طباعة

الأنصار من غير الهاشميين 10

 

الأنصار من غير الهاشميين 10

نعيم بن عجلان الأنصاري :

 نعيم بن عجلان بن النعمان الأنصاري . . كان هو وأخواه النضر والنعمان قد أدركوا النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهم من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولهم في صفّين مواقف فيها ذكر وسمعة، وكانوا شجعاناً شعراء، وقد استعمل (عليه السلام) النعمان على البحرين، ثمّ إنـّه والنضر ماتا في خلافة الحسن (عليه السلام)، وبقي نعيم بالكوفة، فلمّا ورد الحسين (عليه السلام)إلى العراق خرج إليه وصار معه، فتقدّم في اليوم العاشر، وقُتل مع مَن قُتل من أصحابه (عليه السلام) في الحملة الاُولى قبل الظهر .

                وقد كساه شرفاً على شرف الشهادة، تسليم الإمام (عليه السلام) المخصوص في زيارة الناحية المقدّسة والزيارة الرجبيّة، فيا ليتنا كنّا معهم فنفوز فوزاً عظيماً ([1]) .

                كذا عدّه ابن شهرآشوب([2])، والعلاّمة السماوي([3])، والشيخ عبّاس القمّي([4]) : أنـّه شهيد الحملة الاُولى .

 

هاني بن عروة المرادي :

 

قال في مروج الذهب : « كان من أشراف الكوفة وأعيان الشيعة، وروي أنـّه أدرك النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتشرّف بصحبته، وكان يوم قُتل ابن تسع وثمانين سنة » .

                آوى الرجل مسلم بن عقيل (عليه السلام)، وفداه بنفسه، وتحمّل في سبيل ذلك ما آل به إلى الشهادة، فهنيئاً له على ما تحمّله في جنب الله سبحانه([5]) .

                روى ابن طاووس في اللهوف : « فجاء هاني والقوم معه حتّى دخلوا جميعاً على عبيدالله، فلمّا رأى هانياً قال : أتتك بخائن لك رجلاه، ثمّ التفت إلى شريح القاضي، وكان جالساً عنده، وأشار إلى هاني وأنشد بيت عمرو بن معدي كرب :

أُرِيدُ حَياتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلي***عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُراد

                فقال له هاني : وما ذاك أيّها الأمير ؟ فقال : إيه يا هاني، ما هذه الاُمور التي تربّص في دورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين، جئت بمسلم بن عقيل وأدخلته في دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك، وظننت أنّ ذلك يخفى علَيَّ ؟ فقال : ما فعلت، فقال ابن زياد : بلى، قد فعلت، فقال : ما فعلت أصلح الله الأمير، فقال ابن زياد : علَيَّ بمعقل مولاي، وكان معقل عينه على أخبارهم، وقد عرف كثيراً من أسرارهم، فجاء معقل حتّى وقف بين يديه، فلمّا رآه هاني عرف أنـّه كان عيناً عليه، فقال : أصلح الله الأمير، والله ! ما بعثت إلى مسلم بن عقيل، ولا  دعوته، ولكن جاءني مستجيراً فأجرته، فاستحييت من ردّه، ودخلني من ذلك ذمام فضيّفتُه، فأمّا إذ قد علمت فخلي سبيلي حتّى أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض، لأخرج بذلك من ذمامه وجواره، فقال له ابن زياد : لا  تفارقني أبداً حتّى تأتيني به، قال : لا  والله، لا  آتيك به، فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي، فقال : أصلح الله الأمير، خلّني وإيّاه حتّى اُكلّمه، فقام فخلى به ناحية وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما، فقال له مسلم بن عمرو : يا هاني، اُنشدك الله أن لا  تقتل نفسك، ولا  تدخل البلاء على عشيرتك، فوالله إنّي لأنفّس بك عن القتل . إنّ هذا الرجل ابن عمّ القوم، وليسوا قاتليه ولا  ضارّيه، فادفعه إليه، فإنـّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا  منقصة، وإنّما تدفعه إلى السلطان، فقال هاني : والله ! إنّ علَيَّ بذلك الخزي والعار، أنا أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا صحيح الساعدين كثير الأعوان  ؟ والله ! لو لم أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه، فأخذ يناشده وهو يقول : والله ! لا  أدفعه أبداً إليه، فسمع ابن زياد ذلك، فقال ابن زياد : ادنوه منّي، فاُدني منه، فقال : والله ! لتأتيني به، أو لأضربنّ عنقك، فقال هاني : إذن والله تكثر البارقة حول دارك، فقال ابن زياد : والهفاه عليك، أبالبارقة تخوفّني  ؟ وهاني يظنّ أنّ عشيرته يسمعونه، ثمّ قال : ادنوه منّي، فاُدني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى انكسر أنفه وتدفّق الدماء على ثيابه، ونثر لحم خدّه وجبينه على لحيته، فانكسر القضيب، فضرب هاني بيده إلى قائم سيف شرطي، فجاذبه ذلك الرجل، فصاح ابن زياد خذوه، فجرّوه حتّى ألقوه في بيت من بيوت الدار، وأغلقوا عليه بابه، فقال : اجعلوا عليه حرساً، ففُعل ذلك به، فقام أسماء بن خارجة إلى عبيدالله بن زياد، وقيل إنّ القائم حسّان ابن أسماء، فقال : أرسلُ غدر سائر القوم أيّها الأمير  ؟ أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتّى إذا جئناك به هشّمت وجهه، وتدفّق دماءه على لحيته، وزعمت أنّك تقتله، فغضب ابن زياد وقال : وأنت هاهنا  ؟ ثمّ أمر به فضرب حتّى ترك، وقيّد وحبس في ناحية من القصر، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون إلى نفسي أنعاك يا هاني »([6]) .

