إذا استثنينا بعض المتعصبين من عوام الشيعة الذين ينظرون إلى « أهل السنة والجماعة » بأنهم كلهم من النواصب (1) ، فإن الأغلبية الساحقة من علمائهم قديماً وحديثاً ، لا زالوا يعتقدون بأن إخوانهم من « أهل السنة والجماعة » هم ضحايا الدس والمكر الأموي لأنهم أحسنوا الظن « بالسلف الصالح » واقتدوا بهم بدون بحث ولا تمحيص ، فأضلوهم عن الصراط المستقيم وأبعدوهم عن الثقلين ـ كتاب الله والعترة الطاهرة ـ الذين يعصمان المتمسك بهما من الضلالة ويضمنان له الهداية .
فترهم كثيراً ما يكتبون للدفاع عن أنفسهم وللتعريف بمعتقداتهم داعين للإنصاف ولتوحيد الكلمة مع إخوانهم من « أهل السنة والجماعة » .
وقد جاب بعض علماء الشيعة في الأقطار والأمصار باحثين عن الأساليب الكفيلة لتأسيس دور وجمعيات إسلامية للتقريب بين المذاهب ومحاولة جمع الشمل .
ويمم آخرون منهم وجهتهم صوب الأزهر الشريف منارة العلم والمعرفة عند « أهل السنة » ، وتقابلوا مع علمائه وجادلوهم بالتي هي أحسن ، وعملوا على إزالة الأحقاد ، كما فعل الإمام شرف الدين الموسوي عند لقائه بالإمام سليم الدين البشري ، وكان من نتيجة ذلك اللقاء والمراسلات ولادة الكتاب القيم المسمى بـ « المراجعات » والذي كان له الدور الكبير في تقريب وجهات النظر عند المسلمين . كما أن جهود أولئك العلماء من الشيعة كللت بالنجاح في مصر فأصدر الإمام محمود شلتوت مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت فتواه الجريئة في جواز التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري ، وأصبح الفقه الشيعي الجعفري من المواد التي تدرس بالأزهر الشريف .
هذا ودأب الشيعة وعلماؤهم بالخصوص على التعريف بأئمة أهل البيت الطاهرين وبالمذهب الجعفري الذي يمثل الإسلام بكل معانيه وكتبوا في ذلك المجلدات والمقالات وعقدوا لذلك الندوات وخصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عقدت مؤتمرات عديدة في طهران باسم الوحدة الإسلامية وباسم التقريب بين المذاهب ، وكلها دعوات صادقة لنبذ العداء والأحقاد ، ولبث روح الأخوة الإسلامية واحترام المسلمين بعضهم لبعض .
وفي كل عام يدعو مؤتمر الوحدة الإسلامية علماء ومفكرين من الشيعة والسنة فيعيشون أسبوعاً كاملاً تحت ظل الأخوة الصادقة فيأكلون ويشربون ويصلون ويدعون ويتبادلون الآراء والأفكار ويعطون ويأخذون .
ولو لم يكن لتلك المؤتمرات دور إلا تأليف القلوب وتقريب المسلمين بعضهم من بعض ليتعارفوا وتزول الأحقاد لكان فيها الخير الكثير والفضل العميم ، ولسوف تؤتى أكلها بعد حين إن شاء الله رب العالمين .
وأنت إذا دخلت إلى أي بيت من بيوت الشيعة العاديين فضلاً عن بيوت العلماء والمثقفين ، فسوف تجد فيه مكتبة تضم إلى جانب مؤلفات الشيعة جانباً كبيراً من مؤلفات « أهل السنة والجماعة » على عكس « أهل السنة والجماعة » فقد لا تجد عن علمائهم كتاباً شيعياً واحداً إلا نادراً .
ولذلك هم يجهلون حقائق الشيعة ولا يعرفون إلا الأكاذيب التي يكتبها أعداؤهم .
كما أن الشيعي العادي تجده في أغلب الأحيان يعرف التاريخ الإسلامي بكل أدواره وقد يحتفل بإحياء بعض ذكرياته .
أما العالم السني تجده قليلاً ما يهتم بالتاريخ فهو يعتبره من المآسي التي لا يريد نبشها والاطلاع عليها ، بل يجب إهمالها وعدم النظر فيها لأنها تسيء الظن بـ « السلف الصالح » .
وبما أنه أقنع نفسه أو أوهمها بعدالة الصحابة أجمعين ونزاهتهم ، فلم يعد يتقبل ما سجله التاريخ عليهم .
لكل ذلك تراه لا يصمد للنقاش البناء الذي يقوم على الدليل والبرهان ، فتراه إما يتهرب من البحث لعلمه مسبقاً بأنه مغلوب وإما أن يتغلب على عواطفه وميوله ويقحم نفسه في البحث فيصبح ثائراً على كل معتقداته ويتشيع لأهل بيت المصطفى .
فالشيعة هم أهل السنة النبوية لأن إمامهم الأول بعد النبي هو علي بن أبي طالب الذي يعيش ويتنفس بالسنة النبوية . أنظر إليه وقد جاؤوه ليبايعون بالخلافة على أن يحكم بسيرة الشيخين فقال : « لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله » فلا حاجة لعلي في الخلافة إن كانت على حساب السنة النبوية ، فهو القائل : « إن خلافتكم عندي كعفطة عنز إلا أن أقيم حدا من حدود الله » .
وقال ابنه الإمام الحسين : قولته المشهورة التي بقيت ترن في مسمع الدهر : « إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني » .
ولهذا فإن الشيعة ينظرون إلى اخوانهم من « أهل السنة والجماعة » بنظر العطف والحنان وكأنهم يريدون لهم الهداية والنجاة لأن ثمن الهداية عندهم حسب ما جاءت به الروايات الصحيحة خير من الدنيا وما فيها ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عندما بعثه لفتح خيبر : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن قالوها فقد عصم منك دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو خير لك من أن يكون لك حمر النعم (2) .
وكما كان هم علي بن أبي طالب الوحيد هو هداية الناس والرجوع بهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكذلك شيعته اليوم هممهم أن يدفعوا عن أنفسهم كل التهم والأكاذيب وأن يعرفوا إخوانهم من « أهل السنة » بحقائق أهل البيت ( عليهم السلام ) وبالتالي يهدوهم إلى سواء السبيل .
«لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون» (يوسف : 111) .
_______________________
(1) النواصب جمع ناصبي : وهم الذين ناصبوا العداء لأهل البيت النبوي وحاربوهم وقتلوهم وتتبعوهم أمواتاً فنبشوا قبورهم .
(2) صحيح مسلم ج 7 ص 122 كتاب الفضائل باب فصائل علي بن أبي طالب .
« أهل السنة والجماعة » في نظر الشيعة
- الزيارات: 1897