• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة : خلافة أبي بكر

الفائق : خطب عمر بن الخطاب الناس فقال : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها ! إنّه لا بيعة إلاّ عن مشورة ، وأيّما رجلٌ بايع من غير مشورة فإنّه لا يُؤمّر واحد منها ، تغرَّة أن يُقتلا . (1)
قال الزمخشري : الفلتة : أي الفجأة . وقيل هي آخر ليلة من الأشهر الحرم وفيها كانوا يختلفون فيقول قوم : هي من الحلّ ، وقوم : من الحرم ، فيسارع الموتور إلى درك الثأر غير متلوّم ، فيكثر الفساد وتُسفك الدماء . وفي الحديث ؛ قال عمر : كانت إمارة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ، قلت : وما الفلتة ؟ قال : كان أهل الجاهلية يتحاجزون في الحُرُم فإذا كانت الليلة التي يشكّ فيها أدغلوا فأغاروا . ويجوز أن يريد بالفلتة الخِلسة ، يعني : أنّ الإمارة يوم السقيفة مالت إلى تولِّها كل نفس ونيط بها كلّ طمع ، ولذلك كثر فيها التشاجر والتجارب ، وقاموا فيها بالخُطب ووثب غير واحد يَستصوبها لرجل من عشيرته ويبدي ويعيد ، فما قُلّدها أبو بكر إلاّ انتزاعا من الأيدي واختلاسا من المخالب ، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيّجة للشرّ والفتنة ، فعصم الله من ذلك ووقى . والتغرّة مصدر غرّر به ، أيّ خوف التغرّة في أن يُقتلا وخوف إخطار بهما في القتل .
أقول : فعلى أيّ معنى وتقدير ، يعلم أنّ خلافته وقعت من غير سابقة وانتظار ، والوثوب والمسارعة في السقيفة ، حين اشتغال أهل البيت في تجهيز رسول الله (ص) ثمّ اجتمعوا في المسجد وأخذوا البيعة العامة .
البخاري :  بإسناده عن أنس : أنّه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم تُوفّي النبيّ (ص) فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلّم ، قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله (ص) حتى يُدبِرَنا ـ يريد بذلك أن يكون آخرهم ـ فإن يكُ محمّد (ص) قد مات فإنّ الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به هدى الله به محمداً (ص) ، وأنّ أبا بكر صاحب رسول الله (ص) ثاني اثنين ، فإنّه أولى المسلمين بأموركم ، قوموا فبايعوه ! وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة ، وكانت بيعة العامة على المنبر ، قال أنس : سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذٍ اصعد المنبر ، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامّة . (2)
أقول : يستنبط من هذا الكلام أمور :
1 ـ أنّ الباعث والمحرّك والسبب الفرد لإمرة أبي بكر يوم السقيفة وفي هذا اليوم هو عمر بن الخطّاب .
2 ـ فإن كان النور الذي هدى الله به محمّداً وهو القرآن كافياً ووافياً للمسلمين ، فلا يكون لهم احتياج إلى نصب خليفة . وإن كانت الحاجة إليه من جهة الحكومة الظاهرية فكيف يجعل هذا الأمر ركنا من أركان الدين ، حتى يعدّ منكره من المخالفين بل ومن الكافرين .
3 ـ يظهر من هذا الكلام : أنّ الدليل المنحصر والمستند الفرد لإمرة أبي بكر ، هو كونه صاحباً لرسول الله (ص) وكونه ثاني اثنين في سفر الهجرة ؛ وغير خفيّ أنّ أصحاب النبي (ص) كانوا ألوفاً ، ومنهم من كان أعلم وأتقى وأشجع وأفضل وأحبّ إلى الله والى رسوله من أبي بكر ، وأمّا المصاحبة في سفر مخصوص فلا يدلّ على فضيلة خاصة بوجه من الوجوه .
