• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصلاة خير من النوم 2

 

الصلاة خير من النوم 2

الوجه الثالث: حكم التثويب في الأذان عند علماء العامة
قال الشافعي: ولا أحب التثويب في الصبح ولا في غيرها، لأنّ أبا محذورة لم يحكِ عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، أنّه أمر بالتثويب فأكره الزيادة في الأذان ، وأكره التثويب بعده [1] .

وقال صاحب المجتهد: اختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: «الصلاة خير من النوم» هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنّه يقال فيها، وقال آخرون أنّه لا يقال، لأنّه ليس في الأذان المسنون، وبه قال الشافعي.

وسبب اختلافهم: هل قيل ذلك في زمان النبي(صلى الله عليه وآله)، أو قيل في زمان عمر؟

وقال القرطبي في تفسيره: واختلفوا في التثويب لصلاة الصبح، وهو قول المؤذّن: «الصلاة خير من النوم» وهو قول الشافعي بالعراق، وقال: بمصر لا يقول ذلك [2] .

وقال الحسن بن حسن: يقال في العتمة: «الصلاة خير من النوم»، «الصلاة خير من النوم»، ولا نقول بهذا أيضاً، لأنّه لم يأت عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) [3] .

وروي عن أبي حنيفة كما في (جامع المسانيد) عن حمّاد عن إبراهيم، قال: سألته عن التثويب؟ فقال: هو ممّا أحدثه الناس، وهو حسن، ممّا أحدثوه. وذكر أنّ التثويب كان حين يفرغ المؤذّن من أذانه، أن «الصلاة خير من النوم» ـ مرتين ـ قال: أخرجه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، من الآثار فرواه عن أبي حنيفة، ثم قال محمد: وهو قول أبي حنيفة (رحمه الله) وبه نأخذ [4] .

وقد ذهب الشافعي إلى شرعية التثويب في القديم، إلاّ أنّه مكروه عنده في الجديد، وهو مروي عن أبي حنيفة، واختلفوا في محلّه. فالمشهور أنّه في صلاة الصبح فقط، وعن النخعي وأبي يوسف أنّه سنّة في كل صلاة، وروى الشعبي وغيره أنّه يستحب في العشاء والفجر... وذهب العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أنّ التثويب بدعة، قال في البحر أحدثه عمر، فقال ابنه: هذه بدعة، وعن علي(عليه السلام) حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه، ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال، قلنا: لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاووس، سلمنا فأمرنا، إشعاراً في حال لا شرعاً، جمعاً بين الآثار [5] .

قال النووي: وأما التثويب في الصبح ففيه طريقان: الصحيح الذي قطع به المصنّف والجمهور أنّه مسنون لحديث أبي محذورة، والطريق الثاني فيه قولان:

أحدهما: هذا ـ وهو القديم ـ ونقله القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل عن نصّ الشافعي في البويطي، فيكون منصوصاً في القديم والجديد، ونقله صاحب التتمة عن نص الشافعي(رحمه الله)في عامة كتبه.

والثاني: ـ وهو الجديد ـ إنّه يكره، وممّن قطع بطريقه القولين الدارمي، وادّعى إمام الحرمين أنّها أشهر، والمذهب أنّه مشروع فعلى هذا هو سنّة لو تركه صح الأذان وفاته الفضيلة، هكذا قطع به الأصحاب [6] .

وقال الأمير اليمني الصنعاني م 1182 في كتابه «سبل السلام»:

قلت: على هذا ليس «الصلاة خير من النوم»: من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والأخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأوّل، وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا؟ وهل هو بدعة أو لا؟ ثم المراد من معناه: اليقظة للصلاة خير من النوم، أي الراحة التي يعتاضونها من الآجل خير من النوم. ولنا كلام في هذه الكلمة أودعناه رسالة لطيفة [7] .

وقال النووي في شرحه على كتاب «صحيح مسلم»:

واعلم أنّه يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممّن لا مانع له من الإجابة، فمن أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة فسمع المؤذن لم يوافقه وهو في الصلاة، فإذا سلّم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة فهل يكره، فيه قولان للشافعي(رضي الله عنه) أظهرهما: انّه يكره لأنّه إعراض عن الصلاة، لكن لا تبطل صلاته، إن قال ما ذكرناه لأنّها أذكار، فلو قال: «حيّ على الصلاة» أو «الصلاة خير من النوم» بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه لأنّه كلام آدمي... [8] .

