• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تعليق لابد منه لفائدة البحث والتحقيق

يلاحظ المتتبع لهذه المقابلة الودية التي جمعت بين الإمام مالك والخليفة الجائر أبي جعفر المنصور ، ومن خلال المحاورة التي دارت بينهما نستنتج الأمور التالية :
* أولاً : نلاحظ بأن الخليفة العباسي عزل واليه على المدينة وهو ابن عمه وأقرب الناس إليه ، وأهانه الإهانة بعد عزله ، ثم يعتذر للإمام مالك عما صدر عنه ويقسم بالله أنه لم يكن بأمره ولا بعلمه ولم يرضه عندما بلغه .
كل ذلك يدل على الوفاق التام الذي كان بين الرجلين ، والمكانة التي كان يخظى بها الإمام مالك عند أبي جعفر المنصور ، إلى درجة أنه يستقبله على انفراد بلباس داخلي ، ويجلسه مجلساً لم يجلس فيه أحد قط حتى ان ابن الخليفة فزع وتقهقر عندما رأى ركبتي مالك لاصقة بركبتي أبيه .
* ثانياً : نستفيد من قول المنصور لمالك : لا يزال أهل الحرمين بخير ما كمنت بين أظهرهم ، وإنك أمان لهم من عذاب الله وإن الله دفع بك عنهم وقعة عظيمة ، بأن أهل الحرمين أرادوا الثورة على الخليفة وحكمه الظالم فهداهم الإمام مالك وأحمد ثورتهم ببعض الفتاوى كالقول بوجوب الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر ( وهو الحاكم ) وبذلك استكان الناس وهدأوا فلم بقتالهم الخليفة ، ودفع الله بتلك الفتوى مجزرة الخليفة (1)  .

