• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

احتجاج علي (ع) بحديث الغدير

احتجاج علي (عليه السلام) بحديث الغدير‏
لقد ذكر المؤرخون والمحدثون بأن الإمام علي (عليه السلام) احتج على ‏خصمائه بحديث الغدير في مواطن متعددة، يريد بذلك إثبات خلافته للنبي ‏‏(صلى الله عليه وآله) مباشرة، ويستدل على إمامته على الأمة بعد رسول ‏الله. فنفهم من احتجاجه (ع) بجملة " من كنت مولاه فعلي ‏مولاه " أن المستفاد والمفهوم من المولى، الإمامة والخلافة وهي التصرف ‏في شئون الأمة والدولة الإسلامية.‏
ذكر كثير من أعلامكم احتجاجه (ع) بحديث الغدير في مجلس الشورى ‏السداسي الذي شكّله عمر بن الخطاب لتعيين خليفته وكان يريد باحتجاجه ‏على القوم إثبات أولويته بمقام الخلافة والإمامة، وأنه أولى من غيره بإمرة ‏المؤمنين وإمامة المسلمين.‏
منهم: الخطيب الخوارزمي في كتابه المناقب: ص 217.‏
وشيخ الإسلام الحمويني في كتابه فرائد السمطين / باب 58.‏
والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية.‏
وابن حاتم الدمشقي في كتابه الدر النظيم.‏
وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: 6 ص 168، ط. دار إحياء ‏التراث العربي.‏
وقد ناشد (ع) مرة أخرى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ‏رحبة مسجد الكوفة فقال: أنشدكم الله! من سمع رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه فليشهد!‏
فشهد قوم، وفي بعض الأخبار فشهد له ثلاثون نفرا من الصحابة، وفي ‏رواية بضعة عشر رجلا من الصحابة.‏
روى خبر مناشدته في الرحبة: أحمد بن حنبل في مسنده: ج1 ص 119 وج4 ‏ص 370.‏
وابن الأثير الجزري في أسد الغابة: ج3 ص 307 وج5 ص 205 و 276.‏
وابن قتيبة في معارفه: ص 194.‏
والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.‏
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج4 ص 74 ط. إحياء التراث ‏العربي.‏
والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج5 ص 26.‏
وابن حجر العسقلاني في الاصابة: ج2 ص 408.‏
والمحب الطبري في ذخائر العقبي: ص 67.‏
والنسائي في الخصائص: ص 26.‏
والعلامة السمهودي في جواهر العقدين.‏
وشمس الدين الجزري في أسنى المطالب: ص3.‏
والعلامة القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب 4.‏
والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية أو الموالاة.‏
وغير هؤلاء الأعلام الأكابر رووا خبر احتجاج الإمام علي (عليه السلام) ‏ـ في رحبة مسجد الكوفة ـ بحديث الغدير وناشد الحاضرين قائلا:‏
أنشدكم الله! من سمع منكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير ‏يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليقم وليشهد!‏
فقام ثلاثون رجلا وشهدوا، وكان إثنا عشر نفرا منهم ممن حضر بدرا، كلهم ‏شهدوا لعلي (عليه السلام) وقالوا: نحن رأينا النبي (صلى الله عليه وآله) ‏يوم غدير خم وسمعناه يقول للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ‏قالوا: نعم، قال (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه إلخ.‏
ولم يشهد بعضهم وكتم منهم أنس بن مالك وزيد بن أرقم. فدعا عليهما ‏الإمام علي (عليه السلام) فعمي زيد وأصيب أنس بالبرص في جبهته بين عينه لأن عليا (ع) قال: اللهم ارمه بيضاء لا تواريها العمامة(46).‏
فاحتجاج أمير المؤمنين ‏(عليه السلام) بحديث الغدير على خصومه لإثبات ‏خلافته وإمامته على الأمة، هو اكبر دليل على أن المقصود من كلمة المولى ‏في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) الأولوية والتصرف في شئون الأمة ‏والدولة الإسلامية.‏
وهنا علا صوت المؤذن لصلاة العشاء وانقطع كلامنا.‏
____________
46- لقد نقل كثير من أعلام أهل السنة خبر دعاء الإمام علي (عليه السلام) على ‏من كتم شهادته لحديث الغدير ولأهميته ننقله بالنصوص التي ذكروها، منها: ابن ‏أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج4 ص 74 ط. إحياء التراث العربي بيروت، تحت ‏عنوان [ فصل في ذكر المنحرفين عن علي ] قال:‏
و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين ‏كانوا منحرفين عن علي (عليه السلام) قائلين فيه السوء و منهم من كتم مناقبه و ‏أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة فمنهم أنس بن مالك.‏
ناشد علي ع الناس في رحبة القصر ـ أو قال رحبة الجامع بالكوفة ـ : أيكم سمع ‏رسول الله ص يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه "؟
فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها و أنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له يا أنس ‏ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها! فقال: يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت.‏
فقال: اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة.‏
قال:طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه. [ أي ‏أصيب بالبرص ].‏
و روى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن ‏أبي طالب عليهما السلام فقال: إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة ذاك ‏رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم ـ وقال ابن أبي الحديد ـ: روى أبو ‏إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن أن عليا عليه السلام نشد الناس من سمع ‏رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم ‏فلم يشهد و كان يعلمها فدعا علي عليه السلام عليه بذهاب البصر فعمي، فكان يحدث الناس ‏بالحديث بعد ما كف بصره. انتهى كلام ابن أبي الحديث.‏
أقول: وروى ابن الأثير في أسد الغابة: ج3 ص321 عن ابن عقدة بسنده عن هاني ‏بن هاني عن أبي اسحاق أنه قال: حدثني من لا أحصي، أن عليا نشد الناس في ‏الرحبة: من سمع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) " من كنت مولاه فعلي ‏مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه "؟
فقام نفر فشهدوا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتم قوم، ‏فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة.‏
منهم: يزيد بن وديعة، وعبد الرحمن بن مدلج.‏
روى هذا الخبر جمع من أعلم القوم منهم:‏
الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج9 ص 104.‏
وابن كثير في تاريخه: ج5 ص209 وج7 ص 347.‏
والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب: ص 94. ‏
أقول: وروى احمد بن حنبل في مسنده: ج1 ص119.‏
بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه: شهد عليا رضي الله عنه في الرحبة، ‏قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشهده يوم غدير خم إلا ‏قام؟ ولا يقوم إلا من قد رآه.‏
فقام إثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من ‏والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فقام إلا ثلاثة لم يقوموا ‏فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.‏
وأخرج ابن كثير في تاريخه: ج5/211 وج7/346 من طريق أبي يعلى وأحمد ‏بأسناديه ثم قال: وهكذا رواه أبو داود الطهوي... ورواه السيوطي في جمع الجوامع ‏والمتقي في كنز العمال: ج6/397 عن الدار قطني، ولفظه: خطب علي فقال: ‏أنشد الله امرء نشدة الإسلام سمع رسول (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم أخذ ‏بيدي ‏يقول: ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله! ‏قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من ‏نصره، واخذل من خذله، إلا قام فشهد؟ فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا، وكتم قوم ‏فما فنوا من الدنيا إلا عموا وبرصوا.‏
وأخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج5/26: بسنده عن عميرة بن سعد قال: ‏شهدت عليا ع على المنبر ناشد أصحاب رسول الله و فيهم أبو سعيد و أبو هريرة و ‏أنس بن مالك و هم حول المنبر و علي ع على المنبر و حول المنبر اثنا عشر هو ‏منهم فقال علي ع: نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله ص يقول من كنت مولاه ‏فعلي مولاه؟ فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم. و قعد رجل. فقال: ما منعك أن تقوم؟ ‏قال كبرت و نسيت يا أمير المؤمنين: فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببلاء حسن. ‏قال : فما مات حتى رأيت بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة.‏
اعلم أيها القارئ الكريم أن مصادر العامة في هذا الخبر وأمثاله أكثر مما ذكرت ولكن ‏رعاية للاختصار أعرضت عن ذكرها جميعا.‏
وإني أتعجب من هذا الأمر، فإن الاسلام يحكم لكل مدع يستند بشاهدين لإثبات ‏حقه ومدعاه، والإمام علي (عليه السلام) شهد له كما في بعض الروايات ثلاثون ‏رجلا، كما في رواية أحمد في مسنده: ج4/370 وأخرجه الحافظ الهيثمي في ‏مجمعه وصححه ، وأخرجه سبط بن الجوزي في التذكرة ص 17 والسيوطي في ‏تاريخ الخلفاء ص 65 والسيرة الحلبية: ج3/302.‏
وهو مع ذلك مغلوب على أمره! وإلى اليوم لا يعترف له كثير من المسلمين ‏ويرفضون حقه الثابت في إمامته وفي خلافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏مباشرة من غير فصل فهو الخليفة الأول، ومن تقدم عليه غاصب لحقه من غير شك ‏وريب.‏
وأما الكلام في الروايات التي ذكرت عدد الشهود في مناشدة الإمام علي (عليه ‏السلام) المسلمين في حديث الغدير لأهميته.‏
أو نقول: أن كلا من الرواة ذكر من عرفه أو التفت إليه، أو أنه ذكر من كان في جانبي ‏المنبر أو من كان إلى جنبه ولم يلتفت إلى غيرهم كما نقل النسائي في كتابه ‏خصائص مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) 26/ طبع مطبعة التقدم ‏بالقاهرة أخرج بسنده عن سعد بن وهب قال: قال علي كرم الله وجهه في الرحبة: ‏أنشد بالله من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم يقول: إن الله ‏ورسوله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ‏وانصر من نصره.‏
قال: فقال سعيد: قام إلى جنبي ستة، قال زيد بن منيع: قام عندي ستة. ‏فالشاهد في الخبر والمقصود، العبارة الأخيرة، أو لحساسية الموقف وأهميته وكثرة ‏الحاضرين ذهل بعض عن بعض فنقل كل راو من ضبطه من الشهود، إلى غير ذلك ‏من الاحتمالات.‏
وأود أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى هذا الأمر وهو: أن المناشدة كانت بعدما يقارب ‏من خمسة وعشرين عاما منن يوم الغدير، وفي هذه المدة كان كثير من الصحابة ‏قد قضى نحبه وكثير منهم انتشروا في البلاد وكثير منهم يوم المناشدة في المدينة ‏المنورة بعيدين عن الكوفة، ثم إن المناشدة كانت من ولائد الساعة بالاتفاق ‏والصدفة من غير أية سابقة وإعلام وكان في الحاضرين من يكتم شهادته سفها أو ‏بغضا كما مرت الروايات فيها، ومع ذلك شهد للإمام علي (عليه السلام) جم غفير، ‏فكيف ما لو لم تكن الموانع؟ ‏
((المترجم))



