قال صاحب الملل والنحل (1) : و[ أما ] الإختلافات (2) في الأصول فحدث (3) في أواخر (4) أيام الصحابة من (5) معبد الجهني (6) ، وغيلان الدمشقي (7) ، ويونس الأسواري (8) ، في إنكار القول بالقدر ، وإضافة (9) الخير والشر اليه تعالى (10) ، ونسج على منوالهم واصل بن عطاء الغزّالي (11) وكان تلميذ الحسن البصري (12) .. ثم اعتزل عنه بالقول بـ : المنزلة بين المنزلتين ؛ فسمّوا بذلك : معتزلة ، ومذهبهم في الأصول بالتوحيد والعدل ، وكون أفعال العباد منهم لا من الله تعالى ، وأن المعارف كلها (13) عقلية حصولا ووجوبا قبل الشرع وبعده ، ومذهبهم في الإمامة تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على (14) علي عليه السلام .
وأصل الإعتزال من (15) واصل بن عطا ، ثم افترقوا بعد ذلك الى سبعة عشر فرقة ـ ذكرهم صاحب الملل والنحل (16) ـ ثم استمر زمان المعتزلة من زمان عبدالملك بن مروان الى زمان المقتدر بالله العباسي (17) قريب مأتي سنة ، ثم ظهر أبو الحسن الأشعري (18) ، وكان تلميذا لأبي علي الجبائي من شيوخ المعتزلة (19) ، ثم أعرض عنه وانحاز (20) الى الكلابية أصحاب عبد الله بن سعيد الكلابي (21) ، واختار مذهبه في اثبات الصفات ، وإثبات القدر خيره وشره من الله تعالى (22) ، وأبطل القول بتحسين العقل وتقبيحه ؛ لأن (23) العقل لا يوجب المعارف بل السمع ، وأن المعارف تحصل بالعقل وتجب بالسمع ، ولا يجب على الله شيء بالعقل ، والنبوات من (24) الجائزات العقلية والواجبات السمعية (25) ..
وأكثر أهل العصر اليوم على هذا المذهب ، وهم يكفّرون المعتزلة ، والمعتزلة يكفّرونهم (26) ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « القدرية مجوس هذه الأمة » (27) .
فالمعتزلة (28) يقولون : القدرية هم (29) الأشاعرة ، والأشاعرة يقولون : القدرية هم المعتزلة .
____________________________
(1) الملل والنحل 1|30 .
(2) في نسخة ( ألف ) وكذا نسخة (ر) : والإختلاف .
(3) في نسخة ( ألف ) : حدث ، وفي الطبعة الحجرية : والإختلافات حدث .. وفي المصدر : فحدثت ! وفي (ر) : والإختلاف جرى ..
(4) في المصدر : آخر .
(5) في الملل والنحل : بدعة ، بدلا من : من .
(6) هو معبد بن خالد الجهني البصري ، قيل : هو أول من تكلم في القدر .
قال أبو حاتم : قدم المدينة فافسد فيها ناسا .
وقال الدار قطني : حديثه صالح ومذهبه رديء .
وقال محمد بن شعيب الاوزاعي : أول من نطق بالقدر رجل من أهل العراق يقال له ( سوسن ) كان نصرانيا فأسلم ، ثم تنصّر ، أخد عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد ، قتله عبدالملك بن مروان ، أو الحجاج سنة 80 .
لاحظ : العبر : 1|68 ، تهذيب التهذيب : 10|203 ، الفرق بين الفرق : 117 ـ 118 .
وجاء الإسم في مطبوع الكتاب : مفيد الجهني ، وهو سهو .
(7) هو أبو مروان غيلان بن مسلم ، أخذ القول في القدر عن معبد الجهني في عهد عمر بن عبدالعزيز ، وهو ثاني من تكلم في القدر ، قيل : جيء به الى عمر بن عبد العزيز وأستتابه ، ثم قتله هشام بن عبد الملك . تنسب إليه فرقة الغيلانية من القدرية .
وفي لسان الميزان : أنه ضال مسكين .
انظر : الملل والنحل : 1|35 [ 1|227 طبعة مكتبة الحسين ] ، لسان الميزان : 4|424 ، المعارف : 625 [ صفحة : 212 ] ، الفرق بين الفرق : 20 ، طبقات المعتزلة : 25 ـ 27 ، عيون الأخبار 2|345 .. وغيرها .
(8) قيل : هو أول من تكلم بالقدر وكان بالبصرة ، فأخذ عنه معبد الجهني ، ذكره الكعبي في طبقات المعتزلة ، وذكر أنه كان يلقب بـ ( سيبويه ) . لاحظ : لسان الميزان : 6|335 .
(9) نسخة ( ألف ) وفي الطبعة الحجرية : وإنكار اضافة ..
(10) في الملل والنحل المطبوع : .. في القول بالقدرة وإنكار إضافة الخير والشر الى القدرة .. ويظهر منها سقوط كلمة : ( إنكار ) الأولى .
(11) كذا ، وفي المصدر : غزال ، وهو الصواب ، وهو من أصحاب أبي حذيفة البصري المتكلم ، ولد بالمدينة سنة ثمانين ، ومات في سنة إحدى وثلاثين ومائة ، وقال عنه المسعودي : وهو قديم المعتزلة وشيخها وأول من أظهر القول بـ : المنزلة بين المنزلتين ! وكان يجلس في سوق الغزّالين فلقب لذلك بـ : الغزّال . انظر : لسان الميزان 6|214 .
أقول : قد أخذ قولته هذا من صادق آل محمد صلوات الله عليه وآله .