ويقول أيضاً : سمع أنس عمر بن الخطاب حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله (ص) ، تشهّد قبل أبي بكر ، فقال : أمّا بعد ، فاختار الله لرسوله (ص) الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم ، فخذوا به تهتدوا وإنّما هدى الله به رسوله . (3)
أقول : نحن نعتقد بأن كتاب الله بعد أن توفّي رسول الله (ص) كان محتاجاً إلى مبيّن ، فإنّ فيه عاماً ومطلقاً ومتشابهاً ومنسوخاً ، ولا بدّ من وجود إمام مؤيّد من الله ومتعيّن من جانب رسوله وهو أفضل الأمّة ، معصوم من الآثام والخطأ  ، عالم بالأحكام ، ولا نرى هذه المراتب إلاّ في شخص عليّ بن أبي طالب (ع) ، وإمّا انتخاب الناس وآرائهم فلا اعتبار لها إلاّ في الحكومات الظاهرية .
السيرة النبوية : لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد ، جلس أبو بكر على المنبر ، فقام عمر فتكلّم قبل أبي بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ممّا وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهداً عهده إليّ رسول الله (ص) ولكنّي قد كنت آلي أنّ رسول الله (ص) سيدبر أمرنا ـ يقول : يكون آخرنا ، ـ وإنّ الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله (ص) ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له ، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله (ص) ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوه ، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة . (4)
أقول : أما كون أبي بكر خير الأصحاب : فهو مخالف النصوص الواردة والبرهان . وأمّا الاعتصام بالكتاب : فلا بد من الرجوع في الموارد المشكلة والمتشابهة إلى من هو محيط وعالم بتفسير الكتاب وتأويله كما هو حقّه . وأمّا قول عمر بن الخطاب : فلا حجية فيه بوجه بعدما ثبت الخطأ في قوله في الموارد الكثيرة ، ومنها في هذا المورد حيث صرّح بأنّه قال مقالة ما وجدها في الكتاب ولا هي معهودة من الرسول (ص) .
ثمّ أنّ عمر اعتذر من قوله بما هو أسوأ ، حيث يقول لابن عبّاس :
أنساب الأشراف : قال لي عمر في خلافته : أتدري يا ابن عبّاس ما حملني على ما قلت حين توفّي رسول الله (ص) ؟ كنت اقرأ الآية ـ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً  ـ وكنت أظن أن رسول الله (ص) سيبقى في أمّته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فذلك حملني على ما قلت . (5)
أقول : فإنّ شهادة الرسول لا يراد بها شهادته على جميع أفراد الأمّة في الخارج بمعنى الحضور الظاهري ، كما أنّ شهادة الأمّة على الناس ليست بذلك المعنى .
والعجب من أنّ أبا بكر خطب بعد هذه المقالة ، وصرّح في كلامه بأنّه ليس بخير الأصحاب ، كما في :
العقد الفريد : ثمّ قال : أيّها الناس إنّي قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم ! فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم . (6)
السيرة النبوية : فتكلّم أبو بكر ... إنّي قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوّموني ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم .. . (7)
أقول : صرّح في كلامه بأنّه ليس بخيرهم ، وأنّ الإساءة والعصيان ممكنة في حقّه عادة .
عيون ابن قتيبة : لمّا بويع أبو بكر الصديق صعد المنبر فنزل مرقاة من مقعد النبيّ (ص) فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال إنّي وَليت أمركم ولست بخيركم ولكنّه نزل القرآن وسنّ رسول الله (ص).. إنّما أنا متّبعٍ ولست بمبتدع ، فإن أحسنت فأعينوني وإن زِغت فقوّموني . (8)
الطبقات : كما في العيون . (9)
ويروي أيضاً عن الحسن : ثمّ قال أبو بكر : فإنّي وليت هذا الأمر وأنا له كاره ، والله لوددت أنّ بعضكم كفانيه ، ألا وإنّكم إن كلّفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله (ص) لم أقم به ، كان رسول الله (ص) عبداً أكرمه الله بالوحي وعصمه به ، ألا وإنّما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم ، فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإن رأيتموني زغت فقوّموني ، واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم . (10)
أقول : لا إشكال ولا اختلاف بين المسلمين قاطبة في أنّ الحكومة الظاهرية والإمارة الصورية في المسلمين بعد النبيّ (ص) إنّما هي متحقّقة لأبي بكر بن أبي قحافة ، وبايعه الناس على التدريج طوعاً وكرهاً . وإنّما الاختلاف من جهة الخلافة الحقيقية والإمارة المعنوية من جانب الله تعالى ومن جانب الرسول (ص) ، فقالت الشيعة الإمامية : إنّها متعيّنة ومنصوصة من الله ورسوله في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو المنصوص بالمرجعية الروحانية والمرجع في العلم والقضاء والأعلم بالكتاب والسنة من بين جمع الصحابة .
