التاريخ: 2009/09/16
معكم في حلقة أخری من هذا البرنامج نتناول فيها المقطع التالي من آيات تشريع الصيام حيث يقول الله جل جلاله: «ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ».
الدرس الأول نستلهمه من قوله تعالی «ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» فإضافة الی الحكم الشرعي المرتبط بتحديد المدة الزمنية للصيام والامساك عن المفطرات من الفجر الی الليل، نستلهم دعوة إلهية لاتمام الصيام من الناحية الكيفية إضافة الی الناحية الكمية.
أي انه مثلما ينبغي للصائمين أن يحرصوا علی إتمام الصيام من الفجر الی الليل فلا يمارسوا شيئاً من المتع المادية المحددة خلال فترة النهار: ينبغي لهم أيضاً أن يحرصوا علی إتمام الصيام من الناحية المعنوية والكيفية، فيتورعوا عن المفطرات المعنوية أي جميع ما حرم الله عزوجل: فيكون إمتناعهم عن المتع المحللة خلال النهار عونا لهم علی التقوی والورع عن المعاصي كافة في نهارهم وليلهم وجميع أيامهم وفي ذلك تمام الصيام وتحقق الغاية الأصلية من تشريع هذه العبادة المباركة.
أما الدرس الثاني، فهو الذي نستفيده من قوله جل جلاله: «وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ».
وهذا الحكم يرتبط بقوله عز من قائل في بداية هذه الأية الكريمة «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ» ففي مطلع الأية تحليل لهذه المباشرة في ليالي شهر رمضان: أما هنا فنجد حكم آخر يحرم هذه المباشرة خلال ليالي الاعتكاف في المساجد فضلاً عن نهاراتها حيث تحرم المباشرة بسبب الصوم الذي هو جزء من عبادة الاعتكاف التي أقل ما تكون ثلاثة أيام.
وفي ذلك إشعار قرآني بليغ الی أهمية الاعتكاف بالنسبة للصائمين بأعتباره عبادة مباركة تشتمل علی الصيام مقرونا بضيافة إلهية أخص من ضيافة شهر رمضان العامة، ففي ضيافة الاعتكاف يستضيف الله جل جلاله عبده المؤمن في المسجد - وهو بيت الله في أرضه - وعلی مدی أيام عدة أقلها ثلاثة أيام يديم العكوف خلالها في المسجد في خلوة روحية ومعنوية بربه جل جلاله يتجنب فيها كل ما يشغله عنه ويستثمر فيها عبادة الصيام للوصول بها الی جني أفضل وأسمی ما يمكنه من ثمراتها المباركة في تقوية إرتباطه بالله عزوجل والاجتهاد في الحصول علی مراتب أسمی من معرفته ومحبته تبارك وتعالی.
في الحلقة المقبلة من برنامجكم هذا لنا وقفة عند الدروس المستلهمة من ختام الآية السابعة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة وفيها خلاصة لأهم الدروس القرآنية بشأن عبادة الصيام المباركة.
آيات الصائمين الحلقة (٢٦)
- الزيارات: 4056