• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تعقيب

 

تعقيب:

وأنا اُوجّه للاُستاذ فرغل سؤالا هو: لو أنّ هذه الاُمور التي استنكرها عند الشيعة وجدت عند السنّة، فهل ينتقد السنّة أو لا؟ وستعجب من هذا السؤال وتقول: كيف لا ينتقدهم والموضوع واحد، ولا فرق بين أن يقول به السنّة أو الشيعّه؟! وأنا اُجيبك أنـّه لا ينتقدهم إذا كانوا غير شيعة، وهو ما وقع بالفعل، لأنـّهم قالوا بهذه الاُمور التي نقد بها الشيعة، وساُوقفك على قولهم فيما يلي:

1 ـ الأمر الأوّل: الذي نقد به الشيعة: القول بالعصمة، ولا أحتاج أن اُكرّر ما سبق أن ذكرته ودللت عليه من قول كثير من السنّة بالعصمة إن لم يكن كلّهم، ومع ذلك لم يعرض لهم يحيى فرغل بالنقد، على أنّ يحيى فرغل أهون من غيره في هذا الباب، ذلك أنّ غيره كان أكثر منه عنفاً وتهجّماً، خذ مثلا: الدكتور نبيه حجاب اُستاذ الأدب - لو كان هناك أدب - في دار العلوم بالقاهرة، إنّ هذا الرجل يشتم الشيعة شتماً عجيباً، ويعتبر عقيدتهم بالعصمة مظهراً من مظاهر الشعوبية، فاسمعه يقول:

إنّ هذه العقيدة تسرّبت للشيعة عن الفرس الذين نشؤوا على تقديس الحاكم، لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية([1])، ولعلّ غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلى تنزيه عليٍّ(عليه السلام) عن الخطأ حتّى يتضح للملأ عدوان بني اُمية في اغتصاب الخلافة، هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب التي تسرّبت إلى الشيعة([2]) .

أسمعت هذه الاُنشودة التي يتناقلها الخلف عن السلف بصورة بلهاء؟ وقد فنّدنا لك هذا الزعم فيما مضى من مبحث فارسية التشيّع.

لكنّ الذي اُريد السؤال عنه: ماهو الخطأ في سلوك الإمام عليٍّ(عليه السلام) في نظر نبيه حجاب؟ هل هو الحروب التي قام بها من أجل مبادئ ممّا أدّى إلى عدم الاستقرار، في الوقت الذي لم يستقرَّ فيه وضع الاُمويين إلاّ على الجماجم؟

وعلى كلّ حال لا يضرّ عليّاً أن يخطِّـئه نبيه حجاب بعد أن قال فيه الرسول: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ» . ومن الطبيعي جدّاً أن يكون عليّ في جانب مع مَنْ هو مِنْ معدنه، ونبيه حجاب ومَنْ هم مِنْ معدنه في الجانب المقابل .

2 ـ الأمر الثاني: الذي استنكره فرغل: هو كون النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته من نور واحد. ولا أدري ما هو وجه الاستغراب بعد أن أثبت الشيعة ذلك من مصادره الصحيحة؟ هل لأنّ ذلك لم يصادف هوى في نفوس من لا يوالون أهل البيت، أو ماذا؟

ثمّ لماذا إذا وجد مثل هذا عند السنّة لا يكون داعياً للاستغراب . هذا الذهبي يروي في ميزان الاعتدال حديثاً عن طريق أبي هريرة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «خلقني الله من نور، وخلق أبابكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق عثمان من نور عمر، وعمر سراج أهل الجنّة»([3]) .

ولا أدري لماذا جاء النور إلى حد عثمان ولم يصل إلى عليٍّ مع أنّه على الأقل خليفة رابع؟!

لك الله يا ابن أبي طالب! وما أدري ماذا يقول الاُستاذ فرغل؟ هل هذا غلوّ، أو لا؟! أفتونا يرحمكم الله.

هذا، مع أنـّه من الطبيعي وحدة السنخيّة بين الإنسان وأهله، وآل محمّد عِدل الكتاب وعَيبة علم النبيّ، فلماذا يستكثر عليهم الاُستاذ فرغل ما لا يستكثره على غيرهم؟!

3 ـ الأمر الثالث: الذي استنكره الاُستاذ فرغل: هو علم أهل البيت بالشريعة والعلوم القرآنية وعلوم السنّة الشريفة، وأن يكونوا محدّثين، وهنا يُقال: إنّ علم أهل البيت: إمّا أن يكون بالطرق العادية كالتلقّي والمدارسة، أو يكون من قبيل الإلهام وأنّهم محدَّثون.

أمّا الطريق الأوّل فهو محقق لأهل البيت، لأنّهم نشأوا في بيت محمّد(صلى الله عليه وآله)وتربّوا في حجره، وأخذوا العلوم من هذه البيئة وهذا أمر لا غبار عليه .

أمّا العلم بالطريقة الثانية هو الإلهام والتحديث كما تذهب إليه الروايات، فالمسلمون كلّهم يقرّون بذلك، وسأذكر جملة من نصوصهم في إمكان مثل هذا العلم:

يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني عند تفسير الآية من سورة النحل، وهي قوله تعالى: (قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)([4])، عقَّبَ عليها فقال: لعلّ الحقّ أن يقال: إنّ علم الغيب المنفي عن غيره جلّ وعلا هو ما كان للشخص بذاته، أي بلا واسطة في ثبوته له، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفيّ في شيء، وإنّما هو من الواجب عزّ وجلّ إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه، فلا يقال: إنّهم علموا بالغيب بذلك المعنى فإنّه كفر، بل يقال: إنّهم اُظهروا واطّلعوا على الغيب([5]) .

وما قاله الآلوسي هو عين ما ورد عن أئمة أهل البيت، يقول الإمام الرضا ثامن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) «يُبسط لنا العلم فنعلم، ويُقبض عنّا فلا نعلم»([6]) وهذا المعنى هو عين مفاد الآية، وهي قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول)([7]).

وفي شرح هذه الآية يقول الرضا(عليه السلام) لعمرو بن هداب وقد سأله عن علم الأئمة؟ قال: «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو المرتضى عند الله، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه، فعلّمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة»([8])

وفي هذا المعنى يقول النيسابوري المفسّر: إنّ امتناع الكرامة عن الأولياء: إمّا لأنّ الله ليس أهلا لأن يعطي المؤمن ما يريد، وإمّا لأنّ المؤمن ليس أهلا لذلك، وكلّ منهما بعيد . فإنّ توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى بعبده، فإذا لم يبخل الفيّاض بالأشرف لأن لا يبخل بالأدون أولى .

وقد ألقى الإمام الصادق(عليه السلام) الضوء على بعض العلوم التي أخذوها من القرآن بالطرق الطبيعية، وذلك عندما سأله بعض أصحابه؟ فقال الصادق: «إنّي أعلم ما في السماوات والأرض، وأعلم ما في الجنّة والنار، وأعلم ما كان وما يكون» فلما رأى أنّ السائل استغرب كلامه، قال الإمام: «إنّي علمت ذلك من كتاب الله عزّوجلّ الذي يقول: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)»([9])، وقد روى ذلك عنه وعن نظرية تلقّي أهل البيت للعلم ] السيد [المقرّم في فصل كبير([10]) .

 

السُنّة وعلم الغيب:

وبعد أن أشرت إلى أنّ الشيعة يرون أنّ الإمام مستعدّ لأن يفيض عليه الله عزّوجلّ من نوره وعلمه، لأنّه إذا وُجد القابل فلا بخل في ساحة الله تعالى، فعلم الغيب للذات عند الشيعة مختصّ بالله تعالى، أمّا علم أهل البيت: فإمّا إفاضة مباشرة من الله عن طريق الإلهام أو التحديث، أو بتوسّط النبيّ، على أنـّه لا يُنكر أنّ هناك من يغلو في أهل البيت، ونحن من هؤلاء بُراء، وسيمرّ علينا ذلك، إلاّ أنّ الذي اُريد قوله: إنّ أهل السنّة يثبتون علم الغيب لأئمتهم على نحو ما يفعل الشيعة، ويرون أنـّهم محدّثون .

