إنّ رسول الله ( ص ) قدم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( ع ) على جميع الصحابة ، وحتى على أبي بكرٍ وعمر وعثمان ، في موارد كثيرة ، وأعلم الناس بفضله وتقدّمه وأولويّته وقربه .
منها : في الدعوة لأكل الطير معه .
ومنها : في توليته في فتح خيبر .
ومنها : في أداء البراءة .
ومنها : في غدير خُم .
ومنها : في المؤاخاة لنفسه .
ومنها : في غزوة الخندق . وفي موارد أخر .
كما إنّ رسول الله ( ص ) قدّم أسامة على رؤوس المهاجرين والأنصار وأمّره عليهم ، وقال في جواب اعتراضهم : إن طعنتم في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل ، وايمَ الله ، إن كان لَخليقاً للإمارة ، وان كان لمن أحبّ الناس إليّ .
إنّ الناس لم يتمكّنوا من الطعن في عليّ ( ع ) زمان حياة رسول الله ( ص ) ؛ لشدّة قربه منه ولعظمة مقامه عنده ، وكونه أحبّ الناس إليه ، وأنّه أخوه وابن عمّه وصهره ، بل وكنفسه ، كما في الآية الكريمة : ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) ، وقوله ( ص ) : إنّ علياً منّي وأنا منه ، وأنا وأنت من شجرة واحدة ، ما دعوت لنفسي بشيء إلاّ دعوت لك بمثله . وقال ( ص ) : لا تشكوا عليً ؛ فإنّه لأخشن في ذات الله من أن يُشكى ، ومن عصى علياً فقد عصاني ، ومن آذى علياً فقد آذاني . وما يقرب منها .
ثّم إذا ارتحل رسول الله ( ص ) فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا وطعنوا ما طعنوا ، آذوا عِترة رسول الله ، وخالفوا أهل البيت ، بل عادوهم وأبغضوهم وفارقوهم ، ودعوهم إلى البيعة والطاعة والخضوع ، وأخذوا ما في أيديهم ، وأمالوا الناس عنهم ، حتى قال بعضهم : والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة . وقال سلمان : كرداد ونا كرداد ، أي : عملتم وما عملتم . لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .
في مسند أحمد : قال رسول الله ( ص ) : لَيردنَّ عليّ الحوض أقوام فإذا رأيتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربِّ ! أصحابي ، أصحابي ! فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك . (1)
والعجب من هؤلاء الرجال كيف نسوا في مدّة قليلة ما قال رسول الله ( ص ) :
إنّما فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني .
وأنّ الله يغضب لغضب فاطمة .
ويؤذيني ما آذاها . ومن آذى رسول الله فقد حبط عمله .
وإذا دخلت عليه قام إليها واخذ بيدها وقبّلها ، وأجلسها في مجلسه .
أنا الشجرة وفاطمة فرعها ، وروايات آخر .
فهؤلاء أحدثوا ، وأبدعوا ما أبدعوا ، وظهرت الفتن ، واستترت الحقائق ، وانكسفت شموس المعرفة ، وشاعت الآراء والأهواء المختلفة ، إلى أن قال عليّ ( ع ) : أما والله لقد تقمّصها فلان وأنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً ، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخيّة عمياء . (2)
اللّهمّ إنّا خرجنا نشكوا إليك فقد نبيّنا ، وتظاهر الزمان علينا ، وكثرة توارد الفتن علينا ، وشدّة المحن المستصعبة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 400 ، وقريباً منها : ص 393 .
2 ـ نهج البلاغة ، خطبة 4 .
تقديم عليّ بن أبي طالب ( ع )
- الزيارات: 2656