التاريخ: ٢٠٠٩/٠٥/٠٢
نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله): اعبد الله تعالی کانّک تراه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يعد من الاحاديث المتسمة باهمية الدلالية والجمالية، اما اهميته الدلالية فتتشمل في المهمة العبادية التي او کلها الله تعالی للانسان عبر قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. وهذا يعني: ان المهمة التي خلق الله تعالی الانسان من اجلها هي ممارسة العبادة، وهذا ما تنطق به فقرة (اعبد الله)، ولکن الشطر الاخر من العبارة هي (کأنک تراه).
ان فقرة (کانک تراه) سنحدثک عن جماليتها بعد قليل ولکن يجدر بنا اولا ان نحدثک عن علاقتها بالشطر الاول من العبارة وهو (اعبد الله). فما ذا نستلهم من ذلک؟
بلاغة الحديث
ثمة فارق کبير بين النظرية وبين التطبيق في ميدان السلوک کما انّ: هناک فارقاً بين الاقوال وبين الافعال فالذي يمارس الصلاة مثلاً او يقرأ القران الکريم او يمارس عملاً ثقافياً من اجل نشر الاسلام الخ قد يصلي وذهنه في واد آخر او يقرأ القرآن ولا يعي ما يقرأ، او يکتب ويخطب او يمارس التعليم ويشرک مع الله تعالی الأخرين لکسب الجاه واو المال، هؤلاء جميعاً يعبدون الله تعالی ولکنهم لا يذکرون الله تعالی في قلوبهم او لا يحضرون الله تعالی في اذهانهم حين الصلاة او قراءة القرآن الکريم او حين الخطابة او الکتابة او التعليم بقدر ما يعنون ايضاً بالجاه او المال او بقضية دنيوية يشغلون بها اذهانهم اثناء الصلاة او القراءة. من هنا قال النبي (صلى الله عليه وآله) أمرنا بان نمارس هذه الاعمال وغيرها مع حضور الله تعالی في اذهاننا وذلک من خلال قناعتنا بان الله تعالی ينظر الی اعمالنا ويرتب عليها اثراً جزائياً هو رضاه والجنة او غضبه والنار، اعاذنا الله تعالی منها. وهذا فيما يتصل بالحديث النبوي دلاليا. ولکن ما هي صياغته جمالياً؟
الحديث هو تشبيه عملي وطريف قد اعتمد اداة هي (کأن) حيث قال (کأنک تراه) ، وهذه الاداة تختلف عن غيرها من ادوات التشبيه نحو (الکاف) او (مثل) وغيرها بانها ترصد الاقل حسياً او معنوياً من عندها حيث تمثل (الکاف) التشبيه الاعلي من الشمائل لو شبه قلب اليهودي بالحجارة حيث يتماثلان في القسوة ولذلک قال تعالی (قلوب کالحجارة)، بينما (کأن) تمثل الاقل تماثلاً لان الله تعالی لا يری حسياً بصفته منزّهاً عن الحدوث ولذلک استخدم النبي (صلى الله عليه وآله) (کأن) ليبعد عن ذلک بجلاء حيث لا يری الله تعالی ولکن التشبيه له طرافته من جانب کونه سمح لنا بان (نتخيل) او (نتصور) او (نحسب) بان الله يرانا، وحينئذ نخلص في عملنا فلا نبحث عن الجاه او المال او الزخارف الدنيا وهذا هو ما يجسد طرافة الحديث بالنحو الذي اوضحناه.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir