• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصحابة أخيار وأشرار

قلت: لقد ناقشنا الموضوع في الليالي الماضية، وأثبتنا أن كثيرا ممن أدرك النبي (ص) وحظي بصحبته ما كان أهلا لذلك، ولم يكتسب منه الدين والأخلاق الحميدة التي جاء بها، وأمر أصحابه أن يتخلقوا بها، فبقوا على جهالتهم وسيئات أخلاقهم فعصوا رسول الله (ص) وعاتبهم سبحانه في غير موضع من كتابه الحكيم. ولكي تعرفوا أن المصاحبة والصحبة مع الأخيار والأبرار ومع الأنبياء والمرسلين، لا تكون منقبة ولا شرفا وإنما الفضل والشرف في حسن الصحبة، نرجع إلى القرآن الكريم لنعرف تعبيره وتعريفه لهذه الكلمة ونعم الحكم الله سبحانه: قال: (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى)(55).
وقال: (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ...)(56).
وقال: (... فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً)(57).
وفي الآية 38 (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ..) الخ.
وقال تعالى: (أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ...)(58).
وقال: (... كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأَْرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى...)(59).
وقال تعالى: في سورة يوسف (الصديق) حكاية عنه (ع): (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)(60).
فنكتشف من هذه الآيات الكريمة ونعرف بأن الصاحب يطلق على المؤمن والكافر، فلا خصوصية في الصحبة.
ومن البديهي أن الآيات الشريفة التي نزلت في مدح صحابة النبي (ص) لا تعمهم بل تخص أخيارهم، كما أن الآيات التي نزلت في ذمهم وعتابهم أيضا تخص أشرارهم ولا تشمل الأبرار منهم.
ولا ينكر أن ممن كان حول النبي (ص) من الصحابة الذين يجالسوه ويعاشروه كانوا منافقين، كما نعتقد أن بعض أصحابه الأبرار الميامين الأخيار كانوا في أعلا مراتب الإيمان واليقين بحيث ما كان مثلهم في أصحاب الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين وكلكم تعلمون أن عبد الله بن أبي، وأبا سفيان، والحكم بن العاص ، وأبا هريرة، وثعلبة، ويزيد بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، وحبيب بن مسلمة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وذي الثدية، رأس الخوارج وأمثالهم كانوا يجالسون رسول الله (ص) ويصحبوه في السفر والحضر وفي المسجد والمنزل ويتظاهرون بالإسلام، ولكنهم كم أشعلوا نار الفتنة والشقاق وساروا في طريق الخلاف والنفاق، حتى طرد رسول الله بعضهم، ولعن آخرين، وقاطع جماعة منهم، وفضح بعضهم و شهرهم على رؤوس الأشهاد؟! وممن لعنه رسول الله (ص) معاوية وآباه وأخاه.
وكم من الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي (ص) وأصبحوا مصدق الآية الكريمة: (وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ...)(61)؟.
مضافا إلى الآيات القرآنية، توجد روايات رواها علماؤكم وأئمتكم عن النبي (ص) تؤيد ما نقول. فقد روى البخاري في صحيحه خبرين عن سهل بن سعد، وآخر عن عبد الله بن مسعود باختلاف يسير في الألفاظ، والمعنى واحد، أن رسول الله قال: أنا فرطكم على الحوض، و ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي! فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!!
وروى أحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في الكبير، وأبو النصر في الإبانة، بإسنادهم عن ابن عباس عن النبي (ص) قال: أنا آخذ بحجزكم، أقول : اتقوا النار، واتقوا الحدود فإذا مت تركتكم و أنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح، فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أمتي! فيقول: إنهم لم يزالوا بعدك يرتدون على أعقابهم. (وفي رواية الطبراني في الكبير) فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، مرتدين على أعقابهم.
فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس، أن معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي(62) ، تعدونها مؤمنين، بل تلقبونها بأمير المؤمنين، أي تحسبون خلافتهما شرعية، وتدافعون عنهما باليد واللسان، بل بالمال والنفس وإن كان بعض أعلامكم وافقونا في كفر معاوية وابنه وكتبوا في ذلك مثل ابن الجوزي وقد ألف كتاب " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد ".
والسيد محمد بن عقيل وقد ألف كتاب " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية " طبع في مطبعة النجاح ببغداد سنة 1367 هجرية. ولكن تصرون إصرارا باطلا، في عدم إيمان أبي طالب (ع) وهو من السابقين في الإيمان والذب عن الإسلام والدفاع عن نبيه صلوات الله عليه وآله.
وهذا لا يكون إلا من تأثير بني أمية والنواصب والخوارج فيكم.
ولا أدري متى تزيلون عن دينكم ومذهبكم شبهات أعداء آل محمد وتأثيرات بني أمية؟! ومتى تحررون مذهبكم ودينكم من التعصبات والتقيدات المتخذة من الآباء والأسلاف؟!
لقد حان الوقت أن تفتحوا أبصاركم وتنبشوا التاريخ وكتب السير والحوادث وتفتشوا عن الحقائق المستندة بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية من الكتاب والسنة الشريفة، فتتمسكوا بالحق المبين وتلتزموا بشريعة سيد المرسلين.
أما آن لكم أن تتركوا أقاويل بني أمية ودعاياتهم وأكاذيبهم، وترجعوا إلى آل محمد وعترته، وتأخذوا دينكم وأحكامه ومعالمه من أهل بيته (ع)؟!
أما جعل النبي (ص) أهل البيت عدل القرآن بقوله: " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وجعلهم مرجعا للمسلمين فيما يختلفون؟!
وأجمع آل محمد (ص) وعترته على أن أبا طالب (ع) كان من المؤمنين وارتحل من الدنيا بكمال الدين والإيمان.