احتجاج علي (عليه السلام) بحديث الغدير‏
لقد ذكر المؤرخون والمحدثون بأن الإمام علي (عليه السلام) احتج على ‏خصمائه بحديث الغدير في مواطن متعددة، يريد بذلك إثبات خلافته للنبي ‏‏(صلى الله عليه وآله) مباشرة، ويستدل على إمامته على الأمة بعد رسول ‏الله. فنفهم من احتجاجه (ع) بجملة " من كنت مولاه فعلي ‏مولاه " أن المستفاد والمفهوم من المولى، الإمامة والخلافة وهي التصرف ‏في شئون الأمة والدولة الإسلامية.‏
ذكر كثير من أعلامكم احتجاجه (ع) بحديث الغدير في مجلس الشورى ‏السداسي الذي شكّله عمر بن الخطاب لتعيين خليفته وكان يريد باحتجاجه ‏على القوم إثبات أولويته بمقام الخلافة والإمامة، وأنه أولى من غيره بإمرة ‏المؤمنين وإمامة المسلمين.‏
منهم: الخطيب الخوارزمي في كتابه المناقب: ص 217.‏
وشيخ الإسلام الحمويني في كتابه فرائد السمطين / باب 58.‏
والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية.‏
وابن حاتم الدمشقي في كتابه الدر النظيم.‏
وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: 6 ص 168، ط. دار إحياء ‏التراث العربي.‏
وقد ناشد (ع) مرة أخرى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ‏رحبة مسجد الكوفة فقال: أنشدكم الله! من سمع رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه فليشهد!‏
فشهد قوم، وفي بعض الأخبار فشهد له ثلاثون نفرا من الصحابة، وفي ‏رواية بضعة عشر رجلا من الصحابة.‏
روى خبر مناشدته في الرحبة: أحمد بن حنبل في مسنده: ج1 ص 119 وج4 ‏ص 370.‏
وابن الأثير الجزري في أسد الغابة: ج3 ص 307 وج5 ص 205 و 276.‏
وابن قتيبة في معارفه: ص 194.‏
والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.‏
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج4 ص 74 ط. إحياء التراث ‏العربي.‏
والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج5 ص 26.‏
وابن حجر العسقلاني في الاصابة: ج2 ص 408.‏
والمحب الطبري في ذخائر العقبي: ص 67.‏
والنسائي في الخصائص: ص 26.‏
والعلامة السمهودي في جواهر العقدين.‏
وشمس الدين الجزري في أسنى المطالب: ص3.‏
والعلامة القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب 4.‏
والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية أو الموالاة.‏
وغير هؤلاء الأعلام الأكابر رووا خبر احتجاج الإمام علي (عليه السلام) ‏ـ في رحبة مسجد الكوفة ـ بحديث الغدير وناشد الحاضرين قائلا:‏
أنشدكم الله! من سمع منكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير ‏يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليقم وليشهد!‏
فقام ثلاثون رجلا وشهدوا، وكان إثنا عشر نفرا منهم ممن حضر بدرا، كلهم ‏شهدوا لعلي (عليه السلام) وقالوا: نحن رأينا النبي (صلى الله عليه وآله) ‏يوم غدير خم وسمعناه يقول للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ‏قالوا: نعم، قال (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه إلخ.‏
ولم يشهد بعضهم وكتم منهم أنس بن مالك وزيد بن أرقم. فدعا عليهما ‏الإمام علي (عليه السلام) فعمي زيد وأصيب أنس بالبرص في جبهته بين عينه لأن عليا (ع) قال: اللهم ارمه بيضاء لا تواريها العمامة(46).‏
فاحتجاج أمير المؤمنين ‏(عليه السلام) بحديث الغدير على خصومه لإثبات ‏خلافته وإمامته على الأمة، هو اكبر دليل على أن المقصود من كلمة المولى ‏في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) الأولوية والتصرف في شئون الأمة ‏والدولة الإسلامية.‏
وهنا علا صوت المؤذن لصلاة العشاء وانقطع كلامنا.‏
____________
46- لقد نقل كثير من أعلام أهل السنة خبر دعاء الإمام علي (عليه السلام) على ‏من كتم شهادته لحديث الغدير ولأهميته ننقله بالنصوص التي ذكروها، منها: ابن ‏أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج4 ص 74 ط. إحياء التراث العربي بيروت، تحت ‏عنوان [ فصل في ذكر المنحرفين عن علي ] قال:‏
و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين ‏كانوا منحرفين عن علي (عليه السلام) قائلين فيه السوء و منهم من كتم مناقبه و ‏أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة فمنهم أنس بن مالك.‏
ناشد علي ع الناس في رحبة القصر ـ أو قال رحبة الجامع بالكوفة ـ : أيكم سمع ‏رسول الله ص يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه "؟
فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها و أنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له يا أنس ‏ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها! فقال: يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت.‏
فقال: اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة.‏
قال:طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه. [ أي ‏أصيب بالبرص ].‏
و روى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن ‏أبي طالب عليهما السلام فقال: إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة ذاك ‏رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم ـ وقال ابن أبي الحديد ـ: روى أبو ‏إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن أن عليا عليه السلام نشد الناس من سمع ‏رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم ‏فلم يشهد و كان يعلمها فدعا علي عليه السلام عليه بذهاب البصر فعمي، فكان يحدث الناس ‏بالحديث بعد ما كف بصره. انتهى كلام ابن أبي الحديث.‏
أقول: وروى ابن الأثير في أسد الغابة: ج3 ص321 عن ابن عقدة بسنده عن هاني ‏بن هاني عن أبي اسحاق أنه قال: حدثني من لا أحصي، أن عليا نشد الناس في ‏الرحبة: من سمع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) " من كنت مولاه فعلي ‏مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه "؟
فقام نفر فشهدوا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتم قوم، ‏فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة.‏
منهم: يزيد بن وديعة، وعبد الرحمن بن مدلج.‏
روى هذا الخبر جمع من أعلم القوم منهم:‏
الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج9 ص 104.‏
وابن كثير في تاريخه: ج5 ص209 وج7 ص 347.‏
والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب: ص 94. ‏
أقول: وروى احمد بن حنبل في مسنده: ج1 ص119.‏
بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه: شهد عليا رضي الله عنه في الرحبة، ‏قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشهده يوم غدير خم إلا ‏قام؟ ولا يقوم إلا من قد رآه.‏
فقام إثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من ‏والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فقام إلا ثلاثة لم يقوموا ‏فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.‏
وأخرج ابن كثير في تاريخه: ج5/211 وج7/346 من طريق أبي يعلى وأحمد ‏بأسناديه ثم قال: وهكذا رواه أبو داود الطهوي... ورواه السيوطي في جمع الجوامع ‏والمتقي في كنز العمال: ج6/397 عن الدار قطني، ولفظه: خطب علي فقال: ‏أنشد الله امرء نشدة الإسلام سمع رسول (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم أخذ ‏بيدي ‏يقول: ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله! ‏قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من ‏نصره، واخذل من خذله، إلا قام فشهد؟ فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا، وكتم قوم ‏فما فنوا من الدنيا إلا عموا وبرصوا.‏
وأخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج5/26: بسنده عن عميرة بن سعد قال: ‏شهدت عليا ع على المنبر ناشد أصحاب رسول الله و فيهم أبو سعيد و أبو هريرة و ‏أنس بن مالك و هم حول المنبر و علي ع على المنبر و حول المنبر اثنا عشر هو ‏منهم فقال علي ع: نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله ص يقول من كنت مولاه ‏فعلي مولاه؟ فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم. و قعد رجل. فقال: ما منعك أن تقوم؟ ‏قال كبرت و نسيت يا أمير المؤمنين: فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببلاء حسن. ‏قال : فما مات حتى رأيت بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة.‏
اعلم أيها القارئ الكريم أن مصادر العامة في هذا الخبر وأمثاله أكثر مما ذكرت ولكن ‏رعاية للاختصار أعرضت عن ذكرها جميعا.‏
وإني أتعجب من هذا الأمر، فإن الاسلام يحكم لكل مدع يستند بشاهدين لإثبات ‏حقه ومدعاه، والإمام علي (عليه السلام) شهد له كما في بعض الروايات ثلاثون ‏رجلا، كما في رواية أحمد في مسنده: ج4/370 وأخرجه الحافظ الهيثمي في ‏مجمعه وصححه ، وأخرجه سبط بن الجوزي في التذكرة ص 17 والسيوطي في ‏تاريخ الخلفاء ص 65 والسيرة الحلبية: ج3/302.‏
وهو مع ذلك مغلوب على أمره! وإلى اليوم لا يعترف له كثير من المسلمين ‏ويرفضون حقه الثابت في إمامته وفي خلافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏مباشرة من غير فصل فهو الخليفة الأول، ومن تقدم عليه غاصب لحقه من غير شك ‏وريب.‏
وأما الكلام في الروايات التي ذكرت عدد الشهود في مناشدة الإمام علي (عليه ‏السلام) المسلمين في حديث الغدير لأهميته.‏
أو نقول: أن كلا من الرواة ذكر من عرفه أو التفت إليه، أو أنه ذكر من كان في جانبي ‏المنبر أو من كان إلى جنبه ولم يلتفت إلى غيرهم كما نقل النسائي في كتابه ‏خصائص مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) 26/ طبع مطبعة التقدم ‏بالقاهرة أخرج بسنده عن سعد بن وهب قال: قال علي كرم الله وجهه في الرحبة: ‏أنشد بالله من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم يقول: إن الله ‏ورسوله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ‏وانصر من نصره.‏
قال: فقال سعيد: قام إلى جنبي ستة، قال زيد بن منيع: قام عندي ستة. ‏فالشاهد في الخبر والمقصود، العبارة الأخيرة، أو لحساسية الموقف وأهميته وكثرة ‏الحاضرين ذهل بعض عن بعض فنقل كل راو من ضبطه من الشهود، إلى غير ذلك ‏من الاحتمالات.‏
وأود أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى هذا الأمر وهو: أن المناشدة كانت بعدما يقارب ‏من خمسة وعشرين عاما منن يوم الغدير، وفي هذه المدة كان كثير من الصحابة ‏قد قضى نحبه وكثير منهم انتشروا في البلاد وكثير منهم يوم المناشدة في المدينة ‏المنورة بعيدين عن الكوفة، ثم إن المناشدة كانت من ولائد الساعة بالاتفاق ‏والصدفة من غير أية سابقة وإعلام وكان في الحاضرين من يكتم شهادته سفها أو ‏بغضا كما مرت الروايات فيها، ومع ذلك شهد للإمام علي (عليه السلام) جم غفير، ‏فكيف ما لو لم تكن الموانع؟ ‏
((المترجم))



القرينة الرابعة


القرينة الرابعة
وبعدما انتهى القوم من صلاة العشاء وشربوا الشاي وتناولوا الفاكهة، ابتدأت ‏بالكلام فقلت:‏
وأما القرينة الأخرى التي تدل على أن معنى المولى في كلام رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله) يوم الغدير هو الأولية في التصرف في شئون الأمة ‏والدولة، قوله (صلى الله عليه وآله): ألست أولى بكم من أنفسكم؟، يشير ‏صلوات الله وسلامه عليه إلى الآية الشريفة: {النبي أولى بالمؤمنين من ‏أنفسهم}(1).‏
فقال الحاضرون كلهم: بلى يا رسول الله! فقال حينئذ: من كنت مولاه فهذا ‏علي مولاه، فسياق الكلام واضح والمرام أوضح وهو تثبيت ولاية علي ‏‏(عليه السلام) وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن النبي أولى بهم.‏
الحافظ: لقد ذكر هذه الجملة بعض المحدثين وهم قليل فأكثر المحدثين ‏وأعلامهم لم يذكروا بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ألست أولى بكم ‏من أنفسكم!‏
قلت: صحيح أن عبارات المحدثين وألفاظهم في نقل حديث الغدير وخطبة ‏النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم مختلفة، ولكن الذين ذكروا جملة " ‏ألست أولى بكم من أنفسكم " عن لسان رسول الله غير قليلين، إضافة إلى ‏جمهور علماء الشيعة ومحدثيهم وإجماعهم على ذلك. وأما أعلامكم الذين ‏ذكروا هذه الجملة من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) ‏وخطبته يوم الغدير فكثير منهم:‏
1ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: ص 18.‏
2ـ أحمد بن حنبل في / المسند.‏
3ـ ابن الصباغ المالكي في / الفصول المهمة.‏
4ـ الحافظ أبو بكر البيهقي في / تاريخه.‏
5ـ أبو الفتوح العجلي في / الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة.‏
6ـ الخطيب الخوارزمي في / المناقب / الفصل 14.‏
7ـ والعلامة الكنجي الشافعي في / كفاية الطالب / الباب الأول.‏
8ـ والعلامة القندوزي الحنفي في / ينابيع المودة / الباب 4.‏
نقله من مسند الإمام أحمد ومشكوة المصابيح وسنن ابن ماجة وحلية الأولياء ‏للحافظ أبي نعيم ومناقب ابن المغازلي الشافعي وكتاب الموالات لابن عقدة، ‏وكثير من أعلامكم غير من ذكرنا أسماءهم، كلهم ذكروا فيما رووا عن ‏النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير أنه قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟
فقالوا: بلى! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه... الخ.‏
والآن لكي يتبرك مجلسنا أنقل لكم نص ما رواه إمام أصحاب الحديث أحمد ‏بن حنبل في مسنده ج4 ص 281.‏
أخرج بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله) في سفره فنزلنا بغدير خم ونودي فينا بالصلاة جامعة فصلى الظهر ‏وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: ‏بلى، قال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من ‏عاداه، فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك، فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب ‏أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.‏
رواه المير علي الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الخامسة.‏
ورواه الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع.‏
ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء.‏
رووه مع اختلاف يسير في ألفاظه والمعنى واحد.‏
وروى ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة عن الحافظ أبي الفتح ‏ما نصه، فقال (صلى الله عليه وآله): أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى ‏مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فعلي مولاه.‏
وروى ابن ماجة في سننه والنسائي في خصائصه في باب / ذكر قول ‏النبي: من كنت وليه فهذا وليه(48).‏
أخرج بسنده عن زيد بن أرقم انه (صلى الله عليه وآله).. فحمد الله وأثنى ‏عليه ثم قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قال: بلى نشهد، لأنت أولى بكل مؤمن من نفسه.‏
قال: فإني من كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي عليه السلام.‏
ونقل ابن حجر خطبة النبي في يوم الغدير وذكر فيها قول النبي (صلى الله ‏عليه وآله) أنه قال: أيها الناس! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى ‏بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليا ـ اللهم وال من ‏والاه وعاد من عاداه / الصواعق المحرقة 25 / ط/ المطبعة ‏الميمنية بمصر.‏
وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفي 463 هجرية في تاريخه: ‏ج8 / 290 / بسنده عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي ‏الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي (صلى ‏الله عليه وآله) بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟
قالوا: بلى يا رسول الله.‏
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه الخ(49).‏
أظن أنه يكفي ما ذكرناه في خصوص قول رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله): " ألست أولى بكم من أنفسكم "؟ فلما أقروا له قال: من كنت مولاه ‏فعلي مولاه، فهذه الجملة بعد ذلك الإقرار، دليل واضح على أن المراد من ‏المولى الأولوية الثابتة للنبي (صلى الله عليه وآله) بنص القرآن الحكيم.‏
____________
47- سورة الأحزاب، الآية 6.‏
48- خصائص مولانا علي بن أبي طالب (ع): ص 22 / ط مطبعة التقدم بالقاهرة. ‏
((المترجم))
49- أرى نقل خبر أبي هريرة بكامله من تاريخ بغداد أتم للفائدة قال أبو هريرة بعد ‏ذكره حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال ‏فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن لأبي طالب: أصبحت مولاي ومولى كل ‏مسلم.‏
فأنزل الله: (اليوم أكملت لكم دينكم) الخ.‏
فيا ترى ما هذا الأمر الذي أكمل الله به الدين وأتم النعمة به على المسلمين، ومن ‏يرفضه فإن الله تعالى لا يقبل منه الإسلام ويحاسبه محاسبة الكفار والمنافقين؟
أليس ذلك ولاية علي بن أبي طالب (ع) وإمامته التي نقول إنها من أصول الدين؟ ‏وهي التي سوف نسأل عنها وتسألون يوم القيامة، كما يسأل عن التوحيد والنبوة ‏وسائر المعتقدات والفرائض.‏
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون) الصافات / 24 / روى عن ‏النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أي مسؤولون عن ولاية علي سلام الله عليه، كما ‏رواه شيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين. وابن حجر في الصواعق ‏المحرقة: ص89 / ط المطبعة الميمنية بمصر والحضرمي في رشفة الصادي / 24، ‏والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني روى عن ابن جبير وابن عباس وأبي ‏سعيد الخدري قال: يسئلون عن ولاية علي كرم الله وجهه وقال الآلوسي في ‏تفسيره: ج 23 / 74 في تفسيره للآية الشريفة ‏وبعد أن عد الاقوال فيها: وأولى هذه الأقوال أن السؤال عن العقائد والأعمال ورأس ‏ذلك لا إله إلا الله ومن أجله ولاية علي كرم اله وجهه.‏
والكشفي الترمذي في (مناقب مرتضوي) وأحمد بن حنبل في المسند عن أبي ‏سعيد الخدري أنه يسئل في القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب وروى الديلمي ‏في الفردوس عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري قال في قوله تعالى: أي يسئلون ‏عن الاقرار بولاية علي بن أبي طالب.‏
وفي أرجح المطالب ص 63: يسئلون عن ولاية علي (عليه السلام)‏.‏
والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، روى بسنده عن الشعبي عن ابن عباس: أي ‏يسئلون عن ولاية علي بن أبي طالب. وقال الحافظ الواحدي في تفسير السبط ‏ونقل عنه ابن حجر في الصواعق المحرقة 89/ في الفصل الأول / الآية الرابعة أنه ‏قال: روي في قوله تعالى: (و قفوهم إنهم مسؤولون) أي عن ولاية علي و أهل ‏البيت ع لأن الله تعالى أمر نبيه ص أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم عن تبليغ الرسالة ‏أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و المعنى أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما ‏أوصاهم النبي ص أم أضاعوها و أهملوها فتكون عليهم المطالبة و التبعة انتهى.‏
والفرقة بين المحبة والمودة، ان المحبة مكنونة في القلب والمودة اظهار المحبة ‏المكنونة وذلك بإطاعة المحب للمحبوب وزيارته والسعي في مسرته وكسب ‏مرضاته، وقد قيل:..‏

ان كان حبك صادقا لأطعته     إن المحب لمن يحب مطيع

وروى الخطيب الخوارزمي الحنفي في المناقب / 222 / ط ايران سنة 1312 هجرية ‏وأخرجه أيضا في كتابه مقتل الحسين (ع): ج2 / 39 / ط النجف الأشرف سنة ‏‏1367 هجرية بسند آخر عن الحسن البصري عن عبد الله قال قال رسول الله ص إذا ‏كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس و هو جبل قد علا على ‏الجنة و فوقه عرش رب العالمين و من سفحه تنفجر أنهار الجنة و تتفرق في الجنان ‏و هو جالس على كرسي من نور تجري بين يديه التسنيم فلا يجوز أحد على ‏الصراط إلا و معه براءة بولايته و ولاية أهل بيته يشرف على الجنة فيدخل محبيه ‏الجنة و مبغضيه النار.‏
ومن طريق البيهقي عن الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله): اذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة و نصب الصراط على جسر جهنم لم ‏يجزها أحد إلا من كانت معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب ع، وأخرجه المحب ‏الطبري في الرياض النضرة: ج2 /172.‏
فيا ترى ما هذه الولاية التي لولاها لم يدخل احد الجنة ومن فقدها فمصيره جهنم ‏وبئس المصير؟!‏
ثم اعلم ايها القارئ الكريم! لقد فسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلمة المولى ‏وأوضح مراده وكشف مقصده حينما سئل عن المعنى، ولفد أخرج القرشي علي بن ‏حميد في شمس الأخبار /38 نقلا عن " سلوة العارفين " للموفق بالله الحسين بن ‏اسماعيل الجرجاني والد المرشد بالله، باسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ‏لما سئل عن معنى قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال: الله مولاي أولى بي ‏من نفسي لا أمر لي معه و أنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم ‏معي و من كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي بن أبي طالب مولاه ‏أولى به من نفسه لا أمر له معه.‏
وقد ذكرنا أن ابن حجر نقل في صواعقه صفحة 25 / خطبة النبي (صلى الله عليه ‏وآله) في غدير خم ومن جملة حديثه الشريف:‏
ايها الناس! ان الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت ‏مولاه فهذا علي مولاه... الخ.‏
ولا يخفى عليك أهمية فاء التفريع في قوله تعالى: ـ فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ.‏
ولا يخفى عليك أهمية فاء التفريع في قوله: ـ فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ فيكون ‏معناه: أنه كلما يكون لي من الأولوية يكون لعلي (عليه السلام)‏.‏
وهناك بعض الأخبار التي ذكرها بعض أعلام السنة يصرح فيها عمر بن الخطاب بأن ‏عليا كان أولى من غيره بهذا الأمر.‏
ذكر الرغب في محاضراته: ج7 / 213: عن ابن عباس، قال كنت أسير مع عمر بن ‏الخطاب في ليلة و عمر على بغل و أنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي ‏طالب عليه السلام، فقال: أما و اللّه يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى ‏بهذا الأمر منّي و من أبي بكر!! فقلت في نفسي لا أقالني اللّه إن أقلته.‏
فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ و أنت و صاحبك وثبتما و انتزعتم منّا الأمر ‏دون الناس. فقال إليكم يا بني عبد المطلب! أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطاب، ‏فتأخّرت و تقدّم هنيئة، فقال: سر.. لا سرت، فقال: أعد عليّ كلامك. فقلت: إنّما ‏ذكرت شيئا فرددت جوابه، و لو سكت سكتنا. فقال: و اللّه إنّا ما فعلنا ما فعلنا ‏عداوة، و لكن استصغرناه و خشينا أن لا تجتمع عليه العرب و قريش لما قد وترها، ‏فأردت أن أقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يبعثه في الكتيبة فينطح ‏كبشها فلم يستصغره فتستصغره أنت و صاحبك؟ فقال: لا جرم، فكيف ترى؟ و اللّه ‏ما نقطع أمرا دونه، و لا نعمل شيئا حتّى نستأذنه.‏
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6/50 و51 / ط دار احياء التراث العربي ‏بيروت:‏
يروي عن عمر بن شبه بسنده عن ابن عباس أنه قال:... قال لي ـ أي عمر بن ‏الخطاب ـ يا ابن عباس أما و الله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ‏ص إلا أنا خفناه على اثنين.‏
قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بدا من مسألته عنه.‏
فقلت: ما هما يا أمير المؤمنين؟
قال: خفناه على حداثة سنه و حبه بني عبد المطلب!‏
كفى للمصنف هذه التصريحات في أولوية الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة ‏والإمامة على الأمة، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما كان رسول الله (صلى ‏الله عليه وآله). ‏
((المترجم))

القرينة الخامسة


القرينة الخامسة
لقد أثبت المؤرخون وسجل المحدثون أن حسان بن ثابت الأنصاري أنشأ ‏أبياتا في محضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير بعد أن نصب ‏عليا بالخلافة والإمامة وشرح ذلك الموقف الخطير في شعره الشهير ‏بمناسبة الغدير.‏
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ذكر سبط ابن الجوزي وغيره: ‏يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك.‏
وقد ذكر ذلك كثير من أعلامكم منهم:‏
الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر والمحدث الشهير في القرن ‏الرابع الهجري المتوفي سنة 352 في كتابه المناقب.‏
وصدر الأئمة الموفق بن أحمد الخوارزمي وفي المناقب والفصل ‏الرابع من كتابه مقتل الحسين عليه السلام.‏
وجلال الدين السيوطي في كتابه " رسالة الأزهار ".‏
والحافظ أبو سعيد الخركوشي في " شرف المصطفى ".‏
والحافظ ابو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.‏
والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.‏
والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.‏
وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب 12.‏
والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.‏
وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص /20.‏
والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.‏
وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرخيهم ذكروا عن أبي سعيد ‏الخدري انه قال: أن حسان بن ثابت قام بعدما فرغ رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) من خطابه يوم الغدير ، فقال: يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول ‏أبياتا؟
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): قل على بركة الله تعالى.‏
فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات:‏

يناديهم يوم الغدير نبيــهم     بخـــم فاسمع بالرسول مناديا
وقال فمن مولاكم و وليكم     فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا و أنت ولينــا     ولم تلف منا لك اليوم عاصـيا
فقال له قم يا علي فإننــي     رضيتك من بعدي إماما و هاديا
من كنت مولاه فهذا وليـه     فكونوا له أتباع صدق مـواليـا
هناك دعا اللهم وال وليـه     و كن للذي عادى عليا معاديـا
فيتضح لكل منصف من هذه الأبيات: أن الأصحاب والحاضرين في يوم ‏الغدير فهموا من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) وخطابه وعمله أنه ‏‏(صلى الله عليه وآله) نصب عليا (ع) إماما وخليفة على الناس، وأن رسول ‏الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية الأولوية والتصرف في شئون ‏العامة. فلذا صرح بذلك حسان في شعره بمسمع منه (صلى الله عليه وآله) ‏ومرأى:‏
فقال له قم يا علي فإننــي رضيتك من بعدي إماما و هاديا(50)‏
ولو كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقصد غير ما قاله حسان لأمر بتغير ‏شعره ولكنه (صلى الله عليه وآله) أيد شعر حسان وقال له: لا تزال مؤيدا ‏بروح القدس. وفي بعض الأخبار: لقد نطق روح القدس على لسانك! وهذا ‏البيت يؤيد ويصدق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبي (صلى ‏الله عليه وآله) في يوم الغدير فقال فيما قال (صلى الله عليه وآله):‏
اسمعوا وأطيعوا فإن الله مولاكم وعلي إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه ‏إلى يوم القيامة.‏
معاشر الناس هذا أخي ووصيي و واعي علمي وخليفتي على من آمن بي ‏وعلى تفسير كتاب ربي.‏
___________
50- نجد لغير حسان أيضا من الصحابة أبياتا تتضمن هذا المعنى منهم الصحابي ‏الجليل سيد الخزرج قيس بن سعد الخزرجي الأنصاري، كما ذكر أبيات شعره سبط ‏ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / 20/ فقال: إن قيس أنشدها بين يدي ‏علي (عليه السلام) في صفين:‏

قلت لنا بغى العدو علينــا:     حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البصرة     بالأمس والحديث طويل

ويقول فيها:‏

وعلـــــــي إمامــــــنا وإمـــــام     لســـوانا أتى به التنزيــل
يوم قال النبي: من كنت مولاه     فهذا مولاه خطب جــــليل
إنما قاله النبـــي على الأمـــــة    حتم ما فيـــه قـال وقيـــل

ومنهم عمرو بن العاص مع ما كان يحمله من البغضاء والعداء على أمير المؤمنين ‏‏(عليه السلام)‏، لكنه حينما تشاجر مع معاوية حول ولاية مصر وخراجه رد على ‏كتاب معاوية بقصيدة معروفة بالجلجلية، ولكي تعرف مصادرها من كتب العامة راجع ‏كتاب الغدير للعلامة الكبير والحبر الخبير الأميني قدس سره: ج2 ص114 وما بعد. ‏قال فيها:....‏

نصرناك من جهلنا يا ابن هند     على النــبأ الأفضـــل الأعظم
وحيث رفعناك فوق الرؤوس     نـــزلنا إلى أسفـــل الأســـفــل
وكم قد سمعنا من المصطفى     وصايا مخـــصصة في علي؟
وفي يوم ((خم)) رقى منـــبرا     يـــبلغ والركـــب لم يرحــــل
وفــي كفّــهِ كَفّــــهُ معلنــــــا     ينادي بأمر العزيـز العـــــلـــي
ألست بكم منكم في النفــوس     بأولى؟ قالوا: بـلى فافعـــل
فأنحــلـــه إمــرة المؤمنيــــن     من الله مستخـلــف المنحـــل
وقال: من كنت مولـــى لـــه     فهــذا لـــه اليــوم نـعم الولي
فوال مواليـــه يـا ذا الجـــلال     وعاد معادي أخ المـــرســـل
ولا تنقضوا العهد من عترتي     فقاطِعُهــــم بــيَ لم يــوصـــل
وقــال وليــكم فاحفـــــظـــوه     فمَدخلــــه فيكـــم مُدخـــــلـــي
فبخبـــخ شيخــــك لــمـا رأى     عُـــرى عَقْدِ حـــيْدَرَ لم تحــلّل

إلى آخر قصيدته التي يقول فيها مخاطبا لمعاوية:‏

فأنـــك فــي إمــرة المؤمنيـــن     ودعــوى الخلافــــة في معزل
ومـــا لـــك فـــيــهــــا ولا ذرة     ولا لـــــجــــــــــــدودك بـــالأول
فـإن كـــان بينـــكـــم نسبـــــة     فــــأيـن الحسام من المنجل؟!
وأين الحصى من نجوم السما؟     وأيــــن معاوية من علي؟!

