التاريخ: 2009/06/23
نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السلام): اعبد الله کأنک تراه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من الاحاديث الحافلة بدلالته المثيرة، وبلاغته الفائقة. اما من حيث دلالته، فانه يشير الی العبادة وصلتها بالله تعالی، ومن البيّن ان المقصود من العبادة هو: العبادة بمعناها الأعم، اي: مطلق ما يقوم به العبد من السلوک، سواء کان شعائريا کالصلاة والصوم، او غيره من الأعمال الاقتصادية والاجتماعية والادبية الخ، کالبيع والشراء والانفاق والتأليف والتوظيف الاداري، حيث طالب النص الانسان المسلم بان يمارس عمله بالنحو الذي رسمه له الله تعالی، وذلک بان يکون مطابقا للمبادئ الاسلامية، خالصاً لله تعالی، بمنأی عن الرياء، والّا يعمل في الخفاء ما يخجل منه في العلن، وهذا ما عبر عنه بصياغة صورة تشبيهية هي: (اعبد الله کأنک تراه)، وهذا التشبيه ينطوي علی نکات متنوعة، يجدر بنا ان نحدثک عنه الآن.
بلاغة الحديث
الصورة المتقدمة نطلق عليها مصطلح (الصورة العملية) اي: الصورة غير المرکبة من ادوات تخيليّة لا واقع لها من حيث الواقع الخارجي، ان الله تعالی يرانا ولا نراه، انه تعالی ليس بحادث، وهو منزّه عن الرؤية، ولکن يتعين علی العبد ان يضع في ذهنه ان الله تعالی مطلّع علی ما يمارسه العبد ليس في النطاق الحرکي فحسب بل حتی الخطرات في الذهن، والصدر والقلب، وفي ضوء هذه الحقيقة اذا کنّا نخجل من العمل السئ امام الناس، ألا يتعين علينا ان نخجل من الله تعالی: مادام هو يرانا؟ کيف نخجل من الناس، ولا نخجل من الله تعالی؟
هذه الحقيقة يجسّدها الحديث القائل (اعبد الله کانک تراه) اي: اذا کنا نتصور بان الله تعالی يرانا، حينئذ سنخجل حقاً من ممارسة المعصية؟
وکأننا نری الله تعالی مادام يرانا: حينئذ لا نعمل أي عمل مخالف لما يريده الله تعالی وهذا هو العطاء الضخم الذي يرشح به هذا الحديث: حينما ندقق فيه، ونطبّق ما طالبنا به، اي: حينما نعتقد تماماً وحقاً بان الله تعالی مطّلع علی ما نمارسه من الأعمال من هنا ايضاً ندرک السر الکامن وراء التشبيه الواقعي الذي قدّمه الامام (عليه السلام) حيث استخدم اداة (کأن) وهي اداة تشبيهة تختلف عن الادوات التشبيهية الاخری من حيث انها لا تجعل طرفي التشبيه حسياً بقدر ما تجعله ذهنيا، ولکنه اشد من التأثير الحسّي في ذهنية العبد.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir\