• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد العلماء

المناظرة الثانية والسبعون(مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد العلماء)
قلت لاحد علمائنا: إذا كان معاوية قتل الابرياء وهتك الاعراض وتحكمون بأنّه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد.
وإذا كان يزيد قتل أبناء الرسول وأباح المدينة(1) لجيشه وتحكمون بأنّه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد، حتى قال بعضكم: «قُتل الحسين بسيف جدّه»(2) لتبرير فعل يزيد.
فلماذا لا أجتهد أنا في البحث، وهو ما يجرّني للشك في الصحابة وتعرية البعض منهم وهذا لا يقاس بالنسبة للقتل الذي فعله معاوية وابنه يزيد في العترة الطاهرة، فإن أصبت فلي أجران وإن أخطأت فلي أجر « واحد»، على أنّ انتقاصي لبعض الصحابة لا أريد منه السبّ والشتم واللّعن، وإنّما أريد الوصول إلى الحقيقة لمعرفة الفرقة الناجية من بين الفرق الضّالة.
وهذا واجبي وواجب كل مسلم، والله سبحانه يعلم السرائر وما تخفي الصدور.
أجابني العالم قائلاً: يا بني لقد أُغلق باب الاجتهاد من زمان.
فقلت: ومن أغلقه ؟
قال: الائمة الاربعة.
فقلت متحرّرا: الحمد لله إذ لم يكن الله هو الذي أغلقه ولا رسول الله ولا الخلفاء الراشدون الذين «أمرنا بالاقتداء بهم» فليس عليّ حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا.
فقال: لا يمكنك الاجتهاد إلاّ إذا عرفت سبعة عشر علما، منها علم التفسير واللّغة والنحو والصرف والبلاغة والاحاديث والتاريخ وغير ذلك.
وقاطعته قائلاً: أنا لن أجتهد لابيّن للناس أحكام القرآن والسنّة أو لاكون صاحب مذهب في الاسلام، كلا، ولكن لاعرف من على الحق ومن على الباطل، ولمعرفة إن كان الامام عليّ على الحق، أو معاوية مثلاً، ولا يتطلّب ذلك الاحاطة بسبعة عشر علما، ويكفي أن أدرس حياة كل منهما وما فعلاه حتى أتبيّن الحقيقة.
قال: وما يهمّك أن تعرف ذلك: (تلك أُمَّةٌ قد خَلت لها ما كسبت ولكُم ما كسبتُم ولا تُسألونُ عمَا كانوا يعملُونَ)(3) .
قلت: أتقرأ «ولا تسألون» بفتح التّاء أم بضمّها ؟
قال: تُسألون بالضمّ.
قلت: الحمد لله لو كانت بالفتح لامتنع البحث، وما دامت بالضم فمعناها أنّ الله سبحانه سوف لن يحاسبنا عمّا فعلوا وذلك كقوله تعالى: (كل نفس بمـا كسبت رهينـة)(4) ، و (وأن لـيس للانسـان إلاّ مـا سعى)(5) .
وقد حثّنا القرآن الكريم على استطلاع أخبار الامم السابقة ولنستخلص منها العبرة، وقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الانبياء السابقين وشعوبهم، لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل.
أمّا قولك: «وما يهمني من هذا البحث» ؟
فأجيب عليه بقولي: يهمني:
أولاً: لكي أعرف وليَّ الله فأواليه، وأعرف عدوَّ الله فأعاديه، وهذا ما طلبه مني القرآن بل أوجبه عليَّ.
ثانيا: يهمّني أن أعرف كيف أعبد الله وأتقرّب إليه بالفرائض التي افترضها وكما يريدها هو جلّ وعلا، لا كما يريدها مالك أو أبو حنيفة أو غيرهم من المجتهدين لانّي وجدت مالكا يقول بكراهة البسملة في الصّلاة(6) بينما يقول أبو حنيفة بوجوبها(7) ، ويقول غيره ببطلان الصلاة بدونها !
وبما أنّ الصلاة هي عمود الدّين إنْ قُبِلت قُبل ما سواها وإن رُدّت ردّ ما سواها، فلا أريد أن تكون صلاتي باطلة، كما أنّ الشيعة يقولون بمسح الرجلين في الوضوء ويقول السنّة بغسلهما بينما نقرأ في القرآن (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم)(8) وهي صريحة في المسح، فيكف تريد يا سيدي أن يقبل المسلم العاقل قول هذا ويردّ قول ذاك بدون بحث ودليل.
قال: بإمكانك أن تأخذ من كلّ مذهب ما يعجبك لانها مذاهب إسلامية وكلّهم من رسول الله ملتمس.
