• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة : حرب صفين

الملل والنحل : والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين ، ومخالفة الخوارج وحمله على التحكيم ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري . (1)
تاريخ الطبري : فدخل عمرو على معاوية فقال : والله لعجب لك أني أرفدك بما أرفدك وأنت مُعرض عني ! أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها ، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية وعطف عليه . (2)
ويروي : عن جندب الأزدي أن علياً كان يأمرنا في كل موطن لقينا فيه معه عدواً فيقول : لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم ؛ فأنتم بحمد الله عَزَّ وجَلَّ على حجة ، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم . فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم ، فلا تقتلوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جرح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثِّلوا بقتيل . فإذا وصلتم إلى رجال القوم ، فلا تهتكوا سراً ولا تدخلوا داراً إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف القوى والأنفس . (3)
أقول : المتحصل من هذا الكلام أن اللازم في هذه الفتنة هو الدفاع والصد عن قتالهم وإشاعة أمرهم وحكمهم وتوسعة حكومتهم ونفوذ قدرتهم المادية الدنيوية .
ويروي أيضاً : عن زيد بن وهب الجهني : أن عمار بن ياسر (رحمه الله) قال يومئذٍ : أين من يبتغي رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد . فأتته عصابة من الناس ، فقال : أيها الناس ، اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ويزعمون أنه قتل مظلوماً ، والله ما طلبتهم بدمه ولكنَّ القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها ، وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من دنياهم ، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم ، فخدعوا أتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوماً ! ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولولا هي ما تبعهم من الناس رجلان . اللَّهُم إن تنصرنا فطالما نصرت ، ولا تجعل لهم الأمر ، فادّخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم . (4)
ويروي أيضاً : أن علياً مرَّ على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه فخبّر بذلك ، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال : انهدُّوا إليهم ، عليكم السكينة والوقار وقار الإسلام وسيما الصالحين ، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حداً في الإسلام !! وهم أولى من يقومون فينقصونني ويجذبونني ، وقبل اليوم قاتلوني ، وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام . الحمد لله ، قديماً عاداني الفاسقون فعبد هم الله ، ألم يُفتَحوا إن هذا لهو الخطب الجليل أن فسَّاقاً كانوا غير مرضيين وعلى الإسلام وأهله متخوِّفين ، خدعوا شطر هذه الأمة ، وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهواءهم بالآفات والبهتان ، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عَزَّ وجَلَّ ، اللَّهُم فافضض خدمتهم وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم . (5)
أقول : أبو الأعور هو عمرو بن سفيان السلمي ، عليه مدار حروب معاوية في صفين ، أدرك الجاهلية وليست له صحبة . ومن العجب ما يروي مرسلاً عن النبي (ص) كما في الاستيعاب : إنما أخاف على أمتي شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ، إماماً ضالاً . وهذا الحديث حجة تامة عليه ، وقد ختم الله على قلبه وعلى بصره غشاوة . (6)
