• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اثار الصمت( آداب المجالس)


متفرقات
الرسول (ص) :من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة .
الامير( ع) :احذر ممن إذا حدثته ملك وإذا حدثك غمك ....لسانه عليه لا له، ولا يضبط قلبه قوله ، يتعلم للمراء ويتفقه للرياء ، يبادر الدنيا ويواكل التقوى ) .
الحسن (ع) :إذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك ، فإن أشقى الأعراض به معارفه .
الرسول (ص): يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا ، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة. .


متفرقات
الرسول (ص) :من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة .
الامير( ع) :احذر ممن إذا حدثته ملك وإذا حدثك غمك ....لسانه عليه لا له، ولا يضبط قلبه قوله ، يتعلم للمراء ويتفقه للرياء ، يبادر الدنيا ويواكل التقوى ) .
الحسن (ع) :إذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك ، فإن أشقى الأعراض به معارفه .
الرسول (ص): يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا ، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة. .

انواع المجالس

مجالس نهي عنها
فقد ورد في القرآن الكريم نهي عن بعض المجالس :
من ذلك قوله تعالى { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر } .
وقوله تعالى{ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ...غيره }.
وقوله تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ...مع القوم الظالمين } .
أما الروايات الشريفة فقد نهت عن مجالس منها:

مجالس الغفلة واللهو
الصادق (ع) :ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله ولم يذكرونا، الا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة .
(ع) : ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار ، ثم تفرقوا على غير ذكر الله ، الا كان ذلك حسرة عليهم يوم القيامة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام : ان ذكرنا من ذكر الله، وذكر عدونا من ذكر الشيطان .

مجالسة السفل
( مجالسة السفل تضني القلوب )
الامام الحسين (ع): ( مجالسة أهل الدناءة شر ).

مجالس الغلاة
" إن أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يجلس إلى غال فيستمع إلى حديثه ويصدقه "

مواطن التهمة
الامير(ع) :إياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر جليسه.
الرسول (ص) : أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة .

مجالس جحود الحق وتكذيبه والوقوع بأهله
الصادق (ع) : في قوله تعالى { وقد نزل عليكم في الكتاب ...}: " إنما عنى بهذا الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في الائمة ، فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان ".
الرسول (ص) : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس بمجلس يسب فيه إمام، أو يغتاب فيه مسلم إن الله يقول في كتابه : { وإذا رأيت الذين يخوضون ..الظالمين }.

مجالس الخمر
الامير(ع) : لا تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر ، فإن العبد لا يدري متى يؤخذ .
الرسول (ص) : ملعون ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها الخمر .

الطرقات :
الامير (ع) : إياك والجلوس في الطرقات .
إياكم والجلوس بالصعدات الا من أدى حقها .
الصعدات الطرق وهو مأخوذ من الصعيد والصعيد التراب ...وقد روي عن الصادق (ع) انه قال:الصعيد الموضع المرتفع.
وفي كنز العمال : إياكم والجلوس على الطرقات!.. فإن أبيتم إلا المجالس فاعطوا الطريق حقها..غض البصر، وكف الاذى، ورد السلام، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر .
وفيه أيضاً : شر المجالس الاسواق بالطرق، وخير المجالس المساجد، فإن لم تجلس في المسجد فالزم بيتك .

الأسواق
الامام الباقر (ع) :شر بقاع الارض الاسواق، وهو ميدان إبليس يغدو برايته، ويضع كرسيه، ويبث ذريته، فبين مطفف في قفيز، أو طائش في ميزان، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعته، فيقول عليكم برجل قد مات أبوه وابوكم حي ، فلا يزال مع اول من دخل وآخر من رجع .
الامير (ع) :مجالس الاسواق محاضرالشيطان .
الامير (ع):اياك ومقاعد الاسواق!.. فانها محاضر الشيطان، ومعاريض الفتن .
الرسول (ص) : السوق دار سهو وغفلة، فمن سبح فيها تسبيحة، كتب الله له بها ألف ألف حسنة .
وفي كنز العمال :علكم ستفتحون بعدي مدائن عظاما ، وتتخذون في أسواقها مجالس، فإذا كان كذلك فردوا السلام، وغضوا من أبصاركم، وأهدوا الاعمى، وأعينوا المظلوم .
وفيه : شر المجالس الاسواق بالطرق، وخير المجالس المساجد، فإن لم تجلس في المجلس فالزم بيتك .

مجالس المعصية
الصادق (ع) : لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره .

آداب المجالس

آداب المجالس
فبعد أن اتضح أن المجالس مسؤولية وعلمت مع من تجلس ، فليعلم أن لجلوسك هذا آداب لطيفة وحلل جميلةوهي كثيرة نورد بعض منها ، وقبل التفصيل في ذلك فلنعطر بحثنا بما جاء عن مجلس حبيبنا ( ص ) فهو القدوة، وفيه كثير من آداب الكلام .
مجلس رسول الله (ص)
في عيون أخبار الرضا أن الإمام الحسين (ع) سأل الإمام علي (ع) – عن رسول الله (ص) - : فسألته عن مجلسه فقال : كان ( ص ) لا يجلس ولا يقوم الا على ذكر، ولا يوطن الاماكن وينهى عن ايطانها، وإذا انتهى الى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويامر بذلك، ويعطى كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب أحد من جلسائه ان احدا اكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، من ساله حاجه لم يرجع الا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه، وصار لهم أبا رحيما، وصاروا عنده في الحق سواء.. مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وامانه، ولا ترفع فيه الاصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته، متعادلين متواصلين بالتقوى متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجه، ويحفظون الغريب، فقلت : كيف كان سيرته في جلسائه ؟.. فقال : كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهى فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والاكثار، وما لا يعنيه.. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم احدا ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه.. إذا تكلم اطرق جلساءه كانما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، وإذا تكلم عنده أحد انصتوا له حتى يفرغ من حديثه، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوه في المسألة والمنطق، حتى ان كان اصحابه ليستجلبونهم ويقول : إذا رأيتم حاجه يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام.
( كان رسول الله (ص ) : يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد) .
فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد، تواضعا لله تبارك وتعالى .
كان ( صلى الله عليه وآله ) لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله .
أبو ذر: كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل ، فطلبنا الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ، فبنينا له دكانا من طين ، وكان يجلس عليه ونجلس بجانبيه .
مجلسه في الآخرة :
" اللهم فصل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وعلى أهل بيته ... اللهم فآثره بقرب المجلس منك يوم القيامة "
" وابعثه مقاماً محموداً في أفضل كرامتك وقربه من مجلسك وفضله على جميع خلقك "
" وأكرمهم مقاماً وأدناهم منك مجلساً وأقربهم إليك وسيلة "
" إن أحبكم الي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقا وأشدكم تواضعاً "
ومر أن أبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون .
الرسول (ص) : إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني ومن الله مجلسا شاهد الزور .

آداب المجالس (1)
إذا دخلت مجلساً فالأدب البداية بالتسليم، وترك التخطي لمن سبق، والجلوس حيث تسعى، وحيث يكون أقرب الى التواضع ، وأن تحيي بالسلام من قرب منك عند الجلوس ، ولا تجلس على الطريق وإن جلست فله آدابه .
ولا تجالس العامة فإن فعلت فأدبه فترك الخوض في حديثهم ، وقلة الاصغاء الى أراجيفهم ، والتغافل عما يجري في سوء ألفاظهم ، وقلة اللقاء لهم مع الحاجة اليهم .
وإياك أن تمازح لبيبا أو غير لبيب، فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يجترء عليك ، لأن المزاح يخرق الهيبة ، ويسقط ماء الوجه ، ويعقب الحقد ، ويذهب بحلاوة الود ، ويشين فقه الفقيه ويجرء السفيه ، ويسقط المنزلة عند الحكيم ، ويمقته المتقون . وهو يميت القلب ويباعد عن الرب ، ويكسب الغفلة ويورث الذلة ، وبه تظلم السرائر وتموت الخواطر ، وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب . وقد قيل لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر ، ومن بلي في مجلس بمزاح أو لفظ فليذكر الله عند قيامه . قال النبي ( ص):من جلس في مجلس وكثر فيه لفظه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله الا أنت استغفرك وأتوب إليك " غفر له ما كان في مجلسه ذلك . انتهى .

آداب المجالس (2)
عنه (ص): بالداخل دهشة فتلقوه بمرحبا .
وعن أمير المؤمنين (ع) : لكل قادم حيرة ، فابسطوه بالكلام .
وعنهم (ع):من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه .
وفي كنز العمال :الأيمن فالأيمن .

آداب الكلام
ومن المناسب هنا أن نذكر آداب الكلام، فقد ذكر العلماء للكلام آداب وحقوق منها :
" ان يفتتح بالتسمية والتحميد لله، والاستعاذة من الشيطان، والصلوة والسلام على النبي واله، ويخفض الصوت، فان انكر الاصوات لصوت الحمير، وعن النبي صلى الله عليه وآله:ان الله يحب الصوت الخفيض ويبغض الصوت الرفيع وحد بان لا يجاوز صوته مجلسه، ولا يقصر عن اسماع المخاطب، ولا يكثر، فقلما يسلم من العثار مكثار، ومن كثر كلامه كثر ملامه، ويهذب اللفظ عن الحشو والزوايد، ويبين المقصود من الكلام بتخليصه عن التعقيد والتشابه والايجاز المخل، ويتفكر فيما يورده من الحجة، لئلا تدحض أو يورد عليه ليكلم على وفقه، ويسكت عند الغضب، فانه لا يكاد يتكلم فيه بكلام صالح، ويذكر الله عند النسيان ويصلى على النبي واله، فهما مما يوجبان الذكر ويستثنى في محله، وهو ما يفعله غدا ولا يحلف عليه، فهو اجتراء على الله، وتحكم على قضائه، ويراعى الادب مع المخاطب ولا سيما المحتشم، ويتكلم بالقصير الجامع،فخير الكلام ما قل ودل، ويتوقف بين كل كلامين مما يقصد حفظه ليحفظ السامع، ولا يبحث على متكلم قبل تمام الكلام، فهو بمنزلة خدش الوجه، ويستاذن العالم في السئول، فان اذن له سئل والا صبر إلى وقت اخر يكون له فيه انبساط، ويحترز عن افات اللسان وهي كثيرة.. "

آداب الحديث مع الوالدين
وبما ان الكلام عن آداب الكلام، فمن اللطيف أن ننبه على أهمية مراعاة آداب الكلام مع الوالدين بالخصوص ، إذ انهما أصل الإنسان وسبب وجوده ، والمنكر لفضلهما ينكر فضل الله عليه، وقد وردت كثير من الآيات والروايات في الحث على برهما في أدق الأمور، كعدم رفع الصوت على صوتهما وعدم التقدم بالمشي عليهما وغير ذلك .
قال تعالى{ إما يبلغن ... تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما } .
وعن الإمام الصادق (ع) :أدنى العقوق ( أف ) ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه .
وقد جاء عن الإمام الصادق(ع) : " وأما قول الله تعالى " إما يبلغن عندك الكبر أحدهما " الآية . قال : إن أضجراك فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما وإن ضرباك .
قال : { وقل لهما قولا كريما } : إن ضرباك فقل لهما غفر الله لكما " فذلك منك قول كريم . قال: { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} قال : لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ....
والعجيب في هذه الرواية أن الإمام لم يقل: لا ترفع صوتك وأنت تخاطبهما – كما في حال الغضب وغيره – بل نهت عن أن ترفع صوتك فوق صوتهما ، وهذا الأدب مما أمر الله تعالى به المسلمين تجاه نبيه، وخصه به في القرآن الكريم إذ يقول :{ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } .
والملاحظ أن كثير لا يلتفتون إلى آداب الكلام مع والديهم، فقد لا يلتفت إلى رفع صوته، أو قد يقول لهما ما قد يسيء إليهما من مزح أو غيره، وقد يكثر الكلام فيُملهما( كثرة الكلام تمل السمع ) ويحزنهما من حيث لا يشعر . وآخرون قد يقلون الكلام فيحزنهما . فعلى المرء أن يراعي حال أبويه وما يسعدهما ولا يحزنهما ، إذ جاء في الأثر : ( من أحزن والديه فقد عقهما ) .
ولنعود إلى ما كنا فيه من آداب المجالس .

صدر المجالس :
الامير (ع) : لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل،وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق .
وعنه (ص) :ياعلي!.. ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها ، والمتآمر على رب البيت ، وطالب الخير من أعدائه ، وطالب الفضل من اللئام،والداخل بين اثنين في سر لم يدخلاه فيه ، والمستخف بالسلطان ، والجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بالحديث على من لا يسمع منه.
وأنشدوا :
يستوجب الصفع في الدنيا ثمانية لا لوم في واحدهم إذا صفعا
المستخف بسلطان له خطر وداخل الدار تطفيلا بغير دعا
ومنفذ أمره في غير منزله وجالس مجلس عن قدره ارتفعا
ومتحف بحديث غير سامعه وداخل في حديث اثنين مندفعا
وطالب الفضل ممن لا خلاق له ومبتغي الود من أعدائه طمعا

أشرف المجالس :
الرسول (ص) : إن لكل شيء شرفاً، وإن أ شرف المجالس ما استقبل به القبلة .
الامام الصادق (ع) :كان رسول الله أكثر ما يجلس تجاه القبلة .


آداب لمجالس ( 3 ) :
الكتاب الكريم :{ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا فافسحوا يفسح الله لكم ...فانشزوا } .
وعنه (ص) : زينوا مجالسكم بالصلاة علي، فإن صلاتكم علي نور لكم يوم القيامة.
الكتاب الكريم :{ واخفض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير }.
روي عن النبي(ص):أن الله يحب الصوت الخفيض، ويبغض الصوت الرفيع.
وعنه (ص) : إن الله يكره رفع الصوت بالعطاس والتثاؤب .
وعنه (ص) : التثاؤب الشديد والعطسة الشديد من الشيطان .
وعنهم (ع) : بجلوا المشايخ!.. فان تبجيل المشايخ من اجلال الله،فمن لم يبجلهم فليس منا .
وعنهم (ع) : من أكرم ذا سن في الاسلام كأنه أكرم نوحا، ومن أكرم نوحا في قومه فقد أكرم الله .


آداب المجالس (4) :
الرسول (ص) : لا تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك، ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر .
الرسول(ص): من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس، رد الله عز وجل عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة ، فإن لم يرد عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتاب .
عنه (ع): كثرة الضحك توحش الجليس، وتشين الرئيس .
رسول الله ( ص):وقد مر بمجلس قد استعلاه الضحك - : شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات ، قالوا : وما مكدر اللذات ، قال : الموت
الرسول(ص) : كفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال .... ويؤذي جليسه بما لا يعنيه .
وروي إذا انتهى أحدكم الى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس،ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة .
روي : إذا قام أحدكم من المجلس فليسلم، فإنه يكتب له ألف حسنة، وتقضى له ألف حاجة، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
و قد عقد صاحب المستدرك في مستدرك الوسائل : ( باب استحباب ذكر الرجل بكنيته حاضرا ، وباسمه غائبا ، وتعظيم الاصحاب ومناصحتهم ) .

الإنصات وحسن الاستماع

الإنصات وحسن الاستماع
وعنهم (ع) : ما تجالس قوم مجلسا، فلم ينصت بعضهم لبعض، الا نزع من ذلك المجلس البركة.
الإمام علي ( عليه السلام ) :عوّد اذنك حسن الاستماع ، ولا تصغ إلى ما لا يزيد في صلاحك .
ولصفي الدين الحلي :
إسمع مخاطبة الجليس ولا تكن عجلاً لنطقك قبلما تستفهم
لم تعط مع أذنيك نطقاً واحداً إلا لتسمع ضعف ما تتكلم
(من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله .... وإن كان عن الشيطان...)

حق المجلس والجليس
( أدوا حق المجالس، اذكروا الله كثيرا، وارشدوا السبيل، وغضوا الابصار ).
السجاد ( ع ) :أما حق جليسك: فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجازاة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك الا باذنه .. ولا تسمعه الا خيرا ).
الرسول(ص) : ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جليسه ) .
بم تخبر؟..
عن رسول الله صلى الله عليه واله :الرجل الصالح يجيئ بخبر صالح، والرجل السوء يجيئ بخبر سوء .

التناجي في المجالس
وروي عنه (ص) : لا يتناجى اثنان دون الواحد ، ولا يدخل الواحد على الاثنان وهما يتناجيان .
وعنه(ص) :إذا كنتم فلا يتناجين اثنان دون صاحبهما، قيل: فإن كانوا أربعة ؟ قال: لا بأس به .
وعنه (ص) : إذا كان الرجلان في المجلس يتحدثان في السر، فلا يجلس إليهما ثالث حتى يستأذنهما.

المجالس بالامانة
الرسول (ص) : المجالس بالامانة الا ثلاثة مجالس : مجلس سفك فيه دم حرام ، ومجلس استحل فيه فرج حرام، ومجلس استحل فيه مال حرام بغير حقه.
وعنه (ص) : المجالس أمانة، ولا يحل لمؤمن أن يأثر عن مؤمن- أو قال أخيه المؤمن- قبيحاً .
وفي كنز العمال :( إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة ) .
وعنه ( ص) : إنما يتجالس المتجالسان بأمانة الله، فلا يحل لأحدهما أن يفشي على أخيه ما يكره .
وفي كنز العمال :( من حدث حديثا لا يحب أن يفشى عليه، فهو أمانة وإن لم يستكتمه صاحبه ) .
الامام الصادق(ع) : قال رجل لعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) : إن فلانا ينسبك الى أنك ضال مبتدع ، فقال له علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت الينا حديثه ، ولا أديت حقي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه ! ... إياك والغيبة فإنها إدام كلاب أهل النار ، واعلم أن من أكثر من ذكر عيوب الناس شهد عليه الإكثار أنه إنما يطلبها بقدر ما فيه .

خاتمة المجالس ( عند القيام ) :

الرسول (ص) : إن كفارة المجلس : سبحانك اللهم وبحمدك، لا اله الا انت رب تب علي واغفر لي .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من ختم مجلسه بهؤلاء الكلمات ، ان كان مسيئا كن كفارات الاساءة ، وان كان محسنا ازداد حسنا وهي : سبحانك اللهم وبحمدك ، اشهد ان لا اله الا انت ، استغفرك واتوب اليك.
الباقر(ع) : من أراد أن يكتال بالمكيال الاوفى، فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه : سبحان ربك ...رب العالمين.
الرسول ( ص) :إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار.
الصادق (ع) :إن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان لا يقوم من مجلس وإن خف، حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة
وفي كنز العمال :( ما جلس قوم في مجلس فخاضوا في حديث، واستغفروا الله عز وجل قبل أن يتفرقوا، الا غفر الله لهم ما خاضوا فيه ) .

وفي مستدرك الوسائل :
سلبيات المجالس العامة :
الإنفلات :
مر بك قول الأمير(ع) :( مجالس العوام تفسد العادة ) أضف له قوله(ع) :( مباينة العوام من أفضل المروة ) ولعل قصد الإمام من العوام : هم الذين ليس لهم حريزة في دين، فلا يتورعون عن القول الحرام والشبهات، ولا يراعون الآداب، والذين هم عن آياته غافلون . وإن أول سلبية من سلبيات هذه المجالس – وهي أغلب المجالس في الواقع - هي عدم الانضباط في الوقت، ولا في الطرح، ولا في أي ليلة ولا ولا ولا .
وهذا يجعل المجالس سائحة سائبة من غير هدف ، يجتر فيها الحديث ، وربما تمر سنين وسنوات ولم يثمر هذا المجلس المعين ولو مشروعاً اجتمعيا او اقتصادياً واحدا ، ولو طرحت وأثيرت في كل مجلس مسألة واحدة كبحث عن علاج في إحدى مقاطع المجلس الوقتية وليس في كل وقت المجلس، لخرج هذا المجلس سنويا بحصيلة كبيرة من الحلول، وسيأتي تفصيل الكلام في تحوير المجالس . وهذهالسلبية تولد سلبيات منها :
مضيعة للوقت :
الوقت هو الحياةوقد مر بك شيء عنه ، والملحوظ هو الغفلة عن أن من أعظم الموارد التي تهدر العمر، وتبدد الوقت هي المجالس العفوية، والتي لا تخضع لضوابط أو آداب، وإنما شغلها ( القيل والقال ) .
وقد قيل أن المجالس الاسبوعية والتي تسمى( بالخميسية او الثلوثية وغيرها) هي من سمات المجتمعات المتخلفة، إذ انها تدل على أن المجتمع فارغ وليس لديه ما يقضي فيه وقت فراغه، فيعمد الى مثل هذه المجالس بخلاف المجتمعات المتقدمة صناعياً، فانه لا يوجد لديهم كهذه المجالس . والانصاف أن هذا الكلام فيه الكثير من الصحة . فالواقع يشهد أن كثير من مجالسنا مضيعة للوقت، مهدرة للعمر، مجلبة للعداوات وغيرها .

آفات اللسان ومثالب الكلام :
وهنا بيت القصيد، فان الحديث في المجالس قلما يخلو عن جر الى غيبة، او كذب، او خوض في باطل، أو خلاف وقطيعة وشحناء وغير ذلك ، وقد مر الكلام عن كثرة الكلام وكيف تجر الى الحرام . وكل ما مر من مساوئ الكلام، فإنها أكثر ما تكون في المجالس العامة ..
ولو دقق الإنسان في آفات اللسان، وتصفح الواقع لوجد أن نسبة كبيرة من المشاكل،والتي تبدأ بالكلام فالشجار فالحرام هي في المجالس، إذ يستنكف أحد الطرفين أن يتنازل أمام الناس أو يعفوا ، ظناً منه أنه سيصغر في عين الناس ، وما إلى ذلك ، وربما لو بحث عن إبليس في الليالي لوجدوه في كثير من المجالس .. ولا يسع المجال هنا للوقوف على آفات الكلام وتحليل أسبابها وتبعاتها.

كيف نتعامل مع المجالس ؟

أولا : إن من المسائل المهمة هو التفكير في نوعية المجلس قبل الحضور اليه، فإذا كنت أعلم مسبقا بانه مجلس فارغين، أو مجلس خوض في باطل فلم أحضر ثم أسمع غيبة ولا أتجرأ على الرد عن المغتاب . { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } النساء 140 ، { وإذا رايت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}. الأنعام 68
فالحل في مثل هذه المجالس - والتي يعلم الانسان مسبقاً خوض أهلها في الباطل - هو عدم الحضور من الأساس في مثل هذه الأماكن، وإذا كانوا من الأرحام مثلا وممن تجب صلتهم، فبالإمكان التعويض عن هذه المجالس برؤية أصحابها في المساجد بعد الخروج منها، أو في المآتم بعض انقضائها، او يقصدون للزيارة .
ثانياً : المجالس التي هي أخف وطأة من سابقتها، غير أنها مهدرة للعمر، مضيعة للوقت ، وهنا لا بد من محاولة تنظيم هذه المجالس بأمور :

تنظيم الوقت
تنظيم الوقت من الساعة كذا إلى كذا من كل ليلة أو أسبوع مثلاً ، ومع قدر الإمكان أن لا تكون متاخرة ليلاً، كما هو غالب المجالس، إذ أن ذلك مكسلة لقيام الليل، بل قد يفوت صلاة الصبح والعياذ بالله، ومخالفة لفطرة الله سبحانه{ جعل الليل سباتا} وبورك لامتي في بكورها .

استثمارها
محاولة استثمارها عفوياً من غير تكلف، كي لا يشعر أهلها بضيق الخناق، فإن بعض المجالس الشعبية لا تتحمل الرسميات، وافضل وسيلة لاستثمارها عفوياً هي بإحدى طريقتين :
الأولى: باستضافة عالم أو طالب علم أو طبيب أو غير ذلك، وتأخذ الجلسة مجراها بالاسئلة والاجوبة، فتتم الفائدة، وتستثمر الجلسة من غير تكلف .
الثانية : هي محاولة تحوير الجلسة مسبقاً بإثارة نقاط مفيدة، ليتم الكلام عنها والحوار فيها، بدل الخوض في اللغو والباطل، وهذه تحتاج الى استحضار ذهني لبعض المواضيع المفيدة في الذهن، ثم طرحها على الحضور، وهذه اسهل ما تكون في الجلسات الاسبوعية، وتحتاج الىعناية في الجلسات اليومية .

مآتم الحسين
محاولة اقامة مأتم للحسين(ع) ولو اسبوعيا للفائدة الدينية والعلمية، ولترقيق القلوب وتذكيرها ولو مرة كل اسبوع، فان مشاغل الحياة وكثرة الكلام في المجالس تصدئ القلوب، ولتنظيم نفس المجلس وقتياً، فإن التعود مثلا على أن تكون كل ليلة اثنين قراءة يساعد كثيرا على تنظيم المجلس وضبطه .

