طباعة

الدعاء السابع و الثلاثون من أدعية الصحيفة إِذَا اعْتَرَفَ بِالتَّقْصيرِ عَنْ تَأْدِيةِ الشُّكْرِ

وَكانَ مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا اعْتَرَفَ بِالتَّقْصيرِ عَنْ تَأْدِيةِ الشُّكْرِ
أَللّهُمَّ إِنَّ أَحَداً لا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غايَةً إِلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسانِكَ ما يُلْزِمُهُ شُكْرَكَ، وَلا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طاعَتِكَ وَإِنِ اجْتَهَدَ إِلاّ كانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأَشْكَرُ عِبادِكَ عاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وَأَعْبَدُهُمْ لَك َمقَصِّرٌ عَنْ طاعَتِكَ.
لا يَجِبُ لاَِحَد مِنْهُم أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقاقِهِ، وَلا يَحِقُّ لَهُ أَنْ تَرْضى عَنْهُ بِاسْتيجابِهِ. فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَوْلِكَ، وَمَنْ رَضيتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ، تَشْكُرُ يَسيرَ ما شُكِرْتَهُ، وَتُثيبُ عَلى قَليْلِ ما تُطاعُ فيهِ، حَتّى كَأَنَّ شُكْرَ عِبادِكَ الَّذي أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوابَهُمْ، وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزاءَهُمْ، أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطاعَةَ الاِْمْتِناعِ مِنْهُ دُونَكَ فَكافَأْتَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجازَيْتَهُمْ، بَلْ مَلَكْتَ يا إِلهي أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبادَتَكَ، وَأَعْدَدْتَ ثَوابَهُمْ قَبْلَ أَنْ
يُفِيضُوا في طاعَتِكَ، وَذلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الاِْفْضالُ، وَعادَتَكَ الاِْحْسانُ، وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ.
كُلُّ الْبَرِيَّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظالِم لِمَنْ عاقَبْتَ، وَشاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى مَنْ عافَيْتَ، وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى نَفْسِهِ بِالتَّقْصيرِ عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ، فَلَوْلا أَنَّ الشَّيْطانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طاعَتِكَ ما عَصاكَ أَحَدٌ، وَلَوْلا أَنَّهُ يُصَوِّرُ لَهُمُ الْباطِلَ في مِثالِ الْحَقِّ ما ضَلَّ عَنْ طَريقِكَ ضالٌّ.
فَسُبْحانَكَ ما أَبْيَنَ كَرَمَكَ في مُعامَلَةِ مَنْ أَطاعَكَ أَوْ عَصاكَ، تَشْكُرُ الْمُطيعَ عَلى ما أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ، وَتُمْلي لِلْعاصي فيما تَمْلِكُ مُعاجَلَتَهُ فيهِ، أَعْطَيْتَ كُلاًّ مِنْهُما مالا يَجِبُ لَهُ، وَتَفَضَّلْتَ عَلى كُلٍّ مِنْهُما بِما يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ، وَلَوْ كافَيْتَ الْمُطِيعَ عَلى ما أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ لاََوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوابَكَ، وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ، وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جازَيْتَهُ عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصيرَةِ الْفانِيَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّويلَةِ الْخالِدَةِ، وَعَلَى الْغايَةِ الْقَريبَةِ الزّائِلَةِ بِالْغايَةِ الْمَديدَةِ الْباقِيَةِ. ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصاصَ فيما أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ الَّذي يَقْوى بِهِ عَلى طاعَتِكَ، وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى الْمُناقَشَةِ فِي الاْلاتِ الَّتي تَسَبَّبَ
بِاسْتِعْمالِها إِلى مَغْفِرَتِكَ، وَلَوْ فَعَلْتَ ذلِكَ بِهِ لَذَهَبَ جَميعُ ما كَدَحَ لَهُ، وجُمْلَةُ ما سَعى فيهِ جَزاءً لِلصُّغْرى مِنْ أَياديكَ ومِنَنِكَ، وَلَبَقِيَ رَهيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسائِرِ نِعَمِكَ، فَمَتى كانَ يَستَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوابِكَ؟ لا، مَتى؟
هذا يا إِلهي حالُ مَنْ أَطاعَكَ، وَسَبِيلُ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ، فَأَمَّا الْعاصي أَمْرَكَ، وَالْمُواقِعُ نَهْيَكَ، فَلَمْ تُعاجِلْهُ بِنِقْمَتِكَ لِكَىْ يَسْتَبْدِلَ بِحالِهِ في مَعْصِيَتِكَ حالَ الاِْنابَةِ إِلى طاعَتِكَ، وَلَقَدْ كانَ يَسْتَحِقُّ يا إِلهي في أَوَّلِ ما هَمَّ بِعِصْيانِكَ كُلَّ ما أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَجَميعُ ما أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنْ الْعَذابِ، وَأَبْطَأْتَ عَلَيْهِ مِنْ سَطَواتِ النِّقْمَةِ والعِقابِ، تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ وَرِضاً بِدُونِ واجِبِكَ.
فَمَنْ أَكْرَمُ ياإِلهي مِنْكَ؟ وَمَنْ أَشْقى مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْكَ؟ لا، من؟! فَتَبارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إِلاّ بِالاِْحْسانِ، وَكَرُمْتَ أَنْ يُخافَ مِنْكَ إِلاَّ الْعَدْلُ، لايُخْشى جَوْرُكَ عَلى مَنْ عَصاكَ، وَلا يُخافُ إِغْفالُكَ ثَوابَ مَنْ أَرْضاكَ.
فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَهَبْ لي مِنْكَ أَمَلي، وَزِدْني مِنْ هُداكَ ما أَصِلُ بِهِ إِلَى التَّوْفيقِ في عَمَلي، إِنَّكَ مَنّانٌ كَريمٌ