                ولعلّ ما صدر من هاني رضوان الله عليه من كلام عند محاججته لابن زياد وقوله : « ما بعثت إلى مسلم، ولكن جاءني مستجيراً »، جعل بعضهم يتوقّف في حاله، ويعدّ هذا الكلام تخاذلاً وتهاوناً في حقّ مسلم بن عقيل (عليه السلام) .

                والحقّ ليس كذلك، فإنّ لهاني مواقف النصرة وحفظ الذمام في حقّ مسلم بن عقيل (عليه السلام)، وقوله : « ما بعثت إلى مسلم » لا  يعني محاولة تبرير موقفه أمام ابن زياد وتخلّيه عنه، بل قوله هذا على سبيل المحاججة لإبطال ما احتجّ به ابن زياد من نصرته لمسلم، وقوله صحيح ; إذ هو لم يبعث لمسلم بالمجيء وإنّما مجيء مسلم كان بأمر الإمام الحسين (عليه السلام)، ومحاججته بالذمام والضيافة، فإنّ ذلك ما تقتضيه عادة العرب وتعارفها على حُسن الضيافة، وإجارة المستجير مشيراً بذلك إلى ما تعارف عندهم وإسماعاً لمن حضر من هؤلاء الخونة المتخاذلين في نصرة مسلم الذين انضمّوا لمناصرة ابن زياد، ولا  يعني ذلك إطلاقاً تلكّؤ هاني في موقفه ونصرته لمسلم (عليه السلام) .

                على أنّ الزيارة الواردة في حقّه رضوان الله عليه تُنبئ عن ثبات موقفه ومشروعيّة مواجهته للطاغية ابن زياد، فقد ورد في بعض فقراتها :

                « أَشْهَدُ أَنّكَ لَقِيْتَ اللهَ وَهُوَ راض عَنْكَ بِما فَعَلْتَ وَنَصَحْتَ، وَأَشْهَدُ أَنّكَ قَدْ بَلَغْتَ دَرَجَةَ الشُّهَداءِ، وَجُعِلَ رُوحُكَ مَعَ أَرْواحِ السُّعَداءِ بِما نَصَحْتَ للهِِ وَلِرَسُولِهِ مُجْتَهِداً، وَبَذَلْتَ نَفْسَكَ في ذاتِ اللهِ وَمَرْضاتِهِ فَرَحِمَكَ اللهُ وَرَضِيَ عَنْكَ، وَحَشَرَكَ مَعَ مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرِينَ، وَجَمَعَنا وَإِيّاكُمْ مَعَهُمْ في دارِ النَّعِيمِ، وَسَلاَمٌ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ »  .

                ولا  ننسى تأبين الإمام الحسين (عليه السلام) له، حين بلغه شهادته وشهادة مسلم بن عقيل (عليه السلام) وشهادة عبدالله بن يقطر، فقال (عليه السلام) : قد أتانا خبر فظيع، قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر .

                وكلامه (عليه السلام) يُنبئ عن منزلة هاني بن عروة، وأنّ إخباره بقتله من الأنباء الفظيعة التي أزعجت الإمام (عليه السلام)، فاستعبر باكياً وقال : « اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك، إنّك على كلّ شيء قدير » .

