طباعة

ضرورة استقاء المعلومات

ان من جملة واجبات الانسان المسلم اليوم، والعالم الاسلامي يتسع ومشاكله تزداد، معرفة اخوانه المسلمين. فالمعلومات يحب ان تنتشر الآن بين المسلمي، لان هذه المعلومات هي التي تمثل سلاح الانسان المستضعف ضد المستكبر. فينبغي - اذن - على كل مستضعف ان يمتلك المعلومات الكافية، ولذلك يؤكد النبي صلى الله عليه وآله على ان طلب العلم، وقد جعله فريضة على كل انسان مسلم دون استثناء، ولم يقصدها على الفقهاء او على نخبة معينة اخرى من الامة .

ونحن - للاسف الشديد - لانعرف اين يعيش اخواننا المسلمون، وكيف يعيشون، وماذا يجري على شعوبنا، وماهي اساليب الاستكبار العالمي ازاءهم، وماهي المؤامرات والاساليب التي يستخدمونها في الخداع و التضليل، والدسائس التي يحوكونها ضدنا ... كل ذلك نجهله، فكيف نتوقع ان نقاومهم، ونتحرك نحو الوحدة الاسلامية؟!

ولذلك فاني اوصي المسلمين جميعاً ان يخصصوا جزء هاماً من اوقاتهم،

للتعـرف على اخوانهـم في العالم من خـلال الجرائد والمجلات، والاتصالات الشخصية عبر السياحة والسفر. وموسم الحج خير فرصة لذلك. لذا يجدر بالمسلم عندما يذهب الى الحج، ان لا يكون همّه التفتيش عن الامتعة والبضائع الجديدة، بل يتعين عليه ان يحاول جاهدا اقامة جسور العلاقات مع اخوانه مهما كانت انتماءاتهم، وان يتعرف على احوالهم وافكارهم وتجاربهم في الحياة. فليس من الهين ان يجتمع مليون انسان في مكان واحد يمثلون مجموعة مختارة من صفوة المؤمنين في جميع ارجاء العالم الاسلامي.

« وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » (الحج/27)

ففي الطريق الى الديار المقدسة يعاني هؤلاء الكثير من المشاكل والصعوبات، ومع ذلك فانهم يتوجهون لاداء فريضة الحج برحابة صدر ورضى، لان تلك الصعوبات والمشاكل تعمل على امتصاص سلبياتهم، وتزيل من التصاقهم بالمادة، وتبلور شخصياتهم، وتلغي الفوارق بينهم، وتزودهم بالنقاء الروحي، فيتجهون -بالتالي- الى الله جل وعلا وحده.

ولو ان هذا العدد الهائل من المسلمين اتصلوا ببعضهم ، واستقى بعضهم من البعض الآخر المعلومات والخبرات، ثم عادوا الى بلادهم محملين بهذه المعلومات القيمة، فكم ستكون هذه المعلومات ذات آثار ايجابية بناءة على مستقبل البلدان الاسلامية. لان هؤلاء الحجاج عندما يعودون الى بلدانهم سوف يشرحون لاخوانهم هناك المعلومات التي حصلوا عليها من اخوانهم المسلمين في مختلف انحاء العالم، الامر الذي سيؤدي الى ان يتعرف المسلمون على بعضهم البعض، وبالتالي فان الشعور بوحدة المصير والهدف سيسود بينهم .

الشعور السائد في الحج :

فانك عندما تلتقي بالحاج هناك، فانك سوف لاتشعر انك قادم من آسيا وهو من افريقيا مثلاً، وانك أبيص وهو أسود.. بل يسودك الاحساس بانكما حاجان تلتقيان بعيدا عن جيمع الفوارق والحواجز. وعلى الحجاج ان يستغلوا هذه الحالة المعنوية التي تسودهم في الحج، لكي يلتقوا بسائر اخوانهم المسلمين ، ويتعرفوا على ما يعانونه من مشاكل في بلدانهم ، وليشرحوا لهم - هم بدورهم - اوضاعهم ، ومشاكلهم.. فلابد من ان ينفتح الانسان المؤمن على أخيه المؤمن ليتعاونا معا، من اجل حل مشاكلهما .

ان الانسان المسلم الذي يأتي من اقصى الارض، وذلك الذي يعيش في مكّة، هما سـواء في هذا البيت الـذي جعله الله لجميع المسلمين دون فرق، كما يقول تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» (الحج/25).

من منافع الحج :

ثـم يقـول عـز وجـل: « وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ

أَلِيمٍ * وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ » (الحج/25-28) .

وهذه المنافع التي يشير اليها الله تقدست اسماؤه، لا تقتصر بالتأكيد على الذبائح في منى ، بل تشمل ايضاً منافع المسلمين ومصالحهم، لانه تعالى يقول : « لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ » .

ومن المعلوم انه كلمة (الشهادة) تختلف عن كلمة العلم والمعرفة ، لان الشهادة هي وعي عميق. فعندما تقول : اشهد ان لا اله الا الله. فان هذا يعني انك قد وصلت في علمك الى مرحلة الشهادة ، والعلم الحضوري - إن صح التعبير - .

ثم يضيف سبحانه، مشيراً الى منافع وفوائد اخرى ترتجى من وراء الحج : « وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » (الحج/28-29) .

فالحج يعمل على تطهير نفوس المسلمين من الادران والنفايات والرواسب التي علقت بهم، لكي يصلوا الى مرحلة النقاء والصفاء والطهارة والتزكية، وشكر الله تعالى على رزقه اياهم وتوفيره النعم لهم، ولكي يدفعهم الحج الى الرفق بالانسان الفقير، وتقديم العون والمساعدة لـه .. لكي تسود الوحدة والانسجام بين الشعوب والمجتمعات الاسلاميـة ، ويحدث التعارف بينهم ويسهموا في بناء حضارتهم الاسلاميـة.