إنّ بعض الصحابة لما رأوا شدّة محبّة النبيّ (ص) لعليّ (ع) كَبر ذلك عندهم ، وكانوا يطلبون الفرصة لينالوا منه ، وكان رسول الله (ص) يغضب من قولهم يردّ كلامهم بخطاب شديد .
مسند أحمد : عن بريدة قال : بَعَثنا رسول الله (ص) في سريّة ، فلما قَدِمنا قال : كيف رأيتم صحابة صاحبكم ؟ قال : فأمّا شكوته أو شكاه غيري ، قال : فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً ، قال : فإذا النبيّ (ص) قد احمرّ وجهه وهو يقول : من كنت وليّه فعليّ وليه . (1)
ويروي : عن بريدة ، أنّه مرّ على مجلس وهم ينالون من عليّ فوقف عليهم فقال : إنّه قد كان في نفسي على عليّ شيء وكان خالد بن الوليد كذلك ، فبعثني رسول الله (ص) في سرية عليها عليّ ، وأصبنا سبياً ، فأخذ عليّ جارية من الخمس لنفسه ، فلمّا قدمناه ... الرواية (2)
سنن الترمذي ، عن البراء : بعث النبيّ (ص) جيشين وأمّر على أحدهما عليّ بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد ، وقال : إذا كان القتال فعليّ ، قال : فافتتح عليّ حصنا فأخذ منه جارية ، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبيّ (ص) يشي به ، قال : فقدمت على النبيّ (ص) فقرأ الكتاب فتغيّر لونه ، ثمّ قال : ما ترى في رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ؟ قال : قلت أعوذ بالله غضب الله ومن غضب رسوله ، وإنّما أنا رسول ، فسكت . (3)
خصائص النسائي : عن عمران قال : جهّز رسول الله (ص) جيشاً واستعمل عليه عليّ بن أبي طالب ، فمضى في السرية فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (ص) إذا بُعثنا إلى رسول الله (ص) أخبرناه ما صنع ، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله (ص) فسلّموا عليه ، فانصرفوا إلى رحالهم ، فلمّا قدمت السرية فسلّموا على النبيّ (ص) فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ألم ترَ أنّ علي بن أبي طال صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول الله (ص) ، ثمّ قام الثاني ... فأقبل إليهم رسول الله (ص) ـ والغضب يُبصر في وجهه ـ فقال : ما تريدون من عليّ ؟! إنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي . (4)
ويروي أيضاً عن بريدة ، قال : بعثنا رسول الله (ص) إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث علياً رضي الله عنه على جيش آخر ، وقال : إن التقيتما فعليّ (كرّم الله وجهه) على الناس ، وإن تفرّقتما فكلّ واحد منكما على جُنده . فلقينا بني زبيد من أهل اليمن وظفر المسلمون على المشركين فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فأصطفى عليّ جارية لنفسه من السبي ، وكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ (ص) وأمرني أن أنال منه ، قال : فدفعت الكتاب إليه ونلت من عليّ رضي الله عنه ، فتغيّر وجه رسول الله (ص) وقال : لا تُبغضنَّ ـ يا بريدة ـ ليَ علياً ؛ فإنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي . (5)
وفي مسند أحمد قريباً منها . (6)
مسند أحمد وخصائص النسائي : عن عمرو بن ميمون قال : إنّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط ، فقالوا يا ابن عبّاس إمّا أن تقوم معنا وإمّا إن تخلّونا هؤلاء ؟ قال : فقال ابن عبّاس : بل أقوم معكم ، قال : وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يَعمى ، قال : فابتدأوا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول : أفٍ وتفٍّ ! وقعوا في رجل له عشر : وقعوا في رجل قال له رسول الله (ص) : لأبعثنّ رجلاً يحبّ الله ورسوله لا يخزيه الله أبداً ، قال : فاستشرف لها من استشرف ، فقال : أين ابن أبي طالب ؟ قيل : هو في الرحى يطحن ، قال : ما كان أحدكم ليطحن ، قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يُبصر فتفل في عينيه ثمّ هزّ الراية ثلاثاً فدفعها إليه ، فجاء بصفية بنت حيي . وبعث أبا بكر بسورة التوبة ، وبعث علياً خلفه فأخذها منه ، فقال : لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه . قال : وقال لبني عمّه : أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة ، قال : وعليّ معه جالس ، فقال عليّ : أنا أُواليك في الدنيا والآخرة . قال : وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة . قال : وأخذ رسول الله (ص) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . وشرى عليّ نفسه ، لبس ثوب النبي (ص) ثمّ نام مكانه ، قال : وكان المشركون يَرمون رسول الله (ص) فجاء أبو بكر وعليّ نائم ، قال : وأبو بكر يحسبه أنّه نبيّ الله ، قال : فقال له عليّ : إنّ نبيّ الله (ص) قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه ، قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، قال وجعل عليّ يرمي بالحجار كما كان يرمي نبيّ الله وهو يتضوّر ، قال : لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثمّ كشف عن رأسه ، فقالوا : إنّك لَلئيم ؛ كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك .
قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك ، قال ، فقال له علي : أخرج معك ؟ فقال له نبيّ الله : لا . فبكى عليّ ، فقال له : أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّك لست بنبيّ ، إنّه لا ينبغي أن اذهب إلاّ وأنت خليفتي ، قال ، وقال له رسول الله (ص) : أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي . قال ، وسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ ، قال ، فقال : فيدخل المسجد جُنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره . قال ، وقال : من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ .
قال : وأخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن قد رضيَ عنهم ، عن أصحاب الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، هل حُدثنا أنّه سخط عليهم بعد ؟ قال ، وقال نبيّ الله (ص) لعمر حين قال : ائذن لي فلأضرب عنقه ! قال : أو كنت فاعلاً ، وما يدريك لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم . (7)
أقول : يستكشف من هذه الرواية مقامات ثابتة لعليّ (ع) :
1 ـ أنّه يحبّ الله ورسوله ولا يخزيه أبداً .
2 ـ أنّه من رسول الله (ص) وهو منه .
3 ـ أنّه موالي رسول الله في الدنيا والآخرة .
4 ـ أنّه أوّل مَن أسلم من الناس بعد خديجة .
5 ـ أنّه ممّن أذهبَ الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .
6 ـ أنّه شرى نفسه من رسول الله (ص) ونام مكانه .
7 ـ أنّه بمنزلة هارون من موسى وخليفة رسول الله (ص) ووليّ كلّ مؤمن بعده .
8 ـ وسدّ الأبواب إلاّ بابه .
9 ـ أنّه مولى الناس كمّا كان الرسول (ص) مولاه .
10 ـ قد رضي الله عنه وهو من أصحاب الشجرة .
مستدرك الحاكم : عن عمرو بن ميمون ، قال : إنّي لجالس عند ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط ... له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ، وقعوا في رجل ... الحديث . وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . (8)
سنن الترمذي : عن جابر ، قال : دعا رسول الله (ص) علياً يوم الطائف فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمّه ، فقال رسول الله (ص) : ما انتجيته ولكنّ الله انتجاه . (9)
رجال أصبهان : ما يقرب منها . (10)
مسند أحمد : عن عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيُسبّ رسول الله (ص) فيكم ؟ قلت : معاذ الله ، قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : من سبّ علياً فقد سبّني . (11)
أقول : في الأجوبة عن الشكايات هداية إلى مقامه الروحاني وارتباطه الإلهي وولايته التامّة ، بحيث يكون حبّه حبّا لله ولرسوله ، وبغضه بغضاً لله ولرسوله ، وطاعته طاعتهما ، وسبّه سبّهما ، وإيذاؤه إيذاؤهما ، ويشير إلى هذا المقام جملة : مَن كنت مولاه فعلي مولاه .
و : مَن آذى عليا فقد آذاني ومن سبّه فقد سبّني .
و : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ .
و : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ .
و: إنّه بمنزلة هارون .
و : إنّه لأخشن في ذات الله .
و : إنّ الله انتجاه .
