• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة :( سقيفة بني ساعدة )

الملل والنحل : الخلاف الخامس في الإمامة وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة ؛ إذ ما سُلّ في السيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان ، وقد سهّل الله تعالى ذلك في صدر الأوّل ، فاختلف المهاجرون والأنصار فيها ، وقالت الأنصار منّا أمير ومنكم أمير ، واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري فاستدركه أبو بكر وعمر في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة ، وقال عمر : كنت ازوّر في نفسي كلاماً في الطريق ، فلمّا وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلم ، فقال أبو بكر : مه يا عمر ! فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما كنت اقدّره في نفسي كأنّه يخبر عن غيب ، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته وبايعه الناس ، وسكنت النائرة ، إلاّ أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها ؛ فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأيّما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين تَغرّة أن يُقتلا ، وإنّما سكنت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبيّ عليه السلام (الأئمّة من قريش) وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة ، ثمّ لمّا عاد إلى المسجد انثال الناس عليه وبايعوه عن رغبة ، سوى جماعة من بني هاشم وأبي سفيان من بني أميّة ، وأمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه كان مشغولاً بما أمره النبيّ (ص) من تجهيزه ودفنه وملازمته قبره ، من غير منازعة ولا مدافعة . (1)
أقول : في هذا الكلام موارد للنظر والتحقيق :
1 ـ جريان السقيفة : من اتفاق الأنصار على سعد ، واستدراك أبي بكر وعمر في الحال ، وتزوير عمر في الكلام ، وذكر أبي بكر ما كان يُزوّره ، ومدَّ عمر يده للبيعة قبل كلام الأنصار ، وكون بيعته فلتة ومَن عاد إلى مثلها فيجب قتله ، ولزوم كون البيعة مع مشورة المسلمين .
2 ـ استدلال أبي بكر في مقاله ودعواه : بحديث ( الأئمّة من قريش وسكوت الأنصار في مقابل هذا الكلام . ويؤيّده  قول أمير المؤمنين (ع) : استدلّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة .
3 ـ قوله : وبايعوه عن رغبة . إشارة إلى أنّ بيعة السقيفة كانت لا عن رغبة ، بل بالاستدراك والتزوير ومدّ اليد وبالفلتة .
4 ـ قوله : سوى جماعة من بني هاشم وأبي سفيان .
5 ـ قوله وكان أمير المؤمنين مشغولاً بما أمره النبيّ (ص) .
الفائق : الحبّاب رضي الله عنه قال يوم سقيفة بني ساعدة حين اختلف الأنصار في البيعة ـ أنا جُذيلها (بصيغة التصغير) المحكك ، وعُذيقها المرجّب ، منّا أمير ومنكم أمير . (2) الجِذل ـ بالكسر ـ : عود ينصب للإبل الجَربى تَحتك به فتستشفى . والمُحكك الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مُملّسا . والعَذق بالفتح النخلة . والمرجّب : المدعوم بالرجبة ، وهي خشبة ذات شعبتين وذلك اذا طال وكثر حمله . والمعنى إنّي ذو رأي يشفي بالاستضاءة به كثيراً في مثل هذه الحادثة وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل .
الفائق : قال عمر بن الخطاب لأبي عبيدة : ابسط يدك لأبايعك ، فقال : ما رأيت منك ، أو ما سمعت منك فهّة في الإسلام قبلها ، أتُبايعني وفيكم الصدّيق ثاني اثنين . (3) قال الزمخشري : فهّ الرجل فهّة ، إذا جاءت منه سقطة أو جهلة .
ويروي : قال أبو بكر يوم سقيفة بني ساعدة : منّا الأمراء ومنكم الوزراء ، والأمر بيننا وبينكم كقد الأبلمة . فقال حبّاب بن المنذر : أما والله لا نفس أن يكون لكم هذا الأمر ، ولكنّنا نكره أن يلينا بعدكم قوم قتلنا آباءهم وأبناءهم . وقال الحبّاب أيضاً :
أنا الذي لا يصطلى بنــاره ولا ينام الناس من سُعاره . (4)
وقال الزمخشري : القد هو القطع طولا . والأبلمة خوصة المقل ، وهي إذا شقّت تساوى شقّاها . ولا يصطلي بناره : مثل فيمن لا يتعرّض لحربه . والسعار حرّ السعير .