محاسن المجالس

محاسن المجالس :
ولا ينبغي أن نسلب المجالس حقها إذ أنها لا تخلو من الحسنات . فعنه(ص): إن في الجنة لعمدا من ياقوت، عليها غرفمن زبرجد، لها ابواب مفتحة تضيء كما يضيء الكوكب الدري، قلت: يا رسول الله من يسكنها ؟ قال : المتحابون في الله والمتجالسون في الله
فإذا انتظمت المجالس وكانت غير لهوية استطعنا أن نخرج بفوائد جمة نذكر منها:
أن المجالس إذا لم تكن لهوية، فهي مما حث عليه الشارع ( مجالس الذكر ) فتجد أهل البيت (ع) يحثون على إحياء مجالسهم، كما مر قبل قليل من قول الإمام الرضا (ع):من جلس مجلس يحيي في أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
والإمام الصادق(ع) لفضيل : تجلسون وتتحدثون ؟ قال: نعم جعلت فداك ، قال : إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا يا فضيل ! من ذكرنا أو ذكرنا عنده، فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه، ولو كان أكثرمن زبد البحر .


تعين على المعروف
ومن فوائدها: أنها تعين على المعروف، فقد يحضر المرء مجلساً فيسمع بمرض فلان، ويشجع الحضور بعضهم على بعض للذهاب لزيارته فيزوره، ولو كان بمفرده لربما لا يوفق لزيارته . { وتعاونوا على البر والتقوى} فالمجالس تعين على ذلك .

تناقل الأخبار
ومن فوائدها : تناقل الاخبار الاجتماعية والاسرية وغيرها ( من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ) فكثيرمن الاخبار قد لا يعلم بها الإنسان الا عن طريق المجالس ، ويترتب على تناقل الاخبار النقطة السابقة الاعانة على المعروف .

التزاور وصلة الرحم

التزاور وصلة الرحم
الترفيه والتسلية
ومن فوائدها : الترفيه والتسلية المحمودة، فقد حث الشرع الانسان على الترفيه المعين على الطاعة،فان القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكم . وإن وقت المؤمن مقسم إلى أربع: منها يخلو بين نفسه ولذاتها فيما يحل ويجمل .

وقد مر أن ( السكوت راحة العقل والنطق راحة الروح ) فلا بأس بأن يوازن بين راحة عقله وبين راحة روحه بالنطق فيما يحل ويجمل
alseraj.net

اثار الصمت

اثار الصمت
أثره على الواعظ والمرشد- أثره على الصحة والرزق
أثره على الواعظ والمرشد والناصح :
يُفقد الكلامَ تأثيره، ومن مساوئ كثرة الكلام أنها قد تفقد الشخصية تأثيرها ومصداقيتها عند المستمع وذلك لأمور
:

يمل السامع:
فعن الإمام علي (ع ) أن كثرة الكلام تمل السمع و( قرن الإكثار بالملل) و ( من أكثر مُلّ ) و ( كثرة الكلام تمل الاخوان) و ( كثـرة الهـذر تمل الجليس ) و( أن السامع أسرع ملالة من المتكلم ) . عنه ( عليه السلام ) : خير الكلام ما لا يمل ولا يقل، والإكثار يزل الحكيم، ويمل الحليم، فلا تكثر فتضجر، وتفرط فتهن.
وقالت جارية ابن السماك له : ما احسن كلامك لولا انك تكثر ترداده . فقال : أردده حتى يفهمه من لم يفهمه . قالت : فإلى أن يفهمه من لم يفهمه مله من فهمه .
وأطال خطيب بين يدي الاسكندر ، فزبره وقال : حسن الخطبة ليس على طاقة الخاطب ، ولكن على حسب طاقة السامع .
وأطال ربيعة الرأي الكلام ، وعنده أعرابي ، فلما فرغ من كلامه قال للاعرابي : ما تعدون العي والفهاهه فيكم ؟ قال : ماكنت فيه اصلحك الله منذ اليوم .
والمشكلة المترتبة على ملل السمع أنها تضجر السامع ( الإكثار إضجار ) فإذا تضجر تأفف وضاق صدره وعمى قلبه و ( القلب إذا أكره عمي ) وإذا عمي القلب فإنه لا يستفيد من الكلام الموجه له .
وقد ورد عن الأمير (ع): ( إحذر ممن إذا حدثته ملّـك وإذا حدثك غمك ...).

يضعف معناه:
أن كثرة الكلام تؤثر على بلاغته وتنقص من معانيه، فيضعف وقعه في النفوس ، فعنه (ع) :كثرة الكلام تبسط حواشيه وتنقص معانيه، فلا يرى له أمد ولا ينتفع به أحد .

آثاره على الصحة والرزق :
ورد في الحديث القدسي: ( يا ابن آدم إذا وجدت قساوة في قلبك ، وسقما في جسمك ، ونقصا في مالك ،,وحريمة في رزقك ، فاعلم انك قد تكلمت فيما لا يعنيك ).
وورد أنه مكتوب على باب الجنة وحيلة الصحة في الدنيا .....قلة الكلام .
وقالوا: راحة الأجسام بقلة الطعام، وراحة النفوس بقلة الكلام .
ومن الواضح أن الراحـة النفسية لها انعكاساتها على الصحة البدنية، حتى ورد بأن نصف الهرم هم وهذا المطلب لا يحتاج إلى إقامة برهان، فالواقع خير دليل .
ومن لطيف ما قرأت في إحدى الصحف أن الدراسات العلمية والتجارب كشفت عن أن ضغط الدم يرتفع أثناء الكلام إلا بين الزوجين فإنه لا يرتفع !.. سبحان الله !.. وهذا إن تم فانه من دلا ئل الصدق على النبوة .
أما أثره على الرزق فقد وورد في الحديث القدسي المذكور أنه وإذا رأيت حريمة في رزقك ..
والذي يجب أن ينبه عليه هنا أن القرآن أشار الى حقيقة قرآنية في كثير من الآيات، وقد كتبت بها البحوث وهذه الحقيقة هي : أن للحسنات والذنوب آثارها التكوينية، ليس على الإنسان فحسب بل على الكون بأكمله فقد ورد{ ولو أن أهل القرى آمنوا ..}.
وورد { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ..}.
ومما يتصل بالموضوع قوله تعالى :{ واستغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم ...... ويمددكم باموال وبنين ..} فانظر وتأمل جيداً في فعل الشرط وجزاء الشرط.. أستغفروا... يمددكم بأموال وبنين .
فإذا تبين الأثر الإيجابي للاستغفار على الرزق، اتضح الأثر السلبي للهذر وكثرة الكلام عليه . وسيمر عليك الكثير من الروايات التي تشير إلى أن البلاء موكول بالمنطق، وأن العافية والسلامة في الصمت والسكوت .  

أثره على سلوك الانسان
إن الكلام كما مر إما أن يكون بقدر الحاجة أو زائداَ عليها، وحينئذ تعد الزيادة في الكلام تعبيرا شاذا عن أحاسيس الشخصية بالنقص وغيره . إذاً قد تكون كثرة لكلام وقلته مؤشراً على الحالة السلوكية والنفسية للإنسان ، وفي الوقت ذاته فإن من أبرز ما يترك تأثيره على سلوك الإنسان إيجاباً وسلباً هو الكلام ، إذ مرت عليك التبعات من قسوة القلب والخذلان والإضلال، ولا تخفى ما لهذه التبعات من آثار وخيمة على الشخصية والسلوك .
وهناك آثار أخرى للكلام نريد أن نتطرق إليها :

يخل بالوقار ويكسب العار:
تشير مضامين الأحاديث الشريفة إلى أن الهذر عار، وأنه يخل بالوقار، ويجرد الانسان من ثوب الهيبةوالرزانة، ويلبسه ثوب الخفة في العقل والسلوك والميزان يوم الحساب.
فعنه ( عليه السلام ) :الصمت يكسيك الوقار ويكفيك مؤنة الاعتذار..
كثرة الصمت تكسب الوقار - كثرة الهذر تكسب العار .
وعنه (ع) : الصمت وقار.. الهذر عار.. اصمت دهرك يجل أمرك .
وقال عليه السلام : بكثرة الصمت تكون الهيبة.. من أطلق لسانه أبان عن سخفه .
وقد قابلت الروايات بين الصمت والهذر، حيث جعلت الصمت من جنود العقل، وضده الهذر من جنود الجهل . وبذلك يتضح أن كل ما يورثه الصمت يبدده الهذر .
والملفت للنظر أن الروايات الآنفة الذكر انها تشير إلى أن كثرة الصمت تورث الوقار، بل أن الصمت وقار .
والوقار يعني : تماسك الشخصية في سائر تصرفاتها . وقد حذر الإسلام عن أي تصرف يخل بالوقار، كالمزاح والكذب والجدال والهذر.
فقد جاء عنه (ع) :وقروا أنفسكم عن الفكاهات، ومضاحك الحكايات، ومحال التراهات.
وربما أن أهم آثار الوقار أنه يمنح الإنسان عصمة( مناعة ذاتية ) عن ارتكاب الأمور السخيفة – المباحة - فضلاً عن الذنوب ، وكما قال الإمام الكاظم(ع) لهشام : ياهشام!.. إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف بالذنوب . وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض.
وأكبر خطر لما يخل بالوقار هو أنه يكسر هذا الحاجز( المناعة ) مما يسهل ارتكاب سفاسف الأمور ، و يجرئ الإنسان على الذنوب .
والمفارقة العجيبة في الصمت و كثرة الكلام أ ن كثير من الناس يحاول أن يكتسب الهيبة والمنزلة والعزة و( يثبت وجوده ) بالكلام في حين أن الكلام كثيرا ما يسقط الإنسان، وأن الذي يورث الهيبة هو الصمت، وكما قال أمير المؤمنين (ع) : ( ومن يطلب العز بغير حق يذل ) والسبب في ذلك هو أن من يتكلم لكي يكبر في عيون الآخرين، فإنما يدور حول ذاته ويتمحور حولها، وإن لم يكن في كلامه مدحاً لنفسه بطريق مباشر، والناس بفطرتهم لا يميلون إلى المعجب بنفسه ومادحها .
هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الكثير ممن يتكلمون لا يراعون ضوابط الكلام ، و ذلك إما لأن كلامه لغواً لا خير فيه وإما أن ما تكلم به لا يناسب المقام ومقتضى الحال ، وهذا ينافي الحكمة ويوهن الشخصية ، وإما أن يروي خبراً من دون تثبتوما إلى ذلك .
و كل ذلك لا يخلو من عيوب في القول أو القائل ، أضف إلى ذلك أن زيادة الكلام تJورث زيادة الخطأ والعلاقة بينهما طردية فكلما زاد أحدهما زاد الآخر . وهذا كله يخل بالهيبة والوقار .
كما أن كثرة الخطأ تفقد الشخصية توازنها في السلوك وتجردها من ثوب الثقل في أعين الناس إذ أن(المهذار له سقطات ) وأن( كثرة الخطأ تنذر بوفور الجهل ).
وهذا كله بخلاف الصامت، فإن الناس متفقون على حسن الصمت والصامت .
و نود الإشارة أن الأمر - فيما يتصل بالوقار – لا يقف على كثرة الكلام وقلته، بل يتضح للمتأمل أن حتى أسلوب الكلام ونمطه وحركات المتكلم وسكناته أثناء الكلام لها أثرها في هذا المضمار،فقد ورد أن يهودياً سأل رسول الله ( ص) فمكث النبي ساعة ثم أجابـه عنها . فقال اليهودي : ولم توقفت فيـما علمت ؟.. فقال : توقيرا للحكمة .

يهين النفس ويورث الملامة:
فقد جاء في الأثر أنه( رضي بالذل من كشف عن ضره،وهانت عليه نفسه من أمر عليها لسانه ) و( كثرة الهذر تمل الجليس وتهين الرئيس ) وأن ( أيسر جنايته الملامة ) ومن الواضح أن الهذر قد يزل اللسان مما يوقع الملامة عليه، والمشكلة أن الملامة قد تجر إلى الاعتذار، والإنسان في غنى عنه، وقد حذرت الروايات من ما يلجئ الإنسان إلى المعاذير الشكلية والتبريرية، والتي كثيرا ما يخالطها الكذب( فإن الكذب كثيراً ما يخالط كثرة المعاذير )وعن أبى عبد الله عليه السلام قال : اياكم وما يعتذر منه!.. فان المؤمن لا يسئ ولا يعتذر، والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر .


يبدي المساوئ ويظهر العيوب:
جاء عن أميرالمؤمنين (ع):(إياك والفضول فإنه يظهر من عيوبك ما بطن ) و(من أطلق لسانه أبان عن سخفه ) وأنه (يبدي مساوئ السفهاء ) .
وليس إظهار الكلام العيوب بفلتات اللسان فحسب، بل أن ماهية كلامك ونوعه وما ينطوي عليه وأسلوبه، وغير ذلك كله يحكي عن واقعك وشخصيتك دون أن تشعر، فيظهر من عيوبك ما بطن .
وإذا كان الصمت وقار والهذر عار ويهين النفس ويورث الملامة فالنتيجة الطبيعية انه يظهر العيوب . والعلاقة بين إظهار العيوب وإخلاله بالوقار علاقة طردية فكل ما يخل بالوقار فهو يظهر العيوب، وكل ما يظهر العيوب فهو يخل بالوقار .
وكما أن الإنسان يحرص على ستر عيوب جسده و فضلاته ، فمن باب أولى أن يستر عيوب روحه وفضولها، بكف لسانه عن الفضول
هذا كله فيما إذا اقتصر اللسان على ظهور العيوب، أما إذا جر اللغو إلى فضح الذنوب بحديث الإنسان عن ذنوبه، فإن الحديث عنها مما لا ينبغي.
أتى رجل أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني ، فأعرض أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بوجهه عنه ، ثم قال له : اجلس ، فأقبل علي ( عليه السلام ) على القوم فقال : أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه ؟!.
وفي إعانة الطالبين للبكري : عنه (ص) :من ابتلى منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله تعالى.
وربما لا يجوز له أن يتجاهر بالفسق، خصوصاً إذ دعا ذلك إلى الاستخفاف بها، أو دخل تحت عنوان إشاعة الفاحشة .

يوغر القلوب:
جاء عن الفضول أنه( يحرك من أعدائك ما سكن ) و ( إياك ومستهجن الكلام فإنه يوغر القلوب ) وبهذا يتضح بعض الشيء ما يقوله الرضا (ع) منأن الصمت يورث المحبة.وسيأتي ما يوضحه إن شاء الله .

مضيعة للوقت ومهدرة للعمر:
يعد اللغو من أكثر الأسباب تضييعا للعمر الشريف والإنسان محاسب عليه وبه يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير . وأكثر المجالس العامة دليل على ذلك . ولا شك أن التعود على اللغو واللهو يترك بصماته على السلوك وفي جوانب متعددة كما مر، فهو مهدرة للعمر من جانبين :
الأول: أنه مضيعة للوقت، ولا يدرك البعد السلبي لهذا الأثر إلى من يعرف قيمة الوقت، كمن جعل له نصب عينيه هدفا، وهو يسعى له ، فتجده يشعر بأهمية الوقت، ويتألم لكل موقف يهدر من عمره ولو اليسير ، إذ الوقت رأس مال العمر بل هو العمر . ومن ذلك ما ورد أن شيخاً يسمى عنوان البصري قال كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلما قدم جعفر الصادق (ع) المدينة اختلفت إليه، وأحببت أن آخذ عنه كما آخذ عن مالك فقال لي يوماً : إني رجل مطلوب ومع ذلك لي أورادي كل ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي وخذ من مالك واختلف إليه كما كنت تختلف إليه .....وبعد أن عاود المحاولة نصحه الإمام الصادق بنصائح قيمة في السير إلى الله ودعا له ولما أتم الإمام نصائحه قال له : قم عني يا أبا عبد الله، فقد نصحت لك، ولا تفسد علي وردي، فإني امرء ضنين بنفسي، والسلام على من اتبع الهدى.
فانظر كيف أمره الإمام بالانصراف، لأن لديه أوراد وذكر وأنه ضنين بنفسه، وأصل الضنين البخيل ولعلها هنا بمعنى حريص على نفسي ووقتها . فهذه الرواية تشير إلى أن الإمام لم يكن لديه السعة، ولم يفسح المجال كثيرا أمام غيره بعد أن أتم له النصائح وانتهى الغرض .
وقد تمر على الإنسان ظروف يدرك فيها أهمية الوقت ومضيعة الثرثرة له، كما هو الحال في ليالي الامتحانات الدراسية .
والثاني : أنه ليس تضييعاً للوقت فقط دون الآثار السلبية، كما لو بقي الإنسان واقفاً ساكتا سكوت غفلة دون تفكر مثلاً . بل إنه مضيعة للوقت فيما يضر ويجر إلى الدواهي كما مر .