أيها القارئ الكريم فكر في معنى البيتين وأنصف!‏

فأنحــلـــه إمــرة المؤمنيــــن     من الله مستخـلــف المنحــل
وقــال وليــكم فاحفـــــظـــوه     فـــمَدخلــــه فيكـــم مُدخــلـــي

هكذا فهم عمرو بن العاص حديث النبي وخطابه في الغدير. ‏
((المترجم))


الذين نقضوا العهد


الذين نقضوا العهد
على أي تقدير، سواء تفسرون حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما ‏نفسره نحن الشيعة، أو بتفسيركم أنتم بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد ‏من قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أي المحب والناصر، فمما لاشك ‏فيه أن الأصحاب خالفوا عليا (ع) بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ‏ولم ينصروه، فنقضوا العهد الذي أخذه منه نبيهم في الإمام علي (عليه ‏السلام)‏، وهذا لا ينكره أحد من أهل العلم والاطلاع من الفريقين.‏
فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر، وأن النبي يوم الغدير ‏أمر أصحابه أن يحبوا عليا وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم ‏النار ، وتهديدهم بحرق الدار ومن فيها، وترويعهم أهل البيت الشريف، ‏وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها، وإخراجهم عليا من البيت ‏كرها مصلتين سيوفهم عليه، يهددونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر، وضربهم ‏حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتى أسقطوا جنينها المحسن!!‏
فهل هذه الجرائم والجنيات التي ارتكبها كثير من الصحابة كان امتثالا لأمر ‏النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير؟! أم كان خلافا له وهل كل ما فعلوه ‏من حين السقيفة وبعدها إلى السيدة فاطمة الزهراء (ع)، يوافق ما فسرتموه ‏من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!‏
وهل هذه الأعمال الوحشية، كانت المودة التي فرضها الله على المسلمين ‏لقربى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ومن أقرب إلى رسول الله (صلى ‏الله عليه وآله) من فاطمة؟!‏
والله سبحانه يقول: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى }(51).‏
وأمرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بصلة أقربائه وأمرهم النبي (صلى الله ‏عليه وآله) أن يصلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي ‏نعيم، وذكره الحمويني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما ‏الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.‏
ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج9 / 170 / ‏الخبر الثاني عشر / ط. دار إحياء التراث العربي:‏
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره أن يحيا حياتي، و يموت ‏مماتي، و يسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي و ليوال ‏وليه و ليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي و رزقوا فهما و علما، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله ‏شفاعتي.‏
وكلهم عاهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على مودة أهل بيته ولكنهم ‏نقضوا العهد، وكأنهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله أن يوصل ‏ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}(52).‏
فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!‏
الحافظ: لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏إلى نقض العهد والميثاق، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في ‏سوح القتال والمتحملون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!‏
كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد ‏والميثاق؟!‏
إن تهجمكم على الصحابة الكرام وتجرؤكم عليهم بنسبة ما لا يليق إليهم ‏سبب لتكفيركم عند أكثر أهل السنة.‏
قلت: إن كان هذا الأمر سبب تكفيرنا، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم ‏وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأننا ننقل عنهم، ولا نقول شيء بغير دليل، وإنما ‏دائما نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح ‏للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.‏
ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى ‏أفعال الصحابة وأفعالهم، فنمدح محسنهم ونؤيد حسناته ليرغب ‏المؤمنون بالتأسي والاقتداء بهم، ويحبونهم لحب الله وحب الخير والحق ‏والإحسان.‏
ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمهم لسيئاتهم ومنكراته وما عملوا من ‏الباطل، حتى يتبرأ المؤمنون منهم، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان ‏والوجدان وللسنة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرروها بحجة الاقتداء ‏بالصحابة، فإن منهم الصاحون ومنهم الطالحون.‏
ملخص الكلام: نحن إنما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من ‏الصحابة، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر، ولكي نعطي كل ذي حق ‏حقه.‏
فإن تنكرون علينا هذا الأمر وتكفرونا من أجله، فالأحرى أن تنكروا على ‏صحابة الرسول وتكفروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضا ‏ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتسابون ويتقاتلون!! وإن أحداث السقيفة ‏وهجوم القوم على دار فاطمة (ع) وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل ‏وصفين أدل دليل على ذلك.‏
وأنتم إما تجهلون الحقائق أو تتجاهلون، ومحبتكم للصحابة وصلت إلى حد ‏المثل الشائع:‏
" حب الشيء يعمي ويصم "، لذلك حينما تسمع مني بأن الصحابة بعضهم ‏نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏فتغضب وتتعصب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني ‏بالدليل قبل أن تغضب وتتعصب.‏
الحافظ: الآن أطالبك بدليلك، فأت به إن كنت من الصادقين!‏
____________
51- سورة الشورى، الآية 23.‏
52- سورة الرعد، الآية 25.‏



