قلت: لا تدل هذه الآية على نسخ حكم المتعة، بل هي في حدّ الزوجية ثم هذه الآية في سورة المؤمنون وهي مكيّة، وتشريع المتعة في سورة النساء وهي مدنية، فكيف الناسخ نزل قبل المنسوخ؟!
وأما قولك: بأن المتعة ليس فيها لوازم الزوجية من الإرث والنفقة والطلاق والعدة.
فأقول: كلامك يدل على عدم اطلاعك لفقهنا وعدك مطالعتك لكتب علمائنا، فإنهم أثبتوا أنّ جميع آثار الزوجية تترتب على المتعة إلاّ ما خرج بالدليل، ولا يخفى أنّ الله سبحانه أسقط بعض شروط الزوجية ولوازمها لغرض التسهيل والتخفيف في هذا النوع من النكاح والتزويج.
ثم اعلم.. أن الإرث والنفقة ليسا من اللوازم الثابتة للزوجيّة فقد أفتى فقهاء الإسلام من الشيعة والسنة: أن الزوجة الكتابية والناشزة والتي قتلت زوجها لا ترث منه ولا تستحق النفقة. مع العلم أنّ الزوجية باقية، إذ لا يجوز لها أن تتزوّج برجل آخر، وتجب عليها عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ إذا توفيّ الزّوج.
وأما الطلاق في المتعة، فإن حكم الطلاق بانقضاء الأجل المسمّى والمدّة المعينة، أو بأن يهب الرجل ما تبقّى من المدة ويتنازل عن حقّه، ويجب عليها العدة وأقلّها خمسة وأربعين يوماً، والمشهور أن ترى المرأة طهرين، أمّا إذا مات الرجل قبل انقضاء الأجل المسمّى وقبل أن يهبها ما تبقى من المدّة فيجب على المرأة أن تعتد عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ وهي عدة المتوفّى عنها زوجها.
الشيخ عبد السلام: لقد روى بعض علمائنا روايات تصرّح بأنّ النبي (ص) نسخ حكم المتعة، فبعضها تشير بأنّ النبي (ص) نسخها عندما فتح خيبر، وبعضها تقول نسخها يوم فتح مكة، وبعضها تقول في حجة الوداع وبعضها في تبوك وبعضها في عمرة القضاء.
قلت: أولا: هذا الاختلاف الفاحش دليل قوي على وضع تلك الأخبار وكذبها، ومن الواضح أنّ غرض الواضعين والجاعلين تبرئة عمر وتنزيهه.
ثانيا: لو قايسنا هذه الأخبار مع الروايات التي نقلناها من صحاحكم ومسانيدكم ومصادر أعلامكم وجدناها واهية ضعيفة لا تعدّ شيئاً.
ثالثا: كلام عمر كما نقلناه من كتبكم المعتبرة: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما، وما قال: كانتا ونسختا بل قال: أنا أحرمهما.. فلو كانت آية ناسخة لاستند بها ولو كان حديث ناسخ من النبي (ص) لاستدل به. ولكنه أسند التحريم إلى نفسه.
ونحن نجد في مصادركم وصحاحكم روايات صريحة بعدم نسخ المتعة وقد نقلنا بعضها لكم، فإنّ في القائلين بعدم النسخ نجد بعض الصحابة الكبار مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر وعمران بن حصين وغيرهم. وتبعهم كبار علمائكم وقالوا بعدم نسخ حكم المتعة منهم جار الله الزمخشري في الكشّاف فإنّه بعدما ينقل رواية ابن عباس يقول: آية المتعة من محكمات القرآن وما نسخت.
ومنهم مالك بن أنس فإنّه أفتى بجواز المتعة وعدم نسخها، كما نقل عنه سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد، والعلامة برهان الدين الحنفي في كتابه الهداية، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري وغيرهم نقلوا أنه قال في موضع من كتابه: هو جائز لأنّه كان مباحاً مشروعاً واشتهر عن ابن عباس حليّتها وتبعه على ذلك أكثر أهل اليمن وأهل مكة من أصحابه، وقال في موضع آخر: هو جائز لأنّه كان مباحاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه. فنعرف من كلام مالك بأنّه إلى زمانه عام 179 من الهجرة ما كانت روايات النسخ، وإنّما وضعها الكاذبون الجاعلون بعد هذا الزمن وهي من وضع وجعل المتأخرين. والّذين قالوا بتحريم المتعة استندوا على كلام عمر وما استدلّوا بغير قوله: وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما، وهو دليل باطل لأنّه ليس من حق عمر التشريع فإن فإنّ الشارع هو الله العزيز الحكيم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مبيّن لأمّته ما أوحي إليه من ربّه، من أحكام الدين والشريعة.
الشيخ عبد السلام: نعم ليس من حق عمر (رض) ولا من حق غيره التشريع... ولكن قول عمر الفاروق سندٌ قوي ودليل محكم لنا في كشف الحق، فإنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعتب على المسلمين الحاضرين في مجلس الخليفة (رض) إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم وإنّما قبلوا منه بغير اعتراض لما يعرفون فيه من الصدق والصلاح، فلذلك صار قوله لنا دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً.
قلت: هذه كلها مغالطات وتوجيهات، وقد قيل حبّ الشيء يُعمي ويُصم، وأنتم من فرط حبكم لعمر تسعون في توجيه أعماله المخالفة لصميم الإسلام ونصّ القرآن، وتفسرون كلامه على خلاف ظاهره، لأنّه يصرّح: أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما . وأنتم تقولون: بأنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي؛ وتلقون العتب على المسلمين الحاضرين في مجلسه إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم، والرجل ليس له دليل إلاّ أنّ رأيه قد قطع بذلك. وأما قولك: بأن الحاضرين قبلوا منه بغير اعتراض فهو مخالف لما رواه أعلامكم بأنّ إبنه عبد الله كان يُفتي على خلاف رأي أبيه وكذلك جمعٌ من الصحابة والتابعين كما ذكرنا لكم. وأما قولك: بأن قول عمر دليلٌ محكم وسند مقبول لديكم، ليت شعري بأيّ نصّ شرعي من الكتاب أو السنة أصبح قول عمر دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً؟! هذا الذي ليس فيه نص من الكتاب أو السنة، تجعلوه لأنفسكم حجّة وتلتزمون به وتتمسكون به أشد التزام وتمسك، وتعرضون عن الخبر الذي وصل حد التواتر وهو حديث الثقلين فلا تعملون بقول العترة ولا تتمسكون بهم، علماً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: (ما إن تمسكتم بهما أي القرآن والعترة لن تضلوا بعدي أبداً) فقد جعلهما صلى الله عليه وآله وسلم أماناً من التيه والضلال.
حكم المتعة غير منسوخ في القرآن
- الزيارات: 2486