الكلام- في الأحكام الشرعية
(الكلام – كثرة الكلام – الهذر – اللغو )
في الأحكام الشرعية
موارد وما ورد
نود أن نخص هذا الباب بما خصته الروايات من أحكام تتعلق بالكلام في بعض الأماكن والأزمنة، أو بعض الناس وما ترتب بعضها من أحكام فقهية، وستمر بك أنه من فوائد تعداد هذه الموارد، هو التدرج بالصمت لمن رغب فيه، بأن يأخذ موردا موردا ويلتزم به .
وقبل الشروع في تفصيلها نود أن ننبه على ما ذكرناه أن بعض العلماء نص على كراهية الكلام في غير الخير مطلقا :
فقد قال العلامة الحلي : ولأن ترك الكلام فيما لا ينفع مما يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحل ، فإن من كثر كلامه كثر سقطه وقد قالصلى الله عليه وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلق بالذكر، والبحث في العلوم مطلقا ، إلا أنه في حال الاحرام أشد استحبابا ، لأنه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف .
وعقد صاحب الوسائل ومستدركه باباً لكراهية كثرة الكلام في غير ذكر الله.
كما عقد صاحب الوسائل : باب استحباب الصمت والسكوت الا عن الخير.
وهنا نريد أن نخصص بعض الموارد والتي وردت فيها رواية مأثورة، أو حكماً فقهياً في الكلام والهذر .
1 - من طلوع الفجر الى طلوع الشمس
اعلم أن هذه الساعة من الساعات الشريفة، ولنا في فضلها وفي الحث على الذكر والتسبيح والعبادة روايات كثيرة مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ، وقد عبر عنها في بعض الروايات بساعة الغفلة ، كما روي عن الباقر عليه السلام قال : إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنوده من حين تغيب الشمس وتطلع، فأكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين، وتعوذوا بالله من شر إبليس وجنوده، وعوذوا صغاركم في هاتين االساعتين فإنهما ساعتا غفلة .
واعلم أنه يكره الكلام من طلوع الفجر الى طلوع الشمس إلا بذكر الله تعالى.
وقد جاء في الذكر الحكيم الحث على التسبيح في هذه الفترة، ومنه قوله تعالى { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى }.
وقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال }. [النور 36]
{ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار }. [غافر 55]
{فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب }. [ق39]
2- بعد طلوع الشمس
جاء في رواية عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم ( كنت أجالسه ) كثيرا ( و ) كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، وإذا طلعت ( الشمس ) قام يطيل الصمت و ( اصحابه عنده ) يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم ( هو ).
ولعل ابتسامته لهم في حديثهم عن الجاهلية، أنهم كانوا يسخرون من أمر الجاهلية وتفاهتها، قبال ما حباهم الله به من الإسلام، واحتـرام العقل وتكريم الإنسان .
3- الغروب
من غيبوبة الشمس الى غيبوبة الشفق ، وذكر يحيى بن سعيد الحلي في الاشباه والنظائر كراهـية الكلام من ( غيبوبة الشمس الى غيبوبة الشفق إلا بذكر الله ) وقد مرت رواية الإمام الباقر عليه السلام والآيات المرتبطة بهذه الساعة .
4- المســجد
في إطار تزكيته لنا وتعليمه لنا الحكمة والأدب وعرفان الحرمة جاء قوله ( ع) : إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت باب بيت ملك عظيم، لا يطأ بساطه إلا المطهرون ، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلا الصديقون .
وقد جاء الكثير من الروايات في شأن الجلوس في بيوت الله، وأنها وضعت للعبادة والذكر، وطلب العلم كقوله (ص) : كل جلوس في المسجد لغـو إلا ثلاثة : قراءة مصل ، أو ذكر الله ، أو سائل عن علم ) و كقوله (ص): ( إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد انتظارا للصلاة ).
وعنه (ص):الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يارسول الله وما الحدث ؟.. قال: الاغتياب .
ولقد عقد الشيخ الحر العاملي باباً في ( كراهة انشاد الشعر في المسجد والتحدث باحاديث الدنيا فيه دون قراءة القرآن ) وهذه فتوى منه (ره) بكراهة التحدث بأحاديث الدنيا دون قراءة القرآن .
كما ذكر هذه الكراهيةيحيى بن سعيد الحلي والشيخ بهجت حفظه الله، وعد كاشف الغطاء اللغو من المكروهات في المسجد، و ذكرالشهيد الأول استحباب ترك أحاديث الدنيا في المسجد .
ومن ما ورد عنهم (ع ) أيضاً في شأن الكلام في المساجدقوله (ع):يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقا ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة .
وعن الرسول (ص):( يا أبا ذر!.. من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة . فقلت : كيف يعمر مساجد الله ؟ قال: لا ترفع الاصوات فيها، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك ).
وعن الصادق (ع) :جنبوا مساجدكم رفع الصوت .
ومن المؤسف حقاً ما يلاحظ من عدم مبالاة الجالسين في المساجد بحرمتها، وأن الغالب فيها هو الحديث عن الدنيا لا الذكر، وكأنها شرعت للكلام عن آخر أخبار الناس وعقد الصفقات، وهذا إذا دل على شيء فإنما يدل على غفلة وضعف إيمان . والطامة الكبرى أن أناس نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لا يتحفظون كثرة الكلام وإن جر إلى الغيبة في المساجد، وهذا بالإضافة إلى كونه غيبة فهو هتك لحرمة المسجد .
فإذا كانت الغيبة أشد من الزنا فما بالك وهي في المساجد !..
ومن السبل لاجتناب الهذر في المساجد هو : أن تعود نفسك على الاستئناس بالذكر، وتشعر نفسك لذيذ المناجاة ، وتعزم من دون تواني بأن لا تبدأ أنت في الكلام مع أحد، واهرب من الكلام في المسجد هروبك من الأسد . لأن الكلام في أحاديث الدنيا مكروه بحد ذاته ، ولكي لا يجر الكلام إلى غيبة أو كذب كما مر من أن كثرة الكلام تجر إلى الحرام .
وإذا ما فاتحك أحد بكلام غير السلام والتحية فحاول أن تختم الكلام معه بأسرع ما يمكن . وكل ذلك يحتاج إلى استئناس باطني بالذكر كبديل عن اللغو ، ومما يسهل ذلك معرفة أثر الذكر وفضله .
فقد جاء في الأثر : " فيما أوحى الله تعالى الى داود (عليه السلام ) : يا داود !.. أبلغ أهل الأرض أني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني ....فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها ، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي وأنسوا بي اؤانسكم ".
وورد أن : ( الذكر مجالسة المحبوب )..وأن : (الذاكر جليس الله ).
ومما يرتبط بالكلام في المسجد هو الكلام بالأعجمية فيه :
وقد عقد الشيخ صاحب الوسائل باب أسماه(كراهة الكلام بالاعجمية في المساجد ).
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن رطانة الاعاجم في المساجد .
وقال العلامة الحلي : وتكره المخاطبة بلسان العجم فيه لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نهى عن رطانة الأعاجم –في – المساجد .
وفي مجمع البحرين : الرطانة : الكلام بالأعجمية .
وقال الشيخ كاشف الغطاء : ومنها – أي المكروهات – رطانة الأعاجم فيها , ولعل المراد اللسان الذي لا يفهم .
وقال الراغب:والعجم خلاف العرب ، والعجمي منسوب إليهم ، والاعجم من في لسانه عجمة عربيا كان أو غير عربي.
5 - الأذان والإقامة :
لقد نص كثيرمن الفقهاء على كراهية الكلام في الأذان والإقامة، حتى ادعي عليه الاجماع، وكراهيته بين الأذان والإقامة، وإذا تكلم في فصول الإقامة فالمستحب له إعادتها، وأما الاذان فلا تستحب . وتشتد كراهة الكلام بعد قول المقيم " قد قامت الصلاة " واستثنى بعضهم من ذلك ما يتعلق بتسوية الصفوف، أو تقديم إمام يصلي بالجماعة . بل حرمه الشيخ في النهاية .
فقد جاء في كتاب السرائر : يكره الكلام في حال الأذان، ويتأكد في حال الإقامة، فإن تكلم بين فصول الأذان فلا تستحب له إعادته، وإن تكلم في فصول الإقامة فالمستحب له إعادتها .
وفي كتاب الأشباه والنظائر : وإذا قال المؤذن ( قد قامت الصلاة ) كره الكلام إلا بما يتعلق بتسوية الصفوف، أو تقديم إمام يصلي بالجماعة ، وحرمه الشيخ في النهاية معتمدا على خبرين ضعيفين، والصحيح أنه مكروه .
وقال العلامة الحلي: ويكره الكلام في الاقامة بغير خلاف بين أهل العلم،روى الشيخ عن عمر بن أبي نصير قال قلت لأبي عبد الله ( ع) : أيتكلم الرجل في الأذان ؟ فقال: لا بأس.. قلت: في الإقامة ؟ قال: لا . وعن أي هارون قال قال أبو عبد الله (ع):( يا أبا هارون، الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم ولا توم بيدك ....) .
6- الأذان والإقامة لصلاة الفجر
كما خصت الروايات، ثم فتاوى الفقهاء الأذان والإقامة للفجر بزيادة عناية، ونصوا على كراهة الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة :
يحيى بن سعيد الحلي: ويكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة .
الشيخ بهجت : ويكره الكلام بين أذان الصبح وإقامتها بغير الذكر .
وقد عقد الشيخ في الوسائل : باب جواز الكلام في الاذان ، وكراهته في الاقامة وبعدها الا فيما يتعلق بالصلاة ، وبينهما في صلاة الغداة ، واستحباب اعادة الاقامة ان تكلم بعدها وذكر فيه عن أبي جعفر ( عليه السلام ) انه قال :إذا اقيمت الصلاة حرم الكلام على إلامام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام . وقالالشيخ الحـر العاملي : ( أقول : المراد بالتحريم شدة الكراهة لما يأتي ).
وذكر عن جعفر بن محمد ، عن آبائه - في وصية النبي لعلي ( عليه السلام ) - أنه قال : وكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة .
و ذكر عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الاقامة .
وعن ابن أبي عمير قال : سألتأبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يتكلم في الاقامة ؟ قال : نعم ، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم ببعض لبعض تقدم يا فلان .
7 - بين الصلاتين :
ورد عن رسول الله (ص) :" من حبس نفسه على صلاة فريضة ينتظر وقتها، فصلاها في أول وقتها فأتم ركوعها وسجودها وخشوعها، ثم مجد الله عزوجل، وعظمه وحمده حتى يدخل وقت صلاة أخرى لم يلغ بينهما، كتب الله له كأجر الحاج [و] المعتمر وكان من أهل عليين " .
وعلق المولى مراد بن علي خان التفرشي في حاشيته : لم يلغ : من اللغو كأنه(ع) أراد أنه لم يتكلم بكلام ليس فيه فائدة معتبرة في الشرع .
8 - بين المغرب ونوافلها :
قال المحقق الحلي في المعتبر :ويكره الكلام بين المغرب ونوافلها، لما رواه أبو الفوارس قال : نهاني أبو عبد الله أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب .
وفي وسائل الشيعة عقد الحر العاملي :(باب كراهة الكلام بين المغرب ونافلتها وفي أثناء النافلة ) وجاء فيه عنجعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال:من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين، كتبتا له في عليين، فإن صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة.
9- بعد صلاة العشاء :
ورد في حديث المناهي :
عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن الله تبارك وتعالى كره لكم أيتها الامة أربعا وعشرين خصلة ، ونهاكم عنها : كره لكم العبث في الصلاة ،.......وكــره النوم قـبل العشاء الآخرة ، وكـره الحديث بعد العشاء الآخرة ....).
وفي شجرة طوبى ( في كشكول البهائي ) سأل نبينا ( ص ) جبرئيل ( ع ): هل تضحك الملائكة وتبكي ؟ قال : نعم، تضحك الملائكة في ثلاث تعجبا ، وتبكي في ثلاث ترحما ، أما الاول : فالرجل يلغو كل يوم ثم يصلي العشاء ويأخذ بعدها في اللغو فتضحك الملائكة وتقول : لم تشبع في طول يومك يا غافل افتشبع في هذه الساعة ، ..." الخبر
وروي من طرق العامة أيضا حديث سلمان المحمدي ( رض ) :إياكم وملغاة ( مهذرة ) أول الليل!.. فإن ملغاة أول الليل مهدنة لآخره . والمهدنة من الهدون وهو السكون
والحديث يشير إلى أن اللغو والهذر أول الليل يحرم الإنسان من التوفيق لقيام آخر الليل .
ولعل ذلك : لأن الكلام مكروه في غير الخير ، وإذا ثبت ما ورد أن رسول الله (ص) كان يكره الكلام بعد صلاة العشاء، فإن المسألة تكون أوضح .
ولأن طبيعة كثرة الكلام في غير ذكر الله توجب ثقلا في النفس، وأنها تقسي القلب، وتأتي على المهجة، وقد مر أنها مكروهة، وأنها تجر الى الحرام، وهذا بحد ذاته يحجب التوفيق الى صلاة الليل.
وهذا أمر يوضحه ما جاء عن أمير المؤمنين ( ع) عندما سأله رجل أنه حرم من صلاة الليل، فقال (ع):أنت رجل قيدتك ذنوبك .
ولعل خطورة الكلام في الليل وأوله، تكمن في أنها لا يفصلها عن آخر الليل صلاة تكفر وتغسل آثار اللغو، وهذا ما يجعل الآثار تمتد إلى آخر الليل . ويفهم الحريص على صلاة الليل من هذا الكلام أهمية الصمت وخصوصاً في الليل .
10 - يوم الجمعة وخطبتها
جعل الله الجمعة وليلتها موسماً للذكر يتذكر فيه من ينيب، وقد حثت المسلم على " أن يتفرغ فيه لتعلم أحكام دينه لا ينفق يومه في ... مصاحبة الأراذل والأوباش، والتهكم والتحدث عن عيوب الناس، والاستغراق في الضحك والقهقهة، وإنشاد القريض، والخوض في الباطل وأمثال ذلك ، فإن ما يترتب على ذلك من المفاسد أكثر من أن يذكر . وعن الصادق (ع) قال : أف على مسلم لم ينفق من أسبوعه يوم الجمعة في تعلم دينه، ولم يتفرغ فيه لذلك .
وقد ذكر الشهيد في الألفية في معرض حديثه عن ما تختص به صلاة الجمعة – ويومها - : " والإكثار من الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله إلى ألف مرة ..... وترك الشعر والحجامة والهذر "
كما عقد الشيخ في وسائل الشيعة :( باب... .. كراهة التحدث فيه – أي يوم الجمعة - باحاديث الجاهلية )وجاء فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :إذا رأيتم الشيخ يحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية، فارموا رأسه ولو بالحصى .
أقول لعله ليس المقصود بأحاديث الجاهلية هي الأحاديث عن داحس والغبراء ومعاركهم فقط، بل ربما قصد به كل ما لم يكن في الخير، ولو بما يرتبط بجاهليتنا المعاصرة هذه .
وأما وقت الخطبة فقد وردت فيها كثير من الروايات والفتاوى ومن ذلك :
عنه (ع) : الناس في إتيان الجمعة ثلاثة : رجل حضر الجمعة باللغو والمراء، فذلك حضه منها ... ورجل حضر قبل خروج الإمام فصلى ما قضى له، ثم جلس بإنصات وسكون حتى يخرج الإمام إلى أن قضيت الصلاة، فهي له كفارة ما بينها وبين الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك لأن الله يقول { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }.
ابي عبد الله (ع) :إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت .
وعنه (ع) :إذا خطب الامام يوم الجمعة، فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ من خطبته، فإذا فرغ تكلم ما بينه وبين أن تقام الصلاة
وقد ذكر الإمام في تحرير الوسيلة :الأحوط بل الاوجه وجوب الإصغاء الى الخطبة، بل الأحوط الانصات وترك الكلام بينها، وإن كان الأقوى كراهته، نعم لو كان التكلم موجبا لترك الاستماع وفوات فائدة الخطبة لزم تركه ..
وفي وسائل الشيعة عقد الشيخ الحر العاملي :( باب وجوب استماع الخطبتين وحكم الكلام في أثنائهما ) . ومما ذكره فيه عنهم عليهم السلام في ( حديث المناهي ) قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب ، فمن فعل ذلك فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له.
وعن الإمام علي أنه قال : يكره الكلام يوم الجمعة والامام يخطب ، وفي الفطر والاضحى والاستسقاء .
11 - عند قراءة القرآن :
القرآن كتاب الله إلى خلقه وحجته عليهم وهو ( حبل الله المتين وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب ، وينابع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ) و ( حجة الله على خلقه )و( به تشرح الصدور ، وتستنير السرائر ) .
وعن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) :لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي .
وقد ذكر يحيى بن سعيد الحلي كراهية الكلام حال استماع القرآن .
ولقد ذكرت الأحاديث الشريفة والعلماء في كتب الأخلاق،آداب باطنية لقراءة القرآن من فهم عظمة الكلام، وتعظيم المتكلم، وحضور القلب، وترك حديث النفس، والتدبر، والتفهم ، والتخلي عن موانع الفهم ، ولا تجتمع هذه الآداب مع اللغو وكثرة الكلام .
قد جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى:{ وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون }.
وفي تفسيره للآية يقول العلامة في الميزان :
الإنصات السكوت مع استماع ، وقيل: هو الاستماع مع سكوت يقال : أنصت الحديث وأنصت له: أي استمع ساكتا ، وأنصته غيره، وأنصت الرجل: أي سكت ، فالمعنى : استمعوا للقرآن واسكتوا . والآية بحسب دلالتها عامة وإن قيل : أنها نزلت في الصلاة جماعة
ثم ذكر في بحثه الروائي : في المجمع بعد ذكر القول إن الآية نزلت في الصلاة جماعة خلف الامام قال : وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام .
وفيه وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :يجب الانصات للقرآن في الصلاة وغيرها . أقول : ورواه العياشي عن زرارة عنه عليه السلام ، وفي آخره : وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الانصات والاستماع .
وفيه عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : الرجل يقرء القرآن وأنا في الصلاة هل يجب علي الانصات والاستماع ؟ قال : نعم إذا قرئ القرآن وجب عليك الانصات والاستماع .
ثم عقب العلامة بقوله : والروايات في غير صورة قراءة الامام محمولة على الاستحباب وتمام البحث في الفقه .
كما وردت الروايات اللطيفة في فضل استماع القرآن :
فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : (ألا من اشتاق إلى الله فليستمع كلام الله).
كما وردت الروايات عن الرسول (ص) في تنظيف الفم بالسوك لأنها طرق القرآن:
فعنه ( صلى الله عليه وآله ) : إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك.
فإذا كانت بقايا الطعام مورد نظر الشرع الشريف، ولم يغفل عنها لأنها تقع في طريق القرآن، فما بالك باللغو والهذر؟ والذي يجر إلى الحرام ؟..
قال ابن منظورفي لسان العرب : ومنه الحديث ( نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن) : أي صونوها عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب و امثالها، وعن أكل الحرام والقاذورات، والحث على تطهيرها عن النجاسات والسؤال) .
وقد ورد من طريق العامة : " إن الله كره لكم ثلاثاً : اللغو عند القرآن، ورفع الصوت في الدعاء، والتخصر في الصلاة "   

المقالةبين يديك-توطئة-الكلام-أهمية الكلام ومسؤلية الكلمة
المقالة التي بين يديك
المقالة التي بين يديك ( محاولة ) للوقف على أبعاد مسالة الصمت والكلام على ضوء كثير من الآيات القرآنية وروايات أهل البيت (ع) والتي تطرقت إلى أسس هذا الموضوع وفروعه ، مشيرة إلى دقائق لم تخطر ببال الأساتذة والباحثين الذين لم يقفوا على هذا النبع الصافي والمنهل العذب ، ولا غرو ولا عجب ، إذ النبع لهذه الأنوار المحمدية : فؤاد ما كذب ما رأى ونهرها : لسان{ ما ينطق عن الهوى }، ومنتهاها عند سدرة المنتهى و قاب قوسين أو أدنى .
وأخيرا أسأل الله تبارك وتعالى أن تعين هذه الأفكار والخواطر على جعل نظر السهو عبرا ، وكلام اللغو ذكرا، وسكوت الغفلة تفكرا .
( ملاحظة : الاستفادة من الآيات في هذه المقالة ليس من باب التفسير وإنما من باب التأمل فيها ).

توطئة :
الكلام :
من المتعسر - إن لم يكن من المتعذر - الإلمام بكل أبعاد الكلام ،إذ أن أبوابه لا حد لها ولا حصر وهي واسعة جدا ، غير أنا نريد هنا التعرض إلى بعض المفردات والمسائل التي تحتل مساحة واسعة في الحياة اليومية للفرد كـ: كثرة الكلام، اللغو ، فضول الكلام ، الهذر ، الثرثرة ، إطالة الكلام ، قلته ، السكوت ، الصمت .
وقبل الدخول في التفاصيل ، لنعرف شيء عن خطورة الكلمة ، وأهمية الكلام ، تمهيداً للدخول إلى البحث ، ولكي تتجلى أمامنا المسؤولية الملقاة علينا عند كل كلمة ، ومنها نعرج على الصمت انتهاءً بالكلام الحسن .

أهمية الكلام ومسؤولية الكلمة :
إن من يتتبع ما ورد من النصوص الشرعية ، يجد أن المشرع الحكيم شدد في مسألة الكلام إلى الحد الذي يذهل الإنسان ، ويغمره بالحيرة عندما يطرق سمعه بعض ما ورد في ذلك .
وما هذا التشديد والتهديد والوعيد إلا لإيقاظ الخلق من سبات الغفلة عن الحقائق التي تشكل لهم من الخطورة أجسمها ، وهم عنها غافلون .
وهذا التشديد على هذه المسؤولية ، والتبعات للكلمة ، قد يتجلى بأشكال مختلفة :
فتارة بتحدث الشرع عن أهمية الكلام ذاتها ، ومن ذلك ما ورد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لرجل وقد كلمه بكلام كثير .. فقال :( ايها الرجل !.. تحتقر الكلام وتستصغره .. إن الله لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها فضة ولا ذهب ، ولكن بعثها بالكلام ، وإنما عرف الله نفسه إلى خلقه بالكلام ، والدلالات عليه والإعلام ).

وأخرى يتحدث عن ما يترتب عليه من مسؤولية :
فعن علي بن الحسين عليهما السلام قال : ليس لك أن تتكلم بما شئت لان الله يقول :{ ولا تقف ما ليس لك به علم }وليس لك أن تسمع ما شئت ، لان الله عزوجل يقول : { ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا }.
وقال الإمام علي ( ع) : ( الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به ، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ، فرب كلمة سلبت نعمة ).
وثالثة يشير إلى هول وفظاعة بعضها :{ كبرت كلمة تخرج من أفواههم } .
وأحيانا : بشدة التهديد الذي يطلقه المشرع في بعض االمورد ، كقوله تعالى { ولو تقول علينا بعض الاقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطنا منه الوتين }. وقوله تعالى { ولكم الويل مما تصفون } .
وأحياناً أخرى : بالتأكيد على مراقبة الله والملائكة للإنسان ، وانه سبحانه عند قول كل قائل وانه { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
وسادسة : بالإشارة إلى عواقب الكلام : كما حكى القرآن حال أهل جهنم عندما سئلوا عن الأسباب التي أوردتهم إلى سقر فأجابوا :{ وكنا نخوض مع الخائضين } ..ووبخ من يقول ما لا يفعل { لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }
وكما ورد عن أمير المؤمنين ( ع) : ( بالكلام ابيضت الوجوه ، وبالكلام اسودت الوجوه ).
وعن رسول الله (ص) : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه .. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ).
وعن أبي عبد الله (ع) : ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد يكفر اللسان يقول : نشدتك الله !.. أن نعذب فيك .
و عنه (ص) : يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول : أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا ، فيقال له : خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الارض ومغاربها ، فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام ، وعزتي [ وجلالي ] لاعذبنك بعذاب لا اعذب به شيئا من جوارحك .
وسابعة: بنقل تجارب مرت على الإنسانية تجلت فيها عواقب الكلام وأدت إلى حلول الغضب الإلهي ونزول الصواعق والنكال ، كقوله تعالى : {فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } . وقوله :{ولعنوا بما قالوا } . وقوله : { أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة } .
يقول العلامة في الميزان : فقالوا { أرنا الله جهرة } أي إراءة عيان نعاينه بأبصارنا ، وهذه غاية ما يبلغه البشر من الجهالة والهذر والطغيان { فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } . انتهى
وغيرها من الآيات الكريمة والروايات الشريفة والتي ستمر بك تفصيلاً إنشاء الله .
ولعله بهذا قد اتضح شيء من آثار الكلام ، وأن هذه الآثار قد تتعدى دائرة الأثر النفسي أو الانطباع الذهني للمتكلم والمستمع ، لتصل إلى التأثير التكويني على حياة الفرد والمجتمع والطبيعة ، ولا غرابة ..
فقد ورد في الحديث القدسي: ( يا ابن آدم إذا وجدت قساوة في قلبك ، وسقما في جسمك ، ونقصا في مالك ، وحريمة في رزقك ، فاعلم انك قد تكلمت فيما لا يعنيك ).
هذا كله في الجانب التكويني .. أما أبعاده وآثاره على المتكلم والمستمع والمجتمع فلا يخفى على ذي لب ، وقد ورد فيه الكثير الكثير ، وهذه الآثار وتلك هي ما ستقف عليها تفصيلا في الأبواب المقبلة إنشاء الله تبارك وتعالى .   

التالي...

أنواع الكلام-اللغو-تعريف اللغو-تفسير الروايات للغو-الضابط في اللغو- الهذر-تعريف الثرثرة
أنواع الكلام
جاء عنه (ص) : الكلام ثلاثة : ( فرابح ، وسالم ، وشاحب .. فأما الرابح فالذي يذكر الله ، وأما السالم فالذي يقول ما أحب الله ، وأما الشاحب فالذي يخوض في الناس ) .
وورد عن الإمام الكاظم (ع) : المتكلمون ثلاثة : ( فرابح وسالم وشاجب ، فأما الرابح فالذاكر الله ، وأما السالم فالساكت ، وأما الشاجب فالذي يخوض في الباطل ).
وعن الإمام الباقر ( ع) : قال أبو ذر :اجعل الدنيا كلمتين : ( كلمة في طلب الحلال ، وكلمة للآخرة ، والثالثة تضر ولا تنفع فلا تردها ) .
وعن أمير المؤمنين ( ع) : ( جمع الخير كله في ثلاث خصال : النظر والسكوت والكلام ، فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة فطوبى لمن كان نظره عبرا ، وصمته تفكرا ، وكلامه ذكرا ...).
فإذا تبين أن الكلام ذكر ولغو، والسكوت فكرة وغفلة ، وبين ذين وذين اسود ما اسود من الوجوه وابيض ما ابيض ، فلنبدأ بالجانب السلبي من الكلام لنتخلص منه ثم نذهب إلى الصمت ثم نختم بشيء يسير عن الكلام الطيب والحسن - التخلية ثم التحلية ثم التجلية – كما هو في قوله تعالى { وأما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث } إذ قدمت التخلية والنهي عن قهر اليتيم ونهر السائل ثم أمرت بالتحلي والتحدث بنعمة الله .
وعليه فلنشرع بما وردت في القرآن الكريم – بالنص - في أحد عشر مورداً وهي مسألة( اللغو ) .. ولترابط البحث مزجنا الحديث عنها بالحديث عن القضايا المرتبطة بها ، و التي وردت في الروايات والأحكام الشرعية ، وهي ( الثرثرة ) ( الهذر ) ( كثرة الكلام ) ( طول الكلام ) ، وبما أن موضوعنا الأساس هو فضيلة الصمت ورذيلة الهذر ، آثرنا أن نوكل الحديث عن آفات اللسان الأخرى كالغيبة والنميمة والكذب وغيرها إلى بحوث أخرى إنشاء الله تعالى ، إذ أن الوقوف على كل واحدة منها ودراستا يحتاج إلى الكثير .

اللغو :
القرآن يتحدث عن اللغو :
ضمن تزكيته للإنسان وتعليمه الكتاب والحكمة ، تحدث القرآن عن اللغو في أحد عشر موضع ، وتناول جوانب شتى تتصل بالموضوع ، وذلك مما يتيح للعلماء أن يغرف كل منهم من هذا المنهل العذب لما يريد ...
فقد نهل الفقهاء والمحدثون شيئاً من ذلك في بحثهم في قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم }.
ولعلماء الأخلاق والنفس والاجتماع أن ينهلوا من قوله تعالى :{ قد افلح المؤمنون ... والذين هم عن اللغو معرضون } ، وقوله : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } ، وقوله : { وإذا مروا باللغو مروا كراما }.
وللمشتاقين إلى جنة عرضها السماوات والأرض والباحثين في عوالم أن ينهلوا من الآيات التي تصف الجنة بأنها { لا تسمع فيها لا غية } و { يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم } {لا يسمعون فيها لغوا آلا سلاما } و { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما } { لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } ..
وقد أشار المفسرون إلى بعضها بإيجاز وبعضها بالتفصيل ..

تعريف اللغو :
لقد دعى ورود هذه اللفظة في كلام الله تبارك وتعالى ، العلماءَ إلى تعريفها للوقوف على المقصود في هذه الآيات ، وما يترتب عليها من أحكام ومعارف ، وقد اختلفت تعاريف اللغو ، فبعضها تحدث عن حقيقته ، وبعضها تحدث عن مصاديقه ، وبعضها عن مقداره وحده ، غير أنها تعاريف تشترك في الكثير .
وإليك بعضها :

القاموس الفقهي :

لغى في القول – لغوا : أخطأ ، وقال باطلا ..ويقال : لغى فلان لغوا : تكلم باللغو .. ولغى بكذا : تكلم به .
..عن الصواب ، وعن الطريق : مال عنه ..الشيء : بطل ..ألغى الشيء : أبطله .
من العدد : أسقطه .. اللاغية : اللغو ..( ج ) اللواغي .
اللغو : ما لا يعتد به من كلام وغيره ، ولا يحصل منه على فائدة ، ولا نفع .
.. الكلام يبدر من اللسان . ولا يراد معناه .
الشيخ الصدوق : المراد باللغو: الساقط الذي لا يعتد به من كلام .
الراغب الإصفهاني : اللغو من الكلام ما لا يعتد به ، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى اللغا ، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور.
الشيخ الطبرسي : اللغة : أصل اللغو : الكلام الذى لا فإئدة فيه ، يقال : لغا يلغو لغوا : أتى بكلام لا فائدة فيه . وألغى الكلمة : إذا طرحها ، لأنه لا فائدة فيـها . واللاغية : الكلمة القبيحة الفاحشة ، ومنه اشتقاق اللغة لأنها كلام لا فائدة فيه عند غير أهله . ولغو الطائر : منطقه ، قال ثعلبة بن صعير المازني : * باكرتهم بسباء جون ذارع * قبل الصباح ، وقبل لغو الطائر * واللغاء : الذكر بالكلام القبيح ، لغى يلغي لغى .
وفي مورد آخر يقول :
اللغو : في الحقيقة هو كل قول أو فعل لا فائدة فيه يعتد بها ، فذلك قبيح محظور ، يجب الإعراض عنه . وقال ابن عباس : اللغو الباطل . وقال الحسن : هو جميع المعاصي . وقال السدي : هو الكذب . وقال مقاتل : هو الشتم ، فإن كفار مكة كانوا يشتمون النبي ( ص) فنهوا عن إجابتهم . وروي عن أبي عبد الله أنه قال : هو أن يتقول الرجل عليك بالباطل ، أو يأتيك بما ليس فيك ، فتعرض عنه لله . وفي رواية أخرى أنه الغناء والملاهي .
وفي مورد ثالث ذكر بان اللغو :
السفه من الناس ، والقبيح من القول ، والهزء الذي لا فائدة فيه .
وفي تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي :
( اللغو ) : ما لا يعنيك من قول أو فعل كالهزل واللعب.
المحقق الأردبيـلي : اللغو كل ما ينبغي أن يلغى ويطرح .
وفي مورد آخر يقول : قيل أصل اللغو الكلام الذي لا فائدة فيه ، يقال ألغى الكلمة إذا طرحها لأنه لا فائدة فيها ، واللاغية الكلمة القبيحة الفاحشة ، ومنه اشتقاق اللغو لأنه كلام لا فائدة فيه عند غير أهلها.
وفي مورد ثالث عرفه بأنه : ( ما لا يعنيك من قول كاللعب والهزل وما يوجب المروءة إلقاؤه وطرحه ) .
مالك بن أنـــس : اللغو رديء الكلام وما لا خير فيه .
جلال الدين السيوطي : اللغو رديء الكلام وما لا خير فيه .
العلامة الطباطبائي :
اللغو من الفعل الذي لا فائدة فيه ، ويختلف باختلاف الأمور التي تعود عليها الفائدة .. فرب فعل هو لغو بالنسبة إلى أمر وهو بعينه مفيد مجد بالنسبة إلى أمر آخر ... فاللغو من الأفعال - في نظر الدين - الأعمال المباحة التي لا ينتفع بها في الآخرة ، أو في الدنيا ، بحيث ينتهي أيضا إلى الآخرة ، كالأكل والشرب بداعي شهوة التغذي اللذين يتفرع عليهما التقوى على طاعة الله وعبادته.. فإذا كان الفعل لا ينتفع به في الآخرة ولا في الدنيا بحيث تنتهي بنحو إلى الآخرة ، فهو لغو وبنظر أدق : هو ما عدا الواجبات والمستحبات من الأفعال.
وفي مورد آخر يذكر : اللغو من القول ما لا فائدة فيه ولا أثر يترتب عليه .

خلاصة التعاريف :
ولعله بالإمكان جمع تعاريف اللغو من الكلام – دون اللغو من الأفعال - بقولنا :
اللغو – مطلقاً – : ما لا فائدة فيه من فعل أو غيره .
اللغو من الكلام : ما لا فائدة فيه .

تفسير الروايات للغو :
وقد فسر اللغو ببعض الأخبار بالغناء والملاهي ، وبعضها بكل قول ليس فيه ذكر ، وبعضها بالاستماع إلى القصاص ، وفي بعضها أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس فيك ...