قلت: أخاف أن أكون ممن قال الله فيهم: (أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون)(9) .
يا سيدي أنا لا أعتقد بأنّ المذاهب كلّها على حق ما دام الواحد منهم يبيح الشيء ويحرّمه الاخر، فلا يمكن أن يكون الشيء حراما وحلالاً في آن واحد والرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يتناقض في أحكامه لانّه «وحي من القرآن»، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)(10) .
وبما أنّ المذاهب الاربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند الله ولا من عند رسوله لانّ الرسول لا يناقض القرآن.
ولما رأى الشيخ العالم كلامي منطقيّا وحجتي مقبولة.
قال: أنصحك لوجه الله تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين، فهم أعمدة الاسلام الاربعة إذا هدّمت عمودا منها سقط البناء !!
قلت: استغفر الله يا سيدي فأين رسول الله إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الاسلام ؟
أجاب: رسول الله هو ذاك البناء ! هو الاسلام كلّه.
ابتسمت من هذا التحليل وقلت: استغفر الله مرة أخرى يا سيدي الشيخ فأنت تقول من حيث لا تشعر: بأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يكن ليستقيم إلاّ بهؤلاء الاربعة بينما يقول الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه وكفى بالله شهيدا)(11) .
فقد أرسل محمدا بالرسالة ولم يشركه فيها أحدا من هؤلاء الاربعة ولا من غيرهم، وقد قال الله تعالى في هذا الصّدد: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون)(12) .
قال: هذا ما تعلّمناه نحن من مشايخنا وأئمتنا، ولم نكن نحن في جيلنا نناقش ولا نجادل العلمأ مثلكم اليوم الجيل الجديد أصبحتم تشكّون في كل شيء وتشكّكون في الدين، وهذه من علامات الساعة فقد قال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ: لن تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق(13) .
فقلت: يا سيدي لماذا هذا التهويل، أعوذ بالله أن أشكّ في الدين أو أشكك فيه، فقد آمنت بالله وحده لا شريك له وملائكته وكتبه ورسله، وآمنت بأنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله وهو أفضل الانبيأ والمرسلين وخاتمهم وأنا من المسلمين، فكيف تتّهمني بهذا ؟
قال: أتهمك بأكثر من هذا لانّك تشكك في سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وقد قال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ: لو وزن إيمان أمّتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر(14) .
وقال في حقّ سيدنا عمر: عرضت عليّ أمتي وهي ترتدي قمصا لم تبلغ الثدي وعرض عليّ عمر وهو يجرّ قميصه، قالوا: ما أوّلته يا رسول الله ؟ قال: الدين(15) .
وتأتي أنت اليوم في القرن الرابع عشر لتشكك في عدالة الصحابة وبالخصوص أبي بكر وعمر، ألم تعلم بأنّ أهل العراق هم أهل الشقاق، هم أهل الكفر والنفاق !!
ماذا أقول لهذا العالم المدّعي العلم الذي أخذته العزّة بالاثم، فتحوّل من الجدال بالتي هي أحسن إلى التهريج والافتراء وبثّ الاشاعات أمام مجموعة من الناس المعجبين به والذين احمرّت أعينهم وانتفخت أوداجهم ولاحظت في وجوههم الشر.
فما كان منّي إلاّ أن أسرعت إلى البيت وأتيتهم بكتاب الموطأ للامام مالك وصحيح البخاري، وقلت: يا سيدي إنّ الذي بعثني على هذا الشك هو رسول الله نفسه، وفتحت كتاب الموطأ وفيه روى مالك أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ: بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: «إنّنا لكائنون بعدك(16) .
ثم فتحت صحيح البخاري وفيه: دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال ـ حين رآها ـ: من هذه ؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه، قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول الله منكم، فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي أسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلمّا جاء النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قالت: يا نبي الله، عمر قال: كذا وكذا.
قال: فما قلت له. قالت: كذا وكذا.
قال: ليس بأحقّ بي منكم، وله ولاصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم ممّا قال لهم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ(17) .
وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الاحاديث تغيّرت وجوههم وبدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ينتظرون ردّ العالم الذي صدم فما كان منه إلاّ أن رفع حاجبيه علامة التعجّب وقال: (وقل ربّ زدني علما)(18) .
فقلت: إذا كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هو أوّل من شكّ في أبي بكر ولم يشهد عليه لانّه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده، وإذا كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يقرّ بتفضيل عمر بن الخطّاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه، فمن حقّي أن أشك وأن لا أفضّل أحدا حتى أتبيّن وأعرف الحقيقة ومن المعلوم أنّ هذين الحديثين يناقضان كل الاحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لانّهما أقرب إلى الواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة.
قال الحاضرون: وكيف ذلك ؟
قلت: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يشهد على أبي بكر، وقال له إنّني لا أدري ماذا تحدثون بعدي ! فهذا معقول جدا وقد قرّر ذلك القرآن الكريم والتاريخ يشهد أنّهم بدّلوا بعده ولذلك بكى أبو بكر، وقد بدّل وأغضب فاطمة الزهراء بنت الرسول، وقد بدّل حتى ندم قبل وفاته(19) وتمنى أن لا يكون بشرا.
أمّا الحديث الذي يقول: لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر(20) ، فهو باطل وغير معقول، ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الاصنام أرجح إيمانا من أمّة محمّد بأسرها، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والائمة الذين قضوا أعمارهم كلّها جهادا في سبيل الله، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث ؟ لو كان صحيحا لما كان في آخر حياته يتمنى أن لا يكون بشرا.
ولو كان إيمانه يفوق إيمان الامة ما كانت سيدة النساء فاطمة بنت الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، تغضب عليه وتدعو الله عليه في كل صلاه تصلّيها(21) .
ولم يرد العالم بشيء، ولكنّ بعض المجالسين قالوا: لقد بعث والله هذا الحديث الشك فينا، عند ذلك تكلم العالم ليقول لي: أهذا ما تريده ؟
لقد شككت هؤلاء في دينهم !!
وكفاني أحدهم الردّ عليه، إذ قال: كلا، إنّ الحق معه، نحن لم نقرأ في حياتنا كتابا كاملاً، واتّبعناكم واقتدينا بكم في ثقة عمياء بدون نقاش، وقد تبيّن لنا الان أنّ ما يقوله الحاج صحيح، فمن واجبنا أن نقرأ ونبحث !!
ووافقه على رأيه بعض الحاضرين، وكان ذلك انتصارا للحق والحقيقة، ولم يكن انتصارا بالقوة والقهر ولكنّه انتصار العقل والحجّة والبرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)(22) .
ذلك ما دفعني وشجّعني على الدخول في البحث وفتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، راجيا منه سبحانه وتعالى التوفيق والهداية فهو الذي وعد بهداية كلّ باحث عن الحقّ وهو لا يخلف وعده(23) .

(1) تقدمت تخريجاته.
(2) حياة الامام الحسين ـ عليه السلام ـ للقرشي ج3 ص403، العواصم من القواصم لابن العربي ص232 بما معناه.
(3) سورة البقرة: الاية 134.
(4) سورة المدثر: الاية 38.
(5) سورة النجم: الاية 39.
(6) الفقه على المذاهب الاربعة للجزري ج1 257.
(7) الفقه على المذاهب الاربعة ج1 ص257، الفقه الاسلامي وأدلته ج1 ص646.
(8) سورة المائدة: الاية 6.
(9) سورة الجاثية: الاية 23.
(10) سورة النساء: الاية 82.
(11) سورة الفتح: الاية 28.
(12) سورة البقرة: الاية 151.
(13) مسند أحمد بن حنبل ج1 ص394، صحيح مسلم ج4 ص2268 ح131 ـ (2949)، المعجم الكبير للطبراني ج10 ص127 ح10097، شرح السنّة للبغوي ج15 ص90 ح4286، كنز العمال ج14 ص112 ح38436.
(14) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج2 ص418 ح653، شعب الايمان للبيهقي ج1 ص69 ح36، كشف الخفاء للعجلوني ج2 ص216 ح2130، إتحاف السادة المتقين للزبيدي ج1 ص323.
والحديث حكم بضعفه وذلك لضعف راويه وهو عبدالله بن عبد العزيز بن أبي روّاد لانه يحدّث عن أبيه، عن نافع عن ابن عمر بأحاديث لايتابعه أحد عليها. قال ذلك ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال ج4 ص1518، وقال عنه العقيلي يحدّث عن أبيه، أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث الضعفاء الكبير ج2 ص279 ترجمة رقم: 842، وفي ميزان الاعتدال قال ابو حاتم وغيره: أحاديثه منكرة، وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلسا ج2 ص455.
(15) مسند أحمد بن حنبل ج3 ص86، صحيح البخاري ج5 ص15، صحيح مسلم ج4 ص1859 ح15 ـ (2390)، الرياض النضرة ج2 ص304.
(16) الموطأ لمالك ج2 ص461 ح32، المغازي للواقدي ج1 ص310.
(17) صحيح البخاري ج5 ص175، صحيح مسلم ج4 ص1946 ح2503، حلية الاولياء ج2 ص74، دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص244، البداية والنهاية لابن كثير ج4 ص206.
(18) سورة طه: الاية 114.
(19) تقدمت تخريجاته.
(20) تقدمت تخريجاته. (21) تقدمت تخريجاته.
(22) سورة البقرة: الاية 111.
(23) كتاب ثم اهتديت للدكتور التيجاني ص149.
المناظرة الحادية والسبعون
(مناظرة الدكتور التيجاني(1) مع أحد علماء الزيتونة(2) )
يقول الدكتور التيجاني:
والعجيب الغريب أنّ أغلب المسلمين عندما تذكر له حديث الغدير، لا يعرفه أو قل لمْ يسمع به والاعجب من هذا كيف يدّعي علماء أهل السنّة بعد هذا الحديث المجمع على صحّته، بأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يستخلف وترك الامر شورى بين المسلمين.
فهل هناك للخلافة حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد الله ؟؟ وإني لاذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونة في بلادنا عندما ذكرتُ له حديث الغدير محتجّا به على خلافة الامام عليّ ـ عليه السلام ـ فاعترف بصحّته، بل وزاد في الحبل وصلة فأطلعني على تفسيره للقرآن الذي ألّفه بنفسه، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصححه، ويقول بعد ذلك:
«وتزعم الشيعة بأن هذا الحديث هو نصّ على خلافة سيدنا علي ـ كرّم الله وجهه ـ، وهو باطل عند أهل السنّة والجماعة لانه يتنافى مع خلافة سيّدنا أبي بكر الصدّيق وسيّدنا عمر الفاروق وسيّدنا عثمان ذي النورين، فلا بدّ من تأويل لفظ المولى الوارد في الحديث على معنى المحب والناصر، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام ـ رضي الله تعالى عليهم أجمعين ـ، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث لانهم لا يعترفون بخلافة الخلفاء ويطعنون في صحابة الرسول وهذا وحده كافٍ لردّ أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم» انتهى كلامه في الكتاب.
سألته: هل الحادثة وقعتْ بالفعل في غدير خم(3) ؟
أجاب: لو لم تكن وقعتْ ما كان ليرويها العلماء والمحدّثون !
قلتُ: فهل يليق برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أن يجمع أصحابه في حرّ الشمس المحرقة ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم:
بأنّ علي محبّكم وناصركم ؟ فهل ترضون بهذا التأويل ؟
أجاب: إن بعض الصحابة اشتكى عليِّا وكان فيهم من يحقد عليه ويبغضه، فأراد الرسول أن يزيل حقدهم، فقال لهم: بأنّ عليا محبّكم وناصركم، لكي يحبّوه ولا يبغضوه.
قلتُ: هذا لا يتطلّب إيقافهم جميعا والصلاة بهم وبدأ الخطبة بقوله: ألستُ أولى بكم من أنفسكم، لتوضيح معنى المولى، وإذا كان الامر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكى منهم عليَّا: «إنّه محبّكم وناصركم »، وينتهي الامر بدون أن يحبس في الشمس، تلك الحشود الهائلة وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء، فالعاقل لا يقنع بذلك أبدا !
فقال: وهل العاقل يصدّق بأنّ مائة ألف صحابي لم يفهموا ما فهمتَ أنتَ والشيعة ؟؟
قلتُ: أولاً لم يكن يسكن المدينة المنوّرة إلاّ قليلٌ منهم.
وثانيا: إنهم فهموا بالضبط ما فهمتُه أنا والشيعة، ولذلك روى العلماء بأن أبا بكر وعمر كانا من المهنّئين لعلي بقولهم: بخ بخ لك يابن أبي طالب أمسيت وأصبحت مولى كل مؤمن(4) .
قال: فلماذا لم يبايعوه إذا بعد وفاة النبي ؟ أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبيّ ؟ أستغفر الله من هذا القول !
قلتُ: إذا كان العلماء من أهل السنّة يشهدون في كتبهم بأنّ بعضهم ـ أعني من الصحابة ـ كانوا يخالفون أوامر النّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في حياته وبحضرته(5) ، فلا غرابة في ترك أوامره بعد وفاته، وإذا كان أغلبهم يطعنُ في تأميره أسامة بن زيد لصغر سنّه رغم أنها سريّة محدودة ولمدّة قصيرة فكيف يقبلون تأمير عليّ على صغر سنّه ولمدّة الحياة، وللخلافة المطلقة ؟ ولقد شهِدتَ أنتَ بنفسك بأن بعضهم كان يبغض عليَّا ويحقد عليه !!
