الكنى للبخاري : عن أبي جروة سمعت علياً والزبير ، قال عليّ حين توافقا : هل سمعت النبي (ص) يقول : أنت تقاتلني ظالماً ؟ قال : نعم . (1)
الكنى للدولابي : عن الأسود بن قيس قال : حدثني من رأى الزبير يقعص الخيل قعصاً بالرمح ، فناداه عليّ : يا أبا عبد الله ، فأقبل حتى التفت أعناق دوابّهما ، فقال : أنشدك بالله أتذكر يوم كنت أناجيك فأتانا رسول الله (ص) فقال : تُناجيه فوالله ليُقاتلنّك يوماً وهو لك ظالم ، قال : فلم يعد أن يسمع الحديث فضرب وجه دابته وذهب . (2)
سير الأعلام : يروي نظيراً من الروايتين . (3)
ويروى أيضاً : عن أبن أبي ليلى : انصرف الزبير يوم الجمل عن عليّ فلقيه ابنه عبد الله ، فقال : جُبناً جبناً ؛ قال : قد علم الناس إني لست بجبان ، ولكن ذكّرني عليّ شيئاً سمعته من رسول الله (ص) فحلفتُ أن لا أُقاتله ، ثم قال :
تركُ الأمــور التـي أخشى عواقبها = في الله أحسن في الدنيا وفي الدين (4)
مستدرك الحاكم : عن أبي حرب قال : شهدت علياً والزبير لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف ، فعرض له ابنه عبد الله فقال : ما لك ؟ فقال : ذكر لي عليّ حديثاً سمعته من رسول الله (ص) يقول : لتقاتلنّه وأنت ظالم له ، فلا أقاتله ، قال : وللقتال جئت ؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويُصلح الله هذا الأمر بك ، قال : وقد حلفت أن لا أقاتل ، قال : فأعتق غلامك جرجس وقف حتى تُصلح بين الناس ، قال : فأعتق غلامه جرجس ووقف ، فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه . (5)
قال الحاكم : وقد روي إقرار الزبير لعليّ بذلك من غير هذه الوجوه والروايات . ثم يروي روايات دالة عليه .
أقول : يستفاد من هذه الأحاديث أمور :
1 ـ الحديث الوارد الثابت المسلم ، وهو قوله (ص) : يقاتل الزبير وهو ظالم لعليّ ـ فلا يبقى ريب في أن عليّاً مظلوم وهو مع الحق ، وأن مخالفيه ظالمون له .
2 ـ ومن أعجب العجائب قول عبد الله بن الزبير : إنما جئت لتصلح بين الناس ـ فلا ندري من المراد من الناس ؟ هل كان أحد غيره وغير طلحة وعائشة مُثيراً لهذه الفتنة ؟ وهل يصح أن نقول : إن الخلاف للخليفة ونقض بيعته والقيام عليه هو الإصلاح بين الناس .
الإمامة والسياسة : قال عليّ لطلحة : إنما كان لكما أن لا ترضيا قبل الرضى وقبل البيعة ، وأما الآن فليس لكما غيرُ ما رضيتما به إلا أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث ، فإن كنتُ أحدثت حدثاً فسموه لي ، وأخرجتم أمكم عائشة وتركتم نساءكم فهذا أعظم الحدث منكم . أرضي هذا لرسول الله أن تهتكوا ستراً ضربه عليها وتُخرجوها منه . (6)
مستدرك الحاكم : عن الضبي : كنا مع علي يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله ، فأتاه طلحة ، فقال : نشدتك الله هل سمعت رسول الله (ص) يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللَّهُم وال من والاه وعاد من عاداه ! قال : نعم ، قال : فلِمَ تُقاتلني ؟ قال : لم أذكر ، قال : فانصرف طلحة . (7)
ويروى أيضاً : عن ثور بن مجزأة قال : مررت بطلحة بن عبيد الله يوم الجمل وهو صريع في آخر رمق ، فوقفت عليه فرفع رأسه فقال : أني لأرى وجه رجل كأنه القمر ممن أنت ؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين علي ، فقال : أبسط يد أبايعك ! فبسطت يدي وبايعني ففاضت نفسه ، فأتيت علياً فأخبرته بقول طلحة ، فقال : الله أكبر الله أكبر ! صدق رسول الله (ص) : أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه . (8)
أقول : فالروايتان تدلان على رجوع طلحة وتوبته .
نعم ، لا يمكن تأويل قول رسول الله (ص) : وعاد من عاداه ، بوجه من الوجوه ، ولا يمكن الاعتراف والتصديق بقوله : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، إلا بأن يولّي علياً على نفسه ويصير مطيعاً وموالياً ومبايعاً له ، والحق في هذه المراحل في منتهى البداهة والوضوح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكنى للدولابي ، ص 21 .
2 ـ الكنى للدولابي ، ج 1 ، ص 9 .
3 ـ سير الأعلام ، ج 1 ، ص 37 .
4 ـ نفس المصدر ، ص 38 .
5 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 366 .
6 ـ الإمامة والسياسة ، ج 1 ، ص 66 .
7 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 371 .
8 ـ نفس المصدر ، ص 373 .
مذاكرة علي (ع) معهما
- الزيارات: 2945