الضابط في اللغو :
لقد تبين في تعريف العلامة ، ضابط اللغو وهو :ما لا فائدة فيه في الآخرة أو في الدنيا ، بنحو يعود إلى الآخرة ، ولمزيد من الإيضاح ، فبإمكاننا أن نذكر ذلك الضابط الذي يكون فيصلاً في الموارد المتشابهة ، وذلك بما ذكره العلامة من أن المتصف بالإيمان ـ والذي يدعوا للإعراض عن اللغو ـ لا يهتم إلا بما يستعظمه الحق ولا يستعظم ما يهتم به سفلة الناس وجهلتهم .
إذن فالميزان في هدفية الكلام ، أو لغويته ، هو استعظام الشرع المقدس له، لا استعظام الخلق واستئناسهم بالأمر أو استيحاشهم منه، فإن أغلب الناس لاستئناسهم بالمادة وانغماسهم في الشهوات ، وغفلتهم عن حكمة الله من الخلق ، استأنسوا باللغو وكثرة الضحك وغيره ، وقد يستوحشوا من الصمت وقلة الكلام وغيره ، غير أن هذا لا يغير من الحقيقة شيء .
ولعل من أوضح ما ورد في ذلك ما جاء في وصف المتقين بأنهم ( باشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ) ، وأنهم عظم الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم ، وإن المتقي إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين ، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ..
هذا فيما يرتبط بتعريف اللغو وضوابطه .
أما المفردة الثانية التي وردت في الروايات وما ترتب عليها من الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية فهي : الهذر .
الهذر :
أما الهذر فقد ورد النهي عنه كثيراً في الروايات الشريفة والتي تطرقت إليه من زوايا مختلفة ، فمنها ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) : إياك والهذر!.. فمن كثر كلامه كثرت آثامه .
وعنه (ع) : أسوء القول الهذر .
وعنه (ع) : كثرة الهذر تكسب العار .
وعنه (ع) : كثرة الهذر تمل الرئيس وتهين الجليس .
وعنه (ع) : الهذر مقرب من الغير .
كما أن الهذر قد ورد في بعض المسائل الفقهية فيما يتعلق بالصائم ، والمحرم ، وغيره .. وسيمر بك تفصيل ذلك إنشاء الله .
وعليه فما هو تعريف الهذر ؟
الشهيد الثاني : هوالكلام بغير فائدة دينية .
العلامة المجلسي : الهذر سقط الكلام الذي لا يعبأ به كثرة الكلام .
وبهذا يتبين أن اللغو والهذر وحتى الثرثرة قد تلتقي في التعريف أو المصداق .
معجم لغة الفقهاء : التكلم بما لا ينبغي .
بقي ثلاث مفردات وردت في الروايات الشريفة وهي الثرثرة ، والتفيهق ، والتشدق ، وإليك بعض القول فيها :
الثرثرة ، والتفيهق ، والتشدق :
تعريف الثرثرة :
الشريف الرضي : أصل الثرثار مأخوذ من العين الثرثارة ، وهي الواسعة الأرجاء ، الغريزة الماء . يقال عين ثرة وثرثارة ، وبذلك سمي الثرثار ، وهو النهر المعروف بالشام .
الصحاح : الثرثرة : كثرة الكلام وترديده . يقال : ثرثر الرجل ، فهو ثرثار مهذار .
مجمع البحرين : الثرثارون جمع الثرثار ، وهو كثير الكلام ، ومنه رجل ثرثار ، والمراد كثرة الكلام تكلفا وخروجا عن الحق من غير حاجة إليه بل لنيل الحظوظ الدنيوية .
وقد ورد عنه (ص) :( إلا أخبركم بأبغضكم إلي ، وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة ؟ الثرثارون المتفيهقون ).
ويذكر الشريف الرضي : بأن المراد من الثرثارون في الحديث هم الذين يكثرون الكلام ويتعمقون فيه طلبا للتكلف وخروجا عن الحق وتباعدا عن القصد وقوله (ص) والمتفيهقون : يريد به ما يريد بقوله : الثرثارون ، والمتفيهق : متفيعل من قولهم : فهق الغدير يفهق إذا كثر ماؤه ، وطمت جامته .
و في الحديث على ما ذكره الشريف استعارتان ..أما الأولى : فقد شبه الرجل الكثير الكلام المتكلف فيه بالنهــر الثـرثار الكثير الماء بجامع الكثرة في كلٍ - منهما -.
وأما الثانية : فقد شبه الرجل المتحذلق في كلامه الذي يخرج الحروف قوية في فمه ، حتى تكاد تملأه وتنفخ خديه ، بالغدير الذي يزيد فيه الماء حتى يملأ جوانبه ، أو يكاد يسيل منها أو بالقصعة التي تمتلئ بالطعام وتفهق به حتى يكاد يجاوز جوانبها بجامع الامتلاء والزيادة في كلٍ – منهما - ، واستعيرت الثرثرة للكلام الكثير ، والفهقة : امتلاء الفم بالكلام ، واشتق من الثرثرة ثرثار، ومن الفهقة متفيهق على سبيل الاستعارة التبعية .
وفي رواية العوالي لابن أبي جمهور ورد عنه (ص) : (إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ).
وفي تعليقةابن أبي جمهور على الحديث يقول :
الثرثارون : جمع الثرثار مشتق من الثرثرة ، وهي الانتثار ، وهي هنا كثرة الكلام من غير حاجة ، بل لنيل الحظوظ الدنيوية .
المتفيقهون:الذين يظهرون للناس أنهم ذو فهم وذكاء ليقربونهم ويعظمونهم.
والمتشدقون:من تشدق بالكلام ، إذا ملأ به شدقيه ، وهو رفع الصوت بالكلام ، وقلة الاستحياء ، في أنه لا يبالي بكل ما قال ، حتى يخاف الناس من لسانه .وفي تعليقه على المصنف- لابن أبي شيبة الكوفي ذكر الاستاذ سعيد اللحام بأنالمتشدقون: الذي يكثرون في الثرثرة وادعاء معرفة كل شئ ويفخمون كلامهم. المتفيهقون : الذين يضخمون كلماتهم ، ويكثرون من ذكر الأحرف الضخمة اللفظ ، كالقاف ويفخمونها . انتهى .

ولم أجد حسب اطلاعي رواية ذكرت فيها هذه اللفظة ( الثرثارون ) غير هذا الحديث النبوي الشريف باختلاف ألفاظه . ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكفى به طامةً .
نعم وردت روايات تصب في هذه القناة كما جاء عن التشدق في الكلام :
عن رسول الله (ص) : أبغض الناس إلى الله تعالى البليغ الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها
وعنه (ص) : إن الله ليبغض الرجل البليغ الذي يلعب بلسانه كما تلعب الباقرة.
وعنه (ص) : لعن الله الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر.
وعنه (ص) : شرار امتي : الثرثارون ، والمتشدقون ، المتفيهقون ، وخيار امتي أحاسنهم أخلاقا.

والجدير بالتأمل والاستفسار هو : ما الذي جعل الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون أبغض الناس لرسول الله (ص) وأبعد الناس منه مجلساً يوم القيامة كما مر ؟
إن تفصـيل الإجابة تحتم علينا الوقوف على تبعات وآثار اللغو ، والهذر ، والثرثرة ، وحقيقتها وأسبابها ، وهذا ما سنشرع في تفصيله ولنبدأ بتفصيل التبعات :    

أنواع المجالس

أنواع المجالس :
عنه ( ص) :المجالس ثلاثة : غانم وسالم وشاحب ، فأما الغانم فالذي يذكر الله تعالى فيه ، وأما السالم فالساكت ، وأما الشاحب فالذي يخوض في الباطل .
وعن الأمير( ع ): جليس الخير نعمة جليس الشر نقمة
.

اختيار المجالس :
وبعد أن اتضح أن المجالس مسؤولية ، وأنها أنواع وأن المؤمن هادف في مجلسه، فإن ذلك يوجب أن يفكر الإنسان بالمجلس الذي يريد أن يأمه قبل أن يتوجه إليه، فإن وجده وفق ما يريد ، كان ما أراد، وإلا فلا .
وقد جاء في الأثر أن لقمان ( عليه السلام ) قال لابنه - : يا بني !.. إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم السلام ، ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا ، فإن رأيتهم قد نطقوا في ذكر الله فأجر سهمك معهم ، وإلا فتحول من عندهم إلى غيرهم .
وورد عنه (ع) : اختر المجالس على عينك، فان رأيت قوما يذكرون الله عز وجل فاجلس معهم، فانك إن تك عالما ينفعك علمك ويزيدونك علما ، وإن كنت جاهلا علموك ، ولعل الله يصلهم برحمة فتعمك معهم .
وسأل رجل رسول الله أن يوصيه فقال : أوصني يا رسول الله ! قال : اتق الله ، وإذا كنت في مجلس فقمت عنه فسمعتهم يقولون ما يعجبك فأته ، وإذا سمعتهم يقولون ما تكره فلا تأته .
مجالس الخير وجلساءه
وإليك بعض ما ندب له الشارع من مجالس وجلساء :

القرآن الكريم
(ع) : ما جالس هذا القرآن أحد إلا قام بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى أو نقصان من عمى.

العلماء
الرسول (ص):من جالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي .
وعنه (ع):جالس العلماء تسعد .
وعنه (ص) :لا تجلسوا الا عند كل عالم يدعوكم من خمس الى خمس : من الشك الى اليقين، ومن الرياء الى الاخلاص، ومن الرغبة الى الرهبة، ومن الكبر الى التواضع، ومن الغش الى النصيحة .
الامير (ع) : جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك وتزك نفسك .
لقمان (ع) : يا بني!.. جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فان الله عز وجل يحي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الارض بوابل السماء.
الرسول (ص) :احذروا الشهوة الخفية : العالم يحب أن يجلس إليه .

آداب مجالس العلماء ومجالستهم :
الامام علي (ع) :من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه دونهم بالتحية، وأن تجلس أمامه ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينك ولا تقولن " قال: فلان " خلافا لقوله، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تسار في مجلسه.
الامام السجاد (ع):حق سائسك بالعلم : التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع اليه، والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، وأن لا تجيب أحد يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا ، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا ، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس.
الامام الباقر :إذا جلست الى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه .

الحكماء
وعنه (ع):جالس الحكماء يكمل عقلك، وتشرف نفسك، وينتف عنك جهلك.
وعنه (ع) : مجالسة الحكماء حياة العقول، وشفاء النفوس .

الحلماء
الامير (ع) :جالس الحلماء تزدد حلما .

الاسرة
الرسول (ص) : جلوس المرء مع عياله، أحب الى الله تعالى من اعتكاف في مجلسي هذا .

المساجد
عنه (ص) : ( إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد انتظارا للصلاة ) .
يا أبا ذر !.. إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، وتمحى عنك عشر سيئات .

الصالحين
السجاد (ع) : مجالس الصالحين داعية الى الصلاح .

الأبرار
الرسول (ص): جالس الابرار!.. فانك ان فعلت خيرا حمدوك، وإن أخطأت لم يعنفوك .

من يذكركم بالله رؤيته
رسول الله (ص) : قالوا - الحواريون - لعيسى (عليه السلام ) : يا روح الله فمن نجالس إذاً ؟.. قال : من يذكركم في الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الاخرة عمله .

الفقراء والمساكين
وعن الامير (ع) :( جالس الفقراء تزدد شكرا ) .

رسول الله (ص) :يا معاشر الفقراء !.. إن الله رضي لي أن أنسى بمجالسكم فقال : { واصبرنفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } فإنها مجالس الانبياء قبلكم .
وعنه (ص) : تمسكنوا وأحبوا المساكين وجالسوهم وأعينوهم، تجافوا صحبة الاغنياء وارحموهم، وعفوا عن اموالهم .

المؤمن
الرسول (ص): مثل المؤمن كمثل العطار، إن جالسته نفعك، وإن ماشيته نفعك، وإن شاركته نفعك .

مجالس الذكر
الرسول (ص) : عليك بمجالس الذكر .
وعنه ( ص) : ارتعوا في رياض الجنة ، قالوا : يا رسول الله ، وما رياض الجنة ؟ قال : مجالس الذكر .
وعنه (ص): ما قعد عدة من أهل الأرض يذكرون الله، الا قعد معهم عدة من الملائكة .
وعنه (ص) :ما جلس قوم يذكرون الله إلا نادى بهم مناد من السماء : قوموا فقد بدل الله سيئاتكم حسنات وغفر لكم جميعا .

الذاكر جليس الله
" فيما أوحى الله تعالى الى داود (عليه السلام ) : يا داود ! أبلغ أهل الأرض أني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني ....فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها ، وهلموا إلى كرامتي ومصـاحبتي ومجالستي ومؤانستي، وانسوا بي اؤانسكم..
( الذكر مجالسة المحبوب)
(الذاكر جليس الله )
( ذاكر الله سبحانه مجالسه )

أهل الورع
جلساء الله غداًاهل الورع والزهد في الدنيا.
عن الإمام علي ( عليه السلام ) :جالس أهل الورع والحكمة ، وأكثر مناقشتهم ، فإنك إن كنت جاهلا علموك ، وإن كنت عالما ازددت علما ).

مجالس إحياء أمر أهل البيت ( ع)
الرضا (ع):من جلس مجلس يحيي في أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
الصادق (ع) لفضيل : تجلسون وتتحدثون ؟ قال: نعم، جعلت فداك ، قال : إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل ! من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه، ولو كان أكثرمن زبد البحر .

من لا ينبغي مجالسته
عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه نهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله عزوجل .

العوام
"مجالس العوام تفسد العادة "

السفهاء
الامير(ع) :العافية عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد في ترك مجالسة السفهاء .

أهل القدر
الرسول (ص) :لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم .

الأنذال والأغنياء والنساء
الرسول (ص) : ثلاث مجالستهم تميت القلب : مجالسة الانذال، والحديث مع النساء، ومجالسة الاغنياء.
الرسول (ص):أربع يمتن القلب : الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء -يعني محادثتهن - ، وممــاراة الأحمق تقــول ويقول ولا يرجع الى خير ( أبدا) ، ومجالسة الموتى ،فقيل له : يار سول الله وما الموتى ؟.. قال: كل غني مترف .
وعنه (ص) : أربعة مفسدة للقلوب : الخلوة بالنساء ، والاستماع منهن ، والاخذ برأيهن، ومجالسة الموتى ، فقيل : يا رسول الله وماالموتى ؟.. قال: مجالسة كل ضال عن الايمان وجائر عن الاحكام.
الرسول (ص) : اياكم ومجالسة الموتى قيل : يا رسول الله من الموتى ؟.. قال : كل غني أطغاه غناه .

أهل الهوى
الامير (ع):مجالسة أهل الهوى منساة للايمان، ومحضرة للشيطان .

الجاهل
ليس من جالس الجاهل بذي معقول ، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال.

الفاحش والمتفحش
(ص) : إن من أشر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه .

الأحمق
السجاد (ع) في وصيته للباقر (ع) : إياك يا بني أن تصاحب الأحمق أو تخالطه ، واهجره ولا تحادثه ، فإن الأحمق هجنة غائباً كان أو حاضراً ، إن تكلم فضحه حمقه ، وإن سكت قصر به عيه ، وإن عمل أفسد ، وإن استرعى أضاع ، لا علمه من نفسه يغنيه ، ولا علم غيره ينفعه ، ولا يطيع ناصحه ولا يستريح مقارنه، تود امه أنها ثكلته، وامرأته أنها فقدته ، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعنى من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه .

الأشرار
وعنه(ع):( لا يأمن مجالسوا الاشرار غوائل البلاء ) .
مجالسة الاشرار تورث سوء الظن بالاخيار.
الإمام علي ( عليه السلام ) :جانبوا الأشرار ، وجالسوا الأخيار .

أهل البدع
الصادق (ع ):لا تصاحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحد منهم .

أبناء الدنيا
الامير(ع) :خلطة أبناء الدنيا تشين الدين، وتضعف اليقين .

من يجالس الأمراء ويصدقهم على الجور
الرسو ل (ص) :أبعد الخلق من الله رجلان : رجل يجالس الامراء فما قالوا من جور صدقهم عليه و.....

قرين السوء
{ قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أئنك لمن المصدقين * أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرآه في سواء الجحيم }.
{ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين }.
{وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين }.
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أوحش الوحشة قرين السوء .
عنه ( صلى الله عليه وآله ) : الوحدة خير من قرين السوء .
الإمام علي ( عليه السلام ) : احذر مجالسة قرين السوء ، فإنه يهلك مقارنه ، ويردي مصاحبه .
وعنه(ع) : كن بالوحدة آنس منك بقرناء السوء .   

أثر اللغو على العبادات

أثر اللغو على العبادات
في الأثر عن الصادق (ع ) : أن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت وانتم تتعلمون الكلام، كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين , فان كان يحسنه ويصبر عليه تعبد وإلا قال : ما أنا لما أروم بأهل .
وعن الإمام الرضا – في جمع من أصحابه – إن العابد من بني إسرائيل لم يكن عابداً حتى يصمت عشر سنين، فإذا صمت عشر سنين كان عابداً، ثم قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ): كن خيراً لا شر معه، كن ورقاً لا شوك معه.
وقال المجلسي ( صمت قبل ذلك ) أي عما لا ينبغي .. وتلك المدة ليصير الصمت ملكة له .... ويحتمل أن يكون الصمت في تلك المدة للتفكر في المعارف اليقينية و...
كما ورد في حديث سلمان ( رض ) :إياكم وملغاة ( مهذرة ) أول الليل فإن ملغاة أول الليل مهدنة لآخره . والمهدنة من الهدون وهو السكون.
والحديث يشير إلى أن اللغو والهذر أول الليل، يحرم الإنسان من التوفيق لقيام آخر الليل ، وسيأتيك تفصيله إنشاء الله .

أثره على الصلاة
الصلاة عمود الدين ومعراج المؤمن و هي قمة اللقاء بين العبد والرب، والملحوظ أن المعظم مبتلى بشرود الذهن، وتوارد الخواطر وقت الصلاة وقد رغبت ورهبت وركزت الروايات على استحضار القلب والذهن في الصلاة، حتى انه روي أن الرسول (ص) اشترط لمن يصلي ركعتين ممن كان في المسجد ولا يفكر فيهما بأمور الدنيا بان يهديه ناقتين ولم يتمكن إلا الأمير .
فهذه هي الحالة لمعظمنا . ومن ذلك ما ينقل بأن ولدا فقد شيئا فجاء لوالده شاكيا فأجابه الوالد : انتظر الصلاة وإذا بدأت الصلاة فستجده فيها ..
ولا عجب إذ أن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق وقد اقسم الشيطان{ لأقعدن لهم صراطك المستقيم} وأن ابرز السبل إلى الصراط هي الصلاة ، بل الملحوظ أن هناك تقصد من الشياطين لاستحضار معاني لم تطرأ على ذهن الإنسان حتى وهو في اشد حالات الالتفات والتركيز ، غير انه يجب لفت النظر إلى أن من اعظم ما يسبب شرود الذهن ويشوش الخاطر هو الهذر واللغو . وقد نقل بأن رجل اشتكى إلى العلامة صــاحب الميزان ( قده ) عدم التركيز في الصلاة فنصحه بالصمت .
وقد ورد عنهم (ع):( عليك بالصمت فانه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك )، وعمود هذا الدين المســتعان على أمــره بالصمت هو الصــلاة، والاستعانة على أمرها استعانة على أمر الدين، بل هي من أبرز ما يحتاج إلى الإستعانة على أمره، وطرد الشيطان المتقصد لها من ساحتها .
كما ورد ( أن الكلام الخمر يسكر القلوب العقول ما كان منه لغير الله تعالى ) وورد في القرآن الكريم : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة }.
كما ورد أيضاً: " ولا اسخط الشيطان بمثل الصمت ".
فإذا تبين ذلك فإن اقل ما يعمل للتقليل من هذه شرود الذهن، وتشتت الخاطر في الصلاة هو التهيؤ لها وقد ورد عن الأمير(ع ) : من لم يأخذ أهبته للصلاة قبل الدخول فيها فما وقرها . ومن الاستعداد لها هو السكوت قبل إقامتها ولو بدقيقة أو دقيقتين، لاستجماع الذهن وحفظه، ومحاولة التركيز فيها قبل الشـروع ...

أثره على الأفق الروحي
يحجب عن الاتصال بالغيب

إن كل ما مضى من آثار اللغو لا تنفك عن الحالة الروحية وصفاء الروح . ونود هنا أن نلفت النظر إلى بعض الأمور :
فقد ورد عنه (ص): لولا تمزيع قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما اسمع.
والملاحظ أن الرسول (ص ) يخاطب أمير المؤمنين بأنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي (ص) . فلم كان علي يسمع ما يسمع النبي ؟ لأن الإمام علي لا يلغو، وذلك لأنه هو نفس النبي (ص) : { وأنفسنا وأنفسكم } وإذا كان نفسه فكما أن كل كلام النبي حجة وحق لا لغو فيه { وما ينطق عن الهوى } فكذلك كلام علي مع الحق والحق معه ، واللغو باطل لا حق فيه .
وقد وُصِف (ع) بأنه كان أكثر الناس إعراضا عن اللغو ، وكيف لا يكون كذلك وهو أمير المؤمنين الذين وصفهم القرآن بأنهم { عن اللغو معرضون }.
والأمير بنفسه يتحدث عن نفسه أيضا بقوله" كنت أخفضهم صوتا وأعلاهم قنوتاً وأقلهم كلاما وأصوبهم نطقاً " فتبين من ذلك أن الإعراض عن اللغو مما يوجب الصفاء الروحي ، والذي يؤهل في مرحلة من مراحله العليا لسماع ما لا يسمع .
ولكي يزيد أنسك بهذه الرواية، فإليك هاتين :
لولا أن الشياطين يحومون على قلب بني آدم لرأى الملكوت
لو دمتم على الحالة التي وصفتم لصافحتكم الملائكة .
ويذكر الإمام ( قده ) خطورة اللغو على الحالة الروحية بقوله : أما خصوص كلمات اللغو غير المفيدة، والكلمات القبيحة غير اللائقة أيضا، فلا بد أن يعلم أنها مضرة بحال الروح جدا، وتسقط من النفس الصفاء والصلاح والسلامة والوقار والطمأنينة والسكون، وتوجب الجلافة والكدورة والقساوة والغفلة والإدبار، وتسقط ذكر الله من العين، وتذهب بحلاوة العبادة وذكر الله من ذائقة الروح، وتضعف الإيمان وتجعله يتلاشى، وتميت القلوب وتدفع الإنسان إلى الزلل والخطأ والندم ... هذا كله ضمن الصورة التي لم يترتب على كلامه شيء من المعاصي المختلفة المتنوعة وقلما يتفق أن يشتغل إنسان بلغو وباطل ويعجز عن ضبط لسانه في ظل الميزان الصحيح ويبقى في الوقت نفسه محفوظا من المعاصي والذنوب . انتهى .
وننبه إلى أن مخاطر اللغو قد تتجاوز الحالة الروحية للمتكلم لتصل إلى قلب السامع، وأقل ما يقال في ذلك :
أن بعض الكلمات يلقيها المتكلم من غير تدبر، فتصك أذن السامع لتشغله ليلة أو ليلتين في صلاته وغيرها، فبهذا يكون المتكلم قد جنى على نفسه وعلى السامع إذ شغل قلب السامع وحتى ربما في الصلاة ! والقلب حرم الله فلا تسكن في حرمه غيره ! فهل المتكلم على قدر من تحمل المسؤولية أمام الله لو سأله لم شغلت قلب عبدي عني ؟!..

يمنع من الدرجات العليا
جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) : " أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، مر على امرأة وهي تبكي على ولدها ، وهي تقول : الحمد لله مات شهيدا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كيف أيتها المرأة ؟ فلعله كان يبخل بما لا يضره ، ويقول فيما لا يعنيه " .

يقسي القلب ويميته
كثيراً ما نشتكي من عصرنا وآثار الحضارة المادية على الحالات الروحية للإنسان، ونغبط من عاش في الزمن الماضي لصفائهم، غير إنا في الوقت الذي نتحسر على حالاتنا الروحية ونشتكي من قسوة القلب، نغفل عن الأمور التي تسبب هذه القسوة، وأن أكثر ما نبتلي به من أسباب قسوة القلب وموته هي كثرة الكلام فقد ورد عنالنبي ص:( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فان كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلوب، وان ابعد الناس من الله القلب القاسي).
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان المسيح ( عليه السلام ) يقول : لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله ، فان الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون .
وفي التأمل في قوله (ع) : ولكن لا يعلمون، مطلب عظيم . وربما في ذلك إشارة إلى أن كثرة الكلام تورث مرضاً( وهو قسوة القلب ) من حيث لا يعلم به صاحبه، وهنا تكمن خطورة المرض فهو كالمرض الخبيث ( السرطان ) في الجسد لا ينتبه له ولا يشعر به من ابتلي به، إلا بعد أن يكون قد استفحل أمره وعسر علاجه .
وعن الإمام الباقر عليه السلام :( وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب ).
وقساوة القلب هي صلابته وغلظه مأخوذ من الحجر القاسي أي الصلب , وصلابته بطلان عواطفه الرقيقة المعينة في إدراك المعاني الحقة، كالخشوع والرحمة والتواضع والمحبة، والقساوة أيضاً هي : كون الإنسان لا يتأثر عن مشاهدة ما يؤثر فيه عادة، أو عن سماع كلام شانه التأثير . والقلب القاسي ما لا يخشع ولا يتأثر برحمة.
أما الآثار الأخرى لقسوته فيقول العلامة: والقلب القاسي حيث يفقد الخشوع والتأثر عن الحق، ربما خرج عن العبودية، فلم يتأثر عن المناهي واقتراف الإثم والفسوق، ولذا اردف قوله{ فقست قلوبهم } بقوله { وكثير منهم فاسقون } .
ويقول أيضا في تفسير قوله { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } : أن القاسية القلوب لا يتذكرون بآيات الله، فلا يهتدون إلى ما تدل عليه من الحق، ولذا عقبه بقوله{أولئك في ضلال مبين} ... وفي الآية تعريف للضلال يلازمه وهو قسوة القلب .
وفي مورد ثالث يذكر أن قساوة القلب صلابته، ولازمه عدم شرح الصدور وعدم النور .
وفي مورد آخر يذكر بان القلب القاسي بطيء التصور للحق، بطيء الإذعان به، وسريع القبول للوساوس الشيطانية .
فهذه هي قسوة القلب التي تخلفها كثرة الكلام . ومن اعظم ما ورد في قسوة القلب ما مر عن الإمام الباقر عليه السلام :( وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب ).
ثم إن الروايات تشير إلى أن أثار كثرة الكلام لا تقف عند قسوة القلب فحسب، بل توصله تهوي به إلى أشد من قسوة القلب ألا وهي موته ، قال( عليه السلام ) : من كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قبله ، ومن مات قلبه دخل النار .