أجابني متحرّجا: لو كان الامام عليّ ـ كرّم الله وجهه ورضي الله عنه ـ يعلَمُ أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ استخلفه، ما كان ليسكتَ عن حقّه وهو الشجاع الذي لا يخشى أحدا ويهابه كل الصحابة.
قلتُ: سيدي هذا موضوع آخر لا أريد الخوض فيه لانك لم تقتنع بالاحاديث النبوية الصحيحة، وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظا على كرامة السلف الصالح، فكيف أُقنعك بسكوت الامام عليّ أو باحتجاجه عليهم بحقّه في الخلافة ؟
ابتسم الرّجل قائلاً: أنا والله من الذين يفضّلون سيدنا عليّا ـ كرّم الله وجهه ـ على غيره، ولو كان الامر بيدي لما قدّمتُ عليه أحدا من الصحابة، لانه باب مدينة العلم وهو أسد الله الغالب، ولكن مشيئة الله سبحانه هو الذي يقدّم من يشاء ويؤخّر من يشاء، (لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون)(6) .
ابتسمتُ بدوري له، وقلتُ: وهذا أيضا موضوع آخر يجرّنا للحديث عن القضاء والقدر، وقد سبق لنا أن تحدّثنا فيه وبقي كلٌ منّا على رأيه، وإنّي لاعجب يا سيدي لماذا كلّما تحدثتُ مع عالم من علماء أهل السنّة وأفحمته بالحجّة سرعان ما يتهرّب من الموضوع إلى موضوعٍ آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن بصدده.
قال: وأنا باقٍ على رأيي لا أغيّره.
ودّعته وانصرفتُ. بقيتُ أفكّر مليَّا لماذا لا أجدُ واحدا من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ويوقف الباب على رجله، كما يقول المثل الشائع عندنا.
فالبعض يبدأ الحديث، وعندما يجد نفسه عاجزا عن إقامة الدّليل على أقواله يتملّص بقوله: (تلك أمّة قد خلتْ لها ما كسبتْ ولكم ما كسبتم)(7) والبعض يقول ما لنا ولاثارة الفتن والاحقاد فالمهم أنّ السنّة والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي، والبعض يقول بإيجاز: يا أخي اتّق الله في الصحابة، فهل يبقى مع هؤلاء مجال للبحث العلمي وإنارة السبيل والرجوع للحق الذي ليس بعده إلاّ الضّلال ؟ وأين هؤلاء من أسلوب القرآن الذي يدعو الناس لاقامة الدّليل: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)(8) مع العلم بأنهم لو يتوقّفون عن طعنهم وتهجمهم على الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتّى بالتي هي أحسن(9) .
____________
(1) هو: الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي، حفظ القرآن في سنٍ مبكرٍ، نشأ وترعرع على طريقة الصوفية التيجانية وهي منتشرة بكثرة في المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، والسودان، ومصر، والتي من أُسسها الحفاظ على الشعائر الدينية واحترام الاولياء والصالحين وترتيل القرآن، ولها أذكارها وأدعيتها الخاصة وكان على مذهب الامام مالك بن أنس وأخيراً اعتنق المذهب الشيعي بعد بحث طويل في تحقيق مسائل الخلاف بين المذاهب الاسلامية، كما جرت بينه وبين بعض العلماء مناظرات حين زيارته للنجف الاشرف منهم السيد الخوئي ـ قدس سره ـ، والشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ قدس سره ـ، له من المؤلفات كتاب ثم اهتديت الذي شرح فيه كيفية استبصاره والاسباب التي دعته إلى الاخذ بمذهب أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، لاكون مع الصادقين، الشيعة هم أهل السنة، فاسألوا أهل الذكر، وقد حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون ـ باريس. استفدنا هذه الترجمة من كتابه ثم اهتديت.
(2) الزيتونة: جامع في تونس بنته عطف ارملة المستنصر الحفصي ـ 1283 ـ خارج باب البحر. المنجد ـ قسم الاعلام ـ ص341.
(3) تقدمت تخريجاته.
(4) تقدمت تخريجاته.
(5) صحيح البخاري ومسلم إذ أخرجا عدّة مخالفات لهم كما في صلح الحديبية وكما في رزية يوم الخميس وغير ذلك كثير، وخير من كتب في هذا الموضوع السيد شرف الدين (قدس سره) في كتابه: النص والاجتهاد فراجع.
(6) سورة الانبياء: الاية 23.
(7) سورة البقرة: الاية 134.
(8) سورة البقرة: الاية 111.
(9) مع الصادقين للدكتور التيجاني السماوي ص58.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page