في العشر الأول من شهر رمضان من عام الحزن الذي سبق هجرة النبي المصطفی (صلی الله عليه وآله): وبعد أيام معدودات من وفاة سيد البطحاء وحامي سيد الأنبياء أبي طالب (سلام الله عليه) إشتد المرض بزوجة الهادي المختار مولاتنا خديجة الکبری الصديقة الطاهرة (عليها السلام)، وفي أحد تلک الأيام دخلت عليها أمة الولاء الصالحة إسماء بنت عميس رضي الله عليها، فرأت الدموع تسيل من عينها وقد خنقتها عبرات الوجه فقالت لها: يا سيدتي، أتبکين وأنت سيدة النساء وزوج النبي (صلی الله عليه وآله)، وأنت المبشرة علی لسانه بالجنة؟
أجابت أم البتول (عليهما السلام): ما بکيت کرهاً للموت ولقاء ربي، لکني بکيت لإبنتي فاطمة، فهي حديثة عهد بالصبا ولابد لها ليلة زفافها من إمرأةٍ کأمها تفضي إليها بسرها وتستعين بها.
وهنا عاهدت أسماء ربها أن ترد عن فاطمة وحشة فقدان أمها خديجة الطاهرة في ذلک اليوم وقالت: يا سيدتي لک عهد الله إن بقيت الی ذلک الوقت أن أقوم مقامک في هذا الأمر.
قال المؤرخون: لما توفيت خديجة أخذ رسول الله في تجهيزها وغسّلها وحنطها، فلما أراد أن يکفنها هبط الأمين جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا رسول الله، إن الله يُقرأک السلام ويخصک بالتحية والإکرام ويقول لک: يا محمد، إن هذا کفن خديجة، وهو من أکفان الجنة أهداه الله إليها.
فکفنها رسول الله (صلی الله عليه وآله) بردائه الشريف أولاً ثم بالکفن الذي جاء به جبرئيل الأمين (عليه السلام) ثانياً، فکان لخديجة الطاهرة کفنان، کفنٌ من الله وکفنٌ من رسول الله (صلی الله عليه وآله).
وکانت وفاة أمنا خديجة الکبری (سلام الله عليها) يوم العاشر من شهر رمضان من عام الحزن کما أسلفنا، ودفنها رسول الله في مقبرة المعلی بالجون ونزل (صلی الله عليه وآله) في قبرها وإضطجع فيه قبل أن يودعها فيه ودعا لها مجزيّاً لها بکل خير.
روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه لما توفيت خديجة جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (صلی الله عليه وآله) وتقول: يا رسول الله أين أمي؟ ورسول الله قد خنقته العبرة لا يدري بماذا يجيبها فنزل الأمين جبرئيل (عليه السلام) عليه وقال: يا محمد، إن ربک يُقرأک السلام ويأمرک أن تُقرأ علی فاطمة منه السلام وتقول لها: يا فاطمة؛ إن أمک في الجنة في بيت من قصب، کعابه من ذهب وعمده من ياقوت أحمر بين آسية إمرأةُ فرعون ومريم؛ وروايةٍ أخری: في بيت من قصبٍ منظوم بالدر والياقوت لالغوب فيه ولا نَصَب.
فلما أخبرها (صلی الله عليه وآله) بما نزل به الوحي الأمین، قالت فاطمة (سلام الله عليها) بسکينةٍ: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام.
أجمع المؤرخون علی أن السيدة خديجة الکبری هي أول مَن آمن برسول الله (صلی الله عليه وآله) من الرجال وأول مَن خرج معه عند إعلان الدعوة الإسلامية الی السلاة في السمجد الحرام جماعه هي الأولی في تأریخ الإسلام.
روي العلامة المامقاني قدس سره في کتاب الرجال عن المصادر التأريخية المعتبرة أن قائد ثورة التوابين الشهيد الجليل سليمان بن صرد الخزاعي وبعد إنکسار جيشه طلبوا منه الفرار لکي ينجو من القتل علی يد مرتزقة الأمويين فأبی الا القتال حتی يقتل ويلقی الله ورسوله وهما راضيان عنه. تقول الرواية فرأی رضي الله عنه في الليلة التي سبقت إستشهاده في عالم الرؤيا الصادقة رأی سيدتنا خديجة الکبری ومعها الزهراء والحسنان (عليهم السلام) فقال له أم المؤمنين: شکر الله سعيک يا سليمان ولإخوانک فإنکم معنا يوم القيامة أبشر فأنت عندنا غداً عند الزوال. فکان الأمر کما قالت (عليها السلام) وفاز سلمان بالشهادة عند الزوال من اليوم التالي:
زوجته خديجة وفضلها
أبان عنه بذلها وفعلها
بنت خويلد الفتی المکرم
الماجد المؤيد المعظم
لها من الجنة بيتٌ من قصب
لا صخبٌ فيه لها ولا نصب
وهذه صورة لفظ الخبر
عن النبي المصطفی المطهر
وبهذه الأبيات من منظومة في مدح رسول الله (صلی الله عليه وآله) للمحدث الجليل الحر العاملي (رضوان الله عليه).
ولخديجة کفنٌ من الجنة
- الزيارات: 5284