• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إسلام جعفر بأمر أبيه

وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أن أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبي (ص) ويؤمن به وينصره، وذكر بعضهم أن أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه معه ابنه جعفر، فرأى رسول الله (ص) واقفا يصلي وعلي على يمينه يصلي معه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك! فتقدم جعفر فوقف على يسار النبي (ص) يصلي معه، ويقلده في الركوع والسجود، فأنشد أبو طالب يقول:

إن عليا وجعفرا ثقتي عند ملم الزمان والنــوب
لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي
و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسـب(63)


فهل من المعقول أن رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول الله (ص)(64) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به؟
شواهد أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء، أن قريشا حين وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية، التجأ بنو هاشم بأبي طالب، فأخذهم إلى شعب له يعرف بشعب أبي طالب، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج 14 / 65، ط. إحياء الكتب العربية: و كان سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و شيخهم أبو طالب بن عبد المطلب، و هو الكافل و المحامي، وقال في صفحة 64: و كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص) البيات إذا عرف مضجعه، يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه.
فقال له علي ليلة: يا أبت إني مقتول؟ فقال له:

اصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيـــره لشعوب
قدر الله والبلاء شديد لفداء الحبيب وابن الحبيب
لفداء الأعز ذي الحسب الثا قب و الباع و الكريم النجيب
إن تصبك المنون فالنبل ‏تبـري فمصيب منها و غير مصيـب
كل وحي إن تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب


فأجاب علي (ع)، فقال له:

أتأمرني بالصبر في نصر ‏أحمد ووالله ما قلت الذي قلت ‏جازعــا
ولكنني أحببت أن ترى ‏نصرتي وتعلم أني لم أزل لك طائعا
سأسعى لوجه الله في نصر ‏أحمد نبي الهدى المحمود وطفلا ‏يافعا


بالله عليكم فكروا وأنصفوا! هل يضحي أحد بابنه إلا في سبيل العقيدة؟
هل من المعقول أن أبا طالب يقدم ابنه عليا فداءا لرسول الله (ص) وهو غيره مؤمن به وبرسالته السماوية؟!
وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم: سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص فقال: وقال ابن سعد... حدثني الواقدي قال: قال علي (ع): لما توفي أبو طالب. أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا، ثم قال: اذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه.
فقال له العباس: يا رسول الله إنك لترجو له؟ فقال: أي والله ! إني لأرجو له وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته وقال علي يرثيه:

أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربــك رضوانه فقد كنت للمصطفـى خير عم


فأسألكم: أما قال الله سبحانه في كتابه:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ..)(65)؟.
فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون، فكيف جعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته؟!
والمشهور أن طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام.
ثم كلنا نعلم أن تجهيز الميت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما، فكيف يأمر النبي (ص) عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته؟
وهل من المعقول أن عليا (ع) وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء، ولاسيما وصفه: " بنور الظلم "، وأنه " صلى عليه ولي النعم " وهو الله سبحانه وتعالى، " ولقاك ربك رضوانه.. " وهل الله عز وجل يلقي رضوانه المشركين؟!
فهذه كلها دلائل ناصعة، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب.
الشيخ عبد السلام: إذا كان أبو طالب مؤمنا، فلماذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس؟
قلت: إن إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير، فقد كان حمزة رجل الضرب والحرب، جسورا في اقتحام المعارك، فلما يظهر إيمانه ويعلن إسلامه، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوى معنوياتهم وشد عزائمهم. لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير، وكان هو آنذاك يتزعم بني هاشم، فكانوا تحت لوائه، وحتى رسول الله (ص) كان تحت كفالته وحمايته، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيته لأنهم يحسبونه منهم، وعلى طريقتهم وطينهم، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللين، حتى أنهم كانوا يطمعون فيه أن يسلمهم محمدا (ص) فيقضوا عليه ويقتلوه(66).
ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه، من طرده وترك نصرته و...؟!
وأما العباس بن عبد المطلب، فإنه سبق إلى الإسلام وآمن بابن أخيه محمد (ص)، ولكن بأمر النبي (ص) كتم إيمانه أيضا، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال بقاؤك في مكة خير لي، فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدى نفسه وأطلق، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر.
وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباس رضي الله عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ: قال أهل العلم بالتاريخ: إن العباس أسلم قديما يكتم إسلامه، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص): من لقي العباس فلا يقتله فانه خرج مكرها، وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة، لكن النبي (ص) كتب إليه: إن مقامك بمكة خير لك. ولما بشر أبو رافع ـ رق النبي (ص) ـ بإسلام العباس، أعتقه النبي (ص).
فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلان وإظهار إيمانه، ما كان يتهم بالشرك؟
فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمين (ص)، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر إيمانه، ليتمكن من محاماة النبي (ص) ونصرته.
ولذلك ذكر المؤرخون كلهم، منهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/70 قال:
و في الحديث المشهور: أن جبرائيل (ع) قال له (ص) ليلة مات أبو طالب: " اخرج منها فقد مات ناصرك " (67).
الشيخ عبد السلام: هل اشتهر إسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون؟
قلت: نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظمونه ويحترمونه.
الشيخ عبد السلام: كيف يمكن أن يكون أمره شائعا مشهورا في عهد رسول الله وبعد النبي (ص) بثلاثين سنة تقريبا، يكذبون على رسول الله (ص) ويضعون ويجعلون حديثا عنه، بخلاف ذلك الأمر الشائع، بحيث يخفونه على المسلمين ويغيرون الواقع والحقيقة!
قلت: ليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام، فإن هناك حقائق كثيرة أنكروها وحتى أحكام كانت على عهد النبي (ص) شائعة، يعمل بها المسلمون ويصدقها المؤمنون، غيرها المبتدعون وبدلها المبطلون، حتى نسيها الجيل الذي أتى بعد ذلك العهد.
الشيخ عبد السلام: إذا كان كذلك فاذكر لنا نموذجا حتى نعرف!
قلت: الشواهد لقولي كثيرة، ولكن الوقت لا يسمح أن أذكرها، وإنما أذكر نموذجا واحدا وهو حكم اتفق عليه الجمهور، ومستند إلى كتاب الله وسنة رسوله وقد عمل به المسلمون والصحابة وكان شائعا بينهم، إلا أن الخليفة الثاني حرمه ومنع المسلمين من العمل به، وهو الزواج المنقطع، والنكاح المؤقت.
فقد ذكر المحدثون والفقهاء وأصحاب التاريخ والسير: أن الزواج المؤقت كان جاريا من عهد النبي (ص) يعمل به المسلمون في عهد أبي بكر أيضا، وكذلك معمول به في شطر من خلافة عمر، ولكنه رأى بعد ذلك تحريمه، ومنع المسلمين من العمل به، فصعد المنبر وأعلن فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أحرمهما وأعاقب عليهما. فجاء حكم عمر ناسخا لحكم الله ورسوله إلى يومنا هذا، بحيث نرى حتى بعض أهل العلم من العامة يتهجمون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم بأنهم أهل البدع والضلال ويستشهدون لصدق كلامهم، بأن الشيعة يلتزمون بالزواج المؤقت ويجيزونه ويبيحونه.
فالافتراء على أبي طالب (ع) واتهامه بالكفر، وقذفه بالشرك، وتغيير واقعه في التاريخ، وتبديل حقيقته بين كثير من الناس، أنتم وأمثالكم، لم يكن بأعجب ولا أصعب، من تغيير حكم الله وتبديل سنة رسول الله (ص)، والأمر الذي عمل به أكثر الصحابة وذكره الله في كتابه بالصراحة وإذا به ينقلب حراما بحكم عمر بن الخطاب، ويعين لفعله عقابا وعذابا صارما.
والناس يقبلون منه التغيير ويمتنعون بحكمه من حكم الله سبحانه، وحتى أنتم اليوم ملتزمون بحكم الخليفة وجعل حلال الله تعالى حراما.
الشيخ عبد السلام: أتريد أن تقول أن ألوف الملايين من المسلمين الذين جاءوا بعد عمر الفاروق كلهم عملوا على خلاف حكم الله سبحانه ورجحوا كلام الخليفة على الله وسنة رسوله (ص)؟ والحال كل أهل العالم يعملون بأننا نتمسك بسنة رسول الله (ص) ونعمل بها حتى أطلقوا علينا كلمة " أهل السنة " وأطلقوا عليكم كلمة " الرافضة " لأنكم رفضتم سنة النبي (ص)(68).

________________
63- ديوان أبي طالب، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14 / 76، ط. دار إحياء ‏التراث العربي.‏
64- نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج 14 / 52، ط. دار إحياء الكتب ‏العربية من كتاب السيرة و المغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار، وقال: فإنه كتاب ‏معتمد عند أصحاب الحديث و المؤرخين. قال: إن أبا طالب رأى عليا يصلي، قال له: ‏أي بني ما هذا الذي تصنع؟ قال: يا أبتاه آمنت بالله و رسوله و صدقته... قال له: أما ‏إنه لا يدعوك إلا إلى خير فالزمه. ‏
((المترجم))
65- سورة النساء، الآية 48.‏
66- قال ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة: ج14/81 و82، ط دار احياء الكتب ‏العربية:‏
قالوا: و إنما لم يظهر أبو طالب الإسلام و يجاهر به لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من ‏نصرة النبي ص ما تهيأ له، و كان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه نحو أبي بكر و ‏عبد الرحمن بن عوف و غيرهما ممن أسلم و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه ‏حينئذ و إنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش و ‏إن أبطن الإسلام كما لو أن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا و هو في بلد من بلاد ‏الكرامية ـ اعداء الشيعة ـ و له في ذلك البلد وجاهة و قدم و هو يظهر مذهب ‏الكرامية و يحفظ ناموسه بينهم بذلك و كان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا ‏يزالون ينالون بالأذى و الضرر من أهل ذلك البلد و رؤسائه فإنه ما دام قادرا على ‏إظهار مذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المدافعة و المحاماة عن أولئك النفر فلو ‏أظهر ما يجوز من التشيع و كاشف أهل البلد بذلك صار حكمه حكم واحد من أولئك ‏النفر و لحقه من الأذى و الضرر ما يلحقهم و لم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما ‏كان أولا. ‏
((المترجم))
67- ذكر سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص:19 /ط بيروت: قال ابن سعد: ‏حدثنا الواقدي قال: دعا أبو طالب قريشا عند موته، فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم ‏من محمد ابن أخي وما اتبعتم أمره، فاتبعوه واعينوه فأرشدكم.‏
ايها القارئ الكريم فكر.. هل تخرج هذه الوصية غلا من مؤمن برسالة محمد (صلى ‏الله عليه وآله) كامل الايمان! ‏
((المترجم))
68- لا يخفى على المحقق الخبير والمتتبع البصير أن معاوية هو الذي اطلق اسم ‏اهل السنة والجماعة على العامة واطلق كلمة الرافضة على شيعة الامام علي ‏وأتباعه فهو الآخر قد قلب الحقائق وبدل واقع الامور. ‏
((المترجم))


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page