ومن ذلك: ما رواه القرطبي في تفسيره للآية من سورة الحج، وهي قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول وَلاَ نَبِيٍّ)([11]) إلى آخر الآية، فقال: جاء عن ابن عباس أنّه كان يقرأ الآية هكذا: «وما أرسلنا قبلكَ من رسول ولا نبي ولا  محدّث . . .» إلى آخره . ذكره مسلمة بن القاسم بن عبدالله، ورواه سفيان عن عمر بن دينار عن ابن عباس، قال مسلمة: فوجدنا المحدّثين معتصمين بالنبوّة، لأنّهم تكلّموا باُمور عالية من أنباء الغيب خطرات، ونطقوا بالحكمة الباطنة فأصابوا فيما تكلّموا وعصموا فيما نطقوا، كعمر بن الخطاب في قصّة سارية وما تكلّم به من البراهين العالية، هذا هو نصّ ما أورده القرطبي([12]). وكذلك روى السيوطي قراءة الآية المذكورة وتكلم عن المحدّثين في تفسيره الدرّ المنثور فراجعه([13]) .

وقد روى البخاري في صحيحه باب مناقب عمر، عن أبي هريرة قال: قال النبيّ(صلى الله عليه وآله): «لقد كان فيما قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من اُمّتي فيهم أحد، فعمر».

كما أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عائشة عن النبيِّ(صلى الله عليه وآله)«قد كان في الإسلام قبلكم محدّثون، فإن يكن في اُمّتي منهم أحد، فعمر بن الخطاب منهم»([14]) .

ولم يقف الأمر عند الخلفاء ولكنّه وصل إلى عمران بن الحصين، فعن مطرف قال: قال لي عمران بن الحصين: اُحدّثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين حجة وعمرة، ثمّ لم ينه عنه حتّى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرّمه، وإنّي كنت اُحدّث حتّى اكتويت، فتركت، ثمّ تركت الكيَّ فعاد، وقد روى ذلك كلّ من الدارمي ومسلم في صحيحيهما([15]) .

ولست أدري ماهي صلة الكي بهروب المحدّث والعلم عند الحصين رحمه الله؟!

بل إنّ عمر بن عبدالعزيز الخليفة الاُموي كان الخضر يمشي معه ويحدّثه، كما روى ذلك ابن حجر في التهذيب([16])!!

وبعد كلّ هذا الذي أوردناه، فهل يشكّل هذا مبرّراً لأن يكون أهل البيت ممّن يفاض عليهم العلم، أو لا؟ أغلب الظن أنّ الإشكال سيبقى قائماً، وسيبقى الشيعة غلاة، أو مخرفين، لأنّهم يقولون: إنّ الأئمة(عليهم السلام) يعلمون الغيب بأمر الله .

4 ـ الأمر الرابع: الذي استنكره الاُستاذ فرغل: أن تأتي منزلة أئمة أهل البيت بعد منزلة النبيّ(صلى الله عليه وآله)مباشرة عند الشيعة، والمقصود: الأئمة الاثنا عشر فقط لا غيرهم، والحقيقة أنّ الشيعة ليسوا هم الذين وضعوا الأئمة بهذا الموضع، بل السماء هي التي وضعتهم، والشيعة تعبّدوا بأمر السماء، يقول الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([17]) . فقد تظافرت الروايات على نزولها في الإمام عليٍّ(عليه السلام)، وأنّها أشركته في الولاية العامة.

وقد روى ذلك كلّ من: الفخر الرازي في تفسيره، وابن جريرالطبري في تفسيره، والبيضاوي في تفسيره، وأبي حيان في تفسيره، والزمخشري في تفسيره، وابن كثير في تفسيره([18])، وغيرهم، ثم من بعد القرآن الكريم أعطته السنّة النبويّة هذه المكانة، فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي»، والحديث من الأحاديث المتواترة، وقد أخرجه أهل الصحاح، ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب فضائل عليَّ من صحيح البخاري، وكذلك من صحيح مسلم .