العقد الفريد : اجتمعت قريش ( الشام والحجاز ) عند معاوية وفيهم عبد الله بن عباس ، وكان جريئاً على معاوية حقَّاراً له ، فبلغه عنه بعض ما غمّه ، فقال معاوية ... وذنوبكم إلينا أكثر من ذنوبنا إليكم : خذلتم عثمان بالمدينة ، وقتلتم أنصاره يوم الجمل ، وحاربتموني بصفين ، ولعمري لبنو تيم وعديّ أعظم ذنوباً منا إليكم ، إذ صرفوا عنكم هذا الأمر وسنّوا فيكم هذه السنة ... فتكلّم ابن عباس ... وأما استعمال عليّ إيانا فلنفسه دون هواه ، وقد استعملت أنت رجالاً لهواك لا لنفسك ، منهم ابن الحضرمي على البصرة فقتل ، وابن بشر أرطاة على اليمن فخان ، وحبيب بن مُرة على الحجاز فرُدّ ، والضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحُصب ، ولو طلبت ما عندنا وقينا أعراضنا . وليس الذي يبلغك عنا بأعظم من الذي يبلغنا عنك ، ولو وضع أصغر ذنوبكم إلينا على مئة حسنة لمحقها ، ولو وضع أدنى عذرنا إليكم على مئة سيئة لحسنها . وأما خَذْلُنا عثمان : فلو لزمنا نصره لنصرناه ، وأما قتلنا انصراه يوم الجمل : فعلى خروجهم مما دخلوا فيه ، وأما حربنا إيّاك بصفين : فعلى تركك الحق وادعائك الباطل ، وأما إغراؤك إيَّانا بتيم وعديّ : فلو أدرناها ما غلبونا عليها . (7)
الإمامة والسياسة : لما انتهى كتاب عمرو إلى ابن عباس ، أتى به إلى عليّ فأقرأه إيَّاه ، فقال عليّ : قاتل الله ابن العاص ! أجبه ! فكتب إليه : أما بعد ، فإنني لا أعلم رجلاً أقلُّ حياءً منك في العرب ، إنك مَالَ بك الهوى إلى معاوية ، وبعته دينك بالثمن الأوكس ، ثم خطبت الناس في عشواء طمعاً في هذا الملك ، فلمّا تراميناه أعظمت الحرب والرماء إعظام أهل الدين ، وأظهرت فيها كراهية أهل الورع ، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب وكسر أهل الدين . فإن كنت تريد الله فدع مصر وارجع إلى بيتك ، فإن هذه حرب ليس فيها معاوية كعلي ، بدأها عليّ بالحق وانتهى فيها بالعذر ، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف ، وليس أهل الشام فيها كأهل العراق : بايع أهل العراق علياً وهو خير منهم ، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها سواء ، أردتُ الله وأردتَ مصر . (8)
مستدرك الحاكم : عن الحكم قال : شهد مع علي صفين ثمانون بدرياً وخمسون ومئتان ممن بايع تحت الشجرة . (9)
الاستيعاب : قال عبد الرحمن بن أبزى : شهدنا مع عليّ (رضي الله عنه) صفين في ثمنمائة ممن بايع بيعة الرضوان ، قتل منهم ثلاثة وستون ، منهم عمار بن ياسر . (10)
ويروي أيضاً : عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : شهدنا مع علي (رضي الله عنه) صفين ، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد (ص) يتبعونه ، كأنه علم لهم ، وسمعت عماراً يقول يومئذٍ لهاشم بن عقبة : تقدم ! الجنة تحت الأبارقة ، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَر لعلمنا أنَّا على الحق وأنهم على الباطل .
أقول : في مقدمة الاستيعاب يروي : (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) الذين بايعوا بيعة الرضوان ، قال الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) والشجرة في الحديبية ، وعدّتهم أربع عشرة مئة ، وكان عدة أهل بدر ثلاثمئة وثلاث عشرة . ويروي عن رسول الله (ص) : لن يلج النار أحد شهد بدراً أو الحديبية .
الإمامة والسياسة : إن عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب ! فقال معاوية : لله أنت ! تدري ما قلت ، أما قولك الغبيّ : فوالله لو أن ألسُن الناسِ جُمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان عليّ . وأما قولك إنه جبان : فثكلتك أمك هل رأيت أحداً بارزه إلا قتله . وأما قولك إنه بخيل : فوالله لو كان بيتان أحدهما من تبر والآخرة من تبن لأنفد تبره قبل تبنه . فقال الثقفي : فعلى مَ تُقاتله إذاً ؟! ثم لحق بعليّ . (11)
تاريخ الطبري : فأرسل عليّ إلى الأشتر فقال : يا مالك ... فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم ، وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يَبدؤوك حتى تلقاهم فتدعوهم وتُسمع ، ولا يجرمنّك شنأنهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة ، واجعل على ميمنتك زياداً . (12)
ويروي : فدعا عليّ صعصعة بن صوحان فقال له : ائت معاوية وقل له : إنا سرنا مسيرنا هذا إليكم ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك ، وهذه أخرى قد فعلتموها قد حُلتم بين الناس ومبين الماء ، والناس غير منتهين أو يشربوا ، فابعث إلى أصحابك فليُخلوا بين الناس وبين الماء ، ويكفّوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا وقدمتم له . (13)