لفت نظر :
ذكر العلماء أن هذه الأخطار لكثرة الكلام( قسوة القلب ) ضمن الصورة التي يكون الكلام في الأمور المباحة، أما إن كان محرما كالكذب والغيبة ، فان كلمة واحدة منه توجب القسوة .
ونلفت النظر أيضا إلى ضرورة محاسبة النفس عند قسوة القلب، وجمود العين وربطها بالكلام، فقد تنتاب الإنسان حالة يشعر بها بقسوة القلب .. فعليه أن يبحث عن السبب فقد قال الأمير (ع)::ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب . إلى جـانب ذلك ورد في الحديث القدسي:يا بن آدم إذا رأيت قساوة في قلبك .... فاعلم انك قد تكلمت فيما لا يعنيك.

سبب القنوط
يشكل القنوط سمة مرضية واضحة ، ويعد من الأمراض التي تجر المريض إلى الانسحاب من الحياة وتطلعاتها . ويحتجز الشخصية عن مواجهة أيممارسة جديدة، ومن ثم يدعها تنسحب إلى الداخل فتتعطل فاعليتها .
وقد جاء عنه (ص ):مكتوب على الباب الخامس – للجنة - : لا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتقنط من رحمة الله.
ولعل السبب في ذلك أمور منها : أن كثرة الكلام تقسي القلب، ولازم قسوة القلب هو ضيق الصدر والإضلال والخذلان كما مر، وهذه الأمور – أعني القسوة والضيق والإضلال والخذلان – هي عوامل مساعدة ومهيأة للقنوط .
فقد أشار القرآن في حديثه عن طبع الإنسان إلى أن الإنسان{ إن مسه الشر فيئوس قنوط } . ومن الواضح أن اللسـان من أعظـم الأسـباب لجلب الشر( البلاء موكول بالمنطق ) .
وأشار إلى أنه لا{ يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } . ومر بك أن اللغو يجر إلى الحرام، فالإضلال ومن ثم القنوط .
وأشار في معرض حديثه عن الناس إلى أن السيئة تورثهم القنوط{ وإن تصبهم سيئة بما كسبت أيديهم إذا هم يقنطون }.

هذا من جانب ومن جانب آخر :
" فزيادة الكلام من غير حاجة تدل على وجود خلل في الشخصية ونقص فيها، وتعد هذه الممارسة حينئذ تعبيراً ( شاذاً ) عن أحاسيس الشخصية، كما لو أرادت أن تلفت نظر الآخرين إليها، وهذا ما يفصح عن قمة التورم الذاتي : أي أن الشخصية تتحسس بنوع من عدم الجدارة وتتوزعها مشاعر النقص والهوان، بحيث تتوسل بممارسة الكلام بغية التخفيف عن احاسيسها بالضعف، معوضة إياه بما يحقق تأكيد الذات واستجلاب النظر حيالها، وهذا كما لو تصدرت المجلس،أو انفردت بالتحدث مع الآخرين، أو استعرضت مكانتها الثقافية، وهذا بخلاف العالم بحق، فإنه كما قال أمير المؤمنين (ع) :فإن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل، فعد نفسه بذلك جاهلاً، وازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهاداً، فما يزال للعلم طالباً، وفيه راغباً، وله مستفيداً، ولأهله خاشعا، ولرأيه متهماً وللصمت لازماً.... "
فكثير الكلام وهو في غمرة محاولته التخفيف والتفريج عن الأعماق باهتمامه بالكلام المصطنع ( الزائد عن الحاجة ) سيقع دون أدنى شك في سمة سلبية، وهي التمركز حول الذات، كما لو كان هذا المريض يحمل مخزوناً علمياً أو مهارة فنية، محاولا بكلامه الزائد ابراز هذا المخزون والثقافة والمهاراة، فإن محاولة الإبراز هذه ستحقق إمتاعاً نفسياً لحامله وهو" تأكيد ذاته " ، غير أن هذا الإمتاع سيواكبه – من جانب آخر – فقدان للإمتاع أيضاً : إذ أن الباحث عن تأكيد ذاته لا يقر له قرار حتى يتم بالفعل تحقيق الهدف وهو : إبراز مكانته أو اقترانه بالتقدير من قبل الآخرين، وهو أمر من الصعب أن يتحقق في مطلق المواقف وهو يشبه البحث عن المال أو الموقع الاجتماعي، الذي لا يكاد أن يتحقق إلا ويتطلع الشخص إلى مزيد من الإشباع، بحيث يظل متوتراً بدلاً من يحقق توازناً في داخله . وهذا هو ما يسبب القنوط واليأس .
وإن هذه الرواية – التي تربط الكلام الزائدبالقنوط، رغم خفاء الرابط وخصوصاً في زمن الجاهلية التي لاتعرف من هذه المعارف شيئاً - لمن دلائل الصدق على عصمة آل البيت وإمامتهم (ع) . بل من دلائل إعجازهم (ع ) .

يخزي أمام الله والكرام الكاتبين :
الإنسان ... ذلك الظلوم الجهول .. الذي خلق من نطفة فإذا هو خصيم مبين ..والذي خطت له يد السماء الصراط السوي، وتركت له حرية الاختيار وهدته السبيلين ، إما شاكرا ، وإما كفورا ، فردته إليها وهو أسفل السافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وقليل ما هم . فهذا هو الإنسان ولن يلزمه بالقيم إلا شعوره بالرقابة الإلهية ، والملائكية عليه .. وقد أكد القرآن عن هذه الرقابة على أفعال الإنسان، وتنبيهه بأن الله معه أين ما كان، وأنه سبحانه يعلم السر وأخفى بل{ يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} بل إن القرآن أكد وهدد وشدد على أقوال الإنسان من بين كل أفعاله خاصة ، فقد قال تعالى : { ما يكون من نجوى ...} وقال : { كلا سنكتب ما يقول} وقال :{ سنكتب ما قالوا } وقال : { بلى ورسلنا لديهم يكتبون} وقال : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } .
ومن المؤسف حقا اننا لم نعر هذه الرقابة أي اهتمام، وذلك لغفلتنا عن عظمة الرقيب وعظمة مقام الكرام الكاتبين، وأن قول اللغو والباطل مما يخزي أمام الملائكة الكرام، فقد وصف القرآن الملائكة بالعباد المكرمون، والكاتبين منهم بـ{ كراما كاتبين} وقد عظمهم الشارع غاية التعظيم، وأمرنا بإكرامهم والإستحياء منهم ..
فقد ورد عن رسول الله(ص) : ( أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم الا في حالتين .. .) ووردعنه (ص):( ليستح أحدكم من ملكيه اللذين معه، كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه، وهما معاه بالليل والنهار ).
وورد عنه (ص): ( فإني والذي نفسي بيده!.. لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي، أستحي من الملكين الذين معي).
ومما يدل على جلالة هذين الملكين ووجاهتهما عند الله سبحانه، ما ورد عن أهل البيت(ع ) بالقسم بحقهم : " وبحق السبع المثاني والقرآن العظيم، وبحق الكرام الكاتبين ".
والصلاة عليهم" اللهم صل على ...ملائكتك الكرام الكاتبين " وورد:" وعلى الكرام الكاتبين بالصلاة التي تحب أن تصلي بها عليهم أهل السموات والأرضين صلاة كثيرة طيبة مباركة زاكية ..."الى آخر الدعاء
والسلام عليهم" السلام على الحافظين الكرام الكاتبين ".
والحمد فيهم" ولك الحمد في الكرام الكاتبين ".
ويكفي في شرفهم ما ورد عن الامام الرضا(ع) : ( أن علة الوضوء التي من أجلها صار على العبد غسل الوجه والذراعين، ومسح الرأس والقدمين، فلقيامه بين يدي الله عز وجل، واستقباله إياه بجوارحه الطاهرة، وملاقاته بها الكرام الكاتبين ..).
فتأمل كيف قرن ملاقاتهم بالقيام بين يدي الرب الجليل .
فإذا عرفنا جلالة قدرهم عند الله، علمنا ما يجب علينا أن نمليه عليهم، ومقدار قلة الحياء والخزي بإملاء القول الباطل عليهم ليكتبوه ويرسلوه الى رب العالمين .
فقد مر أمير المؤمنين برجل يتكلم فوقف عليه ثم قال : ( يا هذا!.. إنك تملي على حافظيك كتابا الى ربك، فتكلم فيما يعنيك ودع ما لا يعنيك ) .
وبكل ما مر يتضح ما ورد عن السجاد(ع) : ( اللهم!.. يسر على الكرام الكاتبين مؤنتنا، واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا، ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا ). ويذكر الشيخ البهائي في شرحه لهذا الدعاء بأن" هذه كناية عن طلب العصمة عن إكثار الكلام، والإشتغال بما ليس فيه نفع دنيوي ولا أخروي، إذ يحصل بها تخفيف على الكرام الكاتبين بتقليل ما يكتبونه من إقوالنا وأفعالنا ".

يطيل الحساب ويورث الحسرات :
أن من لطيف ما ورد عن أمير المؤمنين قوله(ع):( بالكلام ابيضت الوجوه وبالكلام اسودت الوجوه ).
وعن النبي (ص) :" ألا وان كلام العبد كله عليه، إلا ذكر الله تعالى، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو إصلاح بين المؤمنين ".
وعن النبي (ص):( لا يمر على المؤمن ساعة لا يذكر الله فيها إلا كانت عليه حسرة ) وفي الخبر: أن أهل الجنة لا يتحسرون على شيء فاتهم من الدنيا كتحسرهم عن ساعة مرت من غير ذكر الله .
أضف إلى ذلك أنه يطيل الحساب، ويعرض الإنسان للوم والعتاب، أو العقاب والعذاب( في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي شبهاتها عتاب ).

يباعد عن الجنة:
لقد مر بك أن القرآن تحدث عن اللغو في أحد عشر موضع: خمسة منها عن أن الجنة لا لغو فيها ، وهذا العدد – أي ما يقارب النصف - ممـا يثير العجب . فقد وصفها بأنها { لا تسمع فيها لا غية }و { يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم } {لا يسمعون فيها لغوا آلا سلاما } و { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما } { لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } .
وجاء في الحديث القدسي : ( يا أحمد .... إن في الجنة ... سجنوا ألسنتهم عن فضول الطعام)، وعدم سماع اللغو من أخص صفات الجنة، كما يذكر العلامة في تفسيره وذكر في مورد آخر" حياة أخرى أعلى كعبا وأعلى قيمة من هذه الحياة الدنيوية التي يعدها الله سبحانه لعبا ولهواً وهي الحياة الأخروية التي سينكشف عن وجهها الغطاء وهي الحياة التي لا يشوبها لعب واللهو ولا يدانيها اللغو والتأثيم ، لا يسير الإنسان فيها إلا بنور الإيمان وروح العبودية قال تعالى { أولئك الذين كتب في قلوبهم الإيمان .. منه } وقال { أومن كان ميتاً ... ليس بخارج منه } .
فإذا كانت الجنة لا لغو فيها، ومن جانب آخر فينبغي الإشارة إلى أن الآيات أشارت إلى امتداد الملكات إلى يوم القيامة، خصوصاً الموارد اللسانية كالكذب والمراء فقد ورد في القرآن الكريم{يوم يبعثهم الله فيحلفون له كما يحلفون لكم ... } يقول العلامة في الميزان : وقوله : { فيحلفون له كما يحلفون لكم} أي يحلفون لكم في الدنيا، وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ....} الأنعام 23. أن حلفهم على الكذب يوم القيامة، مع ظهور حقائق الأمور يومئذ من ظهور ملكاتهم هناك لرسوخها في نفوسهم في الدنيا، فقد اعتادوا فيها على إظهار الباطل على الحق بالأيمان الكاذبة، وكما يعيشون يموتون، وكما يموتون يبعثون، ومن هذا القبيل سؤالهم الرد إلى الدنيا يومئذ والخروج من النار، وخصامهم في النار وغير ذلك مما يقصه القرآن الكريم، وهم يشاهدون مشاهدة عيان أن لا سبيل إلى شيء من ذلك، واليوم يوم جزاء لا يوم عمل ".
وفي مورد آخر يقول رحمه الله : وليس كذبهم وحلفهم عليه للتوصل به إلى الأغراض الفاسدة، وستر الحق كما يتوصل إليها الكذب في الدنيا، فإن الآخرة دار جزاء لا دار عمل واكتساب . لكنهم لكونهم اعتادوا أن يتفصوا من المخاطرات والمهالك، ويجلبوا المنافع إليهم بالأيمان الكاذبة والأخبار المزورة خدعة وغرورا، رسخت في نفوسهم ملكة الكذب، والملكة إذا رسخت في النفس اضطرت النفس إلى إجابتها إلى ما تدعوا إليه، وذلك كما أن البذي الفاحش إذا استقرت في نفسه ملكة السب لا يقدر على الكف عنه وإن عزم عليه، والمتكبر اللجوج العنود لا يملك من نفسه أن يتواضع وإن خضع في موقف المهلكة والمذلة أحياناً، فإنما يخضع ظاهراً وبلسانه، وأما باطناً وفي قلبه فهو على حاله لم يتغير، ولن يتغير البتة، وهذا هو السر في كذبهم يوم القيامة، لأنه يوم تبلى السرائر، والسريرة المعقودة على الكذب ليس فيها إلا الكذب، فيظهر ما استقر فيه كما قال تعالى: { ولا يكتمون الله حديثاً} ونظيره التخاصم الدائر بين أهل الدنيا، فإنه يظهر بعينه يوم القيامة بينهم، وقد قص الله سبحانه ذلك في مواضع كثيرة من كلامه وأجمله في قوله { إن ذلك لحق تخاصــم أهل النار }. هذا في أهل العذاب وأما في أهل المغفرة والجنة فيظهر منهم هناك ما كان في نفوسهم هنا من الصفا والسلامة، قال تعالى { لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما إلا قيلا سلاما سلاما} فافهم ذلك . انتهى كلامه .
فإذا كانت الملكات تمتد إلى هناك، وكانت الجنة دار حق لا لغو فيها، فعلى من كان من أهل اللغو أن يخير نفسه بين أن يطهر نفسه من اللغو هنا أو أن يُطهر في البرزخ أو القيامة قبل أن يدخل الجنة ليكون لائقاً لدخولها . وشتان بين أن يهذب نفسه هنا مهما كلف الأمر من صعوبة في بداية الأمر وبين التطهير في البرزخ أو جهنم !..

ويقرب من النار ويوردها:
إن المآل بعد الحساب هو إما الجنة أو الى النار، وقد مر في الآيات أن الجنة لا لغو فيها ، فلم يبقى إلا النار ، فإن اللغو وكثرة الكلام من أكثر الأسباب التي تورد النار فقد ورد عن النبي (ص) :لا تهيجوا وهج النار على وجوهكم بالخوض فيما لا يعنيكم .
و جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله أوصني فقال : احفظ لسانك ، قال : يا رسول الله أوصني قال : احفظ لسانك ، قال : يا رسول الله أوصني ، قال : احفظ لسانك ، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم . فلاحظ لفظة الناس والنار في هذه الرواية وفي قوله تعالى{ قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس ..}.
وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) - في وصية لأبي ذر : يا أبا ذر ...إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها، فيهوى في جهنم ما بين السماء والأرض ، يا أبا ذر ، ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ، ويل له ، ويل له ، يا أبا ذر من صمت نجى ، فعليك بالصمت ، ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا ، قلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا ؟ قال : الاستغفار وصلوات.
وقد نقل لنا القرآن جواب أهل جهنم عن سبب سلوكهم الى سقر : { وكنا نخوض مع الخائضين} .
وعن الأمير ( عليه السلام ) : من كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قبله ، ومن مات قلبه دخل النار.
وقد مرت عليك بعض ما يخص هذا المورد.
وفي الحديث القدسي :( الزم لسانك الصمت ...وإن لم تفعل فأنت من الهالكين ).
وورد عن الامير(ع):( احبس لسانك قبل أن يطيل حبسك ويردي نفسك ) .

شدة العذاب:
و إليك بعض ما ورد في وصف جهنم، التي سجرها جبارها لغضبه، لنعلم الى أين يردينا اللسان :
قال تعالى:{ اتقوا نارا وقودها الناس والحجارة}.. { كلا إنها لظى نزاعة للشوى}..{ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت }..{ يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر}.
ويقول الامير(ع) :( واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار...أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والعثرة تدميه ، والرمضاة تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ، ضجيع حجر وقرين شيطان . أعلمتم أن مالكاً إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه ، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته ...).
ويقول السجاد(ع) : ( اللهم إني أعوذ بك من نار تغلظت بها على من عصاك وتوعدت بها من صدف عن رضالك ، ومن نار نورها ظلمة وهينها أليم وبعيدها قريب ومن نار يأكل بعضها بعضاً ويصول بعضها على بعض ومن نار تذر العظام رميماً وتسقي أهلها حميماً ومن نار لا تبقي على من تضرع إليها ولا ترحم من استعطفها ولا تقدر على تخفيف عمن خشع لها واستسلم إليها ، تلقي ساكنها بأحر ما لديها من أليم النكال وشديد الوبال واعوذ بك من عقاربها الفاغرة أفواهها وحياتها الصالقة بأنيابها وشرابها الذي يقطع أمعاء وأفئدة سكانها وينزع قلوبهم ..... ).
وورد عن الرسول(ص):لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا والحقب ......

زوايا اجتماعية

زوايا اجتماعية
قد يطول بنا الكلام كثيراً إذا ما أردنا البحث في الآثار الاجتماعية للكلام والصم، فان المسالة قد تحتاج إلى العشرات، بل المئات من الأبحاث،ومن أهل التخصص في علم الاجتماع والنفس والأخلاق والفقه .
غير أن ذلك لا يمنع من التطرق إلى بعض الحالات والظواهر والعادات، لصلتها بجذور الصمت والكلام ، وآثار تلك الظواهر إيجاباً وسلبا عليهماً بما سنحت به الفرصة لنا :
ونود هنا أن تعرض لظاهرة ( المجالس ) لصلتها بالموضوع .
إذ أن المجالس هي أكثر المواطن للكلام ، فلذا ينبغي قبل أن نسأل : بم تتحدث ؟.. أن نسأل مع من تجلس وتتحدث وأين ؟.. إذ أن لنوعية الشخصية التي تحدثها وتحدثك مسؤولية تلقي بظلالها عليك ، فليس للإنسان أن يجالس ويجلس مع كل من يملي عليه هواه وبما يملي عليه . فقد جاء في الذكر الحكيم : {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ...}.
كما أن ليس له ذلك لأن الوقاية خير من العلاج .
والإنصاف أن الاهتمام بآداب المجالس وشرائطها، يعين الإنسان كثيراً على الإعراض عن اللغو ، والصمت ، والكلام إلا بحق .
وإليك روايتين في جلساء الخير، وروايتين في جلساء السوء، ليتبين لك كم هي الصلة وثيقة بين المجالس و( الكلام والصمت ) بل و ( كل خير وشر ) :
الامير (ع) : جالس العلماء يزدد علمك، ويحسن أدبك، وتزك نفسك .
وعنه (ع) : مجالسة الحكماء حياة العقول وشفاء النفوس .
أمير المؤمنين (ع) : "مجالسة العوام تفسد العادة " .
الامير (ع) : العافية عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد في ترك مجالسة السفهاء .
وسيأتيك بعض التفصيل فيما يخص المجالس وأوكلنا تمام الكلام إلى بحوث أخرى .
وإذا أردنا إتمام الفائدة فيلزمنا التطرق الى أساس تبتني عليه مسألة التحدث مع الآخرين والمجالس ، وهو مسألة المخالطة والعزلة ، فلا بد من الإلمام بشيء عنهما لمسيس الحاجة اليهما في هذا المورد، وفي مسالة علاج الهذر، وعلى ضوء ذلك يتحدد المسار في كثير من المسائل الاجتماعية المرتبطة بالناس والكلام معهم .

العزلة والمخالطة
كثيرون هم من يتساءلون عن العزلة والمخالطة ، وكثيراً ما تبرز في خاطر الإنسان التساؤلات والإيحاءات عن العزلة والمخالطة ؟ وأيهما أكثر نفعاً وأقرب رشداً ، وإلى أي حد ومدى ؟ ومتى وكيف ؟ ..
ولعل أكثر من يواجه هذه الأسئلة في قرارة نفسه، هو من يحاول تهذيب نفسه وخصوصاً في عصرنا هذا ! ..
ولا بد لك وأنت تقرأ ما مضى من المسائل في اللغو قد تساءلت في خلدِك : عن الوضع الأفضل فيما يخص العزلة والمخالطة، لصلتهما إيجاباً وسلباً بالصمت والكلام ؟.. وهل المطلوب العزلة لتجنب تبعات الكلام ؟ ..
وللإجابة على ما ذكرنا، يلزمنا أن نذكر ولو الشيء اليسير عنهما وآدابهما .
فقد تعرضت الروايات والكتب الأخلاقية لهذا الموضوع وارتأينا هنا أن نذكر- ملخصا - ما جاء في كتاب الأخلاق للمرحوم السيد عبد الله شبر ( ره )
عن العزلة والمخالطة والترجيح بينهما وآدابهما .
قال (قده ) :
قد اختلف الناس في الترجيح بينهما، فذهب قوم إلى ترجيح المخالطة لقوله تعالى { ألف بين قلوبهم } و {و لا تكونوا كالذين تفرقوا } وقوله (ص): المؤمن ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.. وللأخبار الدالة على استحباب التزاور، وحضور الجمعة والجماعة، وعيادة المرضى، واجابة الدعوة، وتشيع الموتى ونحو ذلك مما لا يتم إلا بالمعاشرة .
وذهب قوم إلى ترجيح العزلة، واستشهدوا بأخبار كثيرة منها :
عن الامام الصادق (ع) : لولا الموضع الذي وضعني الله فيه، لسرني أن أكون على رأس جبل، لا أعرف الناس ولا يعرفني حتى يأتيني الموت .
وعن الامام الباقر (ع) : ما يضر من عرفه الله الحق أن يكون على قلة جبل، يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت .
وعن الإمام الصادق (ع) : انه قال له معروف الكرخي : أوصني يا بن رسول الله . قال : أقلل معارفك . قال : زدني .قال : أنكر من عرفت منهم . قال : زدني . قال : حسبك..
ولأن فيها فوائد كثيرة : منها التفرغ للعبادة والفكر والاستئناس بمناجاة الله تعالى عن مناجاة الخلق . ولأن فيها التخلص من المهلكات كالغيبة والرياء والفتن والخصومات ومن مشاهدة الثقلاء والحمقاء وأخلاقهم وغير ذلك .
والتحقيق في هذا المقام بوجوه :
الأول : أن يقال أن العزلة الممدوحة هي العزلة بالقلب دون البدن ويرشد اليه قول الامام الصادق ( ع) :طوبى لعبد عرف الناس فصاحبهم ببدنه، ولم يصاحبهم بقلبه، فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن .
الثاني : أن يراد بالعزلة العزلة عن أهل الدنيا، الذين يشغلون الانسان عن ذكر الله، لا أهل الآخرة من العلماء والعقلاء الذين يكتسب من أخلاقهم، ويستفاد من علومهم، ويثاب على مخالطتهم، ويشهد له قول الامام الكاظم (ع) :يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله ، ومن رغب فيما عند الله كان أنيسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة و..
الثالث : أن يقال أن العزلة لا بد فيها من العلم والزهد، وأن الجاهل لا يليق له العزلة، ففي الكافي انه قيل للامام الصادق (ع) : رجل عرف هذا الامر _ أي الامامة – لزم بيته ولم يتعرف الى احد من اخوانه . قال : فقال كيف يتفقه هذا في دينه ؟
الرابع: أن يقال : أن الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة والانبساط مجلبة لقرناء السوء . فليكن الانسان معتدلا بين المنقبظ والمنبسط ، وكذلك في المخالطة والعزلة ، ويختلف ذلك بحسب الاحوال وبلاحظة الفوائد والآفات، فليلاحظ كل ما يصلحه ويليق بحاله .