ويأتي أولاد عليٍّ(عليه السلام) من بعده، وقد وضعهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) في هذه المكانة، وليس أدلّ على ذلك من أنه جعلهم عِدل الكتاب، فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً . . .»([19]) إلى آخر الحديث.

والآن لنرجع إلى الفكر السنّي فسنجده يضع أئمّته في نفس الموضع بدون نكير، بل يرى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ وهو المسدّد بالوحي ـ لا يستغني عن هؤلاء الأئمة لحاجته إليهم، يقول الحاكم في المستدرك بسنده عن حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول: «لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالا يعلّمون الناس السنن والفرائض، كما بعث عيسى بن مريم الحواريين»، قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّه لا غنى بي عنهما، إنّهما من الدين كالسمع والبصر»([20]) .

بل أعطى السنّة للصحابة منزلة تساوي منزلة النبيّ من ناحية حجّية أقوالهم وأفعالهم وكونهم مصدراً للتشريع، يقول موسى جار الله في الوشيعة: «نحن فقهاء أهل السنّة والجماعة نعتبر سيرة الشيخين الصدّيق والفاروق أصلا تعادل سنن الشارع في إثبات الأحكام الشرعية في حياة الاُمّة وإدارة الدولة، وأنّ الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة، وأنّها ناصفتها في تثبيت أركان دين الإسلام»([21]) .

فالخلفاء كما ينصّ جار الله هنا سيرتهم تعادل سُنّة النبيّ ونصّ القرآن، والخلفاء معصومون كالنبيّ(صلى الله عليه وآله)، وأنـّهم شاطروا النبيّ، فلهم نصف تثبيت الإسلام، وللنبيّ(صلى الله عليه وآله)النصف الثاني.

ويقول الإمام الغزالي: مذهب الصحابي حجّة مطلقاً([22]) .

ويقول ابن قيّم الجوزية: إنّ فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها وإن اختلفوا، فإن كان الخلفاء الأربعة في شقّ فلا شكّ أنّه الصواب، وإن كان أكثرهم في شقّ فالصواب الشقّ الأغلب، وإن كانوا اثنين واثنين فشقّ أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب، فإن اختلف أبوبكر وعمر فالصواب مع أبي بكر، وكلّما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب([23]) .

وما أدري ما يقصده ابن القيّم من قرب العهد؟! فإذا كان يريد القرب الزماني فكلّ الخلفاء كانوا مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) في زمان واحد، وإن كان يريد القرب المكاني بالإضافة لذلك فعليّ كان ألزم للنبيّ(صلى الله عليه وآله) من ظِلِّه، فعلى تعليل ابن القيّم يجب تقديم قوله إذا تعارض مع أقوال غيره .

ودعني اُحدّثك عن أروع من هذا كلّه، وهو: أن يكون قول بعض أئمة السنّة هو المقياس لتصحيح القرآن وأحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله) إذا اختلف الكتاب والسنّة مع قول ذلك الإمام، يقول الكرخي من أئمّة الأحناف:

الأصل وجوب العمل بقول أبي حنيفة، فإن وافقه نصّ الكتاب والسنّة فذاك، وإلاّ وجب تأويل الكتاب والسنّة على وفق قول أبي حنيفة، وقد ذكر ذلك الاُستاذ رشيد رضا في تفسير المنار([24]) عند تفسير الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً)([25]) .

ويأتي القوشجي دون الكرخي بمرقاة، فإذا كان الكرخي جعل فقه الأحناف هو المقياس الذي يعرض عليه الكتاب والسنّة، فإنّ القوشجي جعل للخليفة عمر حقّاً في أن يجتهد مقابل الرسول، فاسمعه في مبحث الإمامة من كتابه شرح التجريد يقول: إنّ عمر قال وهو على المنبر: أيها الناس، ثلاث كُنَّ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأنا أنهى عنهنّ واُحرّمهنّ واُعاقب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيَّ على خير العمل، ثم عقّب القوشجي على ذلك بقوله: إنّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحاً فيه، فإنّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهاديّة ليس ببدع([26]) .

