• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إدعاء أن آية (السابقون الأوّلون) أوجبت لأبي بكر وأصحابه الجنّة، وردّه

فإن قال قائل: فإني أترك التعلق بالخبر عن النبي صلى الله عليه وآله بأن القوم في الجنة لما طعنتم به فيه، مما لا أجد منه مخلصا، ولكن خبروني عن قوله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم }(1).
أليس قد أوجب لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد جنات عدن، ومنع بذلك من تجويز الخطأ عليهم في الدين والزلل عن الطريق المستقيم، فكيف يصح القول مع ذلك بأن الإمامة كانت دونهم لأمير المؤمنين عليه السلام وأنهم دفعوه بالتقدم عليه عن حق وجب له على اليقين، وهل هذا إلا متناقض؟!
قيل له: إن الله سبحانه لا يعد أحدا بالثواب إلا على شرط الاخلاص والموافاة بما يتوجه الوعد بالثواب عليه، وأجل من أن يعري ظاهر اللفظ بالوعد عن الشروط، لما في العقل من الدليل على ذلك والبرهان.
وإذا كان الأمر على ما وصفناه، فالحاجة ماسة إلى ثبوت أفعال من ذكرت في السبق والطاعة لله تعالى في امتثال أوامره ظاهرا على وجه الاخلاص، ثم الموافاة بها على ما ذكرناه حتى يتحقق لهم الوعد بالرضوان والنعيم المقيم وهذا لم يقم عليه دليل، ولا تثبت لمن ذكرت حجة توجب العلم واليقين، فلا معنى للتعلق بظاهر الآية فيه، مع أن الوعد من الله تعالى بالرضوان إنما توجه إلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، دون أن يكون متوجها إلى التالين الأولين.
والذين سميتهم من المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام ومن ضممت إليهم في الذكر، لم يكونوا من الأولين في السبق، وإنما كانوا من التالين للأولين، والتالين للتالين.
والسابقون الأولون من المهاجرين، هم: أمير المؤمنين عليه السلام، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وخباب، وزيد بن حارثة، وعمار وطبقتهم.
ومن الأنصار النقباء المعروفون(2)، كأبي أيوب، وسعد بن معاذ، وأبي الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ومن كان في طبقتهم من الأنصار.
فأما أصحابك فهم الطبقة الثانية ممن ذكرناه، والوعد إنما حصل للمتقدمين في الإيمان دونهم على ما بيناه، وهذا يسقط ما توهمت.
ثم يقال له: قد وعد الله المؤمنين والمؤمنات في الجملة مثل وعد به السابقين من المهاجرين والأنصار، ولم يوجب ذلك نفي الغلط عن كل من استحق اسم الإيمان، ولا إيجاب العصمة له من الضلال، ولا القطع له بالجنة على كل حال.
قال الله عز وجل: { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم }(3).
فإن وجب للمتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام الثواب على كل حال، لاستحقاقهم الوصف بأنهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على ما ادعيت لهم في المقال، فإنه يجب مثل ذلك لكل من استحق اسم الإيمان في حال من الأحوال، بما تلوناه، وهذا ما لا يذهب إليه أحد من أهل الإسلام.
ويقال له أيضا: قد وعد الله الصادقين مثل ذلك، فقطع لهم بالمغفرة والرضوان، فقال سبحانه: { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم }(4).
فهل يجب لذلك أن يقطع على كل من صدق في مقاله بالعصمة من الضلال، ويوجب له الثواب المقيم، وإن ضم إلى فعله قبائح الأفعال؟!
فإن قال: نعم. خرج عن ملة الإسلام، وإن قال: لا يجب ذلك لعلة من العلل. قيل له في آية السابقين مثل ما قال، فإنه لا يجد فرقا.
ويقال له أيضا: ما تصنع في قول الله تعالى: { وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }(5)؟!
أتقول أن كل من صبر(6) على مصاب فاسترجع مقطوع له بالعصمة والأمان من العذاب، وإن كان مخالفا لك في الاعتقاد، بل مخالفا للإسلام؟!
فإن قال: نعم ظهر خزيه، وإن قال: لا يجب ذلك. وذهب في الآية إلى الخصوص دون الاشتراط، سقط معتمده من عموم آية السابقين، ولم يبق معه ظاهر فيما اشتبه به الأمر عليه في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وخطأ المتقدمين عليه حسب ما ذكرناه.
وهذا باب إن بسطنا القول فيه، واستوفينا الكلام في معانيه، طال به الخطاب، وفيما اختصرناه كفاية لذوي الألباب.
فإن قال في أصل الجواب أنه لا يجوز تخصيص السابقين الأولين، ولا الاشتراط فيهم، لأنه سبحانه قد اشترط في التابعين، وخصهم بقوله:
{ والذين اتبعوهم بإحسان }(7).
فلو كان في السابقين الأولين من يقع منه غير الحسن الجميل، لما أطلق الرضا عنهم في الذكر ذلك الاطلاق، واشترط فيمن وصله بهم من التابعين.
