التاريخ: ٢٠٠٩/٠٩/١٥
السلام عليكم أخوة الإيمان وتقبل الله أعمالكم وصيامكم معكم في حلقةٍ أخری من برنامجكم هذا نتوقف فيه وقفة تأميلة عند أخر الآيات الواردة في سورة البقرة فيما يرتبط بأحكام فريضة الصوم في شهر رمضان، وبالتحديد في المقطع الأول منها حيث يقول عزوجل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ. فما الذي يحتويه هذا المقطع من دروس فريضة الصوم المباركة؟
ذكر المفسرون أن هذه الآية المباركة نزلت مستقلة عن الآيات الأربعة السابقة لها والمرتبطة بتشريع عبادة الصوم في شهر رمضان المبارك.
كما ذكرت الروايات أن أمر مباشرة العيال المذكور فيها كان محرماً طوال شهر رمضان في أيامه ولياله؛ كما أن الأكل والشرب كان محرماً علی من نام بعد صلاة العشاء ثم إستيقظ أي أن فرصة الأكل والشرب كانت محصورة بين أذان صلاة المغرب الی أن ينام الإنسان، فإن نام ولم يفطر ثم إستيقظ لم يجز له تناول شيء الی غروب الشمس من اليوم التالي أي أن تناول طعام السحور لم يكن يومذاك.
ثم جاءت هذه الآية الكريمة لتنفي كلا الحكمين وتشرع حكمين جديدين، الأول جواز المباشرة في ليالي الصيام والثاني إباحة الأكل والشرب في ليالي شهر رمضان الی حلول الفجر وذلك رأفة من الله عزوجل بعباده وبيان لحقيقة أن الله عزوجل لم يشرع لعباده العبادات الشاقة والرياضات المشددة التي تطيل حرمانه من التنعم بنعم الله عزوجل.
وتقرر الآية الكريمة حقيقة من حقائق الخلق فيما يرتبط بأمر المباشرة حيث يقول الله عزوجل: «هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ».
فهنا نجد في الواقع تنبيه الی أن علی المؤمنين الإلتفات الی أن أمر المباشرة هذا ينبغي أن لا يكون مطلق العنان ويكون بدافع الإستجابة المطلقة للشهوات، بل ينبغي أن يكون مقيداً بحدود التنعم بهذه النعمة من أجل تحقيق الإستقرار النفسي وأن تكون ستراً للمؤمنين والمؤمنات من الإضطرابات الناتجة من الحرمان من المباشرة ومن الوقوع في المعاصي.
أما بالنسبة لقوله جل جلاله «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» فهذا القول يشتمل علی عدة دروس ضمنية أهمها أن الله عزوجل ولعظيم رأفته ورحمته تاب وعفی عن الذين لم يستطيعوا الإلتزام بالإمتناع عن المباشرة طوال شهر رمضان، وأحاطهم بالتوبه قبل أن يطلبوها منه وأجاز لهم المباشرة.
أما الدرس الثاني فهو الذي يشتمل عليه قوله عزوجل «وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» ففيه إشارة لطيفة الی ضرورة أن يكون إبتغاء التنعم بالنعم الإلهية في إطار ما كتب الله لعباده من ضوابط تجعل هذا التنعم في إطار الإعتدال الذي يضمن السلامة النفسية وتحول هذه النعمة الی وسيلة لحمد الله وشكره والتقرب إليه عزوجل بهذا الحمد والشكر.
آيات الصائمين (الحلقة ٢٣ )
- الزيارات: 3968