ويروي : ثم إن علياً دعا بشير بن عمرو بن محصن وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي ، فقال : ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله والى الطاعة والجماعة ... فحمد الله ، وأثنى عليه أبو عمرة بشير بن عمرو وقال : يا معاوية ، إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة ، وإن الله عَزَّ وجَلَّ مُحاسبك بعملك وجازيك بما قدّمت يداك ، وإني أنشدك الله عَزَّ وجَلَّ أن تُفرّق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءهم بينها ! فقطع عليه الكلام وقال : هلا أوصيت بذلك صاحبك ؟ فقال أبو عمرة : إن صاحبي ليس مثلك ! إن صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول (ص) ، قال : فيقول ماذا ؟ قال : يأمرك بتقوى الله عَزَّ وجَلَّ وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق ، فإنه أسلمُ لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك ، قال معاوية : ونطّل دم عثمان ! لا والله لا أفعل ذلك أبداً . فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي فتكلم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا معاوية ، إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، إنك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك : قُتل إمامكم مظلوماً فنحن نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصرة وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب . (14)
ويروي : فبعث عليٌّ عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن حفصة إلى معاوية ، فلما دخلوا حمد الله عديُّ بن حاتم ثم قال : أما بعد ، فإنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عَزَّ وجَلَّ به كلمتنا وأمتنا ، ويحقن به الدماء ويأمن به السبل ويصلح به ذات البين . إن ابن عمك سيد المسلمين ، أفضلها سابقة ، وأحسنها في الإسلام أثراً ، وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عَزَّ وجَلَّ بالذي رأوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل ! فقال معاوية : كأنك إنما جئت متهدداً لم تأت مصلحاً ، هيهات يا عديّ ، كلا والله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان ، أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان وإنك لمن قتلته ، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عَزَّ وجَلَّ به . (15)
أقول : يظهر من هذه الخطابات والكلمات أمور :
1 ـ أن أمير المؤمنين علياً يدعو إلى الحق ولا يقصد إلا إجراء الحق والعمل بالكتاب والسنة والإصلاح بين المسلمين وجمع كلمتهم . وأما معاوية ، فهو لا يريد إلا الرئاسة والحكومة والدنيا ، وليس إلى طلبها سبيل إلا الحرب ، وليس للحرب مستمسك إلا طلب الدم . وما أحسن ما قال شبث بن ربعي : والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، إنك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوماً فنحن نطلب بدمه .
2 ـ إن أمير المؤمنين علياً هو أول من أسلم ، وهو أحب الناس إلى الله عَزَّ وجَلَّ وإلى رسوله ، وهو أعلم الأمة وأتقاهم وأحسنهم جهاداً وأثراً في سبيل الله ، ومن قال له رسول الله (ص) : اللَّهُم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله . وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة . وغير ذلك . وأما معاوية ، فهو ليس من المهاجرين والأنصار ، وليست له سابقة فضل ومعرفة وجهاد في سبيل الله ، وكان من المخالفين وفي صفوف الأعداء ، ومن رؤساء المشركين إلى أن فُتحت مكة ، فدخل هو وأبوه في الإسلام فيمن دخل ، فهو في زمان رسول الله (ص) كان مخالفاً للإسلام وللمسلمين ، ثم أسلم ووافق ظواهر الإسلام واستقرّ تحت لوائه ، ولم يدخل نور حقيقة الإيمان وحقائق الإسلام في قلبه ، ولم يخرج حبّ الدنيا والرئاسة من باطنه ، فهو الآن في رأس صفوف المنافقين الذين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، ويحاربون المسلمين على حقائق الإسلام ! فانظر إلى كلام أمير المؤمنين (ع) في حقه يرويه الطبري وتدبّر فيه حتى يظهر لك حقيقة حاله وحقيقة المقام .