أقول : هذا الكلام صريح في رضا أبي بكر بوزارة الأنصار وتقسيم الأمر بين المهاجرين والأنصار على التساوي كقدّ الأبلمة .
تاريخ الطبري : ثم قال أبو بكر : إنّي قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة ، ... فقام عمر فقال : أيّكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدّمهما النبيّ (ص) ، فبايعه عمر وبايعه الناس . فقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع إلاّ علياً . (5)
ويروي : فقال سعد : صدقت ، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء ، فقال عمر : ابسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك ، فقال أبو بكر : بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها منّي ، وكان عمر أشدّ الرجلين ، قال ، وكان كلّ واحد منها يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر وقال : أن لك قوّتي مع قوّتك ، فبايع الناس واستثبتوا للبيعة ، وتخلّف عليّ والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمُدُه حتى يبايع عليّ ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقال عمر : خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر ! قال : فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال : لتُبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان ، فبايعا . (6)
ويروي : قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال : أمّا بعد ؛ فإنّي أريد أن أقول مقالة قد قُدّر أن أقولها ... ثمّ أنّه بلغني أنّ قائلاً يقول : لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلاناً ، فلا يغرّن إمرأً أن يقول أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك غير أنّ الله وقى شرّها وليس منكم من تقطّع إليه الأعناق مثل أبي بكر ، وأنّه كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه (ص) ، أنّ علياً والزبير ومن معهما تخلّفوا عنّا في بيت فاطمة ، وتخلّفت عنّا الأنصار بأسرها واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمّهم فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدراً ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا : فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم ، فقلنا : والله لنأتينّهم ، قال : فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ، قال وإذا بين أظهرهم رجل مزّمل ، قال قلت : من هذا ؟ قالوا سعد بن عبادة ، فقلت ما شأنه ؟ قالوا : وجع ، فقام رجل منهم فحمد الله وقال : أمّا بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبيّنا وقد دفّت إلينا من قومكم دافّة ، قال : فلمّا رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر وقد كنت زوّرت في نفسي مقالة أقدّمها بين يدي أبي بكر ، وقد كنت أداري منه بُعد الحد ، وكان هو أوقر منّي وأحلم ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال : على رسلك ، فكرهت أن أعصيه ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلّم به لو تكلّمت إلاّ قد جاء به أو بأحسن منه ، وقال :
أمّا بعد يا معشر الأنصار ، فإنّكم لا تذكرون منكم فضلاً إلاّ وأنتم له أهل ، وأنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحيّ من قريش وهم أوسط داراً ونسباً ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيّهما شئتم ... فلمّا قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : أنا جُذيلها ... فارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، فلمّا أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر : أبسط يدك أبايعك . (7)
كذا في مسند أحمد باختلاف . (8)
أقول :  يظهر من هذا الكلام أنّ الأنصار بأجمعهم ومن بني هاشم من تخلّفوا في بيت فاطمة (ع) كانوا مخالفين لبيعة أبي بكر ، أمّا الأنصار فبايعوا بعد أن وقعت الاختلافات الشديدة وارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، وبنو هاشم فبايعوا بعد مدّة مكرهين .
