وصية علي (عليه السلام) لكميل بن زياد النخعي
43 ـ أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري بقراءتي عليه في المحرّم سنة ست عشرة وخمسمئة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال : حدّثنا أبو طالب محمد بن الحسين بن عتبة ، قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن أحمد ، قال : أخبرنا محمد بن وهبان الدبيلي (1) ، قال : حدّثني علي بن أحمد بن بشر العسكري ، قال : حدّثني أحمد بن المفضل أبو سلمة الإصفهاني ، قال : أخبرني راشد بن علي بن وائل القرشي ، قال : حدّثني عبد الله بن حفص المدني ، قال : أخبرني محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن زيد بن أرطأة قال : لقيتُ كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : ألاَ أُخبرك بوصية أوصاني بها يوماً ( هي خير لك من الدنيا بما فيها ) (2) . فقلت : بلى . قال : قال لي علي ( عليه السلام ) :
( يا كميل بن زياد ، سمّ كل يوم باسم الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وتوكّل على الله ، واذكرنا وسمّ بأسمائنا وصلِّ علينا ، واستعذ بالله ربّنا ، وأدرء ( بذلك ) (3) عن نفسك وما تحوطه عنايتك تُكفَ شرّ ذلك اليوم ، يا كميل ، إنّ رسول الله أدّبه الله عزّ وجلّ وهو أدّبني ، وأنا أُؤدّب المؤمنين وأورث الأدب المكرمين ، يا كميل ، ما من علم إلاّ وأنا افتحه ، وما من سرّ إلاّ والقائم ( عليه السلام ) يختمه ، يا كميل ، ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم .
يا كميل ، لا تأخذ إلاّ عنّا تكن منّا . يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج إلى معونة فيها إلى معرفة ، يا كميل ، إذا أكلت الطعام فسمّ باسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء (4) ، وهو الشفاء من جميع الأسواء ، يا كميل ، إذا أكلت الطعام فواكل به ولا تبخل به ، فإنّك لم ترزق الناس ( شيئاً ) (5) والله يجزل لك الثواب بذلك .
يا كميل ، أحسِن خُلقك وأبسِط إلى جليسك ولا تنهرنّ خادمك ، يا كميل ، إذا ( أنت ) (6) أكلت فطوّل أكلك ، يستوف مَن معك ويُرزق منه غيرك ، يا كميل ، إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك ، وارفع بذلك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك ، يا كميل ، لا توقرن معدتك طعاماً ودع فيها للماء (7) موضعاً وللريح مجالاً ، يا كميل ، لا تنفذ طعامك فإنّ رسول الله لم ينفذه ، يا كميل ، لا ترفعن يدك (8) من الطعام إلاّ وأنت تشتهيه ، فإذا فعلت ذلك فأنت تستمرئه ، يا كميل ، صحّة الجسم (9) من قلّة الطعام وقلّة الماء ، يا كميل ، البركة في المال من إيتاء الزكاة ومواساة المؤمنين وصلة الأقربين وهم الأقربون ( لنا ) (10) .
يا كميل ، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين ، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف وتصدّق على المساكين ، يا كميل ، لا تردنّ سائلاً ولو بشقّ تمرة أو من شطر عنب ، يا كميل ، الصدقة تُنمى عند الله ، يا كميل ، حسن خُلُق المؤمن التواضع وجماله التعطّف وشرفه الشفقة (11) وعزّه ترك القال والقيل ، يا كميل ، إياك والمِراء فإنّك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد الإخاء ، يا كميل ، إذا جادلت في الله تعالى فلا تخاطب إلاّ مَن يشبه العقلاء ، وهذا ضرورة ، يا كميل ، هم على كل حالٍ سفهاء ما قال الله تعالى : ( أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (12) . يا كميل ، في كل صنف قوم أرفع من قوم فإياك ومناظرة الخسيس منهم إذا شتموك (13) فاحتمل ، وكُن من الذين وصفهم الله تعالى ( بقوله ) (14) : ( وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً ) (15) .