________________
55- سورة النجم، الآية 2.‏
56- سورة سبأ، الآية 46.‏
57- سورة الكهف، الآية 34.‏
58- سورة الأعراف، الآية 184.‏
59- سورة الأنعام، الآية 71.‏
60- سورة يوسف، الآية 39.‏
61- سورة آل عمران، الآية 144.‏
62- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج5 / 129، ط. دار إحياء التراث ‏العربي تحت عنوان (أخبار متفرقة عن معاوية):‏
و قد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، و لم يقتصروا على تفسيقه، و قالوا ‏عنه إنه كان ملحدا لا يعتقد النبوة، و نقلوا عنه في فلتات كلامه و سقطات ألفاظه ‏ما يدل على ذلك. و روى الزبير بن بكار في الموفقيات و هو غير متهم على معاوية، ‏و لا منسوب إلى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (عليه ‏السلام) و الانحراف عنه: ـ قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على ‏معاوية و كان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية و عقله، و يعجب ‏بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء و رأيته مغتما فانتظرته ساعة و ‏ظننت أنه لأمر، فينا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال يا بني، جئت من عند ‏أكفر الناس و أخبثهم، قلت و ما ذاك قال قلت له و قد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا ‏أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا فإنك قد كبرت و لو نظرت إلى إخوتك ‏من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه و إن ذلك مما ‏يبقى لك ذكره و ثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل و ‏فعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو ‏عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل ‏عمر و إن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله ‏فأي عملي يبقى و أي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا و الله إلا دفنا دفنا.‏
ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقله للخبر: و أما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة من ‏لبسه الحرير و شربه في آنية الذهب و الفضة حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء فقال له:‏
إني سمعت رسول الله ص يقول إن الشارب فيها ليجرجر في جوفه نار جهنم.‏
فقال معاوية: أما أنا فلا أرى بذلك بأسا فقال أبو الدرداء: من عذيري من معاوية! أنا ‏أخبره عن الرسول ص و هو يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أبدا.‏
فهذا الخبر يقدح في عدالته، كما يقدح أيضا في عقيدته لأن من قال في مقابلة ‏خبر قد روى عن رسول الله ص أما أنا فلا أرى بأسا فيما حرمه رسول الله ص ليس ‏بصحيح العقيدة و من المعلوم أيضا من حالة استئثاره بمال الفي‏ء و ضربه من لا حد ‏عليه و إسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه و حكمه برأيه في الرعية و في ‏دين الله و استلحاقه زيادا و هو يعلم قول رسول الله ص: " الولد للفراش و للعاهر ‏الحجر "، و قتله حجر بن عدي و أصحابه و لم يجب عليهم القتل و مهانته لأبي ذر ‏الغفاري و جبهه و شتمه و إشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاء لإنكاره عليه ‏و لعنه عليا و حسنا و حسينا و عبد الله بن عباس على منابر الإسلام و عهده ‏بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه و شربه المسكر جهارا و لعبه بالنرد و نومه ‏بين القيان المغنيات و اصطباحه معهن و لعبه بالطنبور بينهن و تطريقه بني أمية ‏للوثوب على مقام رسول الله ص و خلافته حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك و ‏الوليد بن يزيد المفتضحين الفاسقين صاحب حبابة و سلامة و الآخر رامي المصحف ‏بالسهام و صاحب الأشعار في الزندقة و الإلحاد. " انتهى كلام ابن أبي الحديد " ‏
أقول: وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان (فصل في يزيد بن معاوية) ‏قال: ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنه قال: قد كانت في معاوية هنات لو ‏لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم: وُثُوبُه على هذا الأمر، واقتطاعه من غير مشورة ‏من المسلمين، وادعاؤه زيادا، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، وبتوليته مثل يزيد على ‏الناس. قال: ذكر جدي أبو الفرج في كتاب (الرد على المتعصب العنيد المانع ‏من ذم يزيد) وقال سألني سائل فقال ما تقول في يزيد بن معاوية؟ فقلت له: يكفيه ‏ما به فقال: اتجوز لعنه؟ فقلت: قد أجاز العلماء الورعون، منهم أحمد بن حنبل، فإنه ‏ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة.‏
وفي التذكرة قال: قال أحمد في المسند: حدثنا أنس بن عياض حدثني يزيد ابن ‏حفصة عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السايب ‏ابن خلاد: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أخاف أهل المدينة ظلما ‏أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة ‏صرفا ولا عدلا.‏
أقول: ورواه غير أحمد كثير من الأعلام وعلماء العامة: ولا منكر بين المؤرخين أن ‏معاوية أخاف أهل المدينة حين بعث إليه بسر بن أرطاة الظالم السفاح، فقتل منهم ‏الظالم القاسي القلب، فأباح المدينة ثلاثا فقتل خلقا كثيرا من أبناء المهاجرين ‏والأنصار.‏
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة: وذكر المدايني عن أبي قرة قال : قال هشام ‏بن حسان ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج.‏
وغير المدايني يقول: عشرة آلاف امرأة.‏
أقول: و لا مجال لذكر كل الدلائل والشواهد على كفر معاوية ويزيد، لأنه يتطلب وضع ‏كتاب مستقل، لذا اكتفينا بذكر قليل من كثير. ‏
((المترجم))


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page