وقد صرّح أبو بكر نفسه في هذه الخطبة بأنّه ليس حائزاً بهذه المرتبة :
1 ـ أشار بقوله ( وُلّيت ، ولّيت عليكم ، وَليت أمركم وأنا له كاره ) إنّ هذه الولاية والحكومة من جانب الناس وبتعيينهم .
2 ـ أشار بقوله ( لست بخيركم ، لست بخير من أحدٍ منكم ) أنّ مقامه المعنوي كمقامات سائر الناس وانّه كأحد من الصحابة .
3 ـ أشار بقوله ( فإن أسأت ، فإذا عصيت الله ورسوله ، وإن زِغت ، أنّ لي شيطاناً ، غضبت ) أنّه غير مصون من الخطأ والزلل ، ولا يجوز اتّباعه في جميع أفعاله وأموره وأقواله .
4 ـ قد صرّح في كلامه ( فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، فإذا زِغت فقوّموني) بأنّه لا يجوز اتّباعه في هذه الموارد ، بل ويلزم مخالفته .
وقالت الإمامية : أنّ أبا بكر قد عصى رسوله وغضب وزاغ في موارد لا يجوز لنا اتّباعه فيها ، وسنذكر تلك الموارد إجمالاً في الفصول الآتية .
أنساب الأشراف : عن الزهري ، خطب أبو بكر حين بويع واستُخلف ، فقال ... ألا وإنّي قد وُليتكم ولست بخيركم ، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك إنّي خشيت فتنة ،... ولقد قُلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا بدّ أن .... ، ولوددت أنّ أقوى الناس عليها مكاني ،... وإن أحسنت فأعينوني وإن زِغت فقوّموني ،... أيّها الناس أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . (11)
سنن البيهقي : يروي قريباً منها . (12)
تاريخ الطبري : وقام أبو بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيّها الناس إنّما أنا مثلكم وإنّي لا أدري لعلكم ستكلّفوني ما كان رسول الله (ص) يُطيق ، إنّ الله اصطفى محمّداً على العالمين وعصمه من الآفات ، وإنّما أنا متّبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وإن زِغت فقوّموني ... ألا وإنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني . (13)
أقول : أنّ الخليفة بعد رسول الله (ص) لازم أن يكون أعلم الأمة حتى لا يجهل أمراً يحتاج يصحّ اتّباعه ، ويكون قوله وعمله حجّة في الله ، وأن يكون منصوصاً ومعيّنا من الله ومن جانب رسوله حتى يُطمأن له ويُعتمد عليه ويُؤتمّ به .
فليس بجائز عند العقل أن نتخذ إماماً يعترف بأنّه ليس بخير الأمة ، وكانت بيعته فلتة ، ولا طاقة له بما قُلده ، ويود أنّ مكانه أقوى الناس عليها ، ويجوز في حقّه الزيغ والإساءة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الفائق ، ج2 ، ص296 .
2 ـ البخاري ، ج4 ، ص153 .
3 ـ نفس المصدر السابق ، ص157 .
4 ـ السيرة النبوية ، ج4 ، ص311 .
5 ـ أنساب الأشراف ، ج1 ، ص568 .
6 ـ العقد الفريد ، ج2 ، ص59 .
7 ـ السيرة النبوية ، ج4 ، ص311 .
8 ـ عيون ابن قتيبة ، ج2 ، ص234 .
9 ـ الطبقات ، ج3 ، ص183 .
10 ـ نفس المصدر السابق ، ص212 .
11 ـ أنساب الأشراف ، ج1 ، ص590 .
12 ـ سنن البيهقي ، ج8 ، ص152 .
13 ـ تاريخ الطبري ، ج3 ، ص211 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page