أكثرهم نقضوا العهد


أكثرهم نقضوا العهد
أولا: ثبت عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير، أن النبي (صلى الله ‏عليه وآله) يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب علي ‏ونصرته وموالاته وطاعته، فيا ترى هل نصروه في أحداث السقيفة وما ‏بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله) في الغدير وخالفوه؟!‏
ثانيا: قد صدر منهم في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) نقض العهد أيضا، ‏فإنهم بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ‏ولا يتركوه في المعركة ولا يولوا الدبر للأعداء، بل يقابلوهم وجها لوجه ‏حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في ‏القتال والجهاد فقال:‏
{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن ‏يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ‏ومأواه جهنم وبئس المصير}(53).‏
وقد ذكر كثير من محدثيكم ومؤرخيكم أن كثيرا من الأصحاب انهزموا ‏وفروا يوم حنين، وأجمعوا أن جلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان ‏وعثمان:‏
أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج15 / 24 / طبع دار إحياء ‏التراث العربي عن الواقدي قال:... و كان ممن ولى عمر و عثمان و ‏الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عامر... و لقيتهم أم أيمن تحثي ‏في وجوههم التراب و تقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به!!‏
و احتج أيضا من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في ‏قصة الحديبية قال: قال عمر يومئذ: يا رسول الله، أ لم تكن حدثتنا أنك ‏ستدخل المسجد الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرّف مع المعرّفين و هدينا ‏لم يصل إلى البيت و لا نحر؟!! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أ ‏قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا.‏
قال (صلى الله عليه وآله): أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق ‏رأسي و رءوسكم ببطن مكة و أعرّف مع المعرّفين، ثم أقبل (صلى الله ‏عليه وآله) على عمر و قال: أ نسيتم يوم أحد {إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ ‏عَلى أَحَدٍ}(54) و أنا أدعوكم في أخراكم!‏
أ نسيتم يوم الأحزاب {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ ‏الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وتظنون بالله الظنونا}(55)!‏
أ نسيتم يوم كذا! و جعل (صلى الله عليه وآله) يذكرهم أمورا.‏
أ نسيتم يوم كذا!‏
فقال المسلمون صدق الله وصدق رسوله، أنت يا رسول الله أعلم بالله منا.‏
فلما دخل عام القضية و حلق رأسه قال: هذا الذي كنت وعدتكم به، فلما ‏كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال (صلى الله عليه وآله): ادعوا لي ‏عمر بن الخطاب، فجاء فقال (صلى الله عليه وآله): هذا الذي كنت قلت ‏لكم.‏
قالوا: فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال (صلى الله عليه وآله) له: أ نسيتم يوم ‏أحد ‏{إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ }(56).‏
هذا الخبر... حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه، ولكن نحن ‏الشيعة إذا نقلناه، فأنتم علماء العامة تتعصبون وتتهجمون علينا وتحركون ‏الجهلة والعوام وتقولون بأن الرافضة يهينون الصحابة وينالون من ‏الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حد قول الشاعر:‏
وعين الرضا عن كل عيب ‏كليلة     ولكن عين السخط تبدي ‏المساويا
ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل ‏الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا ‏بالكفر! وتؤيدون الذين ظلموا، ومن رضي بعمل قوم حشر معهم، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}(57).‏
الحافظ: نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين، وهذا افتراء علينا.‏
قلت: الظلم الذي جرى علينا كثير، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا ‏نعفو عن هجومهم على بيت أمي فاطمة الزهراء عليها السلام، وإيذائها ‏وغصبهم حقها ، فإني من ذراريها ويحق لي أن أقيم الدعوى ‏على من ظلمها وضربها وأسقط جنينها واغتصب فدكها!!‏
الحافظ: نحن ما كنا في ذلك الزمان حتى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى ‏تحتاج إلى الإثبات.‏
قلت: نعم نحن ما كنا في ذلك الزمان، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها ‏المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة، لا سيما إذا كان ‏الرواة والمؤرخون من أعلامكم.‏
____________
53- سورة الأنفال، الآية 15 و 16.‏
54- سورة آل عمران، الآية 153.‏
55- سورة الأحزاب، الآية 10.‏
56- سورة آل عمران، الآية 153.‏
قال الله سبحانه في سورة التوبة الآية 25: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن ‏عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين).‏
فيا ترى من هؤلاء الذين ولو مدبرين؟
أخرج البخاري في: ج3 / 67 / طبع عيسى البابي الحلبي بمصر:‏
عن أبي محمد مولى أبي قتادة قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من ‏المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله ، ‏فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها... وانهمزمت ‏معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس! فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله...‏
وقال سبحانه وتعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم ‏الشيطان ببعض مما كسبوا) آل عمران / 155.‏
اتفق المفسرون الآية تشير إلى الفارين يوم أحد وكان منهم عمر وعثمان.‏
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج15 / 20 / طبعة دار إحياء التراث العربي ‏عن الواقدي قال: و بايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين علي و ‏طلحة و الزبير، و خمسة من الأنصار أبو دجانة و الحارث بن الصمة و الحباب بن ‏المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف، و لم يقتل منهم ذلك اليوم أحد و أما ‏باقي المسلمين ففروا و رسول الله ص يدعوهم في أخراهم.‏
قال ابن أبي الحديد: قلت قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا مع ‏اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت، فالواقدي ذكر أنه [ أي عمر ] لم يثبت ‏إلخ.‏
وقال الفخر الرازي في مفاتيح الغيب: ج9 / 52: ومن المنهزمين: عمر، إلا أنه لم ‏يكن في أوائل المنهزمين... ومنهم عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال ‏لهما: سعد وعقبة انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام!‏
وقال الألوسي في تفسيره روح المعاني: ج4 / 99: فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنه ‏لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله) يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا، خمسة من ‏المهاجرين: أبو بكر وعلي وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، ‏والباقون من الأنصار... وأما سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل، وعمر بن ‏الخطاب (رض) كان من هذا االصنف كما في خبر ابن جرير.‏
وقال النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن: ج4 /112 ـ 113 بهامش تفسير ‏الطبري الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أن نفرا قليلا تولوا، وأبعدوا فمنهم من ‏دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب... ومن المنهزمين عمر.‏
وقال السيوطي في تفسيره الدر المنثور: ج2/ 88 ـ 89: قال: [ أي عمر ]: لما كان ‏يوم أحد هزمناهم، ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى.‏
ثم قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان الذين ولوا الدبر يومئذ: ‏عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان من الأنصار من بني زريق.‏
أقول: وأخرجه الطبري أيضا في تفسيره جامع البيان: ج4/ 95 ـ 96.‏
قال الزمخشري: استزلهم، طلب منهم الزلل، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ‏ذنوبهم.‏
فمعناه الذين فروا يوم أحد إنما أطاعوا الشيطان إذ دعاهم إلى نفسه بالفرار من ‏الجهاد في سبيل الله، ففروا من الله سبحانه إلى حيث أمرهم الشيطان!!‏
وقال السيوطي في الدر المنثور: ج2 / 88 ـ 89: عن سعيد بن جبير : إن الذين تولوا ‏منكم، يعني: انصرفوا عن القتال منهزمين يوم التقى الجمعان، يوم أحد حين التقى ‏جمع المسلمين وجمع المشركين، فانهزم المسلمون عن النبي (صلى الله عليه ‏وآله) ‏وبقي في ثمانية عشر رجلا، انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، يعني: تركوا ‏المركز.‏
أقول: وقد اشتهر بين المحدثين والمؤرخين فرار الشيخين في أحد، فكما قرأت ‏أقوالهم عن فرار عمر وعثمان هلم معي إلى ما نقلوه عن أبي بكر.‏
قال المتقي الهندي في كنز العمال: ج5 / 274: عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ‏ذكر أحد بكى ـ إلى أن قالت ـ ثم أنشأ ـ يحدث، قال: كنت أول من فاء يوم أحد... ‏‏(الحديث).‏
أقول: الفئ الرجوع، ومع الواضح أنه لا رجوع إلا بعد الهزيمة والفرار.‏
قال في كنز العمال: أخرجه الطيالسي وابن سعد وابن السني والشاشي والبزاز ‏والطبراني في الأوسط وابن حبان والدار قطني في الافراد و أبو نعيم في المعرفة ‏وابن عساكر والضياء المقدسي، انتهى.‏
أقول: ونقل كثير من أعلام السنة روايات في فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر، فقد أخرج ‏علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد: ج9/ 124 / عن ابن عباس أنه قال: ‏بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى خيبر ـ فسار بالناس، فانهزم بالناس، ‏حتى انتهى إليه إلخ. قال في كنز العمال: أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ‏وابن ماجه والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك ‏والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي.‏
وفي مستدرك الصحيحين: ج3 / 38: روى بسنده عن جابر أن النبي (صلى الله ‏عليه وآله) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه، قال ‏هذا حديث صحيح على شرط مسلم.‏
أقول: لقد أفتى كثير من العلماء وفقهاء الفريقين، أن الفرار من الزحف، من الذنوب ‏الكبيرة التي لا كفارة لها. كالشرك. مستندين إلى ما رواه المحدثون:‏
" خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق ـ إلى أن قال ـ والفرار ‏من الزحف. أخرجه المناوي في فيض القدير: ج3 ص 458 في شرح الجامع الصغير ‏للسيوطي.‏
قال: أخرجه أحمد بن حنبل في المسند و أبو الشيخ في التوبيخ عن أبي هريرة ‏‏(وقال في الشرح) ورواه عنه الديلمي.‏
أقول: أيها القارئ الكريم بالله عليك! أنصف!! أين هؤلاء الفارون من حيدرة الكرار؟! ‏الذي روى في حقه ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج 14 ص 250 ـ 251 / طبع ‏دار إحياء التراث العربي قال:‏
وسمع ذلك اليوم ـ أي يوم أحد ـ صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ‏ينادي مرارا:‏
لا سيف إلا ذو الفقار     ولا فتى إلا علي
فسئل عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه، فقال: هذا جبرائيل.‏
وبعد نقله الخبر قال ابن أبي الحديد: و قد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين و هو ‏من الأخبار المشهورة و وقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق ، و ‏سألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن هذا الخبر فقال خبر صحيح، فقلت له: ‏فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو كل ما كان صحيحا تشتمل عليه كتب ‏الصحاح، كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة!‏
أقول: وأما فتح خيبر على يد الإمام علي (عليه السلام) فهو " نار على علم " ‏وليس له منكر في العالمين.‏
فأين هذا المجاهد الفاتح والصابر الناجح عن أولئك المنهزمين الجبناء.‏
فإن يك بينهما نسبة فأين الحسام من المنجل؟
وأين الحصى من نجوم السماء؟ وأين أولئكم من علي (عليه السلام)‏؟ ‏
((المترجم))
57- سورة الشعراء، الآية 227.‏



فدك وما يدور حولها


فدك وما يدور حولها
فدك وعوالي سبع قرى زراعية حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح ‏الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.‏
قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان: ‏ج6/343.‏
واحمد البلاذري في تاريخه.‏
وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 210 / واللفظ للأخير: عن كتاب ‏السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري ‏قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله ص أن يحقن ‏دماءهم و يسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، و ‏كانت للنبي ص خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.‏
قال أبو بكر: و روى محمد بن إسحاق أيضا، أن رسول الله ص لما فرغ ‏من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى ‏رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم ‏بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم، و كانت فدك ‏لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خالصة له، لأنه لم يوجف عليها بخيل و ‏لا ركاب. قال: و قد روى أنه صالحهم عليها كلها، الله أعلم أي الأمرين ‏كان! انتهى كلام الجواهري.‏
وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل ‏المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.‏


فدك حق فاطمة عليها السلام


فدك حق فاطمة عليها السلام
بعدما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة نزل جبرئيل من عند ‏الرب الجليل بالآية الكريمة: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ‏ولا تبذر تبذيرا} (58).‏
فانشغل فكر النبي بذي القربى، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرائيل ثانيا عليه ‏‏(صلى الله عليه وآله) وقال: إن الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة ‏‏(ع) فطلب النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (ع) وقال: إن الله تعالى ‏أمرني أن أدفع إليك فدكا، فمنحها وتصرفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت ‏تنفقها على المساكين.‏
الحافظ: هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجود في كتب علمائنا ‏أيضا؟ أم يخص تفاسيركم؟
قلت: لقد صرح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامكم منهم: ‏الثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور: ج4 ‏رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام 352، وأبو القاسم ‏الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمال وابن كثير الدمشقي الفقيه ‏الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب 39 نقلا ‏عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنه لما نزلت: (وآت ذا القربى ‏حقه) دعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة فأعطاها فدك الكبير.‏
فكانت فدك في يد فاطمة (ع) يعمل عليها عمالها، ويأتون إليها بحاصلها في ‏حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهي كانت تتصرف فيها كيفما شاءت، ‏تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.‏
ولكن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل أبو بكر جماعة ‏فأخرجوا عمال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرفوا فيها تصرفا عدوانيا!‏
الحافظ: حاشا أبو بكر أن يتصرف في ملك فاطمة تصرفا عدوانيا، وإنما ‏كان سمع من النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: " نحن معاشر الأنبياء لا ‏نورث، ما تركناه صدقة ". وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدك.‏
____________
58- سورة الاسراء، الآية 26.‏

هل الأنبياء لا يورّثون؟


هل الأنبياء لا يورّثون؟
قلت: أولا: نحن نقول: بأن فدك كانت نحلة وهبة من النبي (صلى الله عليه ‏وآله) لفاطمة (ع) وهي استلمتها وتصرفت فيها فهي (ع) كانت متصرفة في ‏فدك حين أخذها أبو بكر . وما كانت إرثا.‏
ثانيا: الحديث الذي استند عليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث ‏موضوع لوجود اشكالات فيه.‏
الحافظ: ما هي اشكالاتكم؟ ولماذا يكون مردودا؟
قلت: أولا: واضع الحديث عندما وضع على لسانه بأنه صلى الله عليه وآله ‏قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قد غفل عن آيات المواريث التي ‏جاءت في القرآن الحكيم، في توريث الأنبياء، ولو كان يقول: سمعت النبي ‏‏(صلى الله عليه وآله) يقول: أنا لا أورث لكان له مخلص من آيات توريث ‏الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض ‏نص القرآن الحكيم، فتكذيب أبا بكر ورده أولى من نسبة النبي (صلى الله ‏عليه وآله) إلى ما يخالف كتاب الله عز وجل.‏
كما أن فاطمة الزهراء (ع) أيضا احتجت على أبي بكر وردته وردت حديثه ‏بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدل دليل واكبر برهان.‏