مسند احمد وخصائص النسائي : عن بُريدة قال : خرجت مع عليّ (رضي الله عنه) إلى اليمن فرأيت منه جَفوة ، فقدّمت على النبيّ (ص) فذكرت علياً ، فتنقّصته . فجعل رسول الله (ص) يتغيّر وجهه ، فقال : يا بُريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟! قلت بلى يا رسول الله ، قال : مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه . (12) ويروي روايات أُخر بهذا المضمون .
معجم الشعراء للمرزباني : ومن أصحاب النبيّ (ص) عمرو بن شأس الأسلمي ، وهو الذي روى عن النبيّ (ص) أنّه قال : يا عمرو بن شأس قد آذيتني . قال ، قلت : أعوذ بالله أن أوذيك ، قال : إنّه من آذى علياً فقد آذاني . (13)
المحاسن للبيهقي : عن مصعب عن أبيه سمعت النبيّ (ص) يقول : ما لكم ولعلي ، من آذى عليا فقد آذاني . (14)
البيان والتعريف : من آذى علياً فقد آذاني . أخرجه الإمام أحمد في التاريخ ، والحاكم في فضائل الصحابة . وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . (15)
مستدرك الحاكم : جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عبّاس ، فحصبه ابن عبّاس فقال : يا عدو الله آذيت رسول الله (ص) ، ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) ، لو كان رسول الله (ص) حياً لآذيته . (16)
ويُروى أيضاً كما في مسند أحمد : عن عمرو الأسلمي قال : خرجنا مع عليّ إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك ، فلما قدّمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله (ص) ، قال : فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله في ناس من أصحابه ، فلما رآني حدّد إليّ النظر حتى إذا جلست قال : يا عمرو أمّا والله ... كما في المعجم . (17)
مسند أحمد والسيرة النبوية : اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه فقام رسول الله (ص) فينا خطيباً ، فسمعته يقول : أيّها الناس لا تشكوا علياً فوالله إنّه لأخشن في ذات الله ـ أو : في سبيل الله ـ من أن يُشكى . (18)
وفي مستدرك الحاكم : يروي مثله ، ثمّ يقول : هذا حديث صحيح الإسناد . (19)
أقول : إنّ رسول الله (ص) ردّ شكاياتهم في هذه الأحاديث بكلمات :
1 ـ أنّه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله .
2 ـ أنّه : منّي وأنا منه .
3 ـ أنّه : وليّ كلّ مؤمن بعدي .
4 ـ أنّ الله انتجاه للنجوى .
5 ـ مَن كنت مولاه فهو مولاه .
6 ـ مَن آذى علياً فقد آذاني .
7 ـ أنّه والله لأخشن في ذات الله من أن يُشكى .
هذه الشكايات والاعتراضات كانت جارية طول حياة رسول الله (ص) ، وكان رسول الله (ص) يتأذّى ويغضب من كلماتهم وأعمالهم ، ويدفع سوء نظرهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 350 .
2 ـ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 358 .
3 ـ سنن الترمذي ، ص 534 .
4 ـ خصائص النسائي ، ص 16 .
5 ـ نفس المصدر ، ص 17 .
6 ـ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 356 .
7 ـ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 330 ، وخصائص النسائي ، ص 6 .
8 ـ مستدرك الحاكم ، ج3 ، ص 132 .
9 ـ سنن الترمذي ، ص 535 .
10 ـ رجال أصبهان ، ج1 ، ص 141 .
11 ـ مسند أحمد ، ج6 ، ص 323 .
12 ـ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 347 . وخصائص النسائي ، ص 16 .
13 ـ معجم الشعراء للمرزباني ، ص 23 .
14 ـ المحاسن للبيهقي ، ص 41 .
15 ـ البيان والتعريف ، ج2 ، ص 203 .
16 ـ مستدرك الحاكم ، ج3 ، ص 121 .
17 ـ مستدرك الحاكم ، ج3 ، ص122 . ومسند أحمد ، ج3 ، ص483 .
18 ـ مسند أحمد ، ج3 ، ص 86 . والسيرة النبوية ، ج4 ، ص250 .
19 ـ مستدرك الحاكم ، ج3 ، ص134 .
ردّ الشكوى عن عليّ (ع)
- الزيارات: 2484