آداب المخالطة
أن للمخالطة والمجالسة آداب جمة و منها :
" أن تلقى صديقك وعدوك بوجه الرضا، من غير ذلة لهم ولا وحشة منهم .
وليكن مجلسك هادئاً، وحديثك منظوماً مرتباً، واصغ الى الكلام الحسن ممن حدثك بغير اظهار تعجب مفرط ، ولا تسأله إعادته .
واسكت عن المضاحك والحكايات ، ولا تحدث عن اعجابك بولدك ولا شعرك وتصنيفك وسائر ما يخصك .
ولا تلح في الحاجات ولا تشجع أحداً على ظلم .
ولا تعلم اهلك وولدك فضلاً عن غيرهم مقدار مالك، فانهم إن رأوه قليلا ًهنت عندهم، وإن كان كثيراً لم تبلغ قط رضاهم ، واجفهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف .
ولا تهازل فيسقط وقارك .
وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك، وتجنب عجلتك ،وتفكر في حجتك ، ولا تكثر من الإشارة بيدك ، ولا تكثر الالتفات الى من وراءك " . انتهى

المجــالس :
المجالس في القرآن :
تحدث القرآن عن المجالس وآدابها، والنهي عن بعضها في عدة آيات فمن ذلك قوله تعالى : { يا أيه الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } . وقوله تعالى { وتأتون في ناديكم المنكر } وقوله تعالى { واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير } وقوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا ...عظيما } النساء 114. وقوله تعالى { ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة ....خبير} المجادلة 7-11
المجالس مسؤولية :
المجالس شيء لا بد منه في هذه الحياة ، بل وربما حتى الآخرة لا تخلو منها{ على سرر متقبلين } ونريد هنا أن نحيط بإيجابياتها وسلبياتها، وشيء من آدابها والمحاولة في إصلاح ما فسد منها ، ولا تخفى صلتها بالصمت والكلام.
وأول ما يلزمنا التنبه له هو أن الشارع الحكيم نبه على أن مجرد تواجد الإنسان في مجلس ، فإن ذلك كاف لترتب المسؤولية والآثار عليه وإن بقي الانسان ساكتاً ولم يتكلم ، وقد نهى لقمان ولده عن الجلوس في مجالس (؟؟؟ ) فعسى أن تنزل نقمة فتشمله معهم .
وعن علي بن الحسين عليه السلام قال :ليس لك أن تتكلم بما شئت لانالله يقول : { ولا تقف ما ليس لك به علم } وليس لك أن تسمع ما شئت ، لان الله عزوجل يقول :{ ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا}.
ولعل من أوضح ما يشير الى ذلك ما ورد في دعاء ابي حمزة الثمالي عن الامام السجاد (ع) : " ما لي كلما قلت قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي وحالت بيني وبينك خدمتك سيدي! .. لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني .. أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني .."
وروي عنه (ص) : لا تجلسوا في المجالس، فإن كنتم فاعلين فردوا السلام، وغضوا الابصار، واهدوا السبيل، واعينوا على الحمولة .
ومن ذلك ما أوجبه الشرع على الانسان من مسؤولية شرعية في بعض الموارد، كأن يرد الغيبة إذا ذكرت عنده . أو كالأمر بالمعـروف والنهي عن المنكر .
ومن ذلك ما ورد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله، وأن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز وجل عنه، والاصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل، فقال في ذلك : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان فقال :{ وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } وقال :{ فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم الله واولئك هم اولوا الالباب } وقال عز وجل :{ قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون } وقال : {إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } وقال : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } فهذا ما فرض الله على السمع من الايمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان .

هدف المؤمن من المجالس :
إن مما تتسم به بعض الشخصيات أنها تخضع كل حركاتها وسكناتها لحاكمية العقل ، ومن ذلك أنك تراها تفكر في هدفها من المجلس قبل أن تأمه . وهذا هو شأن المؤمن .
فعن الإمام زين العابدين (ع) :المؤمن خلط علمه بالحلم ، يجلس ليعلم ، وينصت ليسلم وينطق ليفهم ، لا يحدث أمانته الاصدقاء .
وعنالأمير (ع) : لا خير في المناجاة إلا لرجلين : عالم ناطق أو مستمع واع ).
وورد عن أمير المؤمنين (ع):إذا كنت في مجلس ولم تكن المتكلم ولا المستمع فقم .
وهذا لا يتعارض مع ما ندب إليه الشارع من التزاور أو الترويح أو صلة الرحم أو غير ذلك .    

على الطعام

على الطعام
لقد نهت الروايات عن اللغط على الطعام ، فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : اذكروا الله على الطعام ولا تلغطوا، فانه نعمة من نعم الله، ورزق من رزقه، يجب عليكم فيه شكره وذكره وحمده .
الامير (ع) : أكثروا ذكر الله عز وجل على الطعام ، ولا تطغوا فيه ، فإنها نعمة من نعم الله .
وذكر صاحب الأشباه والنظائر كراهية الكلام حال الطعام إلا بحمد الله تعالى.
وكما نهت عن اللغو على الطعام، فقد حثت الروايات على التسمية والحمد على الطعام لا الصمت ، وقد عقد الشيخ في الوسائل( باب استحباب التسمية والتحميد في اول الاكل وفي اثنائه لا الصمت )
جاء عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا اكلت الطعام فقل : بسم الله في اوله وآخره، فان العبد إذا سمى قبل ان يأكل لم يأكل معه الشيطان، وإذا لم يسم اكل معه الشيطان، وإذا سمى بعد ما يأكل واكل الشيطان معه تقيأ الشيطان ما اكل.
وعن سماعة بن مهران قال : كنت مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال :(يا سماعة أكلاً وحمدا لا أكلاً وصمتاً).
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :ان أبا حنيفة اكل معه فلما رفع الصادق ( عليه السلام ) يده من اكله قال : الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك ( صلى الله عليه وآله ) فقال أبو حنيفة : يا أبا عبد الله اجعلت مع الله شريكا، فقال له : ويلك ان الله يقول في كتابه : { وما نقموا الا ان اغنيهم الله ورسوله من فضله }، ويقول في موضع آخر : { ولو انهم رضوا ما آتيهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله}، فقال أبو حنيفة : والله لكأنى ما قرأتهما قط .

في بيت الخلاء
جاء في الوسائل وسائل الشيعة ( باب كراهة الكلام على الخلاء )
وفيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال :نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط ، أو يكلمه حتى يفرغ .
وجاء عن أبي بصير قال: قال ليأبو عبد الله عليه السلام : لا تتكلم على الخلا، فانه من تكلم على الخلا لم تقض له حاجة .
وفي الهداية للشيخ الصدوق :( يكره الكلام والسواك للرجل وهو على الخلاء ).
وفي السرائر لابن ادريس الحلي :يكره الكلام وهو على حال الغائط، إلا أن تدعوه إلى ذلك الكلام ضرورة .
وفي الأشباه والنظائر لابن سعيد الحلي :يكره الكلام .. حال الغائط وحال البول، إلا بحمد الله تعالى، وقراءة آية الكرسي فيما بينه وبين نفسه، وحكاية الأذان والإقامة إذا سمعهما فيما بينه وبين نفسه أيضاً، والدعاء المروي عند شدة الزحير .
كما جاء في الوسائل ( باب عدم كراهة ذكر الله وتحميده وقراءة آية الكرسي على الخلا )
وجاء فيه :عن أبي جعفر عليه السلام قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى سأل ربه فقال : إلهي إنه يأتي علي مجالس أعزك واجلك أن أذكرك فيها فقال : يا موسى إن ذكري حسن على كل حال .
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بذكر الله وأنت تبول ، فإن ذكر الله حسن على كل حال، فلا تسأم من ذكر الله.
14 - الجماع
ورد عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ( عليهم السلام ) - في وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) - قال : يا على كره الله لأمتي العبث في الصلاة ...... ، والنظر إلى فروج النساء لانه يورث العمى ، وكره الكلام عند الجماع لانه يورث الخرس
وقد نص الشيخ الطوسي وبن ادريس الحلي على أنه( يكره الكلام في حال الجماع سوى ذكر الله تعالى ).
وذكر ابن سعيد الحلي موردان :
الأول : يكره الكلام ...حال الجماع .
الثاني : يكره الكلام ....في الفراش وهو مع امرأته إذا كان جنبا، فقد قال النبي (ص) : يا علي من كان جنباً في الفراش مع امرأته ، فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما.
وعقد صاحب الوسائل : ( باب كراهة الكلام عند الجماع بغير ذكر الله والدعاء ) ومما ذكره فيه : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين، فانه يورث الخرس .
15 - التجارة
قال ( ص) : يا معاشر التجار!.. إن هذا البيع يحضره اللغو والكذب واليمين، فشوبوه بالصدقة .
وفي المبسوط للسرخسي : يا معاشر التجار!.. إن تجارتكم هذه يحضرها اللغو والكذب فشوبوها بالصدقة .
وفي الحدائق : عن ابى جعفر عليه السلام نحوه .
وعن السكوني عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قالرسول الله صلى الله عليه واله وسلم : " من باع واشترى فليحفظ خمس خصال ، والا فلا يشترين ولا يبيعن : الربا، والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد اذا باع، والذم إذا اشترى ".
وكان أبو أمامة يقول : سمعترسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " اربع من كن فيه طاب مكسبه : إذا اشترى لم يعب ، وإذا باع لم يحمد ، ولا يدلس ، وفيما بين ذلك لا يحلف " .
وروى الصدوق مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا معشر التجار ارفعوا رؤوسكم ، فقد وضح لكم الطريق ، تبعثون يوم القيامة فجارا الا من صدق حديثه ..".
قال : قال عليه السلام : " يا معشر التجار صونوا اموالكم بالصدقة تكفر عنكم ذنوبكم ، وايمانكم التى تحلفون فيها ، تطيب لكم تجارتكم ".
16 - الأسواق
الأسواق دار غفلة وشر بقاع الأرض، وهي بعدُ مظنة لكل خطأ ومنها الخطأ في القول ، والكذب واللغو وغيره، وما أحمد الصمت في مثل هذه الظروف اتقاءً لهذه الأوباء ، وبقراءة هذه الروايات يستفاد الكثير :
الامام الباقر (ع) : شر بقاع الارض الاسواق، وهو ميدان إبليس يغدو برايته، ويضع كرسيه، ويبث ذريته، فبين مطفف في قفيز، أو طائش في ميزان، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعته، فيقول عليكم برجل قد مات أبوه وابوكم حي، فلا يزال مع اول من دخل وآخر من رجع .
الرسول ص) : السوق دار سهو وغفلة، فمن سبح فيها تسبيحة كتب الله له بها ألف ألف حسنة .
الرسول (ص) : يا أبا ذر الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين .
الإمام علي ( عليه السلام ) : أكثروا ذكر الله عزوجل إذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس ، فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات ، ولاتكتـبوا في الغافلين .
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه، كتب الله له ألف حسنة، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر .
الحسن بن أبي الحسن البصري :لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) البصرة مر بي وأنا أتوضأ ، فقال : يا غلام أحسن وضوءك يحسن الله إليك . . . ثم مشى حتى دخل سوق البصرة ، فنظر إلى الناس يبيعون ويشترون فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : يا عبيد الدنيا وعمال أهلها !.. إذا كنتم بالنهار تحلفون ، وبالليل في فراشكم تنامون ، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون ، فمتى تجهزون الزاد وتفكرون في المعاد ؟!..
أبي سعيد : كان علي ( عليه السلام ) يأتي السوق فيقول : يا أهل السوق اتقوا الله ، وإياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ، ويمحق البركة ، وإن التاجر فاجر إلا من أخذ الحق وأعطاه.
17 - الكلام عند المحتضر
نص الشيخ كاشف الغطاء على كراهية كثرة الكلام عند المحتضر .
18- عند تشييع الجنائز
جاء عنه (ص) : ياأبا ذر ! اخفض صوتك عند الجنائز، وعند القتال، وعند القرآن . يا ابا ذر ، إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع واعلم أنك لاحق به .
وقد نص صاحب العروة الوثقى على كراهية التحدث بشيء من أمور الدنيا والضحك ورفع الصوت، والكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار، حتى ورد المنع عن السلام على المشيع .
ومن لطيف ما قيل في ذلك ما ذكره الشعراني في العهود المحمدية إذ يقول :
يجب أن يعلم من يريد المشي في الجنازة آداب المشي معها مع عدم اللغو فيها ..فإن ذكر الدنيا في ذلك المحل ما له محل ، ومما جرب أن كثرة الكلام اللغو تميت القلب، وإذا مات القلب في طريق الجنازة شفعوا في الميت بقلوب ميتة فلا يستجاب لهم، فأخطأ من لغا في طريق الجنازة في حق نفسه وفي حق الميت.
19- الضحك في المقابر
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله :ستة كرهها الله لى، فكرهتها للائمة من ذريتي، وكرهها الائمة لاتباعهم ، العبث في الصلوة .. والضحك بين القبور.....
20 - الحديث مع النساء
للحديث مع النساء مخاطر وتبعات فقد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ليس لإبليس جند أشد من النساء والغضب.
وعن الإمام علي ( عليه السلام ) : ليس لإبليس وهق أعظم من الغضب والنساء.
وعنه ( عليه السلام ) : محادثة النساء تدعو إلى البلاء، وتزيغ القلوب .
وقد ذكر الفقهاء أحكام الكلام مع النساء .
الأمير (ع) :لا تبدؤوا النساء بسلام، ولا تدعوهن إلى طعام، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت، واستروا عوراتهن بالبيوت .
وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال:( لا تسلم على المرأة ).
كما تعرضت الروايات إلى تبعات الحديث معهن . فقد جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أربع يمتن القلب : الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء - يعني محادثتهن..... .
و عنه ( صلى الله عليه وآله ) :أربع مفسدة للقلوب : الخلوة بالنساء ، والاستماع منهن ، والأخذ برأيهن ، ومجالسة الموتى ، فقيل : يا رسول الله ، وما مجالسة الموتى ؟ قال : مجالسة كل ضال عن الإيمان وجائر عن الأحكام .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : ثلاثة مجالستهم تميت القلب : مجالسة الأنذال ، ومجالسة الأغنياء ، والحديث مع النساء.
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) :كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يسلم على النساء ويرددن عليه السلام ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يسلم على النساء ، وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ، ويقول : أتخوف أن تعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر.
21 - الصيام :
أما بالنسبة للصيام فإنه أجلى ما يتضح فيه لزوم مراعاة الكلام كما وكيفاً، وذلك لأن الصيام هو كف النفس عن المفطرات ترويضاً لها على الصبر ومقاومة الشهوات والحرام، وتطهيراً لها من الشبهات والآثام، وكثرة الكلام لا تتناسب مع حكمة الصيام وقداسته، وعليه فما صام من أمسك عن الطعام والشراب ولسانه يقطر دماً من أكل لحوم الناس ، ونفسه مثقلة بكراهية كثرة الكلام .
وقد نص الفقهاء على استحباب كف اللسان للصائم عن الهذر وهجر المقال، وعلى كراهية الهذر أيضاً، أما الروايات التي تحدثت عن كف اللسان للصائم فهي كثيرة منها :
الصادق (ع) :إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك عن الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك عن القبيح، ودع عنك الهذي وأذى الخادم، وليكن عليكوقار الصائم، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت، إلا عن ذكر الله ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك ..
الصادق (ع) :الصيام ليس من الطعام والشراب، والإنسان ينبغي أن يحفظ لسانه من اللغو والباطل في رمضان وغيره .
الرسول الأكرم (ص) : من صام شهر رمضان في إنصات وسكوت، وكف سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة تقرباً ( قربه الله منه ) حتى تمس ركبتاه ركبتي إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.
وقد ورد في دعاء الليلة الخامسة :
" اللهم إني أسألك ...أن... وتجعلني ممن صامت جوارحه وحفظ لسانه ... وتمن عليه بالصمت والسكينة ..".
وأما كفارة اللغو للصائم، فقد ورد عن ابن عباس قال: فرض رسول الله (ص) صـدقة الفطـرة في رمضان طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين . وفي رواية ابن عمر أنها طهارة للصائم من الذنب واللغو وطعمة للمساكين .
22 - الاعتكاف
وذكر يحيىالحلي أيضا كراهة الكلام في الاعتكاف إلا بذكر الله أو ما لا بد منه .
وهو ليس ببعيد عن الصيام . وقد ذكر العلامة أنه : يستحب ترك الكلام فيما لا يتعلق بالذكر والبحث في العلوم مطلقا ، إلا أنـه في حال الاحرام أشد استحبابا ، لأنه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف .
23 - زيارة سيد الشهداء عليه السلام
وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : إذا زرت الحسين عليه السلام فزره وأنت حزين ، مكروب ، شعث ، مغبر ، جائع ، عطشان ، فان الحسين عليه السلام قتل حزينا مكروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا. وكثرة الكلام لا تناسب من هذا حاله .
وعن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت له : إذا خرجنا إلى أبيك أفلسنا في حج ؟ قال : بلى ، قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاج ؟ قـال : ماذا ؟.. قلت : من الاشياء التي تلزم الحاج ، قال : يلزمك حسن الصحبة لمن صحبك ، ويلزمك قلة الكلام إلا بخير ، ويلزمك كثرة ذكر الله ، ويلزمك ...
وعن أبي عبد الله - عليه السلام - [ قال : إذا زرتم أبا عبد الله - عليه السلام - ] فالزموا الصمت إلا من خير "
24 - دعاء أم داوود
ذكر ابن سعيد الحليكراهية الكلام خلال دعاء أم داوود .
25 - الحج والعمرة وأعمالهما
أن الحج وفادة على الله تعالى، وتجرد من كل علائق الدنيا، وتجلي لكل مظاهر التوحيد الإبراهيمي، بكسر الأصنام ورمي الشيطان والسعي والنحر، وعليه فمن كان هذا حاله وافداً على ربه بلسان الذل لا يناسبه أن يكثر الكلام فيتعرض للآثام .
قال العلامة الحلي : ولأن ترك الكلام فيما لا ينفع مما يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحل ، فإن من كثر كلامه كثر سقطه وقد قال صلى الله عليه وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلق بالذكر والبحث في العلوم مطلقا ، إلا أنه في حال الاحرام أشد استحبابا ، لأنه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف .
ونذكر هنا ما ينور هذه الصفحات مما ورد عن الإمام السجاد (ع ) ونذكره لتتم الفائدة لما فيه من رطب بالكلام والآثام في الحج وغيره - وهي رواية مؤنسة حقاً -.
فقد جاء أنه لما رجع مولانازين العابدين ( عليه السلام ) من الحج استقبله الشبلي ، فقال ( عليه السلام ) له : حججت يا شبلي ؟.. قال : نعم، يا بن رسول الله ، فقال ( عليه السلام ) : أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب واغتسلت ؟.. قال : نعم ، قال : فحين نزلت الميقــات نويت أنك خلعت ثوب المعصية ، ولبست ثوب الطاعة ؟.. قال : لا ... قال : فحين لبيت ، نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة ، وصمت عن كل معصية ؟.. قال : لا ، قال له ( عليه السلام ) : ما دخلت الميقات ولا صليت ، ولا لبيت . ثم قال له : أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصليت ؟.. قال : نعم . قال : فحين دخلت الحرم ، نويت أنك حرّمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الاسلام ؟.. قال : لا . قال : فحين وصلت مكة ، نويت بقلبك أنك قصدت الله ؟.. قـال : لا . قال ( عليه السلام ) : فما دخلت الحرم ، ولا رأيت الكعبة ، ولا صليت......إلى أن قال : أخرجت إلى منى ؟.. قال : نعم . قال : نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك ؟ . قال : لا . قال : فما خرجت إلى منى .........إلى أن قال : فنويت عند نمرة أنك لاتأمر حتى تأتمر ، ولا تزجر حتى تنزجر ؟ . قال : لا . قال : فعندما وقفت عند العلم والنمرات ، نويت أنها شاهدة لك على الطاعات ، حافظة لك مع الحفظة بأمر السموات ؟ . قال : لا . قال : فما وقفت بعرفة ، ولا طلعت جبل الرحمة ، ولا عرفت نمرة ، ولا دعوت ، ولا وقفت عند النمرات .
ثم قال : مررت بين العلمين . وصليت قبل مرورك ركعتين ، ومشيت بمزدلفمة ، ولقطت فيها الحصى ، ومررت بالمشعر الحرام ؟ . قال : نعم ....... قـال : فعندما مشيت بين العلمين ولم تعدل عنهما يمينا وشمالا ، نويت أن لا تعدل عن دين الحق يمينا وشمالا لا بقلبك ، ولا بلسانك ، ولا بجوارحك ؟ . قال : لا....... قال : فما مررت بالعلمين ، ولا صليت ركعتين ، ولا مشيت بالمزدلفة ، ولا رفعت منها الحصى ، ولا مرررت بالمشعر الحرام.......إلى أن قال له زين العابدين ( عليه السلام ) : فما وصلت منى ، ولا رميت الجمار ، ولا حلقت رأسك ، ولا أديت نسكك ، ولا صليت في مسجد الخيف ، ولا طفت طواف الافاضة ، ولا تقربت فإنك لم تحج . فطفق الشبلي يبكي على ما فرطه في حجه ، وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين .
وقد عقد في وسائل الشيعة ( باب تحريم الرفث والفسوق والجدال على المحرم ، ويلازم التقوى والذكر وقلة الكلام الا بخير) وفيــه : قـال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :إذا أحرمت فعليك بتقوى الله، وذكر الله، وقله الكلام إلا بخير ، فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير، كما قال الله عزوجل فإن الله يقول : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب.
26 - الإحرام
أما الإحرام فهو خلع لباس الدنيا وارتداء لباس الآخرة " ولأن ترك الكلام فيما لا ينفع مما يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحل فإن من كثر كلامه كثر سقطه.... فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلق بالذكر والبحث في العلوم مطلقاً، إلا أنه في حال الإحرام أشد استحباباً، لأنه حال عبادة واستغفار، واستشعار بطاعة الله تعالى .."
وقد نص الفقهاء بكراهية الهذر من الكلام للمحرم وباستحباب قلة الكلام إلا من خير، وقد وردعن الصادق( ع ) : إذا أحرمت فعليك بتقوى الله، وذكر الله، وقلة الكلام إلا بخير، فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير، كما قال تعالى، فإن الله يقول :{ فمن فرض فيهن الحج ..}.
وقد عد الفقهاء من محرمات الإحرام : المفاخرة، وإظهار الفضائل لنفسه وسلبها عن الغير، وإثبات الرذائل للغير وسلبها عن نفسه، ونحوه البذاء وهو الكلام البذيء واللفظ القبيح .
27 - الطواف والسعي
وقد عد الفقهاء من مكروهات الطوافالكلام بغير ذكر الله تعالى، والدعاء، وقراءة القرآن الكريم وقد عقد صاحب الوسائل ( باب جواز الكلام في الطواف الواجب وغيره، وانشاد الشعر والضحك ، وكراهية ذلك ، بل كلما سوى الدعاء والذكر والقراءة وخصوصا في طواف الفريضة )
وذكر يحيى بن سعيد الحلي أنه يكره الكلام حال الطواف، وحال السعي، وحال الاعتكاف إلا بذكر الله تعالى .
ًوفي الوسائل :عن محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) - في حديث - قال : طواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن . قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشئ من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به .
28 - عرفة
وقد نص الشهيد الأول (ره) على استحباب ترك الهذر فيها .
29 - الحرب
ورد الحث على ذكر الله تبارك وتعالى عند لقاء العدو، والإقلال من الكلام، ومن ذلك قولهتعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون }.
وعن الإمام علي ( عليه السلام ) :إذا لقيتم عدوكم في الحرب، فأقلوا الكلام، وأكثروا ذكر الله عزوجل .
ومن كلام له عليه السلام : وقد أرعدوا وأبرقوا ، ومع هذين الامرين الفشل ، ولسنا نرعد حتى نوقع ، ولا نسيل حتى نمطر .
قال ابن أبي الحديد : وقوله عليه السلام :" ومع هذين الامرين الفشل " معنى حسن ، لان الغالب من الجبناء كثرة الضوضاء والجلبة يوم الحرب ، كما أن الغالب من الشجعان الصمت والسكون .
وعن الأمير(ع) : أيها الناس!.. غضوا أبصاركم، وعضوا على نواجذكم، وأكثروا من ذكر ربكم، وإياكم وكثرة الكلام فإنه فشل !.
فقد أمرهم بغض الأبصار لئلا يروا ما يهولهم .. وكذا قلة الكلام، وترك رفع الأصوات علامة الشجعان، فإن الجبان يصيح ويرعد ويبرق .
وسائل الشيعة (آل البيت ) - الحر العاملي ج 51 ص 96 :
وفي كلام آخر له ( عليه السلام ) :وغضوا الابصار ،.. وأقلوا الكلام فانه أطرد للفشل ، وأذهب للويل.
ومما يجب لفت النظر له هو أن الاستفادة من هذه الروايات لا يخص الحروب بالسيوف فقط،, بل تعم الحروب المعاصرة من حرب إعلامية، ونفسية وعسكرية وغيرها .
30 - عند الملوك والأمراء والسلاطين :
عن الأمير (ع) :" فاملك عليك لسانك، فإنه لا ثقة للملوك عند الغضب، ولا تسأل عن أخبارهم، ولا تنطق عن أسرارهم، ولا تدخل فيما بينك وبينهم ".
وذكر السيد شبر في أخلاقه : فإن جالستهم فأدبه ترك الغيبة، ومجانبة الكذب، وصيانة السر، وقلة الحوائج، وتهذيب الألفاظ، والإعراب في الخطاب، وقلة المداعبة، وكثرت الحذر منهم وإن ظهرت المودة .        