                وجدير بالذكر أنّ ابن زياد حين أمر بقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) ورميه من أعلى القصر، أمر كذلك بهاني بن عروة، فاُخرج ليُقتل، فجعل يقول : وامذحجاه، وأين منّي مذحج، واعشيرتاه، وأين منّي عشيرتي، فقال له : مدّ عنقك، فقال لهم : والله ! ما أنا بها سخي، وما كنت لاُعينكم على نفسي، فضربه غلام لعبيدالله ابن زياد يقال له رشيد، فقتله .

                وفي قتل مسلم وهاني يقول عبدالله بن زبير الأسدي ـ ويقال إنّها للفرزدق ـ، وقال بعضهم أنّها لسليمان الحنفي :

فَإِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا الْمَوْتُ فَانْظُري***إِلى هانيء فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيلِ

إِلى بَطَل قَدْ هَشَّمَ السَّيْفُ وَجْهَهُ***وَآخَرُ يُهْوى مِنْ طَمار قَتِيلِ

أَصابَهُما فَرْخُ الْبَغِيِّ فَأَصْبَحا***أَحادِيثَ مَنْ يَسْرِيَ بِكُلِّ سَبِيلِ

تَرى جَسَداً قَدْ غَيَّرَ الْمَوْتُ لَوْنَهُ***وَنَضحِ دَم قَدْ سالَ كُلُّ مَسِيلِ

فَتىً كانَ أَحْيى مِنْ فَتاة حَيِيَّة***وَأَقْطَع مِنْ ذي شَفْرَتَيْنَ صَقِيلِ

أَيَرْكَبُ أَسْماءُ الْهَمالِيجَ آمِناً***وَقَدْ طَلِبَتَهُ مِذْحِجُ بِذُحُولِ

تَطُوفُ حَوالِيهِ مُرادٌ وَكُلُّهُم***عَلى رَقْبَة مِنْ سائِل وَمَسُولِ

فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَثَأرُوا بِأَخِيكُم***فَكُونُوا بَغايا أُرْضِيَتْ بِقَلِيلِ([7])

 

الهفهاف بن المهنّد الراسبي :

كان فارساً شجاعاً بصريّاً من الشيعة، ومن المخلصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، وكان من أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام) وحضر معه مشاهده، وأمّره(عليه السلام)على أزد البصرة، وكان ملازماً له إلى أن قُتل (عليه السلام)، فانضمّ إلى الحسن(عليه السلام)، ثمّ إلى الحسين (عليه السلام)، ولمّا بلغه خروج الحسين (عليه السلام) من مكّة إلى العراق خرج من البصرة، فسار حتّى انتهى إلى العسكر بعد الوقعة، فدخل على عسكر عمر بن سعد، فسأل القوم ما الخبر  ؟ أين الحسين بن عليّ (عليهما السلام) ؟ فقالوا له : مَن أنت ؟ فقال : أنا الهفهاف الراسبي البصري، جئت لنصرة الحسين(عليه السلام)، فقيل له : أما ترى هجوم القوم على المخيّم وسلبهم بنات رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا سمع الهفهاف بقتل الحسين(عليه السلام)وهجوم القوم انتضى سيفه وشدّ فيهم كليث العرين يضربهم بسيفه، فلم يزل يقتل كلّ من دنى، حتّى قَتل منهم جمعاً كثيراً،حتّى اُثخن بالجراح، فحمل عليه جمعواحتوشوه، حتّى قتلوه رضوان الله عليه([8]) .

                قال الفضيل بن الزبير : « وخرج الهفهاف بن المهنّد الراسبي من البصرة حين سمع بخروج الحسين (عليه السلام)، فسار حتّى انتهى إلى العسكر بعد قتله، فدخل عسكر عمر بن سعد، ثمّ انتضى سيفه وقال : يا أيّها الجند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغي عيال محمّد، ثمّ شدّ فيهم » .

                قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : « فما رأى النّاس منذ بعث الله محمّداً (صلى الله عليه وآله)فارساً، بعد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قتل بيده ما قتل، فتداعوا عليه خمسة نفر فاحتوشوه حتّى قتلوه رحمة الله عليه([9]) .

                وذكره القاضي نعمان المغربي في شرح الأخبار([10]) .

 

همام بن سلمة القانصي :

عدّه الفضيل بن الزبير فيمن قتل مع الإمام الحسين (عليه السلام)، والظاهر تفرّده به ولم يذكره غيره، والله العالم .

 

يحيى بن سليم المازني :

قال المجلسي في البحار عن صاحب المناقب :

                خرج يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول :

لأضربنّ القوم ضرباً فيصلا***ضرباً شديداً في العداة معجّلا

لا  عاجزاً فيها ولا  مُوَلوِلا***ولا  أخاف اليوم موتاً مقبلا

لكنّني كالليث أحمي أشبلا*** ثمّ حمل فقاتل حتّى قتل (رحمه الله) ([11]) .

 

يزيد بن ثبيـط العبـدي :

وابناه عبدالله، وعبيدالله :

من مفاخر الدهر، وعجائب الزمان .

                كان يزيد من الشيعة، ومن أصحاب أبي الأسود، وكان شريفاً في قومه .

                قال أبو جعفر الطبري : كانت مارية ابنة منقذ العبديّة تتشيّع، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدّثون فيه، وقد كان ابن زياد بلغه إقبال الحسين (عليه السلام)، ومكاتبة أهل العراق له، فأمر عامله أن يضع المناظر ويأخذ الطريق، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج إلى الحسين (عليه السلام)، وكان له بنون عشرة، فدعاهم إلى الخروج معه، وقال : أيّكم يخرج معي متقدّماً ؟ فانتدب له اثنان عبدالله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة : إنّي قد أزمعت على الخروج وأنا خارج، فمن يخرج معي ؟

                فقالوا له : إنّا نخاف أصحاب ابن زياد .

                فقال : إنّي والله، أن لو قد استوت أخفاقها بالجدد لهان علَيَّ طلب مَن طلبني، ثمّ خرج وابناه، وصحبه عامر ومولاه، وسيف بن مالك، والأدهم بن اُميّة، وقوى في الطريق حتّى انتهى إلى الحسين (عليه السلام)، وهو بالأبطح من مكّة، فاستراح في رحله، ثمّ خرج إلى الحسين (عليه السلام) إلى منزله، وبلغ الحسين (عليه السلام)مجيئه، فجعل يطلبه حتّى جاء إلى رحله، فقيل له : قد خرج إلى منزلك، فجلس في رحله ينتظره، وأقبل يزيد لمّا لم يجد الحسين (عليه السلام) في منزله، وسمع أنـّه ذهب إليه راجعاً على أثره، فلمّا رأى الحسين (عليه السلام)في رحله قال : ( بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا )، السلام عليك يابن رسول الله، ثمّ سلّم عليه وجلس إليه، وأخبره بالذي جاء له، فدعا له الحسين (عليه السلام)بخير، ثمّ ضمّ رحله إلى رحله، وما زال معه حتّى قُتل بين يديه في الطفّ مبارزةً، وقتل ابناه في الحملة الاُولى، كما ذكره السروي([12]) .

 

يزيد بن حصين المشرقي :

عدّه الشيخ رضوان الله عليه في رجاله من أصحاب الحسين (عليه السلام)، كان يزيد رجلاً شريفاً ناسكاً بطلاً من أبطال الكوفة، وعابداً من عبّادها، وله ذكر في المغازي والحروب، وكان من خيار الشيعة، وممّن بايع مسلماً، فلمّا اُخذل مسلم خرج من الكوفة، ومال إلى الحسين (عليه السلام)، وكان معه إلى أن حالوا بين الحسين (عليه السلام)وبين الماء، فقال للحسين (عليه السلام) : إئذن لي يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أن آتي عمر بن سعد مقدّم هؤلاء فاُكلّمه في الماء لعلّه أن يرتدع، فأذن له، فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد وكلّمه في الماء، ولم يجبه إلى ذلك، فرجع إلى الحسين (عليه السلام) وكان معه مَن جاهد من أصحابه (عليه السلام)، وممّن قُتل قبل الظهر رضوان الله عليهم جميعاً . وقد زاده شرفاً على شرف الشهادة، تسليم الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه عليه في زيارة الناحية المقدّسة : السَّلاَمُ عَلى يَزيدِ بْنِ حُصَيْنِ الْمَشْرقي الْقارِىَ الْمُجَدَّلِ بِالْمَشْرقي([13]) .

 

يزيد بن زياد ( أبو الشعثاء الكندي ) :

وكان أبو الشعثاء الكندي، وهو يزيد بن زياد مع ابن سعد، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين صار معه، وكان رامياً، فجثا على ركبتيه بين يدي الحسين (عليه السلام)ورمى بمائة سهم، والحسين (عليه السلام) يقول : اللّهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة . فلمّا نفذت سهامه، قام وهو يقول : لقد تبيّن لي أنّي قتلت منهم خمسة، ثمّ حمل على القوم، فقتل تسعة نفر وقتل([14]) .