استدلال الزهراء عليها السلام وخطبتها


استدلال الزهراء عليها السلام وخطبتها
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج6 /211 / طبع دار إحياء التراث ‏العربي، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب ‏الكبرى بنت فاطمة الزهراء (ع) وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن ‏أبيه (ع) وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ (ع) وإلى عبد الله ‏بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط (ع) قالوا جميعا: لما بلغ فاطمة ‏‏(ع) إجماع أبي بكر على منعها فدكا، لاثت خمارها، و أقبلت في لمة من ‏حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها، ‏ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى دخلت على ‏أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضرب بينها و بينهم ‏ريطة بيضاء ـ و قال بعضهم: قبطية، و قالوا قبطية بالكسر و الضم ـ ثم ‏أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم ‏قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد لله على ما ‏أنعم و له الشكر بما ألهم.‏
و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها: فاتقوا الله حق تقاته، و أطيعوه ‏فيما أمركم به، فإنما يخشى الله من عباده العلماء، و احمدوا الله الذي لعظمته ‏ونوره يبتغي من في السموات والأرض إليه الوسيلة.ونحن وسيلته في خلقه، ‏و نحن خاصته و محل قدسه، و نحن حجته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه.‏
ثم قالت: أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، و ما أقول ذلك سرفا و ‏لا شططا، فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية! ثم قالت: {لقد جاءكم ‏رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف ‏رحيم}(59) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون ‏رجالكم... ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره: ثم أنتم الآن تزعمون أن ‏لا إرث لي! ‏
{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(60) ؟ ‏إيها معاشر المسلمين! ابتز إرث أبي!‏
يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي!! لقد جئت شيئا ‏فريا!! إلى آخر خطبتها(61).‏
وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ‏وغيره، أنها قالت في خطبتها:‏
أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!‏
إذ يقول الله جل ثناؤه: {وورث سليمان داود}(62).‏
واقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: {رب هب لي من لدنك وليا يرثني ‏ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا}(63).‏
وقال تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}(64).‏
فزعمتم أن لا حظ لي و لا أرث لي من أبي!‏
أفخصّكم اللّه بآية أخرج منها أبي؟!‏
أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أ و لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة أم ‏أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي (صلى الله عليه وآله).‏
{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(65) ـ ‏انتهى كلام الجوهري ـ.‏
____________
59- سورة التوبة، الآية 128.‏
60- سورة المائدة، الآية 50.‏
61- أقول:وروى ابن أبي الحديد هذه الخطبة عن طريق عروة عن عائشة، في شرح ‏النهج 16/251لا / طبع دار إحياء التراث العربي، فقد روت عائشة خطبة فاطمة ‏مشابهة لما مر وفيها قالت فاطمة:... حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت ‏حسيكة النفاق و شمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين... و نبغ خامل الآفكين و ‏هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه صارخا بكم فدعاكم ‏فألفاكم لدعوته مستجيبين و لقربه متلاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا و ‏أحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير شربكم هذا و العهد قريب ‏و الكلم رحيب و الجرح لما يندمل إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة (ألا في الفتنة ‏سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين) فهيهات! و أنى بكم و أنى تؤفكون!! و كتاب ‏الله بين أظهركم زواجره بينة و شواهده لائحة و أوامره واضحة أ رغبة عنه تريدون أم ‏لغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا و من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو ‏في الآخرة من الخاسرين ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تسرون حسوا في ‏ارتغاء و نحن نصبر منكم على مثل حز المدى و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا(أ ‏فحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)‏
يا ابن أبي قحافة! أ ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة ‏مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند ‏الساعة يخسر المبطلون إلى آخر الخبر. ‏
((المترجم))
62- سورة النمل، الآية 16.‏
63- سورة مريم، الآية 6.‏
64- سورة النساء، الآية 11.‏
65- سورة المائدة، الآية 50.‏



احتجاج علي عليه السلام في فدك


احتجاج علي عليه السلام في فدك
روى المحدثون أن عليا عليه السلام جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد، و ‏حوله حشد من المهاجرين و الأنصار. فقال (ع): يا أبا بكر لم منعت فاطمة ‏نحلتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقد ملكتها في حياته؟!‏
فقال أبو بكر: فدك في‏ء للمسلمين، فإن أقامت شهودا أن رسول الله أنحلها ‏فلها و إلا فليست حقّ لها فيه.‏
قال علي (عليه السلام)‏: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى؟
قال: لا.‏
قال (ع): فإن كان في يد المسلمين شي‏ء يملكونه، فادعيت أنا فيه، من تسأل ‏البينة؟
قال: إيّاك أسأل.‏
قال: فما بال فاطمة سألتها البينة منها على ما في يديها! ‏
وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده.‏
فسكت أبو بكر هنيئة، ثم قال: يا علي! دعنا من كلامك، فإذا لا نقوى على ‏حجتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهي فيء للمسلمين، لا حق لك ولا ‏لفاطمة فيها!!‏
فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله!‏
قال: نعم.‏
قال (ع): أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ‏الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(66) فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا؟‏
قال: بل فيكم!‏
قال (ع): فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله عليها السلام ‏بفاحشة ـ والعياذ بالله ـ ما كنت صانعا بها؟
قال: أقمت عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين!!‏
قال (ع): كنت إذا عند اللّه من الكافرين!‏
قال: ولم؟ قال: لأنّك رددتّ شهادة اللّه بطهارتها و قبلت شهادة الناس عليها!‏
كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وزعمت أنها فيئ ‏للمسلمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي، ‏واليمين على من ادعي عليه.‏
فدمدم الناس وأنكروا على أبي بكر، وقالوا: صدق ـ والله ـ علي.‏
___________
66- سورة الاحزاب، الآية 33.‏

رد الخليفة على فاطمة وعلي عليهما السلام


رد الخليفة على فاطمة وعلي عليهما السلام
نقل ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج البلاغة ج: 16/ 214 ـ 215/ ط دار إحياء ‏التراث العربي عن أبي بكر الجوهري بإسناده إلى جعفر بن ‏محمد بن عمارة قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد ‏المنبر و قال: أيها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة أين كانت هذه الأماني ‏في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! ألا من سمع فليقل! و من شهد ‏فليتكلم! إنما هو ثعالة، شهيده ذنبه، مربّ لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها ‏جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، و يستنصرون بالنساء، كأم طحال ‏أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت، إني ‏ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار ‏مقالة سفهائكم، و أحق من لزم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنتم! ‏فقد جاءكم فآويتم و نصرتم، ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم ‏يستحق ذلك منا.‏
ثم نزل فانصرفت فاطمة (ع) إلى منزلها.‏
بالله عليكم أنصفوا!!!‏
أيليق هذا الكلام البذيء والبيان الرديء لمدعي خلافة النبي (صلى الله عليه ‏وآله) ؟!‏
أيجوز لشيخ كان صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يمثل بنت ‏رسول الله وبضعة لحمه، بالثعلب أو بأم طحال الفاجرة؟!‏
ويمثل الإمام علي عليه السلام بذنب الثعلب وهو الذي عظم الله قدره وأكبر ‏شأنه في كتابه وجعله نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آية المباهلة ‏بلا منكر!!‏
إلى متى تغمضون أعينكم وتصمون آذانكم وتختمون على قلوبكم بالتغافل ‏والتعصب؟! فتنكرون ضوء الشمس في الضحى وتعيشون الجهل والعمى!!‏
افتحوا أعينكم وآذانكم وقلوبكم، واخرجوا عن الغفلة والتعصب، وادخلوا ‏مدينة العلم والحكمة من بابها التي فتحها النبي (صلى الله عليه وآله) ‏واعرفوا الحق وتمسكوا به وكونوا أحرارا في دنياكم!‏
أيها الحافظ: فلو إن قائلا في هذا المجلس يقول بأن الحافظ كالثعلب والشيخ ‏عبد السلام ذنبه، ويقول: أن زوجة الحافظ تكون مثل فلانة الفاجرة!!‏
ما كنت تصنع به؟ أ كنت تسكت على تجاسر؟ أم تقولون: إن كلامه ليس ‏بتجاسر؟!‏
حتما تحسب كلام القائل بالنسبة إليك سبا صريحا وشتما وقيحا، يستحق أن ‏ترده بأخشن جواب! وربما أمرت أتباعك ومحبيك بضربه وتأديبه وتعذيبه ‏وتأنيبه، والكل يعطونك الحق في ذلك، إذا.. كيف تريدون منا أن نصبر ‏على تجاسر أبي بكر وسبه وشتمه لأبينا أمير المؤمنين وجدتنا فاطمة عليهما ‏السلام؟ كيف نتحمل من أبي بكر وهو يدعي خلافة جدنا النبي فيصعد منبره ‏ويعبر بتلك التعابير الركيكة عن جدتنا الزهراء وأبينا أمير المؤمنين، ‏فيشتمهم ذلك الشتم القبيح ويسبهم السباب الوقيح، ملوحا أو مصرحا؟!‏