(12) هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري ، مولى زيد بن ثابت الأنصاري ، إمام أهل البصرة ، ولد سنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب ، وتوفي في سنة مائة وعشر .
انظر : العبر : 1|136 ، تهذيب التهذيب : 2|263 ، هامش الفرق بين الفرق : 20 ، الملل والنحل : 1|30 .
ثم إنه من هنا الى ما بعده نقلا بالمعنى عن المصدر .
(13) لا توجد كلمة : كلها .. في الطبعة الحجرية .
(14) جاءت الواو في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية ، بدلا من : على ، وهو سهو .
(15) في الطبعة الحجرية : عن ، وهو خلاف الظاهر .
(16) الملل والنحل : 1|36 [ 1|43 وما بعدها ] نقلا بالمعنى .
(17) في نسخة ( ألف ) و (ر) : من العباسية .
(18) أبو الحسن علي بن إسماعيل الاشعري ، هو من ذرية ابي موسى الأشعري ، مولده سنة سبعين ، أو ستين ومائتين بالبصرة ، توفي سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة ودفن ببغداد ، وكان أبو الحسن الأشعري أولا معتزليا ، ثم تاب من القول بالعدل والقول بخلق القرآن ويعد مؤسس مذهب الأشاعرة ، وله كتاب اللّمع ، والموجز وكتب أخر . لاحظ : البداية والنهاية 11|187 ، اللباب 1|52 ، طبقات الشافعية 2|245 وفيات الأعيان : 3|284 برقم 429 [ 1|326 ] وغيرها .
(19) هو : أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان الجبائي [ جبّى : بضم الجيم وتشديد الباء وهي بلد من أعمال خوزستان ] شيخ المعتزلة وأبو شيخها عبد السلام ، إليه تنسب الطائفة الجبائية ، ويعد هذا عنده ؛ الذي سهل علم الكلام ويسّره وذلّله ، توفي سنة 303 .
لاحظ : العبر : 1|445 ، طبقات المعتزلة : 80 ـ 85 ، وفيات الأعيان : 4|267 برقم 607 [ 1|480 ] ، البداية والنهاية 11|125 ، اللباب 1|208 ، وغيرها .
(20) في الطبعة الحجرية : انحار .
(21) هو : عبدالله بن سعيد الكلابي القطان المتوفى سنة 245 هـ يقال له : ابن كُلاب ، أحد المتكلمين في أيام المأمون ، ذكره الخطيب ضياء الدين والد الإمام فخرالدين في كتاب ( غاية المرام في علم الكلام ) ، وذكره إيضا ابن النجار ، فنقل عن محمد بن إسحاق النديم في الفهرست ، فقال : كان من الحشوية ... ، وعلى طريقته مشى الأشعري . راجع : لسان الميزان : 3|290 ، فهرست النديم : 180 ، الأعلام 4|90 وغيرها .
وفي الطبعة الحجرية : بن أبي سعيد . وهو سهو .
أقول : قد تعد الكلابية تارة من فرق المشبهة الحشوية ، وأخرى من المجبرة ، انظر عنها :
مذاهب الإسلاميين ، للدكتور عبد الرحمن بدوي 1|165 ـ 473 ، ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ؛ للدكتور علي سامي النشار 1|296 ، وشرح الأصول الخمسية ؛ للقاضي عبد الجبار بن أحمد : 183 ـ 527 ، وفرهنگ فرق اسلامى فارسى ؛ للدكتور محمد جواد مشكور : 368 ، وسير أعلام النبلاء ؛ لشمس الدين محمد الذهبي 11|174 ، وترجمه فهرست ابن نديم : 337 ترجمه رضا تجدد ، ومقالات الإسلاميين ؛ لعلي بن إسماعيل الأشعري 1|229 ـ 230 ، 1|245 ـ 246 ، و 2|202 ، وتبصرة العوام ؛ للسيد مرتضى بن داعي حسني رازى : 108 ـ 163 ، ومعجم الفرق الإسلامية ؛ لشريف يحيى الأمين : 200 ، ودائرة المعرف بزرگ اسلامى فارسى 4|519 ، ومذاهب الإسلاميين 1|165 ـ 473 ، وموسوعة الفرق الإسلامية : 427 .. وغيرها .
(22) الملل والنحل : 1|93 ، لسان الميزان : 3|290 .. وغيرهما .
(23) في نسخة ( ألف ) و (ر) : وإن .
(24) لاتوجد : من ، في الطبعة الحجرية .
(25) الملل والنحل : 1|101 .
(26) في الحجرية : يكفّرهم ، وفي نسخة ( ألف ) و (ر) : تكفّرهم ، وفي سائر النسخ : يكفروهم .
(27) الملل والنحل : 1|43 ، سنن أبي داود : 2|222 حديث 4691 ، وقد نقل الحديث معكوسا برقم 4692 . قال في البحار 5|67 : .. ورد بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : « القدرية مجوس أمتي » .
قال العلامة المجلسي في بحاره 2|303 : يطلق القدرية على المجبرة والمفوضة المنكرين لقضاء وقدره .
وفي 5|5 ـ 6 منه قال : اعلم أن لفظ القدري يطلق في أخبارنا على الجبري وعلى التفويض .. الى آخره . وفيه وفي غيره روايات ذامة كثيرة لا ثمرة في إحصائها هنا .
(28) في نسخة (ر) : واو ، بدلا من الفاء .
(29) لا توجد : هم ، في الطبعة الحجرية .
في الإختلاف في الأصول
- الزيارات: 3161