ويروي : فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الله بعث محمّداً ... فخصّ الله المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له والصبر معه على شدّة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم ، وكلّ الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلّة عددهم وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم ، فهم أوّل من عَبَدَ الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم ، وأنتم يا معشر الأنصار من لا يُنكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً ... فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تفتأتون بمشورة ولا نقتضي دونكم الأمور ، قال : فقام الحبّاب بن المنذر فقال : يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإنّ الناس في فيئكم وفي ظلّكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم ... فمنّا أمير ومنهم أمير ، فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ، والله لا ترضى العرب أن يومّروكم ونبيّها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تُولّي أمرها مَن كانت النبوة فيهم ووليّ أمورهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى من العرب المحجّة الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا يُنازعنا سلطان محمّد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ مدلٍّ بباطل ... فقام الحبّاب بن المنذر فقال : يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ؛ فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولّوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحقّ بهذا الأمر منهم فإنّه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممّن لم يكن يدين ، أنا جُذيلها ... فقال عمر : إذاً يقتلك الله ، قال : بل إياك يقتل ! فقال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار إنّكم أوّل من نصر وآزر فلا تكونوا أوّل من بدّل وغيّر ، فقام بشير بن سعد فقال : يا معشر الأنصار إنّا والله لئن كنّا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلاّ رضا ربّنا ، وطاعة نبيّنا ، والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا ينبغي به من الدنيا عرضا فإنّ الله ولي المنّة علينا بذلك ، ألاّ أنّ محمّداً (ص) مِن قريش وقومه أحقّ به وأولى ، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً ، فاتّقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم . فقال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيّهما شئتم فبايعوا ! فقالا : لا والله لا نتولّى هذا الأمر عليك ، فإنّك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار ، وخليفة رسول الله على الصلاة ، والصلاة أفضل دين المسلمين ، فمَن ذا ينبغي له أن يتقدّمك أو يتولّى هذا الأمر عليك ، أبسط يدك نبايعك ؟ فلمّا ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحبّاب بن المنذر يا بشير بن سعد عققت عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت ، أنفست على ابن عمّك الإمارة ، فقال : لا والله ولكنّي كرهت أن أنازع قوماً حقّا جعله الله لهم ، ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة : قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً ، فقوموا فبايعوا أبا بكر ! فقاموا إليه فبايعوه . فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجمعوا له من أمرهم ، ... فأقبل الناس من كلّ جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة ، فقال ناس من أصحاب سعد : اتّقوا سعداً لا تطؤه فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، ثمّ قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك ، فأخذ سعد بلحية عمر فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، فقال أبو بكر : مهلا يا عمر الرفق ها هنا أبلغ ، فأعرض عنه عمر ، وقال سعد : أما والله لو أن بي قوّة ما أقوى على النهوض لسمعت منّي في أقطارها وسككها زئيراً يحجرك وأصحابك ، أما والله إذا لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع . احملوني من هذا المكان ! فحملوه فأدخلوه في داره ، وتُرك أياما ثمّ بُعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك ! فقال أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي ... فلما أتي أبو بكر بذلك ، قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد : إنّه قد لجّ وأبى وليس بمُبايعكم حتى يُقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضارّكم إنّما هو رجل واحد ، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ولا يجمع معهم . (9)
أقول : فيما نقل عن الطبري موارد للدقّة والاعتبار والتدبّر .
1 ـ قول أبي بكر :
ـ قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين .
ـ بل أنت يا عمر ؛ فأنت أقوى منّي .
ـ وأنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحيّ من قريش .
ـ ولكن قد رضيت لكم أحد هذين فبايعوا أيّهما شئتم . فيها دلالة على أنّ الأمر قد تحقّق بالانتخاب والتدبير ، لا بالنصّ والوصية .
2 ـ قولهم :
ـ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء .
ـ فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم .
ـ كنت زوّرت في نفسي أن أتكلّم به إلا قد جاء به .
ـ لا تُفتأتون بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور .
ـ فمنّا أمير ومنهم أمير .
ـ ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم .
ـ فأنتم والله أحقّ بهذا الأمر منهم . فيها دلالة على أنّ الاختلاف إنّما كان في الحكومة والخلافة الظاهرية للمسلمين . وليس من مقامات العلم والمعرفة والروحانية والحقيقة ذكرٌ فيما بينهم .
3 ـ قولهم :
ـ فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلاّ علياً .
ـ وتخلف عليّ والزبير واخترط الزبير سيفه . وقال : لا أغمده حتى يُبايَع عليّ .
ـ إنّ علياً والزبير تخلّفوا عنّا في بيت فاطمة وتخلّفت عنا الأنصار بأسرها . فيها دلالة على أنّ لعليّ (ع) حقّا ثابتاً ومقاماً محرزاً معلوماً عندهم ، وليس ذلك إلاّ بوصية رسول الله (ص) وقوله وبالأحاديث الواردة منه .
العقد الفريد : فقال حبّاب بن المنذر : منّا أمير منكم أمير ، فإنّ عمل المهاجريّ في الأنصاري شيئاً ردّ عليه ، وإن عمل الأنصاري في المهاجري شيئاً ردّ عليه ، وإن لم تفعلوا فأنا جُذيلها المحكّك وعُذيقها المرجب ، لنُعيدنّها جذعة . قال عمر : فأردت أن أتكلّم وكنت زوّرت كلاما في نفسي . فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، فما ترك كلمة كنت زوّرتها في نفسي إلاّ تكلّم بها ... فبايع الناس أبا بكر وأتوا به المسجد يبايعونه ، فسمع العبّاس وعليّ التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله (ص) ، فقال عليّ : ما هذا ؟ قال العبّاس : مارُئي مثل هذا قط ، أما قلت لك ؟! (10)
البخاري : أنّ رسول الله (ص) مات وأبو بكر بالسُنخ يعني بالعالية ، فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله (ص) وقال : والله ما كان يقع في نفسي إلاّ ذاك ، وليبعثنه الله فيقطعنّ أيدي رجالٍ وأرجلهم ، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله (ص) فقبّله ، فقال : بأبي أنت وأمي طبت حياً وميّتاً والذي نفسي بيده لا يُذيقك الله الموتتين أبداً ... واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلاّ إنّي قد هيّأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلّغه أبو بكر ، ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ الناس فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال حبّاب بن المنذر : لا والله لا نفعل ، منّا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : لا ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء . هم أوسط العرب داراً وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح ! فقال عمر : بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله (ص) ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ، فقال قائل : قتلتم سعد بن عبادة ، فقال عمر : قتله الله . (11)
أقول : يستفاد من صريح هذا الكلام المنقول من الصحيح أمور :
1 ـ استدل أبو بكر في مقام اختيار الأمير بقوله : أعرب أحساباً وأوسطهم داراً . وهذا العنوان موجود في جميع أفراد قريش .
2 ـ ولمّا لم يكن له امتياز وتفوّق وليس لنفسه خصوصية ، فأشار إلى أبي عبيدة وعمر ودلّهم إليهما . أو أنّ هذا كان تدبيراً منه في المقام .
3 ـ فعلى هذا القيل والقال : يلزم أن يكون الوزير في هذه الحكومة من الأنصار ، فإنّ لهم نصيباً منها ، وهم الذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر إليهم .
4 ـ لا معنى صحيح لقول عمر : قتله الله . مع أنّ النبيّ (ص) كان يقول : أوصيكم بالأنصار ، فإنّهم كرشي وعيبتي ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم . كما في البخاري ، ج2 ، ص 192 .
وفي البخاري : بإسناده عن عمر بن الخطاب أنّه قال : بلغني أنّ قائلاً منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلاناً ، فلا يغترنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألاَ وإنّها قد كانت كذلك ! ولكنّ الله وقى شرّها ، وليس منكم من يُقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يُقتلا ، وأنّه قد كان من خيرنا حين توفى الله نبيّه (ص) ، إنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنّا عليّ والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم ، فلمّا دنونا منهم لقينا رجلان منهم صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فقالا : لا عليكم أن تقربوهم اقضوا أمركم ! فقلت : والله لنأتينّهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم ، فقلت : مَن هذا ؟ قالوا : هذا سعد بن عبادة ، فقلت : ما له ؟ قالوا : يوعك ، فلمّا جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد : فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفّت دافّة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضونا من الأمر ، فلمّا سكت ، أردتُ أن أتكلّم وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحدّ ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر : على رسلك ! فكرهت أن أغضبه ، فتكلّم أبو بكر فكان هو أحلم منّي وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضل حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحيّ من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، فلم أكره ممّا قال غيرها ، كان والله أن أقدّم فتُضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من أثمٍ ، أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر ، اللّهم إلاّ أن تسوّل إلى نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن .
فقال قائل من الأنصار : أنا جُذيلها المُحكك وعُذيقها المرجب منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ! فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقتُ من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ! فبس يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار . ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقلت : قتل الله سعد بن عبادة ، قال عمر : وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا ، فأمّا بايعناهم على ما لا نرضى وأمّا نخالفهم فيكون فساد ، فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يُقتلا . (12)
أقول : هذا الكلام مضبوط في أقدم كتاب وأصحّه وأتقنه من كتب إخواننا أهل السنّة ، وكذا في تاريخ الطبري باختلاف يسير . (13) فمن تدبر فيه ورجع البصر إليه بعين الإنصاف ونظر إلى الحقيقة اطلع على أسرار هذا الأمر من جهات :
الأوّل : أنّه اقّر وشهد بأنّ إمرة أبي بكر كانت فلتة من دون سابقة ، وقى الله شرّها . وهذا يدلّ على نفي أيّ وصية من رسول الله (ص) في الخلافة .