يروي : أن معاوية بعث إلى عليٍّ حبيبَ بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس ، فدخلوا عليه وأنا عنده ، فحمد الله حبيب وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهدياً يعمل بكتاب الله عَزَّ وجَلَّ وينيب إلى أمر الله تعالى ، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه ، فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به ، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يُولّى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم . فقال له علي بن أبي طالب : وما أنت لا أم لك ! والعزل وهذا الأمر ، اسكت ، فإنك لست هناك ولا بأهل له . فقام وقال له : والله لترينّي بحيث تكره ! فقال عليّ : وما أنت ؛ ولو أجلبت بخيلك ورجلك ، لا أبقى الله عليك إن أبقيت عليّ ، أحُقرة وسوءاً ، اذهب فصوّب وصعّد ما بدالك ! وقال شرحبيل بن السمط : إن كلمّتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل ، فهل عندك جواب غير الذي أجبته به ؟ فقال عليّ : نعم ، لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الله جَلَّ ثناؤه بعث محمداً (ص) بالحق فأنقذ به من الضلالة ، وانتاش به من الهلكة ، وجمع به من الفرقة . ثم قبضه الله إليه وقد أدّى ما عليه (صلَّى الله عليه وسلَّم) ، ثم استخلف الناس أبا بكر ، واستخلف أبو بكر عمر ، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة . وقد وجدنا عليهما أن تولّيا علينا ونحن آل رسول الله (ص) ، فغفرنا ذلك لهما . ووُلّي عثمان فعمل أشياء عابها الناس عليه ، فساروا إليه فقتلوه . ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لي : بايع . فأبيت عليهم ، فقالوا لي : بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك ، وإنا نخاف أن لم تفعل أن يفترق الناس . فبايعتهم . فلم يرُعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني ، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عَزَّ وجَلَّ له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عَزَّ وجَلَّ ولرسوله (ص) وللمسلمين عدواً هو وأبوه ، حتى دخلا في الإسلام كارهين ، فلا غَرو إلاّ خلافكم معه وانقيادكم له ، وتدعون آل نبيكم (ص) الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً . ألا إني أدعوكم إلى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ وسنة نبيه (ص) وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة . فقال : أشهدْ أن عثمان قُتل مظلوماً . فقال لهما :  لا أقول إنه قتل مظلوماً ولا إنه قتل ظالماً . قالوا : فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوماً فنحن منه برآء . ثم قاما فانصرفا . فقال عليّ : (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) . (16)
أقول : في هذه الكلمات موارد للنظر نُشير إلى بعضها :
أولاً ـ قول حبيب فقلتموه فادفع إلينا قتلته : قد مرّ أن أمير المؤمنين علياً كان من الناصحين المدافعين الناصرين لعثمان . وأما معاوية ، فكان ممن تسامح في نصرته والدفاع عنه وإجابة دعوته .
ثانياً ـ بيعة الإمام وإطاعته واجبة على كل فرد مسلم ، والإمام على عقيدتهم من يتعيّن من جانب المهاجرين والأنصار في مدينة رسول الله (ص) ولا يتوقف هذا على حكم آخر ، بمعنى أن المبايعة واجبة ، وطلب الثأر حكم آخر فرعيّ لابد فيه من المراجعة إلى الحاكم والقاضي ، حتى يحكم بعد التحقيق عن القاتل وكيفية القتل والقصد فيه وثبوت الجناية بالطريق الشرعي ، بحكم خاص .
ثالثاً ـ أن معاوية فرد من أفراد المسلمين ، وليس بولي عثمان ولا بولي المسلمين ، حتى يدّعي أنه يطلب ثأر عثمان أو يطلب قتلته من خليفة المسلمين ، وأعجب منه قوله : واعتزل أمر الناس حتى يكون شورى ، فراجع ثم راجع كلام علي (ع) في جوابه حتى تعلم حقيقة الأمر .
ويروي أيضاً : أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس فقال : اللَّهُم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته ، اللَّهُم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبّة سيفي في صدري ثم انحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت ، وإني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم أن عملاً من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته . (17)
أقول : هذا ما يعتقد به عمار بن ياسر وهو من خواصّ أصحاب رسول الله (ص) ، وقد قال (ص) في حقه : تقتله الفئة الباغية . وقلنا إن معاوية قد حارب المسلمين في زمن رسول الله (ص) خلافاً لله ولرسوله وللإسلام ، وفي هذا اليوم يُحارب المسلمين أيضاً طلباً للرئاسة والدنيا وخلافاً لحقائق الإسلام . ونِعم ما قال عمار بن ياسر وهو يقول لعمرو بن العاص بصفِّين : لقد قاتلتُ صاحب هذه الراية ثلاثة مع رسول الله (ص) وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى . (18)
وليس ببعيد أن نقول : إن خلاف معاوية اليوم أشد ضرراً للإسلام وللمسلمين وأكثر تأثيراً في قلوب المؤمنين من محاربته رسول الله (ص) زمان كفره . ومن هنا ترى علياً (ع) إذا صلَّى الغداة يقنت ويقول : اللَّهُم العن معاوية وعمراً وأبا لأعور السلمي وحبيباً وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد كما في الطبري (19) فراجعه .