                قال الطبري : فكان كلّما رمى قال :

أنا ابن بهدلة***فرسان العرجلة

                ويقول حسين(عليه السلام): اللّهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة، فلمّا رمى بها، قام فقال : ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم، ولقد تبيّن لي أنّي قد قتلت خمسة عشر نفر، وكان في أوّل من قُتل وكان رجزه يومئذ :

أنا يزيد وأبي مهاصر***أشجع من ليث بغيل خادر

يا ربّ إنّي للحسين ناصر***ولابن سعد تارك وهاجر([15])

                وأورد ابن شهرآشوب عجز البيت الأوّل هكذا :

ليث هصور في العرين خادر([16])

                إلاّ أنّ ابن أعثم الكوفي أورد الأبيات هكذا :

أنا يزيد وأبي مهاصر***ليث عبوس في العرين جاذر

يا ربّ إنّي للحسين ناصر***ولابن سعد تارك وهاجر

وابن زياد خاذل وغادر***وللأعادي مبغض ونافر

وكلّهم إلى الجحيم صائر([17])***            عدّه الفضيل بن الزبير فيمن استشهد مع الإمام الحسين (عليه السلام) وعنونه بــ (يزيد بن زيد) بدل (زياد) .

 

يزيد بن مغفل الجعفي :

نسبه :

هو يزيد بن مغفل بن عوف بن عمير بن كليب العامري .

                قال أهل السير : « أنـّه أدرك النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وشهد القادسيّة في عهد عمر بن الخطّاب، وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحارب معه في صفّين، ثمّ بعثه في وقعة الخوارج إلى حرب الخرّيت بن راشد الناجي بأرض الأهواز تحت إمارة معقل بن قيس، وكان يزيد هذا في ميمنة العسكر . التحق مع الحسين (عليه السلام)في مجيئه من مكّة، واستأذنه في وقعة الطف، فبرز وقَتل من القوم جمعاً كثيراً، ثمّ استشهد رضوان الله عليه، وزاد على شرفه شرف تخصيصه (عليه السلام) إيّاه بالسلام في زيارة الناحية المقدّسة([18]) .

                قال ابن حجر في الإصابة ـ بعد أن عدّه من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ : ذكر المرزباني في معجم الشعراء يزيد بن مغفل الكوفي، وأنشد له قوله ـ وهو يقاتل مع الحسين بن عليّ وقُتل حينئذ ـ :

إن تنكروني فأنا ابن المغفل***شاك لدى الهيجاء غير أعزل

وفي يميني نصف سيف منصل***أعلو به الفارس وسط القسطل([19])***

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]. تنقيح المقال : 2/72 .

[2]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/122 .

[3]. إبصار العين : 123 .

[4]. منتهى الآمال : 1/640 .

[5]. تنقيح المقال : 3/288 .

[6]. اللهوف في قتلى الطفوف : 20 .

[7]. اللهوف في قتلى الطفوف / السيّد ابن طاووس : 25 .

[8]. تنقيح المقال : 3/303 .

[9]. تسمية مَن قُتل مع الإمام الحسين (عليه السلام) . مجلّة تراثنا  : 157 العدد الثاني ـ السنة الاُولى .

[10]. شرح الأخبار : 3/349 .

[11]. بحار الأنوار : 45/24، وذكره ابن شهرآشوب : 4/111، وابن أعثم في تاريخه : 129، والدربندي : 206 .

[12]. إبصار العين : 145 .

[13]. تنقيح المقال : 3/325 .

[14]. مقتل الحسين (عليه السلام) / المقرّم : 243 .

[15]. تاريخ الطبري : 4/340 .

[16]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/112 .

[17]. مقتل الحسين (عليه السلام) من تاريخ ابن أعثم : 131، والبيت الثالث لا  يستقيم، فكلمة (غادر) لا  تعني الثناء والمدح لموقفه وهو في صدد تأكيد أحقّية مصيره إلى الحسين (عليه السلام) ونصرته، وكلمة (غادر) غير موافقة لمبدئه الكريم، فليس من شيمة من هذا موقفه الغدر، والمؤمن لا  يغدر، على أنّ الغدر ضدّ الوفاء، وابن زياد ليس أهلاً للوفاء، أو رعاية الحقوق، ففي نسبة البيت إليه رضوان الله تعالى عليه تأمّل . إلاّ إذا فهمنا من البيت : أنّ ابن زياد خاذل وغادر، والخذلان والغدر صفة لابن زياد، فعندها يستقيم البيت .

[18]. تنقيح المقال : 3/328 .

[19]. الإصابة في تمييز الصحابة : 3/677 .