منذ اليوم الذي انفصلت الاقلية الشيعية عن الاكثرية السنية , كانت الشيعة تقيم الاحتجاج مع مخالفيها في النظريات التي كانت تتبناها, والخاصة بها.
صحيح ان الاحتجاج ذو طرفين , والمتخاصمان شريكان في دعواهم , ولكن الشيعة كانت تقف موقف الـهجوم , والاخرون كانوا في موقف الدفاع , فالذي يقف موقف الهجوم يجب ان يكون قد هيا الوسائل الكافية للمخاصمة , ومن ثم الاقدام والهجوم .
وكـذا فـي التقدم الذي حظيت به المباحث الكلامية بصورة تدريجية , في القرن الثاني واوائل القرن الثالث , فقد وصل في رقيه الى القمة مع انتشار مذهب الاعتزال ,فعلما الشيعة ومحققوهم , والذين هم تلاميذ مدرسة اهل البيت (ع ), كانوا في المقدمة من المتكلمين .
فـضـلا مـن ان متكلمي اهل السنة , من الاشاعرة والمعتزلة وغيرهم , يصلون في تدرجهم هذا الى الامـام الاول للشيعة , وهو الامام علي (ع ), واما اولئك الذين عرفواآثار الصحابة , واطلعوا عليها, يعلمون جيدا ان من بين جميع هذه الاثار التي تنسب الى الصحابة , (وقد دونت اسما اثنى عشر الفا) لـم نـجد اثرا واحدا يشتمل على التفكرالفلسفي وينفرد الامام علي (ع ) بخطابه وبيانه المبهر في معرفة اللّه تعالى , بانه يتصف بالتفكيرات الفلسفية العميقة جدا.
لـم تـكـن للصحابة ولا التابعين الذين جاؤوا بعد الصحابة , والعرب بصورة عامة في ذلك اليوم , اية مـعـرفـة بـالـتفكر الفلسفي الحر, ولم نجد في اقوال العلما في القرنين الاولين للهجرة , نماذج من الـتـدقـيق والتتبع , بينما نجد الاقوال الرصينة لائمة الشيعة ,وخاصة الامام الاول والثامن , تحتوي على كنوز من الافكار الفلسفية , كما علمواتلاميذهم هذا اللون من التفكير.
نـعـم كـان الـعـرب بعيدين عن التفكر الفلسفي , حتى شاهدت نموذجا منها في ترجمة بعض الكتب الـفـلـسـفية اليونانية , المترجمة الى العربية في اوائل القرن الثاني للهجرة , وبعدها, ترجمت كتب مـتـعـددة فـي اوائل الـقـرن الثالث الهجري من اليونانية والسريانية وغيرها الى العربية , وآنذاك اصـبـحـت طريقة التفكر الفلسفي في متناول ايدي العموم , ومع هذا الوصف , فان الكثيرين من الفقها والمتكلمين , لم يبدوا اهتمامابالفلسفة وسائر العلوم العقلية , والتي وردت اليهم حديثا, وان كانت هذه الـمـخـالـفـة في بداية الامر ذات اهمية , بفضل الالتفات الخاص الذي كانت تبديه السلطة الحاكمة آنذاك لمثل هذه العلوم .
ولـكن بعد زمن تغيرت الاوضاع والاحوال , فمنعت دراسة هذه العلوم , والقي في البحر بعض الكتب الـفلسفية , وما كتاب رسائل ((اخوان الصفا)) وهو من نتاج فكري لعديد من مؤلفين , الا مذكر بتلك الـفـتـرة , فـهو خير دليل على كيفية الاوضاع المضطربة في ذلك الزمن , وبعد هذه الفترة , اي في اوائل الفرن الرابع الهجري , ظهرت الفلسفة ونمت , على يد ((ابى نصر الفارابي )).
وفـي اوائل الـقـرن الـخامس للهجرة , واثر مساعي الفيلسوف المشهور ((ابي علي سينا)) اتسعت الـفلسفة اتساعا بالغا, وفي القرن السادس ايضا, نقح الشيخ ((السهروردي )) فلسفة الاشراق , وقد قـتل بهذه التهمة , و بامر من الحاكم ((صلاح الدين الايوبي )) وبعدها ارتحلت قصة الفلسفة من بين الكثيرين , ولم ينبغ فيلسوف شهير,حتى جا القرن السابع الهجري فظهر في ((الاندلس )) اطراف الممالك الاسلامية , ((ابن رشد الاندلسى )) وسعى في تنقيح الفلسفة .
مدى قدم الشيعة في التفكر الفلسفي والكلامي في الاسلام
- الزيارات: 2269