فولى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أخو عثمان لأمه، وأسمها أروى، وقد صرح النبي (ص) أنه من أهل النار! كما في رواية المسعودي في مروج الذهب، ج1، في أخبار عثمان، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور، ومتظاهرا بالفجور:
وذكر أبو الفداء في تاريخه، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني 4/178، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 104، الإمام أحمد في المسند 1/144، والطبري في تاريخه 5/60، والبيهقي في سننه 8/318، وابن الأثير في أسد الغابة 5/91، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/18 ط. دار احياء التراث العربي.
هؤلاء وغيرهم من أعلام السنة ذكروا: أن الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم: إن شئتم أزيدكم!!
وبعضهم ذكر بأنه تقيأ في المحراب، فشم الناس منه رائحة الخمر، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك، فشكوه إلى عثمان، فهدد الشهود وأبى أن يجري الحد عليه، فضغط عليه الإمام علي (ع) والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة، حتى اضطر إلى ذلك، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه، وهو لا يقل عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور.
وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة، وكان معاوية عاملا لعمر على دمشق والأردن، فضم إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة (43).
هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام، وإنما كانوا متهمين في دينهم، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدثنا المفسرون في ذيل الآية الكريمة: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)(44).
فالمؤمن علي (ع) والفاسق الوليد.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(45)، وقال المفسرون في شأن نزولها : إن الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول الله (ص) وادعى أنهم منعوه الصدقة، ولو قصصنا مخازيه ومساوئه لطال بها الشرح.
وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم، ولا يسمع فيهم شكاية كارها، وربما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!
______________________________
43- نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4/79 ط. دار إحياء التراث العربي، قال: وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله، عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال أتيت مسجد رسول الله ص و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فقلت ما هذا قالوا معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد، فقال رسول الله ص لعن الله التابع و المتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه ـ يعني الكبير العجز ـ.
و قال روى العلاء بن حريز القشيري أن رسول الله ص قال لمعاوية لتتخذن يا معاوية البدعة سنة و القبح حسنا أكلك كثير و ظلمك عظيم.
وفي صفحتي 80 و 81 نقل أبي الحديد عن شيخه، قال:
قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه ـ لاشتهار الخبر به و إطباق الناس عليه ـ أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا و يشتمه و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله ص و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا فقال له علي ع اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما: (أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) السجدة /18.
و سمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله ص الفاسق فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.
قال: و سماه الله تعالى فاسقا في آية أخرى و هو قوله تعالى: ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...) سورة الحجرات / 6و سبب نزولها مشهور.
قال: و كان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله ص يشنؤه و يعرض عنه و كان الوليد يبغض رسول الله ص أيضا و يشنؤه و أبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة و الذي كان يؤذي رسول الله ص في نفسه و أهله و أخباره في ذلك مشهورة فلما ظفر به يوم بدر ضرب عنقه و ورث ابنه الوليد الشنئان و البغضة لمحمد و أهله فلم يزل عليهما إلى أن مات.
((المترجم))
44- سورة السجد، الآية 18.
45- سورة الحجرات، الآية 6.