الوجه الرابع: «ذكر الصلاة خير من النوم» في الأذان
من اجتهادات الخليفة الثاني
وإذا لم تثبت صحة الروايات التي تحدثت عن كيفية تشريع الأذان من جهة سندها ودلالتها فلا يبقى مجال إلاّ الاعتقاد بصحة الروايات التي تنقل بأن إضافة: «الصلاة خير من النوم» في الأذان كانت من اجتهاد عمر بن الخطاب، وانّها لم تشرّع في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإليك ذكر الروايات التي تحدثت عن ذلك.

عن مالك أنه بَلَغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائماً فقال: «الصلاة خير من النوم» فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.

قال الزرقاني: هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، وأخرج أيضاً عن سفيان، عن محمد بن عجلان بن نافع، عن ابن عمر، عن عمر أ نّه قال لمؤذنه: إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: «الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم»، فقصر ابن عبدالبرّ من قوله، لا أعلم هذا، روي عن عمر من وجه لا يحتجّ به وتعلم صحته [9] .

عن ابن جريح، قال: أخبرني حسن بن مسلم أن رجلاً سأل طاووساً، متى قيل «الصلاة خير من النوم؟» فقال: أما أنها لم تقل على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولكن بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يقولها رجلٌ غير مؤذن فأخذها منه، فأذّن بها، فلم يمكث أبو بكر إلاّ قليلاً حتّى كان عمر، قال: لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث وكأ نّه نسيه وأذّن به الناس حتّى اليوم [10] .

عن ابن جريح، قال: أخبرني عمر بن حفص أن سعداً ، أوّل من قال: «الصلاة خير من النوم» في خلافة عمر، فقال: بدعةٌ ثم تركه وأن بلالاً لم يؤذّن لعمر [11] .

الوجه الخامس: آراء فقهاء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في حكم التثويب
قال السيد المرتضى: التثويب في صلاة الصبح بدعة، هذا صحيح وعليه اجماع أصحابنا، وقد اختلف الفقهاء في التثويب ماهو؟ فقال الشافعي: التثويب هو أن يقول بعد الدعاء إلى الصلاة: «الصلاة خير من النوم» مرتين في مقبل الأذان.

وحكى عن أبي حنيفة أنّه، قال: التثويب هو أن يقول بعد الفراغ من الأذان: «حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح» مرتين.

وحكى عن محمد أنّه قال في كتبه: كان التثويب الأوّل «الصلاة خير من النوم» بين الأذان والإقامة، ثم أحدث الناس بالكوفة «حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح»، مرتين بين الأذان والإقامة، وهو حسن.

وذهب الشافعي إلى أنّ التثويب مسنون في صلاة الصبح دون غيرها.

وحكى عنه أنّه قال في الجديد: هو غير مسنون.

وقال النخعي: هو مسنون في أذان سائر الصلوات.

الدليل على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم: أنّ التثويب لو كان مشروعاً، لوجب أن يقوم دليل شرعيّ يقطع العذر على ذلك ولا دليل عليه. المحنة بيننا وبين من خالف فيه.

وأيضاً فلا خلاف في أنّ من ترك التثويب لا يلحقه ذمّ، لأنّه إمّا أن يكون مسنوناً على قول بعض الفقهاء، وغير مسنون على قول البعض الآخر، وفي كلا الأمرين لا ذم على تاركه، وما لا ذمّ في تركه ويخشى في فعله أن يكون بدعة ومعصية يستحق بها الذمّ فتركه أولى وأحوط في الشريعة [12] .

وقال الشيخ الطوسي :

«لا يستحب التثويب في حال الأذان ولا بعد الفراغ منه، وهو قول القائل «الصلاة خير من النوم» في جميع الصلوات... دليلنا على نفيه في الموضعين أن إثباته من خلال الأذان وبين الأذان والإقامة يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدلّ عليه، وأيضاً عليه اجماع الفرقة...» [13] .

وقال العلاّمة الحلّي:

«التثويب عندنا بدعة، وهو قول: (الصلاة خير من النوم) في شيء من الصلوات...».

إلى أن قال: «وهذا كلّه باطل عندنا، لأنّه ليس للنبي(صلى الله عليه وآله) أن يجتهد في الأحكام، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان».

ثم قال: «كما أنّه لا تثويب في الصبح عندنا فكذا في غيره، وبنفي غيره ذهب أكثر العلماء، لأنّ ابن عمر دخل مسجداً يصلّي فسمع رجلاً يثوّب في أذان الظهر فخرج عنه، فقيل له: إلى أين تخرج؟ فقال: أخرجتني البدعة.

