يكون هو الخليفة من أولاد المنصور ويصفه بالعدالة والتقوى، وأن مثله في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية ومن الواضح أنها محاولة يائسة وأنه كما تنبه له الرجل نفسه لبعض ما يرد على هذه المحاولة ويدفعها مثل الحديث المستفيض أن عيسى بن مريم يصلي خلف المهدي وأنه من ولد فاطمة وأولاد الحسين عليهما السلام وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فالمتحصل أن هذه الرواية وإن ذكرت في بعض مجاميعنا إلا أنه لا دليل على اعتبارها بل هناك قرائن تنفيها لما أشرنا إليه.
س 19/ نلاحظ في بعض الروايات الصادرة عن صادق العترة عليه السلام وغيره التعبير عن الإمام المهدي عليه السلام (الخامس من ولد السابع) السؤال هو: لماذا هذا التعبير؟ ألم يكن بالإمكان قوله عليه السلام: السادس من ولدي مثلاً أو الثاني عشر منا أهل البيت كما استفاض التعبير بهذا عن الأئمة عليهم السلام أم أن هناك إشارة إلى أوجه شبه وروابط بين الإمام الكاظم وبين المهدي أراد الإمام الصادق عليه السلام التلميح إليها من خلال هذا التعبير؟
ج 19/ ينبغي التأمل في أن تنسيق الكلام وترتيب الجمل تتحكم فيه عوامل عديدة بعد فرض صحتها من حيث اللغة والاعتبارات النحوية والصرفية ونعني بتلك العوامل المقتضيات البلاغية والتي يجب أن تسيطر على الأسلوب ووضع الجمل وطولها وقصرها وتقديم بعضها على البعض وإضافة بعضها أو حذف بعضها ومن هذا المنطلق لا يبعد أن تكون غاية الإمام الصادق سلام الله عليه حين التعريف بالإمام المهدي بأنه الخامس من ولد السابع مع الإمكان أن يقول هو السادس من ولدي أو الثاني عشر من أئمة أهل البيت أنه قصد بمقتضى البلاغة ليكون الكلام أوفى في الجوانب التي يريد الإمام التأكيد عليها منها: التأكيد والتنصيص على إمامة ابنه الإمام موسى بن جعفر وأن المهدي يكون من أولاده ولا يبعد أيضاً أنه قصده سلام الله عليه بيان بعض أوجه الشبه بين الإمام موسى بن جعفر وبين الإمام المهدي سلام الله عليهما. مثل اضطرار الإمام موسى بن جعفر إلى الابتعاد عن الشيعة زمن المنصور الدوانيقي كابتعاد الإمام المنتظر عن شيعته. ومنها اضطراراً الإمام الصادق إلى إخفاء وصيته عن كثير من الناس من كون موسى بن جعفر هو وصيه والإمام من بعده واشتباه جملة من الواقفية لأجل طول سجن الإمام سلام الله عليه واحتجابه عن شيعته حتى اعتقدوا أنه الغائب الموعود، وكتعرض شيعة الإمام موسى بن جعفر للضغوط والمطاردة لأجل البحث عن الإمام الذي أوصى إليه الصادق سلام الله عليه على غرار تعرض الشيعة لمثل ذلك زمان غيبة الإمام المهدي الصغرى. وينبغي أن نعلم أنه ربما تكون هناك (دواع بلاغية) توفرت حين كلام الإمام الصادق المذكور في مجلس الحديث واختفت تلك الدواعي بانقراضه ولم تنقل ضمن نقل الرواية إلينا وما أكثر ما يحدث مثل ذلك للمتكلمين.
هذا ما تيسر تقديمه في هذه العجالة ومن الله نستمد العون والعفو والتوفيق والتسديد والسلام.
الهوامش
(1) الكافي 1: 287/ ح 1، و1: 294/ ح 4، و4: 149/ ح 3، و4: 556/ ح 2، و8: 27/ ح 4؛ من لا يحضره الفقيه 1: 229/ ح 686، و2: 559/ ح 3144؛ إكمال الدين وإتمام النعمة: 78 و276؛  تهذيب الأحكام 3: 144/ ح 317 و3: 263/ ح 746؛ مسند أحمد 1: 84 و118 و119 و152 و331، و4: 281 و370 و372، و5: 347 و366 و370 و419؛ سنن ابن ماجة 1: 45/ ح 121؛ سنن الترمذي 5: 297/ ح 3797، وغيرها كثير... ولزيادة الاطلاع راجع كتاب الغدير للشيخ الأميني.
(2) الكافي 2: 89/ ح 7؛ وسائل الشيعة 15: 309/ ح 20600.
(3) المغني لابن قدامة: 9/ 54.
(4) المستصفى: 112.
(5) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 133.
(6) كتاب الغيبة للنعماني: 301/ الأحاديث 6 و11 و12 و13، الإمامة والتبصرة: 95/ ح 87.
(7) الفتح: 28.
(8) فرق الشيعة: 105.
(9) فرق الشيعة : 116.
(10) فرق الشيعة: 116.
(11) كذا في المصدر، ولكن المذكور في نهج البلاغة كما يلي: (اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته). نهج البلاغة 4: 37/ الخطبة 147.
(12) فرق الشيعة: 116 و117.
(13) الكهف: 22.
(14) راجع الاحتجاج للطبرسي: 1/ 115.
(15) لاحظ: ميزان الاعتدال للذهبي 2: 243؛ التأريخ الكبير للبخاري: 4/ 104.
(16) لاحظ: إكمال الدين وإتمام النعمة: 432.
(17) غافر: 36.
(18) رجال النجاشي: 63.
(19) الكافي 5: 491/ ح 2؛ من لا يحضره الفقيه 3: 451/ ح 4557؛ تهذيب لأحكام 8: 168/ ح 11؛ صحيح البخاري 3: 5 و5: 96؛ صحيح مسلم 4: 171؛ سنن ابن ماجة 1: 646...
(20) إكمال الدين وإتمام النعمة: 424؛ روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 256؛ دلائل الإمامة للطبري: 499.
(21) الغيبة للشيخ الطوسي: 357؛ إكمال الدين وإتمام النعمة: 431 وفيه: (هذا صاحبكم بعدي...).
(22) إكمال الدين وإتمام النعمة: 376.
(23) إكمال الدين وإتمام النعمة: 21، 33، 342.
(24) إكمال الدين وإتمام النعمة: 368.
(25) مسند أحمد 1: 398؛ مستدرك الحاكم 4: 501؛ مجمع الزوائد للهيتمي 5: 190؛ كفاية الأثر للخزاز القمي: 42؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1: 249؛ الخصال للصدوق: 468؛ الكافي للحلبي: 99، عمدة الطالب لابن عنبة: 68؛ ولفظ ح (...بعدد، عدد، عدة نقباء، عدد أسباط بني إسرائيل... ).
(26) إكمال الدين وإتمام النعمة: 315/ ح 2.
(27) إكمال الدين وإتمام النعمة: 316/ ح 1.
(28) إكمال الدين وإتمام النعمة: 317/ ح 2.
(29) إكمال الدين وإتمام النعمة: 323/ ح 6.
(30) إكمال الدين وإتمام النعمة: 330/ ح 14.
(31) التكوير: 15 و16.
(32) إكمال الدين وإتمام النعمة: 330/ ح 14.
(33) إكمال الدين وإتمام النعمة: 333/ ح 1، و: 338/ ح 1، و: 338.
(34) إكمال الدين وإتمام النعمة: 33.
(35) إكمال الدين وإتمام النعمة: 335/ ح 7.
(36) مسائل عليّ بن جعفر: 325/ ح 810؛ الإمامة والتبصرة: 113/ ح 100؛ الكافي 1: 336/ ح 2؛ علل الشرائع 1: 244/ ح 4؛ إكمال الدين وإتمام النعمة: 360/ ح 1؛ دلائل الإمامة للطبري: 534/ ح 516؛ كتاب الغيبة للطوسي: 377/ ح 284.
(37) إكمال الدين وإتمام النعمة: 372/ ح 6.
(38) راجع: إكمال الدين وإتمام النعمة: 369/ الباب 35، ما روي عن الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام.
(39) إكمال الدين وإتمام النعمة: 377/ ح 1.
(40) إكمال الدين وإتمام النعمة: 409/ ح 9.
(41) إكمال الدين وإتمام النعمة: 435/ ح 12.
(42) إكمال الدين وإتمام النعمة: 432/ ح 12.
(43) الكافي 1: 330.
(44) إكمال الدين وإتمام النعمة: 430/ ح 3.
(45) إكمال الدين وإتمام النعمة: 430.
(46) كتاب الغيبة للطوسي: 393.
(47) كتاب الغيبة للطوسي: 244.
(48) إكمال الدين وإتمام النعمة: 430/ ح 5.
(49) كتاب الغيبة للطوسي: 232.
(50) كتاب الغيبة للطوسي: 232.
(51) إكمال الدين وإتمام النعمة: 430/ ح 6.
(52) إكمال الدين وإتمام النعمة: 431/ ح 7.
(53) إكمال الدين وإتمام النعمة: 435/ ح 3.
(54) كتاب الغيبة للطوسي: 234/ ح 203.
(55) إكمال الدين وإتمام النعمة: 473/ ح 25.
(56) إكمال الدين وإتمام النعمة: 473/ ح 1.
(57) إكمال الدين وإتمام النعمة: 409/ ح 9.
(58) إكمال الدين وإتمام النعمة: 476/ ح 26.
(59) كتاب الغيبة للطوسي: 251/ ح 221.
(60) إكمال الدين وإتمام النعمة: 473/ ح 25.
(61) كتاب الغيبة للطوسي: 234/ ح 204.
(62) كتاب الغيبة للطوسي: 238/ ح 206.
(63) كتاب الغيبة للطوسي: 245/ ح 214.
(64) الأنبياء: 23.
(65) الروم: 41.
(66) لاحظ: مختصر بصائر الدرجات: 117؛ بحار الأنوار 52: 336/ ح 71.
(67) الرحمن: 29.
(68) المائدة: 64.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page