عواقب وتبعات

عواقب وتبعات :
لقد وقفت الرؤية القرآنية على أدق وأشمل وأخطر تبعات اللغو والهذر على الإنسان والمجتمع، بل والطبيعة بما يذهل الألباب ويحير العقول ... ففتحت على الإنسانية آفاق من المعرفة لم ولن تخطر ببال بشر قط ، وما كاد لها أن ترى النور لولا بركة هذا النبي العظيم (ص) ، فلو سألت كل من وجد من الناس في ذلك الوقت وإلى يومنا هذا عن أضرار كثرة الكلام، فهل ستجد من يطرق سمعك وينبه لبك على مثل هذه الحقيقة المحمدية( لا تكثر منطق فيما لا يعنيك فتقنط من رحمة الله ) ؟!.. بكل ما لسمة القنوط واليأس من أخطار على نفسية الإنسان في كل مراحل حياته وعلى جميع الأصعدة ! ... فأنى لرجل أمي ، عاش بين الجاهلين وبعيداً عن قطبي الحضارات الإنسانية في ذلك الوقت ، أن يأتي بمثل هذه الرؤى والحقائق عن اللغو وآثاره ؟!.. فهذه الحقائق ليست ككلام العرافين أو المنجمين .. سجع وخرافات . بل حقائق تحمل بين طياتها أدق البراهين، وتنطوي على كنوز من أسرار آل محمد (ص) .
وهكذا فقد أفصحت الروايات عن وخامة اللغو ونبهت الإنسان عليها رأفة بهذا المسكين ،الغافل عن مثل هذه الحقائق ، والتي قد تؤدي غفلته عنها إلى هـلاكه .
وإليك بعض التبعات والآثار:
آفاق من التبعات على جهاز الإدراك للإنسان ...

آثار اللغو على العقل
لقد أولت الشريعة العقل أهمية فائقة، وقد اهتمت بأمره غاية الاهتمام ،وقد وضعت أساس أحكامها على التحفظ على العقل السليم ، ونهت عن الفعل المبطل للعقل أشد النهي كشرب الخمر من الأفعال والكذب وقول الزور وغير ذلك من الأقوال ، ومنشأ هذا الاهتمام هو أن العقل هو أصل الإنسان والإنسان بعقله وبالعقل عرف الله وبالعقل يعبد ..وهو افضل النعم وخير المواهب وغاية الفضائل ، وخير صاحب .
وهو دليل المؤمن ، وخليله ، ودعامته ، وبقدر عقله تكون عبادته لربه .
ولم تكتف بإيضاح أهمية العقل بل إنها شددت على خطر كل ما يضعفه ومن ذلك الإكثار من الكلام وفضوله :
فقد ورد عن الإمام الكاظم (ع) :( يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله، من أظلم نور فكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ؛ فكأنما أعان على هدم عقله ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه ).
وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): (من أكثر أهجر ) أي تكلم بالهذيان وكثير الكلام لا يخلو من الهذيان.
ومن ذلك قوله (ع) : " من كثر كلامه كثر خطأه " و " كثرة الخطأ تنذر بوفور الجهل ".
وعنه (ع) : من كثر كلامه كثر لغطه .
وعنه (ع) : من كثر شططه كثر سخطه . ولا يخفى أن كثرت السخط والتبرم تجعل الإنسان في حالة توتر وانفعال دائم فتؤثر على العقل وتجر إلى الغضب والغضب ريح تطفأ مصباح العقل ، وأوله جنون وآخره ندم .
وإن أردت أن تغمرك الحيرة، ويلفك العجب لوخامة أثر اللغوعلى العقل، فقارن بين هذه الروايات الثلاثة :
فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): " والكلام خمر تسكر القلوب والعقول ما كان منه لغير الله " .
والثانية: " ما عصي الله بشيء أشد من شرب الخمر " .
والثالثة: " ما عبـــد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته ".
فإذا بان لك خطره على العقل، فليعلم أن هذه الأعمال التي تبطل حكومة العقل من شرب خمر والكذب وكثرة الكلام وغيرها هي التي تهدم الإنسانية .
فقد ورد عن الإمام السجاد (ع) : والذنوب التي تهتك العصم : شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيب الناس ومجالسة أهل الريب ".
وعن الإمام الباقر (ع) : إن الله عز وجل جعل للشر أقفالا، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شر من الشراب .
ويبقى سؤال وهو كيف يؤثر الكلام على العقل ؟
ولعل هذا البحث يتوقف على معرفة العقل ، وهذا بحث عميق دقيق فمن أحب فليراجع البحث في مضانه .
غير أن النظر في ما جاء من تعريف للعقل في الروايات يوضح الكثير ، ونترك للقارئ التأمل في وجه تأثير اللغو على العقل على ضوء ما جاء فيها .

أثره على التفكر :
أما التفكر فهو حياة قلب البصير ، وهو أبو كل خير وأمه ، وأن العبادة ليست كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله ، ونعم العبادة التفكر في أمر الله .
فإذا علم ذلك فليعلم أن قوام التفكر هو الصمت : ( دليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت) ،وعن أمير المؤمنين (ع):( الزم الصمت يستنير فكرك) ،وعنه (ع) : ( الصمت روضة الفكر) .
وانه من الصعب أن لم نقل المستحيل أن ينعقد التفكر أو يثمر مع كثرة الكلام ، إذ أن كثرته تثير الوساوس كلاً أو بعضا في النفس وتشغل حيزاً من صفاء الذهن والخاطر، فان الكلام لا ينفك عن تأثير ما فيها، ومن ثم سمي الكلام كلاما من الكلم أي الجرح .

أثره على الحكمة :
كثيرا ما يشتاق الإنسان إلى الحكمة ، ولا بد أنك حاولت في فترة ما أن تمكن الحكمة من شخصيتك ، وقد يسر الإنسان بجريان الحكمة من قلبه على لسانه دون ترقب ، وما ذلك إلا لأن حب الحكمة عجن مع طينة الإنسان وتخمر مع فطرته ، ولا عجب إذ الحكمة من أرقى الكمالات والإنسان مفطور على حب الكمال ، فإذا كان كذلك فلم لا يكلل السعي للاتصاف بالحكمة بالنجاح عند الراغبين ؟
ولعل أهم الأسباب في ذلك هو أن هذا السعي لم يكن مسبوقا بمعرفة أبواب الحكمة وما يورثها وما يطفئ نورها في القلب، إذ إن الحكمة ليست أمراً ملقى على قارعة الطريق شرعة لكل وارد ، كلا فليست الحكمة كذلك بل هي خير كثير { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } وهي عصمة وبالعقل استخرج غور الحكمة ، وبالحكمة استخرج غور العقل، وهي نور كل قلب وأنها تظهر من خزائن الغيب وأنها لو ألقيت على الجبال لقلقلتها، وأن الكلمة منها يسمعها الرجل فيقول أو يعمل بها خير من عبادة سنة، وأن الحكيم كاد أن يكون نبيا .
وإذا تأملت في الحكمة وأسبابها تجد أنه من المحال أن يجتمع اللغو وكثرة الكلام مع الحكمة. إذ أن الروايات فسرت الحكمة بالمعرفة ، وبطاعة الله ، وبمعرفة الإمام ، واجتناب الكبائر ، والتفقه قي الدين ، والفهم ، والعقل ، وأن أول الحكمة ترك اللذات ، وآخرها مقت الفانيات ، وأن حد الحكمة الإعراض عن دار الفناء ، والتوله بدار البقاء ، وأن من الحكمة أن لا يخالف لسانك قلبك ، ولا قولك فعلك ، و أن من أسبابها أن لا تتكلم فيما لا تعلم ، وأن لا تتكلف ما قد كفيته، ولا تضيع ما وليته ، و أن لا تسأل عما كفيته ، وأن لا تتكلف ما لا يعنيك ، وأن رأس الحكمة مخافة الله .
فإذا كانت الحكمة كذلك وهذه أسبابها ، فقد مر أثر الكلام على العقل والتفكر، وسيمر أثره على القلب والمعرفة، وهذه هي مقومات الحكمة، أضف إلى ذلك أن عماد الحكمة ورأسها هو مخافة الله ، و كثرة الكلام كثيرا ما توقع في الحرام - كما سيأتي - فلا يجتمعان ، ولأن الصمت باب من أبواب الحكمة و( إن الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ) و( إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فانه يلقي الحكمة ) ، ولما سئل لقمان عن السبب في بلوغه ما بلغ من الحكمة فأجاب بـ : ( صدق الحديث ...وترك ما لا يعنيني ... وكف لساني و .. ) ، فإذا اتضح ذلك أتضح خطر اللغو وكثرة الكلام على الحكمة .
ومما يوضح أسباب ذلك :
1 - قول الإمام علي (ع) : " لا تجتمع الشهوة والحكمة " . وقد مر بك أن شهوة النفوس إلى الكلام كثيرة، وأن الطبع ميال إلى إطلاق اللسان. ويبين ذلك تعبير الإمام السجاد بـ( حب الكلام ) وأن حب الكلام ناتج من الكبر والحرص والحسد ، وكل ذلك لا يجتمع مع الحكمة .
2- وأو ضح منه قوله(ع ) :" الإكثار يزل الحكيم ويمل الحليم " وقد مر أنه من كثر كلامه كثر خطأه .
3 - وقول الإمام الهادي (ع) : " الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة " وهل هناك أفسد من اللغو والثرثرة ؟

آثره على الأبعاد الإيمانية

في الدر المنثور عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله مرني بأمر أعتصم به في الإسلام . قـال : قـل آمنت بالله ثم استقم . قلت : يا رسول الله ! ما أخوف ما تخاف علي ؟ قال : هذا ، وأخذ بطرف لسان نفسه .
وعنه (ص) : " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " .
1- يضعف الإيمان والتقوى :
إن من الحقائق التي تطرق لها القرآن الكريم أن الإنسان لم يخلق عبثا بل لعبادته سبحانه، وأن العبادة ليست هي الغاية النهائية ،بل يرتب عليها غايات أخرى كالتقوى ، ثم جعل الغاية من التقوى هو الوصول إلى الفلاح { واتقوا الله لعلكم تفلحون } وقد بشر بأن الفلاح من نصيب المؤمنين { الذين هم عن اللغو معرضون }.
وقد ورد عن الأمير(ع): وليخزن الرجل لسانه، فإن هذا اللسان جموح بصاحبه . والله ما أرى عبدا يتقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه .
إذ انه لا فلاح بلا إيمان وتقوى، ولا جدوى من تقوى بلا إعراض عن اللغو وخزن اللسان ...
ومن لطيف ما ورد في ذلك قول الإمام علي (ع) :قد أفلح التقي الصموت .
وهذا قريب من مضمون الآية السابقة .
ومن الملفت للنظر حقا أن الآيات تحدثت عن الأعراض عن اللغو بعد الحديث عن الخشوع في الصلاة مباشرة ، وقبل الحديث عن الزكاة وحفظ الفروج والعهود والأمانات والحفاظ على الصلاة !..
هذا كله من جانب، ومن جانب آخر تحدث القرآن بأن الهدف والغاية من خلق الإنسان هي لقاء الله، واشترط ذلك بالعمل الصالح { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } وأوضح ما يصلح العمل فقال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم } فتأمل كيف أنه جعل صلاح العمل نتيجة للتقوى والقول السديد .. واتضح من أثر القول السديد على إصلاح العمل أثر اللغو على إفساده .
فعن الإمام الصادق ( ع) - لعباد بن كثير البصري الصوفي - : ويحك يا عباد !.. غرك أن عف بطنك وفرجك ، إن الله عزوجل يقول في كتابه : * { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم }.
ومن هنا يتبين قولهم عليهم السلام: " ما عمل من لم يحفظ لسانه " و" لا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن لسانه " و " إنمـا شـيعتنا الخرس " . و" وما شيعة جعفر إلا من كف لسانه وعمل لخالقه ، ورجا سيده وخاف الله حق خيفته حتى يصير .....كالاخرس من طول السكوت " .

كلام المتقين وصمتهم :
لقد تحدث أئمة المتقين (ع) عن المتقين في إعراضهم عن اللغو، وفصّلوا القول فيها وذلك كما جاء في وصف أمير المؤمنين المتقين
" ... إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين . وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ... بعيدا فحشه . لينا قوله . غائبا منكره . حاضرا معروفه . مقبلا خيره مدبرا شره . في الزلازل وقور ، وفي المكاره صبور . وفي الرخاء شكور . لا يحيف على من يبغض . ولا يأثم فيمن يحب . يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه .. . ولا ينابز بالألقاب . ولا يضار بالجار ولا يشمت بالمصائب . ولا يدخل في الباطل . ولا يخرج من الحق . إن صمت لم يغمه صمته ، وإن ضحك لم يعل صوته . وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له . نفسه منه في عناء . والناس منه في راحة . أتعب نفسه لآخرته ، وأراح الناس من نفسه "

وزيد في رواية أخرى :
... ، يمسي وهمه الشكر ، ويصبح وشغله الذكر ، يبيت حذرا ويصبح فرحا ، حذرا من الغفلة ، وفرحا لما أصاب من الفضل والرحمة ...، يمزج الحلم بالعلم ، والعلم بالعقل ، والقول بالعمل . تراه ..، قليلا زللـه ...، ذاكرا ربه ، ..، ميتة شهوته ...، كثيرا ذكره ، لا يحدث بما يؤتمن عليه الاصدقاء ولا يكتم شهادة الاعداء.... الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون.. ، غائبا شكوه، حاضرا معروفه ، صادقا قوله ، حسنا فعله ...لا يشمت بالمصاب ..، سريع إلى الصلوات ، بطيء عن المنكرات ، يأمر بالمعروف ، وينهي عن المنكر ، لايدخل في الامور بجهل ، ولا يخرج من الحق بعجز . إن صمت لم يغمه الصـمت ، وإن نطق لم يقل خطأ ،.. ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم .. ، لا ينتصب للخير ليفجر به ، ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه .
وفي الحديث القدسي : يا أحمد إن أهل الآخرة رقيقة وجوههم كثير حياؤهم ... كلامهم موزون .... في أول النهار يحمدون ، وفي آخرها يشكرون .... يحب الرب أن يسمع كلامهم كما تحب الوالدة ولدها ... لا يريدون كثرة الطعام وكثرة الكلام .... " الخبر
و المتأمل بهذه الصفات في كل هذه الروايات يجد أنها ترتبط بالإعراض عن اللغو ، ونترك التأمل في هذه الصفات وهذه الصلة بينهما للقارئ الكريم لتتم الفائدة .
وبعد أن وقفنا على شدة الصلة بين التقوى والإعراض عن اللغو نتساءل :
لم تضعف كثرة الكلام التقوى ؟

اللغو يجر إلى الحرام :
من الواضح أن التقوى هي حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي : الحلال بيّن والحرام بيّن ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه.. فإذا كانت طبيعة التقوى هي حفظ النفس عما يؤثم فإن طبيعة كثرة الكلام أن تجر إلى الحرام فقد ورد ( إياك والهذر فمن كثر كلامه كثرت آثامه ).
و ورد ( أكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه ).
ولم تقف الروايات عند هذا الحد بل جعلت اللغو من علامات الفاسق : فعنه (ص) : علامات الفاسق أربعة : اللهو واللغو والعدوان والبهتان .
وهذا الأثر الوارد في الروايات ( كون اللغو يجر إلى الحرام ) سيترتب عليه كثير من مباحث الكتاب فلا تغفل عنه .
كيف يجر إلى الحرام ؟
إن الواقع اليومي يشهد على أن كم من كلام مباح جر إلى حرام من قول غيبة أو سماعها أو كذب أو غير ذلك ، فقد تتكلم عن نفسك بشيء مباح فينتقدك أحد السامعين فتنبري للدفاع والتبرير وتبرئة النفس ومن حيث لا تشعر يزل لسانك إلى الكذب أو الغيبة وغيرها ، وقد ورد ( من كثر كلامه كثر كذبه ) ، وورد( فأن الكذب كثيرا ما يخالط المعاذير ).
والمشكلة أن المتكلم إذا كذب مرة كذب عشر مرات حتى يصدقه الطرف الآخر في الكذبة الأولى ، وهلم جرا .
يقول الإمام الخميني ( قده ) : ( قلما يتفق أن يشتغل إنسان بلغو وباطل ويعجز عن ضبط لسانه في ظل الميزان الصحيح ، ويبقى في الوقت نفسه محفوظا من المعاصي والذنوب ).
و من ذلك ما يحدث كثيرا من ابتداء مزاح يتضمن سخرية وشيئاً فشيئاً يتخلله الجد( رب مزاح في غوره جد ) فيجر إلى جدال وسجال، فمراء فتخاصم فعداوة وطلاق وعقوق وقطيعة إلى غير ذلك، وكما قال الأمير (ع) : ( رب فتنة آثارها قول ) بل لوقف الإنسان على أكثر المشاكل الاجتماعية وحللها، وجد أنها ترجع في جذورها إلى كلام اختلت فيه الضوابط، فتداعت الأسباب وتفاقمت المشاكل حتى تحورت إلى طابعها العدائي وحجمها المتورم ، وكانت بدايتها كلمة من غير تفكر .
ونعم ما جاء عن رسول الله وآله( صلى الله عليهم أجمعين ) في إيضاح مسؤولية الكلمة، وأنها قد تجر إلى أفظع الحرام ومن ذلك قوله (ص ) : يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح، فيقول: يا رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا من الجوارح، فيقال له: خرجت منك كلمة بلغت مشارق الارض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام، واخذ بها المال الحرام، وانتهك بها المحارم، فوعزتي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئا من جوارحك.
كما ورد عن الإمام علي (ع) : رب لسان أتى على إنسان.
وعنه (ع) : كم من دم سفكه فم .
وعنه (ع) : كم من حرب جنيت من لفظة .
و النتيجة مما مر هو ما ذكره رسول الله (ص) من أن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به مخافة ما به بأس .
وقد ذكر العلماء أن الورع على أربع مراتب ، و الثالث منها ورع المتقين وهو ترك الحلال خوفاً من أن ينجر إلى الحرام مثل ترك التحدث بأحوال الناس مخافة أن ينجر إلى الغيبة .
وقد جاء عنه (ص) : ترك ما لا يعني زينة الورع.
وليعلم أن من الفقهاء من ذكر أن الكلام مكروه عموماً ، إلا في موارد الخير ، وتشتد في بعض المواقف والأزمان كما يأتي ، وذكروا أيضاً أن كثرة الكلام بغير ذكر الله مكروهة ، وقد عقد الشيخ العاملي في الوسائل والنوري في مستدركه " باب كراهة كثرة الكلام بغير ذكر الله سبحانه " .
ولعل هذا أحد الأسباب التي توجه جر المكروه إلى الحرام ، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه .
بقي أن نعرف : ما هو الحرام الذي تجر إليه كثرة الكلام ؟

آفات اللسان
إن كثرة الكلام تجر تارة إلى القول الحرام، وتارة إلى الفعل الحرام ،كالإلقاء بالنفس إلى التهلكة والفتنة وسفك الدم ، وأما قول الحرام : فقد ذكروا انها تجر إلى الغيبة والكذب والبهتان والإفك والقذف والنميمة والخوض في الباطل والفحش والسب وبذاءة اللسان واللعن والغناء والاستهزاء والسخرية المؤذيين وإفشاء السر والنفاق وقول الزور .
2- يوجب بغض الله ورسوله (ص):
لا يخفى أن الله سبحانه وتعالى ، ورسوله (ص) يبغضان كل أنواع الحرام ، غير أن التصريح بأن الله يبغض ( كثرة الكلام ) ويأمر نبيه ببغض أهل الدنيا والذين من شأنهم كثرة الكلام - مع أن كثرة الكلام ليست حراماً ابتداءً – فإن هذا مما يوجل القلب ...
فقد ورد: ( ثلاثة يبغضها الله : كثرة الكلام و كثرة المنام وكثرة الطعام ).
وورد في المعراج : ( يا احمد ابغض الدنيا وأهلها ! قال يا رب ومن أهل الدنيا ؟ قال : ... من كثر كلامه وضحكه .... قليل المنفعة كثير الكلام ).
وورد عنه (ص) : ( أبغضكم إلي الثرثارون ).
والملفت للنظر حقاً هو تعبيره ( ص) فيما ورد عنه بأن أبغضكم إلي الثرثارون !..
وهو المبعوث رحمة للعالمين، وهو الذي أحب الخير لكل البشرية ! فلم يبغض الثرثارون بل لم كانوا هم الأبغض إليه ؟
و الرواية الآتية تذكر لنا بعض آثار بغض الله لكثرة الكلام وما تجر إليه من الحرام :
فعن أبى عبد الله (ع) في وصيته لأصحابه قال :إياكم أن تزلقوا السنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهيكم عنه كان ذلك خيرا لكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ، فإن ذلق اللسان فيما يكره الله وما نهى عنه مرداة العبد عند الله ، مقت من الله وصمم وعمى يورثه الله إياه يوم القيامة .
3- الإضلال والخذلان
بعد أن تبين أن كثرة الكلام تجر إلى الحرام وأنها مما يبغضها الله تعالى، فإن القرآن الكريم أشار إلى حقيقة مهمة وهي أن الحـرام يسبب الإضلال والخذلان .
يقول العلامة في تفسير قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } :
الآية تشهد على أن من الضلال والعمى ما يلحق الإنسان عقيب أعماله السيئة، غير العمى والضلال الذي في نفسه حيث يقول تعالى{ وما يضل به إلا الفاسقين }فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدما عليه .
هذا ثم أن الهداية والإضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان ، التي ترد منه على عباده الأشقياء ...ووصف حال الأشقياء من عباده ، بأنه يضلهم ويخرجهم من النور إلى الظلمات ، ويختم على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم غشاوة ، ويطمس وجوههم على أدبارهم ، ويجعل في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ، ويجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فيغشيهم فهم لا يبصرون ، ويقيض لهم شياطين قرناء يضلونهم عن السبيل ، ويحسبون انهم مهتدون ويزينون لهم أعمالهم وهم أولياؤهم ، ويستدرجهم الله من حيث لا يشعرون ، ويملي لهم أن كيده متين ، ويمكر بهم ، ويمدونهم في طغيانهم يعمهون .   

لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كل ما تعلم

لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كل ما تعلم
إن مما يحكم العقل بقبحه ويشهد له العادلان :الوجدان والضمير بذلك هوأن يتحدث الإنسان بما لا يعلم، كأن ينقل خبراً دون تثبت، أو يطلق حكمه على فلان دون علم , وغير ذلك فعنهم(ع) : لا تقل ما لا تعلم , ولا تقل كل ما تعلم، فإن الله سبحانه قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامـة ).
سئل أبو جعفر (ع) : ما حق الله على العباد ؟ قال : (أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون ).
وعنه ( ع ) انه قال : اني لأكره ان يكون مقدار لسان الرجل فاضلا على مقدار علمه ، كما أكره ان يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله.
وكانوا يكرهون ان يزيد منطق الرجل على عقله . قيل للخليل بن احمد ( ره ) - وقد اجتمع بابن المقفع - : كيف رأيته ؟ فقال : لسانه أرجح من عقله . وقيل لابن المقفع : كيف رأيت الخليل ؟ قال : عقله أرجح من لسانه . فكان عاقبتهما ان عاش الخليل مصونا مكرما ، وقتل ابن المقفع تلك القتلة الفظيعة.
وجاء في وصفهم كان لي في ما مضى أخ في الله وكان يفعل ما يقول ..
بم تجيب إذا لا تعلم ؟
قد يسأل الإنسان سؤالاًً , وهو لا يعرف الإجابة , والمسؤولية تملي على الإنسان في مثل هذه المواقف أن يدير ظهره لهواجس نفسه وأنانيته ويقول بكل شجاعة :لا أدري ومن وصايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي ذر -: يا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل : لا أعلمه تنج من تبعته ، ولا تفت بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة .
وتزداد المسؤولية إذا كان السؤال شرعيا، وبالأخص إذا كان موجهاً لطالب العلم .
وقال بعض الأكابر : لا أدري نصف العلم، ومن سكت لله تعالى حيث لا يدري فليس أقل أجراً ممن نطق بعلم، لأن الاعتراف بالنقص أشد على النفس .
ولم تقتصر الروايات على الأمر بـ ( لا أدري ) ، بل حذرت حتى من الإجابة بـ( الله أعلم ) .
فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) :إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل : لا أدري ، ولا يقل : الله أعلم ، فيوقع في قلب صاحبه شكا ، وإذا قال المسؤول : لا أدري فلا يتهمه السائل .
ولا عيب في أن يقول لا أدري، ومن ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله كما يقول الأمير (ع) .
وعن الإمام علي ( عليه السلام ) :لا يستحيي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا علم لي به .
عنه ( عليه السلام ) :من ترك قول : " لا أدري " اصيبت مقاتله .
عنه ( عليه السلام ) : قول " لا أعلم " ، نصف العلم .

أما من يجيب عن كل مايسأل فهو إما عالم بحق أو مسكين غافل، يهرب من قول الناس بأنه لا يعلم فيقع في قولهم بأنه مكابر أو متحايل . وربما شمله قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) :إن من أجاب في كل ما يسأل عنه لمجنون .