بعد ذلك نقول للاُستاذ فرغل: إنّنا نضع الإمامة بعد النبوّة، ونتعبّد بما أعطاه النبيّ(صلى الله عليه وآله)للإمام من صلاحيات، ولكنّنا لا نجعل الإمام مقياساً يعرض عليه الكتاب والسنّة، بل العكس، المقياس هو الكتاب والسنّة، ونرمي بما خالفهما عرض الجدار، كما أنّنا لا نجيز الاجتهاد مقابل النصّ، كما اعتبر القوشجي النبيّ(صلى الله عليه وآله) على أنّه مجتهد وقد خالف بذلك إطلاق قوله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)([27])، ومع ذلك فإنّ تقويم الإمام عندنا موضع استغراب، بينما يذهب غيرنا في أئمتهم إلى ما ذكرناه عنهم، ومع ذلك لا تسمع من ينقدهم، فلماذا هذا يااُستاذ فرغل؟ هل حاولت مرّةً أنت أو أمثالك أن تسألوا أنفسكم عن صحّة عقائدكم، أو تنقدوها كما تنقدون غيركم، أَمْ أنّكم شعب الله المختار يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم، أم ماذا؟!

5 ـ الأمر الخامس: اعتبر الاُستاذ فرغل روايات الشيعة بأنّها مناخ صالح للغلوّ، واُريد أن أشرح للاُستاذ فرغل موقف الشيعة من الغلوّ والغلاة: فالغلوّ عرّفه الطبرسي في تفسيره عند شرح ] هذه[ الآية من سورة المائدة: (قُل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)([28]) بأنـّه ما يقابل التقصير وهو تجاوز الحدّ، فقال: إنّ معنى الآية: لا تتجاوزوا الحدّ الذي حدّه الله لكم إلى الازدياد، وضدّه: التقصير، وهو الخروج عن الحدّ إلى النقصان، والزيادة في الحدّ والنقصان عنه كلاهما فساد، ودين الله الذي أمر به هو بين الغلوّ والتقصير، وهو الاقتصاد: أي الاعتدال([29]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . ولا أعرف أحداً من العرب قال ذلك في حدود اطلاعي. (المؤلف).

[2] . مظاهر الشعوبية في الأدب العربي : 492 .

[3] . ميزان الاعتدال : 1/166 .

[4] . النحل: 65.

[5] . روح المعاني: 20/9 .

[6] . الكافي: 1/256/1.

[7] . الجنّ: 26 ـ 27.

[8] . الخرائج والجرائح: 1/343، البحار: 64/281.

[9] . النحل : 89 .

[10] . مقتل الحسين للمقرَّم: 24 فصاعدأ، باب علم الإمام.

[11] . الحجّ: 52 .

[12] . انظر القرطبي في تفسيره: تفسير سورة الحجّ.

[13] . انظر الدر المنثور : 4/366 .

[14] . صحيح البخاري وصحيح مسلم: باب فضائل عمر .

[15] . الغدير للأميني : 6/282.

[16] . التهذيب لابن حجر : 7/477 .

[17] . المائدة : 55 .

[18] . تفسير الطبري: 4/628، تفسير القرآن العظيم: 2/77.

[19] . البيان والتعريف لابن حمزة الحنفي : 2/136 .

[20] . مستدرك الحاكم : 3/745 .

[21] . نظرية الإمامة : 61 .

[22] . المستصفى : 1/260 .

[23] . أعلام الموقعين : 4/118 .

[24] . تفسير المنار : 2/83 .

[25] . البقرة : 165 .

[26] . الغدير للأميني : 6/335.

[27] . النجم : 3 و4 .

[28] . المائدة : 77 .

[29] . مجمع البيان : 2/230 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page