التاريخ: 2009/08/15
نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السلام): خير الأمراء: من کان علی نفسه اميراً.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يشير الی الشخصية الاسلامية من حيث اتصّافها بسمة محورية هي: السيطرة علی هوی النفس، ولعلنا جميعاً نتذکر المقولة المعروفة عن المعصوم (عليه السلام) حينما قارن بين الجهادين: العسکري وجهاد النفس حيث سمّی الاول منهما بالجهاد الاصغر، مع انه مخاطرة بالحياة حيث ان الدافع الی الحياة: اکبر الدوافع البشرية فاعلية، بمعنی ان الانسان مستعد لتحمّل شدائد الحياة من اجل استمرارية العمر، ومع ذلک فقد اطلق النبي (صلى الله عليه وآله) عبارة (الجهاد الاصغر) علی الجهاد العسکري، بينما اطلق علی جهاد النفس: الجهاد الاکبر، وهذا يعني: أهمية جهاد النفس من حيث السيطرة علی هواها ومخالفة ذلک في ضوء ما رسمه الاسلام من المباديء التي تحدد لنا نمط الالتزام ونمط السيطرة علی النفس.
والمهم، ان هذه المقولة مماثلة للمقولة القائلة: خير الامراء من کان علی نفسه اميراً، حيث شبّه السيطرة علی النفس بالأمير الذي يسيطر علی البلاد، وخلصها طابعاً بلاغياً آن لنا ان نوضحه الآن.
بلاغة الحديث
ان المقولة المذکورة تجسّد صورة استعارية أو تمثيلية هي: خلع طابع (الإمارة) او (الأمير) علی هوی النفس، وجعل الشخصية التي تسيطر علی نفسها هي: الشخصية الأميرة حقاً. کيف ذلک؟
النکتة البلاغية هنا، هي: ان الدوافع المرکبة في النفس (بما فيها الطوابع الحيوية: کالطعام والجنس ونحوها) تخضع الی السيطرة النفسية لا المادية، فالانسان يستطيع ان يسيطر علی الجوع مثلاً (کالصيام)، ويستطيع السيطرة علی الجنس (کالعفة)، وهکذا.
من هنا، فان السيطرة علی الحاجات البشرية سواءاً کانت مشروعة او غير مشروعة: ممکن حدوثها من خلال ترويض النفس علی تأجيل شهواتها الی الطعام والجنس والجاه والمال،....
من هنا ايضاً فان السيطرة علی هذه الشهوات تظل هي الخيار الاولی للشخصية الاسلامية،بحيث تصبح الشخصية أميرة او ملکة علی ملذاتها: کما هو واضح.
وتتجسد أهمية هذه الصورة الفنية يکون الأمير هو الشخصية الوحيدة التي تستطيع السيطرة علی الآخرين، ولکن الآخر الذي هو هوی النفس يظل هو الاولی حتی تکتسب الشخصية رضاه تعالی.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir