كـل مـا يـقـوم بـه الانـسان من فعل , يعتبر ظاهرة من ظواهر عالم الخلقة , ويرتبطتحققه كسائر الـظـواهر بالعلة ارتباطا كاملا, وبما ان الانسان هو جز من عالم الخلقة ,ويرتبط مع سائر الاجزا الاخرى من العالم , فانها بدورها تؤثر في افعال الانسان .
وعـلى سبيل المثال , فان قطعة الخبز التي يريد الانسان تناولها, يستلزم الوسائل كاليد والفم والعلم والقدرة والارادة , ويستلزم ايضا وجود الخبز في الخارج , وفي متناول يده , وعدم المانع والحاجز, وشروط اخرى , من زمان او مكان , ومع فقدان احداها يتعذر تحقق الفعل , ومع تحقق كل تلك العوامل (تحقق العلة التامة ) فان تحقق الفعل ضروري .
وكـمـا اشرنا آنفا, فان ضرورة الفعل بالنسبة الى مجموع اجزا العلة التامة تعتبرنسبة امكان , ولا يتنافى مع نسبة الفعل الى الانسان الذي هو احد اجزا العلة التامة .
ان الانـسـان لـه اخـتيار الفعل , وضرورة نسبة الفعل الى مجموع اجزا العلة , لايستلزم الضرورة بالنسبة الى فعل بعض من اجزائها وهو الانسان .
والادراك البسيط للانسان يؤيد هذا القول , فاننا نراه يميز بحكم الفطرة الالهية المودعة لديه , يمى ز بـين الاكل والشرب , والذهاب والاياب , وبين الصحة والسقم ,والكبير والصغير, والقسم الاول الـذي يـرتـبط بارادة الانسان ارتباطا مباشرا, يعتبر من ارادة الشخص , فيحاسب في مواضع الامر والنهي والمدح والذم , خلافا للقسم الثاني ,الذي يترتب فيه تكليف على الانسان .
كان في صدر الاسلام , لاهل السنة , مذهبان معروفان بالنسبة الى افعال الانسان ,ففريق كان يرى ان افـعـال الانسان متعلقة بارادة اللّه تعالى لا تخلف فيها, فكان يدعي ان الانسان مجبور في افعاله , ولا اثر لما يمتاز به من اختيار وارادة , والفريق الاخر,كان يدعي ان الانسان مستقل في افعاله , وليس له ارتباط بارادة اللّه سبحانه , ويعتبرونه خارجا عن حكم القدر.
ومـما يروى عن اهل البيت (ع ): وهو مطابق مع ظاهر تعاليم القرآن , ان الانسان مختار في افعاله , لـيس بمستقل , اذ ان اللّه تعالى قد اراد الفعل عن طريق الاختيار, وهذاما عبرنا عنه سابقا, ان اللّه سـبـحـانه , اراد الفعل عن طريق مجموع اجزا العلة التامة ,والتي احداها ارادة الانسان , واصبحت ضـرورة , وفـي الـنتيجة , ان مثل هذا الفعل الذي يرتبط بارادة اللّه تعالى ضروري , والانسان ايضا مـخـتـار فـيـه , اي ان الفعل يعتبر ضروريابالنسبة الى مجموع اجزا علته , ولكنه اختيار وممكن بالنسبة الى احد اجزائه وهوالانسان .
والامام السادس (ع ), يقول : ((لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين )).
الانسان والاختيار
- الزيارات: 2397