الثاني : أنّه يقول بلزوم المشورة في هذا الأمر بعد ، ولا يجوز لأحد أن يبايع أحداً حتى تقع فلتة ، فإنّها في معرض الخطر والشر .
الثالث : أنّه يعترف بخلاف الأنصار وخلافّ عليّ والزبير ومن معهما ، ففي هذه الصورة كيف يجوز التعبير عنها بالإجماع والاتّفاق من أهل الحلّ والعقد ، وان أرادوا وقوع الاتفاق بعد أشهر فهذا قد يتحقّق في أغلب الحكومات والدول ، بل ولا يتحقق استقرار حكومة إلاّ بالغلبة التامة والاستيلاء الكامل والتسلط على جميع الأفراد طوعاً أو كرهاً ، ولو بالتدريج .
الرابع : يعلم أنّ غلبة أبي بكر في السقيفة كانت من طريق التزوير(*) ، وكان تزويره في خطابه أحسن وأعجب مما زوّره عمر في نفسه .
الخامس : أنّ قوله : (فلم أكره ممّا قال غيرها) من الكلمات المزوّرة المخالفة للواقع ، كيف وقد أمر رسول الله (ص) أسامة عليهم قبل أيام قليلة من رحلته ، وكذا في غزوات آخر . فالإمرة مطلوبة إذا كانت عن وظيفة .
فيا إخواننا هذه حقيقة إمرة أبي بكر ، فهل يجوز أن يكلّفنا العقل والشرع بوجوب طاعته وقبوله ، وهل يمكن أن يحكم الله ورسوله على كفر من تخلّف عن هذه البيعة ، وهل يجوز أن نقول : أنّ علياً وفاطمةَ والحسن والحسين ومَن معهم من أهل بيت النبيّ (ص) كانوا على الضلالة ووقعوا في طريق خلاف الشريعة النبوية ، وقد قال النبيّ (ص) : الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ . وقال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى . وقال : أنتَ منّي وأنا منك . وقال : اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد من عاداه .
السيرة النبوية : فأتى آت إلى أبي بكر وعمر ، فقال : إنّ هذا الحيّ من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله (ص) في بيته لم يُفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهلُه ، قال عمر : فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه .   (14)
وقال : ثمّ أنّه قد بلغني أنّ فلاناً قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلاناً ، فلا يغرنَّ امرأً أن يقول : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمّت ، وإنّها قد كانت كذلك إلاّ أنّ الله قد وقى شرّها وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنّه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يُقتلا ، إنّه كان من خيرنا حين توفّى الله نبيّه (ص) ... إلخ . (15) ـ كما في البخاري ، ج4 ، ص 111 .
مقالات الإسلاميين : لو بلغ ذلك أبا بكر وعمر فقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين ، فأعلمهم أبو بكر أنّ الإمامة لا تكون إلاّ في قريش واحتجّ عليهم بقول النبي (ص) : الإمامة في قريش . فأذعنوا لذلك منقادين ورجعوا إلى الحقّ طائعين ، بعد أن قالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، وبعد أن جرّد الحبّاب بن المنذر سيفه وقال : أنا جُذَيلها المحكّك وعُذيقها المرجّب من يبارزني ، بعد أن قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال ، ثمّ بايعوا أبا بكر . (16)
أقول : قد صرّح بأن الاتّفاق في هذا المجتمع قد حصل بعد ذلك الاختلاف الشديد والتنازع وتجريد السيف ، مع غيبة أهل بيت النبي (ص) وخواص أصحابه ، وكان أقوى احتجاجهم في قولهم إنّ الإمامة في قريش ، وقد قال عليّ (ع) في ذلك : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة .
عيون ابن قتيبة : أراد عمر الكلام ، فقاله له أبو بكر : على رسلك . نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً ، وأوسطهم داراً وأكرمهم أحسابا وأحسنهم وجوها وأكثر الناس ولادة في العرب ، وأمسّهم رَحِما برسول الله (ص) ، أسلمنا قبلكم وقُدّمنا في القرآن عليكم ، فأنتم إخواننا في الدين وشركاؤنا في الفيء وأنصارنا على العدو ، آويتم وواسيتم فجزاكم الله خيراً ، نحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تدين العرب إلاّ لهذا الحيّ من قريش ، وأنتم محقّوقون إلاّ تنفسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم . (17)
أقول : العلل المذكورة في الخطبة كلّها راجعة إلى العناوين الظاهرية والتشخّصات الصورية والحسب والنسب والمتاع الدنيوي ، وليس فيها ذكر من العلم والإيمان والروحانية والمقام المعنوي ، فهذا أوّل كلام بعد النبيّ (ص) دُعي فيه المسلمون إلى أتباع الشخصية الظاهرية وأُسقط العلم والإيمان وحذف من صحيفة الإمامة قيد التقوى والمعرفة .
وفي أثر هذا الكلام ترى أنّ معاوية بن أبي سفيان وسائر أفراد بني أمية ادعوا مقام خلافة رسول الله (ص) : مع أنّهم فعلوا ما فعلوا وارتكبوا من الظلم والطغيان ما ارتكبوا وظلموا آل محمد (ص) ما ظلموا ! ومع هذا قد أطاع المسلمون لهم وانقادوا لحكومتهم !!
الطبقات : فتكلّم أبو بكر فقال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدّ الأبلُمة (يعني الخوصة) ، فبايع أوّل الناس بشير بن سعد أبو النعمان ، قال : فلمّا اجتمع الناس على أبي بكر قسّم بين الناس قسما فبعث إلى عجوز من بني عديّ بن النجّار بقسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال قسم قسّمه أبو بكر للنساء ، فقالت أتُراشوني عن ديني ؟ فقالوا : لا ، فقالت أتخافون أن أدع ما أنا فيه ؟ فقالوا : لا ، فقالت : أتخافون أن ادع ما أنا فيه ؟ فقالوا : لا ، قالت : فوالله لا آخذ منه شيئا أبداً ، فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت ، فقال أبو بكر فأخبره بما قالت ، فقال أبو بكر : ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئا أبداً . (18)
أقول : هذا التقسيم كان ممّا يُحكّم ويشدّد ويُثبّت إمارة أبي بكر ، والغرض منه جلب النفوس الأبيّة وتقريب القلوب المخالفة وتحبيبها ورفع الاختلافات والموانع ، وكان هذا لغرض ظاهر بحيث أنّ العجوز قد فهمته .
أنساب الأشراف : لمّا قبض رسول الله (ص) أتى عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح فقال له : ابسط يدك نبايعك فإنّك أمين هذه الأمّة على لسان رسول الله (ص) فقال : يا عمر ؛ ما رأيت لك تهمة منذ أسلمت قبلها ، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين ؟! (19)
أقول : هذا الكلام والاستخلاف من عمر بن الخطاب يكشف عن أنّه كان متحيّراً في تعيين الخليفة ، وكان معرضاً عن أهل بيت النبيّ وعترته الذين أوصى بهم رسول الله (ص) ، ومع هذا كان لا يعتني برأي الأصحاب ولا يتوجّه إلى المشاورة مع الآخرين والى حصول الإجماع .
ويروي أيضاً : (في ، ص 580) كما في الطبقات ، ج 3 ، ص 182 .
ويروي أيضاً ثمّ قال : بلغني أنّ الزبير قال : لو قد مات عمر بايعنا علياً وإنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، فكذب والله لقد أقامه رسول الله (ص) مقامه واختاره لعماد الدين على غيره ، وقال : يأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر ، فهل منكم من تمدّ إليه الأعناق مثله . (20)
أقول : هذا القول مخالف لما سبق من قوله لأبي عبيدة : ابسط يدك نبايعك فإنّك أمين هذه الأمّة ، وهكذا مخالف لقول أبي بكر : إن تطيعوا أمري تبايعوا أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وكان عن يمينه أو عمر بن الخطاب وكان عن شماله . (21) ، وكما مرّ ما يقرب منه من البخاري .