ولذلك قال المنصور لمالك : إن أهل الحرمين أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها قاتلهم الله أنى يؤفكون .
* ثالثاً : إن الخليفة كان يرشح مالكاً ليكون هو العالم المنظور إليه في كل الأقطار الإسلامية ، ثم يفرض مذهبه على الناس ويحملهم على اتباعه بوسائل الترهيب والترغيب .
فمن وسائل الترغيب قوله : ونعهد إلى أهل الأمصار أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها ، وأن يوفدوا إليه وفودهم ويرسلوا إليه رسلهم في أيام حجهم .
ومن وسائل الترهيب قوله : أما أهل العراق فيحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط .
ونفهم من هذه الفقرة ماذا كان يلاقيه الشيعة المساكين من حكام الجور من اضطهاد وقتل لحملهم على ترك الأئمة من أهل البيت وأتباع مالك وأمثاله .
* رابعاً : نلاحظ بأن الإمام مالكاً وجعفر المنصور كانا يحملان نفس العقائد ونفس المفاضلة بخصوص الصحابة والخلفاء الذين استولوا على الخلافة بالقوة والقهر .
قال مالك في ذلك : ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس ، ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء فوجدته أعلم الناس بالناس .
ولا شك بأن أبا جعفر المنصور بادل الإمام مالكاً نفس الشعور وأطراه بنفس الإطراء ، إذ قال له مرة لقاء قبل هذا : وأيم الله ما أجد بعد أمير المؤمنين أعلم منك ولا أفقه (2) ويقصد بأمير المؤمنين ( نفسه ، طبعا ) .
ومما سبق نفهم بأن الإمام مالكاً كان من النواصب ، إذ أنه لم يكن يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبداً وقد أثبتنا في ما تقدم بأنهم أنكروا على أحمد بن حنبل الذي ربع الخلافة بعلي وأوجب له ما يجب للخلفاء قبله ، وغني عن البيان بأن مالكاً هلك قبل مولد ابن حنبل بكثير .
أضف إلى ذلك أن مالكاً اعتمد في نقل الحديث على عبد الله بن عمر الناصبي الذي كان يحدث بأنهم لا يعدلون في زمن النبي بأبي بكر أحداً ثم عمره ، ثم عثمان ، ثم الناس بعد ذلك سواسية .
وعبد الله بن عمر هو أشهر رجال مالك وأغلب أحاديث الموطأ تعود إليه وكذلك فقه مالك .
* خامساً : نلاحظ بأن السياسة التي قامت على الظلم والجور تريد أن تتقرب إلى الناس بما يرضيهم من الفتاوى التي ألفوها ولا تكلفهم الالتزام بالنصوص القرآنية أو النبوية .
فقد جاء في كلام المنصور لمالك قوله : ضع هذا العلم ودون منه كتباً وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود ، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة لنحمل الناس على علمك وكتبك .
ومن هذا يتبين لنا بوضوح بأن مذهب « أهل السنة والجماعة » هو خليط من شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وما استحسنه مالك من أواسط الأمور التي كان عليها الأئمة والمقصود بهم «أبو بكر وعمر وعثمان » وما اجتمع عليه الصحابة الذين رضي عنهم الخليفة أبو جعفر المنصور .
وليس فيه شيء من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تروى عن الأئمة الطاهرين من عترته ، والذين عاصر المنصور ومالك البعض منهم ، وعمل الخليفة عل عزلهم وخنق أنفاسهم .
* سادساً : يلاحظ أن أول كتاب كتب في تدوين السنة من أحاديث الصحابة والتابعين هو كتاب الموطأ للإمام مالك ، وكان يطلب من السلطة على لسان الخليفة نفسه لكي يحمل الناس عليه قهراً بضرب السيوف إن لزم ذلك كما صرح المنصور .
فلابد أن تكون تلك الأحاديث من وضع الأمويين والعباسين والتي تخدم مصالحهم وتقوي نفوذهم وسلطانهم ، وتبعد الناس عن حقائق الإسلام التي صدع بها نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم .
* سابعاً : نلاحظ بأن الإمام مالكاً ما كان يخشى إلا من أهل العراق لأنهم كانوا شيعة لعلي بن أبي طالب ، وقد تشبعوا بعلمه وفقهه وانقطعوا في تقليدهم للأئمة الطاهرين من ولده فلم يقيموا وزناً لمالك ولا لأمثاله لعلمهم بأن هؤلاء نواصب يتزلفون للحكام ويبيعون دينهم بالدرهم والدينار .
ولذلك قال مالك للخليفة : أصلح الله الأمير إن أهل العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرون في عملهم رأينا .
فيجيبه المنصور بكل غطرسة : يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طي ظهورهم بالسياط .
وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب « أهل السنة والجماعة » .
والأمر العجيب في كل ذلك أنك ترى أبا حنيفة يخالف مالكاً ، ومالكاً يخالفه ، والاثنين يخالفان الشافعي والحنبلي ، وهذان يختلفان ويخالفان الاثنين ، وليس هناك مسألة فيها اتفاق الأربعة إلا نادراً ، ومع ذلك فكلهم «أهل سنة وجماعة » . أي جماعة هذه ؟ مالكية ، أم حنفية ، أم شافعية ، أم حنبلية ؟ ؟ فلا هذا ولا ذاك ، وإنما هي جماعة معاوية بن أبي سفيان وهم الذين وافقوه على لعن علي بن أبي طالب وجعلوها سنة متبعة ثمانين عاماً .
ولماذا يسمح بالخلاف وتعدد الآراء والفتيا في المسألة الواحدة ويصبح خلافهم رحمة ما دام مقصوراً على المذاهب الأربعة ، فإذا خالفهم مجتهد آخر كفروه وأخرجوه عن الإسلام ؟
ولماذا لا يحمل خلاف الشيعة لهم كالخلاف فيما بينهم لو كانوا منصفين وعاقلين ؟
ولكن ذنب الشيعة لا يغتفر لأنهم لا يقدمون على علي أمير المؤمنين أحداً من الصحابة ، وهذا هو جوهر الخلاف الذي لا يتحمله « أهل السنة والجماعة » الذين اتفقوا على شيء واحد ألا وهو إقصاء علي عن الخلافة وطمس فضله وحقائقه .
* ثامناً : نلاحظ بأن الحكام الذين استولوا على أموال المسلمين بالقهر والقوة ، نراهم يوزعون هذه الأموال بسخاء على علماء السوء والمتزلفين إليهم لاستمالتهم وشراء ضمائرهم ودينهم بدنياهم .
قال مالك : ثم أمر لي بألف دينار عيناً ذهباً وكسوة عظيمة وأمر لابني بألف دينار .
فهذا ما اعترف به مالك على نفسه وقد يكون ما لم يحدث به أكثر من ذلك بكثير ، لأن مالكاً كان يشعر بالحرج من العطايا الظاهرة فكان لا يجب أن يراها الناس ، نفهم ذلك من قوله :
فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها كراهة احتمالها وتبرؤا من ذلك .
ولما عرف المنصور منه ذلك أمر الخصي أن يبلغها رحل أبي عبد الله مالك حتى لا يعرف الناس عنه ذلك .


____________________
(*) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة الجزء الثاني ص 150 .
(1) ولا تناقض بين فتواه بفساد بيعة الإكراه وفتواه بوجوب طاعة السلطان وقد رووا في ذلك أحاديث كثيرة أذكر منها على سبيل المثال : « من خرج على طاعة السلطان فمات على ذلك مات ميتة جاهلية » وكقولهم : « عليك بالسمع والطاعة ولو أخذ الأمير مالك وضرب ظهرك » .
(2) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 142 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page