وقال عبد الله بن عمر وصحّ عنه من وجوه الاستيعاب : ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي (ع) . (20)
ويروي روايات بإسناده قريبة منها . (21)
ويروي : أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول : ما لي ولقتال المسلمين ولصفين ، لوددت أني متّ قبله بعشر سنين . أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ، ولوددتُ أني لم أحضر شيئاً منها ، واستغفر الله من ذلك وأتوب إليه . (22)
أقول : يستفاد من روايات هذا الفصل أمور :
1 ـ قول عمرو : حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنَّا إنما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية .
2 ـ قول عليّ (ع) : فأنتم على حجة وتركُكم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم ... فلا تقتلوا مدبراً ... ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم .
3 ـ قول عمار : والله ما طلبتم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرءوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم .
4 ـ قول علي (ع) : فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود في الإسلام وهم أولى من يقومون فينقصونني !!
5 ـ قول ابن عباس : وأمَّا قتلنا أنصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه ، وأما حربنا إيَّاك بصفين فعلى تركك الحق وادعائك الباطل .
6 ـ قول ابن عباس وكتابه إلى عمرو : فإني لا أعلم رجلاً أقل حياءً منك في العرب ؛ إنك مال بك الهوى إلى معاوية وبعته دينك بالثمن الأوكس ، ثم خطبت الناس في عشواء !.
7 ـ قول الحكم : شهد مع علي في صفين ثمانون بدرياً وخمسون ومئتان ممن بايع تحت الشجرة منهم عمار بن ياسر .
8 ـ قول عمار : تقدَّم الجنة تحت الأبارقة ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنَّا على الحق وأنهم على الباطل .
9 ـ قول معاوية : فوالله لو كان لعليّ بيتان أحدهما من تِبر والآخر من تِبن لأنفذ تِبره قبل تبنه .
10 ـ قول علي (ع) لمالك : ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة .
11 ـ قول علي (ع) لمعاوية : إنك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نُقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك .
12 ـ قول أبو عمرة بشير بن عمرو لمعاوية : أن علياً يأمرك بتقوى الله عَزَّ وجَلَّ ، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك .
13 ـ قول عديّ بن حاتم : إنا أتيناك ندعوك إلى أمر يَجمع الله عَزَّ وجَلَّ به كلمتنا وأمتنا ويَحقن به الدماء ، ويأمن به السُبل ويُصلح به ذات البين ، إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة .
14 ـ قول عليّ (ع) في جواب حبيب بن مسلمة : ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم ، فقالوا لي : بايع ... فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عَزَّ وجَلَّ له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق .
15 ـ قول عمار : اللَّهُم إني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين .
16 ـ قول عبد الله بن عمرو بن العاص : مالي ولقتال المسلمين وصفين ، لوددت أني متُّ قبله بعشر سنين .
17 ـ قول عبد الله بن عمر بن الخطاب : ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي .
18 ـ قول عمار : لقد قاتلت معاوية ثلاثاً مع رسول الله (ص) وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الملل والنحل ، ج 1 ، ص 22 .
2 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 234 .
3 ـ نفس المصدر ، ج 6 ، ص 6 .
4 ـ نفس المصدر ، ج 6 ، ص 21 .
5 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص 25 .
6 ـ الاستيعاب ، ج 3 ، ص 1179 .
7 ـ العقد الفريد ، ج 4 ، ص 7 .
8 ـ الإمامة والسياسة ، ج 1 ، ص 95 .
9 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 104 .
10 ـ الاستيعاب ، ج 3 ، ص 1138 .
11 ـ الإمامة والسياسة ، ج 1 ، ص 17 .
12 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 238 .
13 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 241 .
14 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 242 .
15 ـ نفس المصدر ، ج 6 ، ص 2 .
16 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص 4 .
17 ـ نفس المصدر السابق ، ص 21 . 
18 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص 22 .
19 ـ نفس المصدر ، ص 40 .
20 ـ الاستيعاب ، ج 1 ، ص 77 .
21 ـ نفس المصدر ، ج 3 ، ص 953 .
22 ـ نفس المصدر ، ج 3 ، ص 958 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page