استغراب ابن أبي الحديد


استغراب ابن أبي الحديد(67)‏
يستغرب ابن أبي الحديد ويتعجب من جواب أبي بكر فلذلك ‏يقول: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد ‏البصري، و قلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت لو صرح لم ‏أسألك. فضحك و قال: بعلي بن أبي طالب (ع). قلت: هذا الكلام كله لعلي ‏يقوله؟! قال: نعم، إنه الملك يا بني! قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا ‏بذكر علي، فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم.‏
فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف أي: الاستماع و الإصغاء، و ‏القالة: القول، و ثعالة: اسم الثعلب، علم ممنوع من ‏الصرف، و مثل: ذؤالة للذئب، و شهيده ذنبه، أي: لا شاهد له على ما ‏يدعي إلا بعضه و جزء منه... و مرب: ملازم، أرب بالمكان، و كروها ‏جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة و الهرج. و أم طحال: امرأة ‏بغي في الجاهلية، و يضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال!!‏
لا أدري كيف تسنى لأبي بكر أن يتكلم بذلك الكلام البذيء؟ وكيف سنحت ‏له نفسه أن يعبر بذلك التعبير المسيء ويؤذي فاطمة ويغضبها وقد سمع قول ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ‏ومن أغضبها فقد أغضبني؟!‏
وهل بذلك يجاب احتجاج الإمام علي (عليه السلام)‏؟ أشتمه علي وسبه؟ أم ‏استدل له بحكم الله وبالعقل والمنطق؟
ما ضره لو قبل الحق وعمل به، ولا سيما وقد سمع رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) يقول: علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيثما دار علي ‏‏(عليه السلام)‏.‏
ليت شعري بأي دليل ولماذا يسب عليا وفاطمة ويشتمهما وقد سمع قول ‏النبي (صلى الله عليه وآله) فيهما وفي أبنائهما: أنا سلم لمن سالمهم وحرب ‏لمن حاربهم؟؟(68)‏
____________
67- أقول: حق لابن أبي الحديد أن يستغرب من ذلك البيان فإن كل غيور من ‏المسلمين والمسلمات يستغرب ويتعجب بل يجب على المؤمنين كافة أن ينكروا ‏على أبي بكر مقاله القيبح وكلامه الوقيح على سيد نساء العالمين وبعلها سيد الوصيين وأمير ‏المؤمنين ‏(عليه السلام)‏، كما أن السيد الجليلة أم سلمة أم المؤمنين أنكرت على ‏أبي بكر وردت عليه، كما في دلائل الإمامة لابن جرير: ص39 قالت: أ لمثل فاطمة ‏يقال هذا و هي الحوراء بين الإنس و الأنس للنفس ربيت في حجور الأنبياء و ‏تداولتها أيدي الملائكة و نمت في المغارس الطاهرات نشأت خير منشأ و ربيت خير ‏مربا أ تزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثه و لم يعلمها و قد قال الله له وَ أَنْذِرْ ‏عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فأنذرها و جاءت تطلبه و هي خيرة النسوان و أم سادة الشبان و ‏عديلة مريم ابنة عمران و حليلة ليث الأقران تمت بأبيها رسالات ربه فو الله لقد كان ‏يشفق عليها من الحر و القر فيوسدها يمينه و يدثرها شماله رويدا فرسول الله ‏بمرأى لأعينكم و على الله تردون فواها لكم و سوف تعلمون قال فحرمت أم سلمة ‏عطاءها تلك السنة!! ‏
((المترجم))
68- في مناقب الخطيب الموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي: 206 أخرج بسنده ‏عن يونس بن سليمان التميمي عن زيد بن يثبع قال سمعت ابا بكر يقول: رأيت ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيم خيمة و هو متكئ على قوس عربية و في ‏الخيمة علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع، فقال رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله): يا معشر المسلمين !أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة و حرب لمن ‏حاربهم ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب الولادة و لا يبغضهم إلا ‏شقي الجد ردي‏ء الولادة قال: فقال رجل لزيد : يا زيد! أنت سمعت أبا بكر يقول ‏هذا؟ قال: إي و رب الكعبة!‏
وأخرج هذا الحديث عبيد الله الحنفي في كتابه أرجح المطالب: ص 309 وقال: ‏أخرجه المحب الطبري الشافعي في الرياض النضرة. ‏
((المترجم))


عقاب من سب عليا عليه السلام


عقاب من سب عليا عليه السلام
لا شك أن الله سبحانه يعذب ساب علي عليه السلام أشد العذاب، كائنا من ‏كان، وقد فتح العلامة الكنجي الشافعي بابا في كتابه كفاية الطالب وهو الباب ‏العاشر في كفر من سب عليا عليه السلام، روى بسنده عن يعقوب بن جعفر ‏بن سليمان قال حدثنا أبي عن أبيه قال: كنت مع أبي عبد الله بن عباس و ‏سعيد بن جبير يقوده، فمر على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون ‏علي بن أبي طالب عليه السلام! فقال لسعيد بن جبير ردني إليهم، فوقف ‏عليهم، فقال: أيكم الساب لله عز و جل؟ فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب ‏الله، فقال: أيكم الساب رسول الله؟ قالوا: ما فينا أحد سب رسول الله ص. ‏قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب ع؟ فقالوا: أما هذا فقد كان!! قال: ‏فأشهد على رسول الله ص سمعته أذناي و وعاه قلبي يقول لعلي بن أبي ‏طالب: من سبك فقد سبني و من سبني فقد سب الله و من سب الله أكبه الله ‏على منخريه في النار.‏
وروى كثير من أعلامكم ومحدثيكم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في ‏علي وفاطمة : من آذاهما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.‏
وقال (صلى الله عليه وآله): من آذى عليا فقد آذاني.‏
وقال (صلى الله عليه وآله): من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (69).‏
____________
69- أقول: أخرج حديث ابن عباس الذي رواه العلامة الكنجي الشافعي كثير من ‏أعلام العامة منهم: المحب الطبري في الرياض النضرة: ج2 ص 166، والموفق بن ‏أحمد الخطيب الخوارزمي في المناقب 81، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين / ‏‏105، والعلامة ابن المغازلي الشافعي في مناقبه / 394 / حديث رقم 447.‏
وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة / 72 / طبع المطبعة الميمنية بمصر: قال: ‏‏(الحديث الثامن عشر) أخرج أحمد الحاكم وصححه عن أم سلمة قالت: سمعت ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من سب عليا فقد سبني.‏
وقال: (الحديث السادس عشر) أخرج أبو يعلى والبزار عن سعد بن أبي وقاص قال: ‏قال رسول (صلى الله عليه وآله): من آذى عليا فقد آذاني.‏
والاحاديث في هذا الباب كثيرة بحيث لا منكر لها بين المسلمين، وقد ورد مثلها في ‏حق فاطمة (ع):‏
روى العلامة الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الحادية عشرة / ‏عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال: فاطمة بضعة مني فمن آذاها ‏فقد آذاني.‏
وفي الصواعق /112 طبع مطبعة الميمنية بمصر الحديث الثالث والعشرون، أخرج ‏أحمد والحاكم عن مسور أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعتي ‏يغضبني ما يغضبها ويبسطني ما يبسطها. وفي صفحة 114 / الحديث الخامس، ‏أخرج أحمد والترمذي والحاكم، عن ابن الزبير أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ‏إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها.‏
وروى في صفحة 108 /: فاطمة بضعة من يسرني ما يسرها.‏
وروى القندوزي في ينابيع المودة / الباب الخامس والخمسون، قال : وفي صحيح ‏البخاري عن المسور بن مخرمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة ‏بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.‏
قال: وفي صحيح مسلم، إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها ويسرني ما ‏أسرها. قال القندوزي: وفي الترمذي، عن مسور: إنها بضعة مني يريبني ما رابها، ‏ويؤذيني ما آذاها، حديث حسن صحيح، وفي الترمذي أيضا عن ابن الزبير:‏
إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها، حديث حسن صحيح.‏
وفي الترمذي ايضا وابن ماجة، عن صبيح مولى أم سلمة وزيد بن أرقم قالا: أن ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب ‏لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.‏
قال القندوزي: وفي كنوز الدقائق للمناوي: إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى ‏لرضاها، قال: ورواه الديلمي.‏
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / 143 / باب التحذير من بغضهم وسبهم /: ‏عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سب أهل بيتي فإنما يرتد عن الله و ‏الإسلام، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله، ومن آذاني في عترتي فقد آذى ‏الله، إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم وسبهم.‏
بعد نقل هذه الأحاديث من صحاح السنة ومسانيدهم، ألفت نظر القارئ الكريم إلى ‏الخبر الذي رواه ابن قتيبة في كتابه المشهور الامامة والسياسة / 14 و 15 / طبع ‏مطبعة الأمة بمصر سنة 1328 هجرية في عيادة أبي بكر وعمر لفاطمة (ع):‏
... فقالت: أ رأيتكما إن حدثتكما حديثا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرفانه و ‏تفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله أ لم تسمعا من رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) يقول: رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي فمن أحب ‏فاطمة ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد ‏أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: فإني ‏أشهد الله و ملائكته، أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي (صلى ‏الله عليه وآله) لأشكونكما إليه.‏
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله من سخطه و سخطك يا فاطمة! ثم انتحب أبو بكر يبكي ‏حتى كادت نفسه أن تزهق، و هي تقول: و الله لأدعون الله عليك في كل صلاة ‏أصليها!!‏
ومشهور المحدثين قالوا: أن فاطمة ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر، منهم: ‏البخاري في صحيحه / ج5 / 5 باب فرض الخمس / روى عن عائشة... فغضبت ‏فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرة حتى ‏توفيت. وفي ج6 / 196 / باب غزوة خيبر / عن عائشة... فوجدت [ أي غضبت ] ‏فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت.‏
ومثله لفظا أو معنى، في صحيح مسلم: ج2 / 72، ومسند أحمد: ج1 / 6 و 9، ‏ومثله لفظا أو معنى، وتاريخ الطبري: ج3 / 202، ومشكل الآثار للطحاوي: ج1 / 48، ‏وسنن البيهقي: ج6 / 300 و 301، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب ‏التاسع والتسعون / في أواخره، ثم قال: هذا حديث صحيح متفق على صحته، ‏وتاريخ ابن كثير: ج5 / صفحة 285 وقال في ج6 / 333: لم تزل فاطمة تبغضه مدة ‏حياتها ـ أي تبغض أبا بكر ـ وذكره بلفظ الصحيحين أي عن عائشة.‏
والديار البكري في تاريخ الخميس: ج2 / 193، ورواه عنها أيضا بلفظ الصحيحين ابن ‏أبي الحديد في شرح النهج: ج6 / 46، وقال في صفحة 50: والصحيح عندي أنها ‏ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يصليا عليها.‏
أقول: والحر تكفيه الإشارة. ‏
((المترجم))


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page