عن القاسم بن محمد بن أبي بكر - أحد فقهاء المدينة المتفق على علمه وفقهه بين المسلمين - أنه سئل عن شئ فقال : لا احسنه ، فقال السائل : إني جئت إليك لا أعرف غيرك ! . فقال القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي والله ما احسنه ، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه : يا إبن أخي ألزمها ! ، فقال : فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم ! ، فقال القاسم : والله لأن يقطع لساني أحب إلي أن أتكلم بما لا علم لي به !..
نعم ورد رواية في حق العالم أن يقول الله أعلم .
عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول : الله أعلم ، وليس لغير العالم أن يقول ذلك.
وعنه ( عليه السلام ) : ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ، إن الرجل لينتزع بالآية من القرآن يخر فيها أبعد من السماء.

الإفتاء بغير علم
تختص الفتوى بمزيد عناية ومسؤولية خاصة أمام الله تعالى، إذ أنها حكم شرعي يترتب عليه العمل العبادي الذي يرجى أن يكون مطابقاً لحكم الله، بل قد تتخطى ذلك إلى المساس بعقائد الناس، إذ أنهم كثيرا ما يسألون العلماء عن عقائدهم فيأخذوها منهم .
وقد ورد التحذير من الإفتاء بغير علم، بل قد يعد ذلك كذباً على الله تبارك وتعالى .
وفي الكتاب المجيد :
{ ولو تقول علينا بعض الاقاويل * لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين}.
{ وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم }.
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته} .
{ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة}.
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :اتقوا تكذيب الله ، قيل : يا رسول الله ! وكيف ذاك ؟ قال : يقول أحدكم : قال الله ، فيقول الله : كذبت لم أقله ، أو يقـول : لم يقل الله ، فيقول عز وجل : كذبت قد قلته.
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :من أفتى الناس بغير علم، كان ما يفسده من الدين أكثر مما يصلحه .
عنه ( صلى الله عليه وآله ) :من أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ ، والمحكم من المتشابه ، فقد هلك وأهلك .
عنه ( صلى الله عليه وآله ) :من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض .
عنه ( صلى الله عليه وآله ) :من أفتي بفتيا بغير ثبت ، فإنما إثمه على من أفتاه .
الإمام الباقر ( عليه السلام ) :من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله ، لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه .
الإمام الصادق ( عليه السلام ) :من أفتى الناس برأيه فقد دان بما لايعلم ، ومن دان بما لايعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لايعلم.
عنه ( عليه السلام ) :إياك أن تفتي الناس برأيك ، أوتدين بما لاتعلم .
الإمام الباقر ( عليه السلام ) : لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصول علم عندنا ، نتوارثها كابرا عن كابر . .
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :( أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار ).

الصمت عند الشبهة :
وكما حذرت الروايات عن الإفتاء بغير علم، فقد حثت الروايات على لزوم الصمت عند الشبهة بكل مواردها , سواء كانت الشبهة كما هي في بعض الفتن أو بعض المواقف التي يبنيها الناس على الظن , أو الاشتباه في الحكم الشرعي أو غير ذلك .
فعلى العاقل أن يلزم الصمت في الشبهات حتى تنجلي غبرتها .
- فعنه ( عليه السلام ) - من وصاياه لابنه الحسن ( عليه السلام ) - :اوصيك يا حسن - وكفى بك وصيا - بما أوصاني به رسول الله . . . الصمت عند الشبهة .
- الإمام الباقر ( عليه السلام ) - لما سأله زرارة عن حق الله على العباد ؟ - : أن يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون .
- الإمام الجواد ( عليه السلام ) :أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة .
ومن وصاياه عند الوفاة - الإمام علي ( عليه السلام):
عنه ( عليه السلام ) : اوصيك يابني بالصلاة عند وقتها ، والزكاة في أهلها عند محلها ، والصمت عند الشبهة ، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل ، والزم الصمت تسلم .
ومما يبرز أهمية هذه الوصية أنها عند الموت . إذ أن الإنسان في تلك اللحظات الحرجة لا يهتم إلا بأعظم وأهم ما يريد , فكيف بعظيم وحكيم كخليفة رسول الله (ص) وسيد الموحدين : فتراه يوصي بالصلاة والزكاة والصمت عند الشبهة، وعدم التسرع والصمت، وهذه الوصيةوكونها عند الوفاة أكبر دليل على أهمية الصمت .

زيادة الفعل على القول
الإمام علي ( عليه السلام ) :إن فضل القول على الفعل لهجنة ، وإن فضل الفعل على القول لجمال وزينة.
عنه ( عليه السلام ) :زيادة الفعل على القول أحسن فضيلة ، ونقص الفعل عن القول أقبح رذيلة.
وأنشدوا :
وإذا الكلام مهذباً لم يقترن بالفعل كان بضاعة الثرثار
وقال آخر :
زينة القول بالفعال فإياك وقولاً لا تستطيع فعاله
نعم ذكر أنه لو تكلم الإنسان بما لا يفعل من باب التآمر بالمعروف والتناهي على المنكر فلا بأس به، بل قد يكون ممدوحاً من باب وتعاونوا على البر والتقوى .
فيمكن أن يكون شخص لا يصلي صلاة الليل ويتحدث مع آخرين عن فضلها، فلا بأس به إذا كان من باب أنه قد يتفاعل مع الجو المؤثر فقد يتأثر ويؤثر .

مخالفة القول للعمل
إن الكلام قد يقترن مع عدم العمل به، وكلما كثر الكلام تعسر مطابقته للعمل , فما أسهل القول وأصعب العمل , وهذه أشد ما في القول خصوصاً لطالب العلم ، إذ أنك عندما تكثر الكلام ولا تعمل بما قلت فكأنك تقول للناس: انا لا أعمل بما اقول لأني لا أؤمن به وقد ورد ان ( المؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل ).
ولقد جاء في الذكر الحكيم { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } .
وعن الإمام الصادق (ع) :إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب، كما يزل المطر عن الصفا .
وأما عندما تكثر الكلام وتخالفه بالعمل فهذا أخطر من سابقه وهو استهزاء بالنفس وبالناس . ويلحق الضرر بها قبل أن يلحقه بالآخرين .
ومما يفيد في ذلك ما يذكره العلامة الطباطبائي إذ يقول :
على أن الانسان الخالى عن الايمان بما يقوله حتى المنافق المتستر بالاعمال الصالحة المتظاهر بالايمان الصريح الخالص، لا يتربى بيده إلا من يمثله في نفسه الخبيثة، فإن اللسان وإن أمكن القاء المغايرة بينه وبين الجنان بالتكلم بما لا ترضى به النفس ولا يوافقه السر، إلا أن الكلام من جهة اخرى فعل ، والفعل من آثار النفس ورشحاتها ، وكيف يمكن مخالفة الفعل لطبيعة فاعله ؟ . فالكلام من غير جهة الدلالة اللفظية الوضعية حامل لطبيعة نفس المتكلم من إيمان أو كفر أو غير ذلك ، وواضعها وموصلها إلى نفس المتعلم البسيطة الساذجة فلا يميز جهة صلاحه - وهو جهة دلالته الوضعية - من جهة فساده - وهو سائر جهاته - إلا من كان على بصيرة من الامر ، قال تعالى في وصف المنافقين لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : { ولتعرفنهم في لحن القول} سورة محمد :( 30 ) فالتربية المستعقبة للاثر الصالح؛ هو ما كان المعلم المربى فيها ذا إيمان بما يلقيه إلى تلامذته مشفوعا بالعمل الصـالح الموافق لعلمه ، وأما غير المؤمن بما يقوله أو غير العامل على طبق علمه فلا يرجى منه خير .
ولهذه الحقيقة مصاديق كثيرة وأمثلة غير محصاة في سلوكنا معاشر الشرقيين والاسلاميين خاصة في التعليم والتربية في معاهدنا الرسمية وغير الرسمية فلا يكاد تدبير ينفع ولا سعى ينجح .انتهى

تشديد ووعيد
وقد شددت الروايات في ذلك، فعنالإمام الصادق ( عليه السلام ) - في قوله تعالى :{ فكبكبوا فيها هم والغاوون }: نزلت في قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره .
وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبـه مع لسـانه سواء ، ويكون لسانه مع قلبه سواء ، ولا يخالف قوله عمله ، ويأمن جاره بوائقه .
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ثلاثة ليس عليهم غيبة : من جهر بفسقه ، ومن جار في حكمه ، ومن خالف قوله فعله.
الإمام الصادق ( عليه السلام ) :للمنافق ثلاث علامات : يخالف لسانه قلبه ، وقلبه فعله ، وعلانيته سريرته .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) :سيأتي في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا ولايزهدون ، ويرغبون في الآخرة ولايرغبون ، وينهون عن الدخول على الولاة ولاينتهون ، ويباعدون الفقراء ، ويقربون الأغنياء ، اولئك هم الجبارون أعداء الله .
وعن الأمير (ع) : ولقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : إني لا أخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركاً . أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيقمعه الله بشركه . ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.
وعن الأمير ( عليه السلام ) :قطع ظهري رجلان من الدنيا : رجل عليم اللسان فاسق ، ورجل جاهل القلب ناسك ، هذا يصد بلسانه عن فسقه ، وهذا بنسكه عن جهله ، فاتقوا الفاسق من العلماء ، والجاهل من المتعبدين ، اولئك فتنة كل مفتون ، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يا علي هلاك امتي على يدي [ كل ] منافق عليم اللسان .
عنه ( عليه السلام ) : من الحكمة أن ....لا يخالف لسانك قلبك ، ولا قولك فعلك ، ولا تتكلم فيما لا تعلم.
الإمام علي ( عليه السلام ) - من وصيته لمحمد بن أبي بكر - : اوصيك بسبع هن جوامع الإسلام :.... وخير القول ما صدقه العمل ، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيتناقض أمرك وتزيغ عن الحق ........

عذاب من خالف قوله فعله
الإمام الصادق ( عليه السلام )- في قوله تعالى : { فكبكبوا فيها هم والغاوون } - : نزلت في قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره
الإمام الباقر ( عليه السلام ) :إن أشد الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثم خالفوه ، وهو قول الله تعالى : { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله }.
الإمام الصادق ( عليه السلام )- للأزدي- : أبلغ موالينا عنا السلام وأخبرهم أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل ، وأ نهم لن ينالوا ولايتنا إلا بعمل أو ورع ، وأن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره.
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :إن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله عزوجل، فاستجاب له وقبل منه، وأطاع الله عزوجل، فأدخله الله الجنة ، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى.
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون : ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم ؟! فيقولون : إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله.
عنه ( صلى الله عليه وآله ) :يؤتى بعلماء السوء يوم القيامة فيقذفون في نار جهنم ، فيدور أحدهم في جهنم بقصبه كما يدور الحمار بالرحى ، فيقال لـه : يا ويلك بك اهتدينا فما بالك ؟ قال : إني كنت أخالف ما كنت أنهاكم.
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :أتيت ليلة اسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت ، فقلت : يا جبريل ! من هؤلاء ؟ قال : خطباء امتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به.
عنه ( صلى الله عليه وآله ) : رأيت ليلة اسري بي إلى السماء قوما تقرض شفاههم بمقاريض من نار ثم ترمى ، فقلت : يا جبرئيل ! من هؤلاء ؟ فقال : خطباء امتك ، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون .
الإمام علي ( عليه السلام ) : لا يستوي عند الله في العقوبة الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، نفعنا الله وإياكم بما علمنا ، وجعله لوجهه خالصا ، إنه سميع مجيب .
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الزبانية أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان ، فيقولون : يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان ؟! فيقال لهم : ليس من يعلم كمن لا يعلم .
الإمام الصادق ( عليه السلام ) :العلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل.
عن الأمير ( عليه السلام ) :إنما زهد الناس في طلب العلم كثرة، ما يرون من قلة من عمل بما علم .
عن الامير ( عليه السلام ) : من لم يتعاهد علمه في الخلا، فضحه في الملا.
الإمام الكاظم ( عليه السلام ) :أوحى الله تعالى إلى داود ( عليه السلام ) : قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالما مفتونا بالدنيا ، فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي ، اولئك قطاع الطريق من عبادي ، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم.
كما أن الروايات ذكرت أن من يأمر الناس بما لا يفعله، تزل نصيحته من القلوب كما يزل الماء من الصفا .
وقد جاء عن الأمير (ع):ما أمرتكم بشيء إلا وأتمرت به قبلكم، وما نهيتكم عن شيء إلا وانتهيت عنه قبلكم .

كونوا لنا دعاة صامتين :
الإمام الصادق ( عليه السلام ) : كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ، فإن ذلك داعية .
عنه ( عليه السلام ) : كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا .
عنه ( عليه السلام ) :أي مفضل ! قل لشيعتنا : كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه ، واتباع رضوانه ، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين .
الإمام علي ( عليه السلام ) :إن الوعظ الذي لا يمجه سمع ، ولا يعدله نفع ، ما سكت عنه لسان القول ونطق به لسان الفعل.
عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ):أن نفرا أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ، ويأخذون عنه ، فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام ، وهم يختلفون إليـه ، ويترددون عليه ، ويسمعون منه [ ويأخذون عنه ] فلما حضرهم الانصراف وودعوه ، قال [ له ] بعضهم : أوصنا يا ابن رسـول الله ،فقــال : " أوصيكم بتقوى الله ، والعمل بطاعته ، واجتناب معاصيه ، وإداء الامانة لمن ائتمنكم ، وحسن الصحابة لمن صحبتموه ، وأن تكونوا [ لنا ] دعـاة صامتين " ، فقالوا : يا ابن رسول الله وكيف ندعو إليكم ونحن صموت ؟ قال : " تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة الله ، وتتناهون عن معاصي الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل ، وتؤدون الامانة ، وتأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، ولا يطلع الناس منكم إلاعلى خير ، فإذا رأوا ما أنتـم عليه [ قالوا هؤلاء الفلانية رحم الله فلانا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه و ] علموا أفضل ما [ كان ] عندنا فتســارعوا إليه ، اشهد على أبي محمـد بن علي ( رضوان الله عليه ) ، لقد سمعته يقول : كان أولياؤنا وشيعتنا فيما مضى خيرا مما كانوا فيه ، إن كان إمام مسجد في الحي كان منهم ، أو كان مؤذن في القبيلة كان منهم ، وإن كان صاحب وديعة كان منهم ، وإن كان صاحب أمانة كان منهم ، وإن كان عالم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهـم كان منهم ، فكونوا كذلك ، حببونا إلى الناس ، ولا تبغضونا إليهم " .

وفي نهج البلاغة :
قال عليه السلام : من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره . وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه . ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم.

ما ينبغي للشيعة في مواجهة الناس
الإمام الصادق ( عليه السلام ) :يا معشر الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا ، كونوا لنا زينا ، ولا تكونوا علينا شينا .
عنه ( عليه السلام ) :رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم ، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز ، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشئ ، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشرا .
عنه ( عليه السلام ) : يا عبد الأعلى . . . فاقرأهم السلام ورحمة الله - يعني الشيعة - وقل : قال لكم : رحم الله عبدا استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا ، بأن يظهر لهم ما يعرفون ويكف عنهم ما ينكرون.


بركات الصمت

نشأة التكلم والحاجة إليه/نعمة البيان /شكر النعم/إكليل الصمت
شأة التكلم والحاجة إليه :
إن مما أفاضه الله على الإنسان ، وخصه به دون سائر الكائنات ، هو أن خلقه الله في احسن تقويم ، وأودعه القابلية والاستعداد للتكامل ... وقـد هداه السبيل ، وأمده بالعقل ، وجهزه بفطرة وغرائز تعينه على تكامله هذا ..
وقد دعته الحاجة ، وحثته الغريزة إلى تكوينه مع أبناء جنسه ، مجتمعا تعاونيا يخدم فيه بعضهم بعضا ، ويسد بعضهم حاجة بعض ..
ولاحتياجه إلى هذا الاجتماع ، احتاج بالفطرة إلى جميع ما يحتاج إليه هذا الاجتماع ... ومن أبرزها حاجته إلى التكلم ..
ولسد هذه الحاجة ، ألجأته الفطرة إلى أن يسلك طريق الصوت المعتمد على مخارج الحروف من الفم ، إلى الدلالة على ما في الضمير ، ويجعل هذه الأصوات المؤلفة من الحروف ، علامات تدل على المعاني المكنونة في الضمير، والتي لا طريق لها إلا من جهة العلامات والألفاظ ..
ومن هنا يتضح أن حاجة الإنسان للكلام ، إنما تتم وهو في ظرف الاجتماع والمدنية ولو كانت عيشته عيشة انفرادية لما كان هناك تكلم ..
كما يتضح أيضا أن الكلام وسيلة اجتماعية للاهتداء إلى ما في ضمير الآخرين من المعاني المكنونة ، وذلك لأن الحس لا يمكنه أن يصل لها ، ولو كنا ممدين بحاسة تنال المعاني الذهنية ، كما يهتدي اللمس والحس إلى الخشونة والنعومة ، وكما يهتدي البصر إلى الأضواء ، لما احتجنا إلى وضع اللغات والتكلم ، ولهذه الحاجة وتلك ؛ فطره الله على النطق وعلمه البيان .....


نعمة البيان :
لا يخفى أن الكلام يكشف عما في نفس الإنسان وضميره ، وهو من اعجب النعم . وتعليمه الإنسان من عظيم العناية الإلهية به ، وعلى الرغم من كثرة استخدام الإنسان له فإنه قلما يتوقف المرء للتأمل في أسرار عظمة الكلام ، فليس الكلام مجرد إيجاد صوت باستخدام الرئة والحنجرة فحسب ، وليس هو ما يحصل من التنوع في الصوت باعتماده على مخارج الحروف المختلفة في الفم ، بل هو تكوين الإنسان من هذه الأصوات حروفا وألفاظاً تشير إلى مفهوم من المفاهيم التي تغيب عن حس السامع وإدراكه ، فيقدر به على إحضار أي مفهوم لأي شيء ، وان جل ما جل ، ودق ما دق ، من موجود أو معدوم ، ماض أو مستقبل ، ثم على إحضار المعاني غير المحسوسة ، والتي لا سبيل للحس إليها ، وإنما يدركها بفكره ..
فلولا الكلام لكان الإنسان والحيوان سواء في جمود الحياة وركودها ، ولولا هذا الكلام لم تقم المجتمعات المدنية ، ولم يتقدم الإنسان هذا التقدم الباهر .. فقد جاء عن أمير المؤمنين (ع) :( ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة ) .
وبالجملة : فان الكلام والبيان من اعظم النعم الإلهية على الإنسان ، وبه يحفظ للنوع الإنساني ما به قوام وجوده ، ويهديه إلى كل خير .


شكر النعم:
إن المتأمل بالكلام يتبين له أن الكلام والبيان ليس كمالاً فحسب ، بل هو منشأ للكمالات الكثيرة .. فبه تنشر المعارف والحقائق الدينية ، وبه تبسط المعالم وآداب الشريعة ، وبدونه تنسد أبواب من المعارف ، والله تعالى متصف بالمتكلم ، ومن أوصافه الجميلة( المتكلم )، وقد مدح الله الكلام في القرآن الكريم مدحا لائقاً في سورة الرحمن حيث قال :{ الرحمن علم القران خلق الإنسان علمه البيان } فجعل تعليم البيان في هذه الآية ، مقدماً على جميع النعم ، في مقام الامتنان على النوع الإنساني .
فهو من أعظم ما أفاض الله تبارك وتعالى به على الإنسان، وإن وجوب شكر النعم هو مما يحكم به العقل ، وتدعو إليه الفطرة والذوق السليم ، وإن أقل ما يقال في شكر هذه النعمة ، أن تستخدم فيما خلقت لأجله ، وأن لا يعصى الله فيها ، وان من كفر النعم استخدامها في غير ذلك .
ولا يخفى أن شكرها متوقف على معرفة أحوال النفس الناطقة ، واللسان والكلام ، وموارده ومصادره وآفاته ، والتي نحتاج لاجتنابها إلى إرادة وعزم وتوفيق .. إذ أن اللسان خفيف الحركة ، ولا يحتاج إلى جهد في تحريكه ، وميدانه رحب واسع إذ انه ما من موجود أو معدوم ، خالق أو مخلوق ، متخيل أو معلوم ، إلا واللسان يتناوله سلبا وإيجابا ، ويتعرض له بنفي أو إثبات ، بحق أو باطل ...أضف إلى ذلك أن شهوة النفوس إلى الكلام كثيرة ، وأن الطبع ميال إلى إطلاق اللسان . ويبين ذلك تعبير الإمام السجاد بـ( حب الكلام ) وأن حب الكلام ناتج من الكبر والحرص والحسد .. ويؤيده تعبير الرواية بأن(النطق راحة الروح ) .. وكما هو معلوم أن النفس تميل إلى كل ما يريحها ، وإن كان فيه ضررها ، كما هو في كثرة الكلام .
فكل ذلك جعل إمساك اللسان والتحرز عن آفاته من اصعب الأمور، ولهذا كثرت الإرشادات من الأنبياء والحكماء ، بل وشددت في المنع من إطلاقه ليقتصر الأمر على الحد اللائق ، ويتقيد اللسان عن الكلام إلا بحقه ...فإذا فعل المرء ذلك فهذا هو اقل الشكر.
ولقد نبه القرآن الكريم والأحاديث الشريفة إلى أن شكر النعم يفضي إلى مزيد منها ودوام فيها :{ لإن شكرتم لأزيدنكم } و( بالشكر تدوم النعم ) فإذا كان كذلك ؛ فلعل شكر هذه النعمة في دار الدنيا - باستخدامها فيما خلقت له وكفها عن آفاتها - يوفق الإنسان إلى التكلم يوم { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا }، وقول الصواب هناك مترشح من قول الصواب هنا وأمور أخرى ، إذ أن ملكات الإنسان في الدنيا تمتد إلى يوم القيامة وسيأتيك تفصيله إنشاء الله .


إكليل الصمت:
إن لمراعاة جوانب الاستواء في سمات الشخصية الحظ الأوفر في تكامل الفرد ، فزيادة الكلام من غير حاجة ، تدل على وجود خلل في الشخصية ، ونقص فيها ، وتعد هذه الممارسة حينئذ تعبيراً شاذاً عن أحاسيس الشخصية ، كما لو أرادت أن تلفت نظر الآخرين إليها وما إلى ذلك .
ولعل ما يدفع الكثير إلى كثرة الكلام وإلقائه دون أي تفكر أو تحفظ ـ بالإضافة إلى ما مر من خلل في نفسية الفرد ، و سهولة الكلام وغير ذلك ـ هو الغفلة عن أهمية مسألة الصمت ، والكلام في مدارج الكمال ، وان الكلام ليس حروفا فحسب ؛ بل انه قلب وعقل وإرادة ، وان المرء مخبوء تحت لسانه فمتى تكلم عرف ، وأن دليل عقل الرجل قوله( وأن كلام الرجل ميزان عقله ) .
وانه لا يستقيم قلب عبد حتى يستقيم لسانه ، وان الكلام من العمل بل أن الكلام والصمت في محلهما هم العمل ، وبالكلام ابيضت الوجوه وبالكلام اسودت الوجوه ، وإنما سبب هلاك الخلق ونجاتهم الكلام والصمت ، فطوبى لمن رزق معرفة عيب الكلام وصوابه ، وعلم الصمت وفوائده ، فإن ذلك من أخلاق الانبياء وشعار الاصفياء ، ومن علم قدر الكلام احسن صحبة الصمت ، ومن أشرف على ما في لطائف الصمت وائتمنه على خزائنه ، كان كلامه وصمته كله عبادة ، ولا يطلع على عبادته إلا الملك الجبار .
إلى غير ذلك مما ورد في الروايات الشريفة .
وكلما أمعن الإنسان وتأمل في بواعث الكلام وآثاره، تجلى له الصمت كضرورة حتمية لدينه ودنياه ، ، وأدرك بأن الصمت أول العبادة ، وانه لم يعبد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته ، وانكشف له أن كلامه من عمله ، وان كماله بصمته وكلامه ..
وباتضاح هذه الأهمية لهما – أي الصمت والكلام - تنكشف الحاجة إلى معرفة الكثير عن الكلام والصمت والميزان بينهما ومتى يرجح الكلام ؟ .. ومتى يجب ؟ .. ومتى يحبذ الصمت ؟ .. ومتى يجب ؟.. ومتى يحرم ؟ .. وما هو الفيصل بين الصمت والكبت ؟ .. وما السبيل للتمكن منه ؟ .. وهل المطلوب حبس اللسان عن الكلام ؟ أم حبس الجنان عن الآثام والثرثرة الباطنية ؟
فكثير من يرغب في الصمت - إما لآية أو رواية أو حكمة ، أو ندم من موقف ، فعزم على الصمت، أو غير ذلك - غير أن القليل من يوفق للوصول إلى هذه الغاية ، وما ذلك إلا لعدم الإلمام بما يخص( الصمت والكلام ).
فعلى الراغب في الكمال أن يعلم أن الكمال كل الكمال في ما أثرى به أهل البيت (ع) حقول المعرفة الإنسانية ، وتجاربها بأروع وأدق ما يقال ويعمل في (الصمت والكلام ) من الحكم الهادية إلى صراط الله المستقيم .    


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page