ويروي أيضاً : عن جابر : قال العبّاس لعلي : ما قدّمتك إلى شيء إلاّ تأخّرت عنه ، وكان قال له لما قبض رسول الله (ص) : اُخرج حتى أُبايعك على أعين الناس فلا يختلف عليك اثنان . فأبى وقال : أو منهم من ينكر حقّنا ويستبد علينا ؟ فقال العبّاس : سترى أن ذلك سيكون . فلما بويع أبو بكر ، قال له العبّاس : ألم أقل لك يا علي ؟ . (22)
أقول : يظهر من هذه المكالمة أنّ خلافة علي (ع) كانت مسلّمة قطعية في نظرهم ولا سيّما في نظر عليّ (ع) ، وكان لا يحتمل خلاف أحد وإنكاره واستبداده عليه .
ويروي أيضاً : قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر : كرداد ونا كرداد أي : عملتم وما عملتم ، لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم . (23)
أقول : يريد أنّكم باستخلاف أبي بكر فعلتم ما فعلتم وحرّفتم وصيّة رسول الله (ص) عن موضعها وظلمتم آله وعترته وغصبتم حقّ عليّ (ع) ولكن ما ظلمتم إلا أنفسكم ، وما فعلتم إلا على أنفسكم .
يقول في منتخب كنزل العمّال : إنّ أبا بكر حين استُخلف قعد في بيته حزينا ، فدخل عليه عمر فأقبل يلومه ، وقال : أنت كلّفتني هذا الأمر وشكى إليه الحكم بين الناس ! فقال له عمر : أو ما علمت أنّ رسول الله (ص) قال : إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحقّ فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ الحقّ فله أجر واحد . (24)
ويقول : عن رافع قال : لما استخلف الناس أبا بكر قلت : صاحبي الذي أمرني أن لا أتأمّر على رجلين ! فارتحلت فانتهيت إلى المدينة فتعرّضت لأبي بكر ، فقلت له : يا أبا بكر أتعرفني ؟ قال : نعم : قلت : أتذكر شيئا قلته لي لا أتأمّر على رجلين ، وقد وليت أمر الأمة ؟! فقال : إنّ رسول الله (ص) قبض والناس حديث عهد بكفرٍ ، فخفت عليهم أن يرتدّوا وان يختلفوا ، فدخلت فيها وأنا كاره ، ولم يزل بي صاحبي يعتذر حتى عذرته . (25)
أقول : فليستنتج المحقّق الحرّ من هذه الكلمات أيّ نتيجة يدرك بفكره الثاقب ونظره الخالص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الملل والنحل ، ج1 ، ص 16 .
2 ـ الفائق ، ج1 ، ص 181 .
3 ـ الفائق ، ج2 ، ص 305 .
4 ـ الفائق ، ج2 ، ص 321 .
5 ـ تاريخ الطبري ، ج3 ، ص 198 .
6 ـ نفس المصدر ، ص 199 .
7 ـ تاريخ الطبري ، ج3 ، ص 200 .
8 ـ مسند أحمد ، ج1 ، ص 55 .
9 ـ تاريخ الطبري ، ج3 ، ص 208 .
10 ـ العقد الفريد ، ج4 ، ص 257 .
11 ـ البخاري ، ج2 ، ص 179 .
12 ـ البخاري ، ج4 ، ص 111 .
13 ـ تاريخ الطبري ج3 ، ص 200 .
(*) المراد من التزوير في قول عمر غير ما فهمه المصنّف (رحمه الله) وهذا من سهو قلمه ، وإن كان هو أحد المعاني للكلمة . قال في لسان العرب : والتزوير : إصلاح الكلام وتهيئته . ( لجنة التقويم / شبكة الإمامين الحسنين للتراث والفكر الإسلامي )
14 ـ السيرة النبوية ، ج4 ، ص 307 .
15 ـ نفس المصدر ، ص 308 .
16 ـ مقالات الإسلاميين ، ج1 ، ص 40 .
17 ـ عيون ابن قتيبة ، ج 2 ، ص 233 .
18 ـ الطبقات ، ج 3 ، ص 182 .
19 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 579 .
20 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 581 .
21 ـ نفس المصدر 582 .
22 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 583 .
23 ـ نفس المصدر ، ص 591 .
24 ـ منتخب كنز العمّال ، ج 2 ، ص 158 .
25 ـ نفس المصدر ، ص 160 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page