يا كميل ، قل الحقّ على كل حال ، ووازر المتّقين واهجر الفاسقين ، يا كميل ، جانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين ، يا كميل إياك إياك والتطرّق الى أبواب (16) الظالمين والاختلاط بهم والاكتساب منهم ، وإياك أن تطيعهم وأن تشهد (17) في مجالسهم بما يسخط الله ( عليك ) (18) .
يا كميل ، إن (19) اضطررت الى حضورهم (20) فداوم ذكر الله تعالى والتوكّل عليه ، واستعذ بالله من شرّهم وأطرق عنهم ، وأنكر بقلبك فعلهم وأجهر بتعظيم الله عزّ وجلّ لتُسمِعهم (21) ، فإنّهم يهابوك وتكفي شرّهم ، يا كميل ، إنّ أحبّ ما أمت العباد الى الله تعالى بعد الإقرار به وبأوليائه التجمّل والتعفف والاصطبار ، يا كميل ، لا بأس بأن لا يُعلم سرّك .
يا كميل ، لا ترِ (22) الناس افتقارك ( واضطرارك ) (23) ، واصبر (24) عليه احتساباً تعرف بستر ، يا كميل ، ومَن أخوك ؟ أخوك الذي لا يخذلك عند الشدّة ، ولا يقعد (25) عنك عند الجريرة (26) ، ولا يخدعك حين تسأله ، ولا يتركك وأمرك حتى يعلمه ، فإن كان مميلاً (27) أصلحه .
يا كميل ، المؤمن مرآة المؤمن يتأمّله ( ويسدّ فاقته ) (28) ويجمّل حالته ، يا كميل ، المؤمنون إخوة ولا شيء آثر عند كل أخ من أخيه ، يا كميل ، إن (29) لم تحبّ أخاك فلست أخاه ، يا كميل ، إنّما المؤمن (30) مَن قال بقولنا ، فمَن تخلّف عنّا قصر عنّا ، ومَن قصر عنّا لم يلحق بنا ، ومَن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار .
يا كميل ، كل مصدور (31) ينفث فمن نفث إليك منّا بأمر وأمرك بستره فإياك (32) أن تبديه ، فليس لك من إبدائه توبة ، وإذا لم تكن (33) لك توبة فالمصير الى لظى ، يا كميل ، إذاعة سرّ آل محمد ( عليهم السلام ) لا يقبل (34) الله تعالى منها ولا يحتمل أحد عليها (35) ، يا كميل ، وما قالوه لك مطلقاً فلا تعلمه إلاّ مؤمناً موفقاً (36) ، يا كميل ، لا تعلم الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها ، فيبدوكم بها يوم يعاقبون عليها ، يا كميل ، لا بدّ لماضيكم من أوبة ولا بدّ لباقيكم من غلبة (37) ، يا كميل ، سيجمع الله لكم خير البدء والعاقبة .
يا كميل ، أنتم ممتّعون بأعدائكم تطربون بطربهم وتشربون بشربهم وتأكلون بأكلهم وتدخلون مداخلهم ، وربّما غلبتم على نعمتهم ، إي والله على إكراه منهم لذلك ، ولكنّ الله عزّ وجلّ ناصركم وخاذلهم ، فإذا كان والله يومكم وظهر صاحبكم ، لم يأكلوا والله معكم ، ولم يردوا مواردكم ولم يقرعوا أبوابكم ولم ينالوا نعمتكم أذلّة خاسئين ، أينما ثقفوا أُخذوا وقُتّلوا تقتيلاُ .
يا كميل ، احمِد الله تعالى والمؤمنون على ذلك وعلى كل نعمة ، يا كميل ، قل عند كل شدة : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله (38) ، تُكْفها ، وقل عند كل نعمة : الحمد لله نزد (39) منها ، وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسّع عليك فيها .
