التاريخ: 2009/09/22
نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله): القلب يموت: کالزرع اذا کثر عليه الماء.
دلالة الحديث
هذا الحديث من ابرز او اشد الاحاديث تعبيراً عن القلب وما يترتب عليه من الاثر في حالة ما اذا لم نحسن کيفية التعامل مع طبيعته التي خلق الله تعالی ولعل التلقي لهذا الحديث يتئقف في البدايه ليتساءل عن دلالته اولاً، اي: ماذا يهدف اليه الحديث من موت القلب وصله ذلک بالزرع؟
طبيعياً، ان موت القلب هو رمز لما يمکن تسميته بالقساوة، او عدم نبضه بما هو انساني وبما هي قيم وبما هو خير في نهاية المطاف.
طبيعيا ايضاً: ان الخير قد ينسحب علی ما هو انساني في نطاق محدود، وينسحب - وهذا ما نستهدف الاشارة اليه - علی ما هو سلوک عبادي، او روحي اوتقوائي، في نطاق اللغة الاسلامية التي تعنی بها بطبيعة الحال.
والسؤال الان هو: ان القلب سيتسم بالقساوة، بالموت، قبلاً يتوقف النبض الانساني اذا کثر عليه الماء ولکن ما هو الرمز الکامن وراء عبارة (اذا کثر عليه الماء)، اي: الزرع وصلته بالماء، وصلة ذلک بالقلب؟
بلاغة الحديث
ان الذهن ليتداعی من عبارة (کالزرع اذا کثر عليه الماء)، يتداعی الی کثرة الطعام، بمعنی: ان الانسان اذا تناول من الطعام اکثر من الحاجة التي تسد رمقه او تزيح توتر المعده عضليا، حينئذ فان الطعام المذکور ينعکس اثره علی القيم الروحيه لدی الانسان، فيموت قلبه او يتلاشی نبضه الانساني ويتحول الی انسان همه بطنه، او الی حيوان همه علفه.
اذن جاء هذا الرمز اوالتشبيه، يعني: تشبيه کثرة الطعام بکثرة الماء بالنسبه الی الزرع من التشبيهات الفائقة المتسمة ببلاغة لها طرافتها وعمقها ولا نحسب ان احدا يمکنه ان يتعمق في دلالة کثرة الطعام وانعکاساته اکثر من الالتفات الی الزرع وملاحظة کيفية موته اذا کثر عليه الماء وبالمقابل اذا عدم اساساً وجود الماء، وهذا ماينسحب علی الانسان في حالة ما اذا امتنع عن الطعام، اذن الامتناع او الکثرة (وهما متضادان) يعکسان اثرهما علی الانسان، حيث يموت في الحالة الاولی بدنيا، ويموت في الحاله الثانية روحياً.
**********
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir