طباعة

العبّاس بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)

 

العبّاس بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)

قد ذكرنا شيئاً من مصرعه الشريف، ونزيد ما أورده الطبري في تاريخه قائلاً :

 

                موقفه (عليه السلام) قبيل كربلاء :

                « جاء من عبيدالله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد : أمّا بعد، فَحُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا  يذوقوا منه قطرة، كما صُنع بالتقيّ الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، قال : فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث، قال : ونازله عبدالله بن أبي حصين الأزدي وعداده في بجيلة، فقال :

                « يا حسين، ألا  تنظر إلى الماء كأنـّه كبد السماء، والله ! لا  تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً » .

                فقال الحسين : « اللّهمّ اقتله عطشاً، ولا  تغفر له أبداً » .

                قال حميد بن مسلم ـ راوي الخبر ـ : « والله ! لعُدتُه بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا  إله إلاّ هو لقد رأيتُه يشرب حتّى يبغر، ثمّ يقيء، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر، فما يروى، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غُصّته، يعني نفسه » .

                قال : « ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش دعا العبّاس بن عليّ بن أبي طالب أخاه، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاؤوا حتّى دنوا من الماء قليلاً، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال البجلي، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : « مَن الرجل ؟ ما جاء بك ؟ » .

                قال : « جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال : فاشرب هنيئاً . قال : لا  والله لا  أشرب منه قطرة وحسين عطشان، ومَن ترى من أصحابه . فطلعوا عليه، فقال : لا  سبيل إلى سقي هؤلاء، إنّما وُضِعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء، فلمّا دنا منه أصحابه قال لرجاله : املؤوا قربكم، فشدّ الرجالة، فملؤوا قربهم، وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ ونافع بن هلال فكفوهم، ثمّ انصرفوا إلى رحالهم، فقالوا : امضوا، ووقفوا دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطّردوا قليلاً . . وجاء أصحاب الحسين بالقرب فأدخلوها عليه »([1]) .

 

                ألقــابه (عليه السلام) وكنيته :

                قال في القمقام الزخّار ـ بعد ما أورد هذه الرواية ـ : « ولذلك سمّي العبّاس (عليه السلام)السقّاء »([2]) .

                وروى الإصفهاني في مقاتل الطالبيّين عن حرمي بن العلاء، عن الزبير، عن عمّه : « ولدُ العبّاس بن عليّ يسمّونه السقّا، ويكنّونه أبا قربة . . »([3]) .

 

                شبهة مردودة وقضيّة مغلوطة :

                ولمّا رأى ـ العبّاس (عليه السلام) ـ وحدة الحسين (عليه السلام) بعد قتل أصحابه، وجملة من أهل بيته، قال لاخوته من اُمّه : « تقدّموا لأحتسبكم عند الله تعالى، فإنـّه لا  ولد لكم »، فتقدّموا حتّى قتلوا . .([4]) .

                وقال ابن الأثير في الكامل : « وقال العبّاس بن عليّ لاخوته من اُمّه : عبدالله وجعفر وعثمان، تقدّموا حتّى أرثكم، فإنـّه لا  ولد لكم، ففعلوا، فقتلوا »([5]) .

                وخبر ابن الأثير غريب جدّاً ; فإذا كان المقصود أن يرث اخوته بعد مقتلهم فكيف يرث العبّاس اخوته، واُمّه ـ اُمّ البنين ـ على قيد الحياة لا  يمكن أن يرث أحدٌ غيرها، فهي تحجب العبّاس عن إخوته في الإرث، وإن كان قصده أن يرث ولده تركتهم بعد إرثه له، فالعبّاس (عليه السلام) أسمى من أن تراوده مثل هذه الفكرة التي لا  تتناسب وموقفه البطولي في تضحيته بنفسه الشريفة من أجل أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، فمتى تراود المرء مثل هذه الفكرة وهو في مثل هذا الموقف ؟

 

                والجواب على ما زعموه :

                إنّ تقديم العبّاس بن عليّ (عليه السلام) إخوته أمامه لأمرين :

                أحدهما : أن تقرّ عينه بشهادتهم أمامه مطمئنّاً بوفائهم لسيّدهم وأخيهم الحسين (عليه السلام)، ولئلاّ يهولهم القتل والقتال فيتأخّروا عن مناصرة سيّدهم الحسين (عليه السلام)، وهذه الحالة أبلغ الحالات في المواساة والفداء ; إذ يرى الإنسان بعينه التضحية بأغلى ما يملك، وأنفس ما يدّخر، ومن ثَمَّ لا  يبقى سوى نفسه فيقدّمها مطمئنّاً للفداء .

                ثانياً : وهو ما اختاره العلاّمة السماوي في توجيهه بقوله : « يعني بذلك أنّكم إن تقدّمتموني وقتلوكم لم تبق لكم ذرّيّة فينقطع نسب أمير المؤمنين (عليه السلام) منكم، فيشتدّ حزني، ويعظم أجري بذلك » . وبذلك أشار العلاّمة السماوي إلى قول عابس لشوذب : « أنـّه لمّا التحم القتال يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسين (عليه السلام)، جاء عابس الشاكري ومعه شوذب، فقال لشوذب : ياشوذب ما في نفسك أن تصنع ؟

                قال : ما أصنع ؟ اُقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى اُقتل .

                فقال : ذلك الظنّ بك، أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبدالله (عليه السلام) حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتّى احتسبك أنا، فإنـّه لو كان معي الساعة أحد أنا أوْلى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يدي حتّى أحتسبه، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما نقدر عليه، فإنـّه لا  عمل بعد اليوم، إنّما هو الحساب »([6]) .

 

                أوصـافه (عليه السلام) :

                قال أبو الفرج الإصفهاني : « وكان العبّاس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض، وكان يقال له : قمر بني هاشم، وكان لواء الحسين بن عليّ معه يوم قُتل »([7]) .

                أولاده (عليه السلام) :

                وذكر المجلسي في حال أولاده كما يلي :

                قال الزبير بن بكّار : كان للعبّاس ولد اسمه عبيدالله، كان من العلماء، فمن ولده عبيدالله بن عليّ بن إبراهيم بن الحسن بن عبيدالله بن عبّاس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان عالماً فاضلاً جواداً، طاف الدنيا، وجمع كتباً تسمّى الجعفريّة، فيها فقه أهل البيت (عليهم السلام)، قدم بغداد فأقام بها وحدّث، ثمّ سافر إلى مصر فتوفّي بها سنة اثني عشر وثلاثمائة، ومن نسل العبّاس ابن أمير المؤمنين ; العبّاس بن الحسن بن عبيدالله ابن العبّاس، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، فقال : قدم إليها في أيّام الرشيد وصحبه، وكان يكرمه، ثمّ صحب المأمون بعده، وكان فاضلاً شاعراً فصيحاً، وتزعم العلوية أنـّه أشعر ولد أبي طالب »([8]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]. تاريخ الطبري : 4/311، القمقام الزخار والصمصام البتّار : 1/516 .

[2]. القمقام الزخّار : 1/516 .

[3]. مقاتل الطالبيّين : 89 .

[4]. إبصار العين : 43 .

[5]. الكامل في التاريخ : 3/294 .

[6]. إبصار العين : 43 .

[7]. مقاتل الطالبيّين : 90 .

[8]. بحار الأنوار : 42/75 .