يا كميل ، إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل : أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي ، وأعوذ بمحمد الرضي من شر ما قُدّر وقضي ، وأعوذ بإله الناس من شرّ الجنّة والناس أجمعين وسلّم ، تُكفَ مؤونة إبليس والشياطين معه ، ولو أنّهم كلهم أبالسة مثله ، يا كميل ، إنّ لهم خداعاً (40) وشقاشق وزخاريف ووساوس وخيلاء على كل أحد ( على ) (41) قدر منزلته في الطاعة والمعصية ، فيحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة (42) .
فيقولون مَن هم ؟ فيجيبهم النداء من عند الله : يا أهل الجمع سلوهم مَن أنتم .
فيقول أهل الجمع : مَن أنتم ؟ فيقولون : نحن العَلويون من ذرّية محمد رسول الله ، نحن أولاد علي ولي الله المخصوصون بكرامة الله ، نحن الآمنون المطمئنون . فيجيبهم النداء من عند الله تعالى : اشفعوا في محبّيكم وأهل مودّتكم وشيعتكم فيشفعون فيشفٌعون ) (43) .
____________
( 1 ) في ( م ) : الدنبلي .
( 2 ) ليس في ( م ) .
( 3 ) ليس في ( ط ) .
( 4 ) في ( م ) : داء .
( 5 ) ليس في ( م ) .
( 6 ) ليس في ( ط ) .
( 7 ) في ( م ) : للماء فيها .
( 8 ) في ( م ) : يديك .
( 9 ) في ( م ) : الجسد .
( 10 ) ليس في ( م ) .
( 11 ) في ( م ) : الفقه .
( 12 ) البقرة : 13 .
( 13 ) في ( ط ) : إن أسمعوك .
( 14 ) ليس في ( م ) .
( 15 ) الفرقان : 63 .
( 16 ) في ( ط ) : إلى أبواب . أقول : لا تطرق أي لا تقرع ، وأطرق الرجل : سكت ولم يتكلّم .
( 17 ) في ( م ) : أو تشهد .
( 18 ) ليس في ( ط ) .
( 19 ) في ( م ) : إذا .
( 20 ) في ( ط ) : حضورها .
( 21 ) في ( ط ) : وأسمِعهم .
( 22 ) في ( ط ) : ترين .
( 23 ) ليس في ( م ) .
( 24 ) في ( ط ) : اصطبر .
( 25 ) في ( ط ) : لا يغفل .
( 26 ) الجريرة : الجناية ؛ لأنّها تجرّ العقوبة إلى الجاني .
( 27 ) المميل : اسم فاعل من أمال ، أي إن كان ضالاً يدعوك ـ أي ضلاله ـ فاصلحه .
( 28 ) ليس في ( م ) .
( 29 ) في ( ط ) : إذا .
( 30 ) في ( ط ) : المؤمنون .
( 31 ) المصدور : الذي يشتكي من صدره ، ينفث المصدور أي رمى بالنفاثة ، والمراد أنّ مَن ملأ صدره من محبّتنا وأمرنا لا يمكن له أن يقيها ولا يبرزها فإذا أبرزها أمر بسترها .
( 32 ) في ( م ) : بأمر فاستره وإياك .
( 33 ) في ( ط ) : فإذا لم يكن .
( 34 ) في ( م ) : يقبل .
( 35 ) في ( ط ) : عليها أحد .
( 36 ) في تحف العقول : موقنا .
( 37 ) في ( ط ) : لماضيكم خير من اوبة ولابد لنا فيكم من غلبة .
( 38 ) في ( ط ) : زيادة : العلي العظيم .
( 39 ) في ( م ) : تزاد ، وفي التحف : تزدد .
( 40 ) في ( م ) : خدعاً .
( 41 ) ليس في ( ط ) .
( 42 ) في ( م ) : في الغلبة .
( 43 ) رواه في الأمالي : 234 ، عنه البحار 8 : 36 .