قيل له: أول ما في هذا الباب، أنك أوجبت للسابقين بهذا الكلام العصمة من الذنوب، ورفعت عنهم جواز الخطأ وما يلحقهم به من العيوب، والأمة مجمعة على خلاف ذلك لمن زعمت أن الآية فيه صريحة(8)، لأن الشيعة تذهب إلى تخطئة المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام، والمعتزلة والشيعة وأكثر المرجئة وأصحاب الحديث يضللون طلحة والزبير في قتالهم أمير المؤمنين عليه السلام، والخوارج تخطئ أمير المؤمنين عليه السلام وتبرأ منه ومن عثمان، وطلحة والزبير ومن كان في حيزهما، وتكفرهم بحربهم أمير المؤمنين عليه السلام، وولايتهم(9) عثمان بن عفان، فيعلم أن إيجاب العصمة لمن يزعم أن الله تعالى عناه في الآية(10) بالرضوان باطل، والقول به خروج عن الاجماع.
على أن قوله تعالى: { والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه }(11) ليس هو شرطا في التابعين، وإنما هو وصف للاتباع، وتمييز له من ضروبه التي لا يوجب شئ منها الرحمة والغفران، وهذا مما لا يبطل الخصوص في السابقين، والشرط في أفعالهم على ما ذكرناه.
مع أنا قد بينا أن المراد بالسابقين الأولين، هم الطبقة الأولى من المهاجرين والأنصار، وذكرنا أعيانهم وليس من المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام والمخالفين عليه من كان من الأولين، وإن كان فيهم جماعة من التالين، ولسنا ندفع ظاهر الأولين من القوم، وأنهم من أهل الثواب وجنات النعيم على عمومهم دون الخصوص، وهذا أيضا يسقط تعلقهم بما ذكروه في التابعين، على أنه لا يمتنع أن يكون الشرط في التابعين شرطا في السابقين، ويكتفى به بذكر السابقين للاختصار، ولأن وروده(12) في الذكر على الاقتران.
ويجري ذلك مجرى قوله تعالى: { والله ورسوله أحق أن يرضوه }(13)
وقوله تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم }(14).
ويقال له أيضا: أليس الله تعالى يقول: { كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين }(15).
وفي الأنفس من لم يرده، ولم يستثنه لفظا، وهم: الأطفال والبله(16) والبهائم والمجانين؟! وإنما يدل استثناؤهم لفظا(17) على استثناء أهل(18) العقول.
فبم ينكر أن يكون الشرط في السابقين مثل الشرط في التابعين، وأن اللفظ من ذكر السابقين موجود في التابعين؟ وهذا بين لمن تدبره.
على أن الذي ذكرناه في الخبر، وبينا أنه لا يجوز من الحكيم تعالى أن يقطع بالجنة إلا على شرط الاخلاص، لما تحظره الحكمة من الاغراء بالذنوب، يبطل ظنهم في تأويل هذه الآية، وكل ما يتعلقون به من غيرها في القطع على أمان أصحابهم من النار، للاجماع على ارتفاع العصمة عنهم، وأنهم كانوا ممن يجوز عليه اقتراف الآثام، وركوب الخلاف لله تعالى على العمد والنسيان، وقد تقدم ذلك فيما سلف، فلا حاجة بنا إلى الإطالة فيه.
ويمكن أيضا مما ذكرناه من أمر طلحة والزبير وقتالهما لأمير المؤمنين عليه السلام، وهما عند المخالفين من السابقين(19) الأولين، ويضم إليه ما كان من سعد بن عبادة، وهو سيد الأنصار ومن السابقين الأولين، ونقباء رسول الله صلى الله عليه وآله في السقيفة، ترشح(20) للخلافة، ودعا أصحابه إليه، وما راموه من البيعة له على الإمامة حتى غلبهم المهاجرون على الأمر، فلم يزل مخالفا لأبي بكر وعمر، ممتنعا عن بيعتهما في أهل بيته وولده وأشياعه إلى أن قتل بالشام على خلافهما ومباينتهما(21).
وإذا جاز من بعض السابقين دفع الحق في الإمامة، واعتقاد الباطل فيها، وجاز من بعضهم استحلال الدم على الضلال، والخروج من الدنيا على غير توبة ظاهرة للأنام، فما تنكر من وقوع مثل ذلك من المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام - وإن كانوا من السابقين الأولين(22) - وما الذي يعصمهم مما وقع من شركائهم في السبق والهجرة وغير ذلك مما تعدونه لهم في الصفات، وهذا مما لا سبيل إلى دفعه.
_______________
(1) سورة التوبة 9: 100.
(2) في أ: المقربون.
(3) سورة التوبة 9: 72.
(4) المائدة 5: 119.
(5) سورة البقرة 2: 155 - 157.
(6) في ب: أتقول إن كان من خبر.
(7) سورة التورة 9: 100.
(8) (صريحة) ليس في أ، ب، ح.
(9) في م: وتوليتهم.
(10) (في الآية) ليس في ب، ح، م.
(11) سورة التوبة 9: 100.
(12) (وروده) ليس في ب، ح، وفي أ: الجميع.
(13) سورة التوبة 9: 62.
(14) سورة التوبة 9: 34.
(15) سورة المدثر 74: 38، 39.
(16) البله: جمع أبله: ضعيف العقل. " مجمع البحرين - بله - 6: 343 ".
(17) (وهم الأطفال.. لفظا) ليس في أ.
(18) (أهل) ليس في أ، ب، ح.
(19) في ب، ح، م: التابعين.
(20) في ب: توشحه.
(21) أنظر تفصيل ذلك في: الكامل في التاريخ 2: 331، الطبقات الكبرى 3: 616، أسد الغابة 2: 284.
(22) (وإن.. الأولين) ليس في ب، ح، م.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page