هذا أوّل مقام المبارزة في تاريخ الإسلام ، وفي هذه المبارزة كان عليّ (ع) وحيداً ، وقد ثبت واستقام وشرى نفسه في نجاة رسول الله (ص) وسلامته ، وفي نجاته رضوان الله تعالى ، وهذا أوّل القدم وآخر القدم .
إمتاع الأسماع : فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول الله (ص) يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه . فلما رآهم (ص) أمر علي بن أبي طالب (رض) أن ينام على فراشه ويتّشح ببرده الحضرمي الأخضر وأن يؤدّي عنه ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك ، فقام عليّ مقامه وغُطيَ ببرد أخضر ، فكان أوّل من شرى نفسه ، وفيه نزلت ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) . (1)
مستدرك الحاكم : عن ابن عباس قال : شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبيّ (ص) ثمّ نام مكانه ، وكان المشركون يرمون رسول الله (ص) وقد كان رسول الله (ص) ألبسه برده وكانت قريش تريد أن تقتل النبيّ (ص) ، فجعلوا يرمون علياً ويرمونه النبيّ (ص) وقد لبس برده ، وجعل علي (رض) يتضوّر ، فإذا هو عليّ ، فقالوا : إنّك للئيم إنك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر ولقد استنكرناه منك . (2)
ويروي أيضاً : عن عليّ بن الحسين قال : إنّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله عليّ بن أبي طالب ، وقال عليّ عند مبيته على فراش رسول الله (ص) :
وَقَيتُ بِنَفسي خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى = وَمَن طافَ بِالبَيتِ العَتيقِ وَبِالحَجَر
رسول إله خافَ أَن يَمكُروا بِهِ = فنجّاه ذوا الطــول الإله مِنَ المَكرِِ
وَباتَ رَسولُ اللَهِ في الغارِ آمِناً = موقّى وَفي حِفظِ الإِلَهِ وَفي سِترِ
وَبِتُّ أُراعيهِم ولم يُتهمونـنــي = وَقَد وَطَّنتُ نَفسي عَلى القَتلِ وَالأَسرِ
أقول التضوّر بمعنى التلوّي والانعطاف . والاتّشاح : اللبس بالثوب .
مسند أحمد : عن ابن عبّاس : تشاورت قريش ليلة بمكّة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ، وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأَطلع الله عزّ وجلّ نبيّه على ذلك ، فبات عليّ على فراش رسول الله (ص) تلك الليلة وخرج النبيّ (ص) حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبيّ . فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوا علياً ردّ الله مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري . فاقتصَّوا أثره . (3)
السيرة النبوية : أمّا عليّ فإنّ رسول الله (ص) فيما بلغني أخبره بخروجه ، وأمره أن يتخلّف بعده بمكّة حتى يؤدّي عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده للناس ، وكان رسول الله (ص) ليس بمكّة أحد عنده شيء يخشى عليه إلاّ وضعه عنده لما يعلم من صِدقِه وأمانته (ص) . (4)
أقول : يكشف هذا عن شدّة اعتماد رسول الله (ص) عليه ، وكمال اطمينانه إلى أمانته ، ونهاية وثوقه بقوله وعمله ، حيث اعتمد عليه في ثلاث موضوعات مهمّة :
ـ اعتمد عليه في إخفاء سرّه من الهجرة .
ـ اعتمد عليه في المبيت على فراشه .
ـ اعتمد عليه في توديع أماناته المخصوصة المهمّة .
وكلّ واحد منها مساوٍ حياة رسول الله (ص) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ إمتاع الأسماع ،
2 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 4 .
3 ـ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 384 .
4 ـ السيرة النبوية ، ج 2 ، ص 129 .
مبيته على فراش رسول الله (ص)
- الزيارات: 3182