وحكي عن الحسن بن صالح بن حي استحبابه في العشاء; لأنّه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة.

وقال النخعي: انّه مستحب في جميع الصلوات; لأنّ ما يُسنّ في الأذان لصلاة يسنّ لجميع الصلوات كسائر الألفاظ.

والأصل في الأوّل، والعلّة في الثاني ممنوعان» [14] .

وقال الشيخ مولى أحمد الأردبيلي في كتابه (مجمع الفائدة والبرهان):

وأما كون التثويب بدعة، وهو «الصلاة خير من النوم» فلأنّه غير منقول، بل في الأخبار عدم معرفته(صلى الله عليه وآله) له، روي في الحسن (لإبراهيم) عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة؟ فقال: ما نعرفه، أي ما نقول به،... والعمدة أنّه تشريع، وتغيير للأذان المنقول وزيادة بدل ما هو ثابت شرعاً، فيكون حراماً، ولو قيل من غير اعتقاد ذلك، بل مجرد الكلام، فلا يبعد كونه غير حرام [15] .

عن معاوية بن وهب، قال سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن التثويب في الأذان والإقامة فقال، «ما نعرفه ».

قال المجلسي: «ما نعرفه» أي ليس بمشروع، إذ لو كان مشروعاً كنا نعرفه، وقال في المنتهى: التثويب في أذان المبتداة وغيرها غير مشروع وهو قول «الصلاة خير من النوم»، ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي. وأطلق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيّته. فرواية كما قلناه. والاُخرى أنّ التثويب عبارة عن قول المؤذّن بين أذان الفجر وإقامته «حيّ على الصّلاة» مرتين «حيّ على الفلاح» مرتين، وقال في النهاية: فيه إذا ثوّب الصّلاة فأتوها وعليكم السكينة والتثويب ههنا إقامة الصلاة، والأصل في التثويب أن يجيء الرجل مستصرخاً فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر. فسمّي الدعاء تثويباً لذلك، وقيل من ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع الى الأمر بالمبادرة الى الصلاة ، فانّ المؤذن إذا قال: «حيّ على الصلاة» فقد دعاهم إليها، فإذا قال: بعدها «الصلاة خير من النوم» فقد رجع الى كلام معناه المبادرة إليها، وقال في الحبل المتين ـ بعد ايراد الرواية هكذا عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة ـ : وما تضمّنه من عدم مشروعية التثويب بين الأذان والإقامة يراد به الإتيان بالحيعلتين بينهما، وقد أجمع علماؤنا على ترك التثويب سواء فسّر بهذا، أو بقول الصلاة خير من النوم [16] .

وقال الشيخ محمد حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام:

التثويب في الأذان، كما هو المشهور بين أهل اللغة والفقه، قول: «الصلاة خير من النوم» فأصحابنا مجمعون عدا النادر منهم، على عدم مشروعيته، والظاهر عدم الفرق في كراهة التثويب أو حرمته، بهذا المعنى بين فعله بعد «حيّ على الفلاح» كما يصنعه العامة، وبين فعله بعد «حيّ على خير العمل». نعم، يمكن القول بالجواز فيه إذا كان بين التكبير في الأذان مثلاً مع عدم قصد التشريع [17] .

الوجه السادس: كيفية تشريع الأذان عند أهل البيت(عليهم السلام)
حينما ننظر إلى الروايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) في مبدأ تشريع الأذان لا نرى فيها المحذور الذي تقدم، وهو التنافي مع مقام النبوة، فمنها:

1 ـ في الوسائل باسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن علي ابن السني، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: لما اُسري رسول الله(عليه السلام)فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة، فأذّن جبرئيل وأقام، فتقدّم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وصفّ الملائكة والنبيّون خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال: فقلنا له: كيف أذّن؟ فقال: الله أكبر، الله أكبر، اشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله، لا إله إلاّ الله، والإقامة مثلها ، إلاّ أنّ فيها: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، بين حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، وبين الله أكبر، فأمر بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلالاً ، فلم يزل يؤذّن بها حتى قبض الله رسوله [18] .

2 ـ وعن محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: لما اُسري برسول الله(صلى الله عليه وآله) وحضرت الصلاة فأذّن جبرئيل(عليه السلام) ، فلمّا قال: الله أكبر، الله أكبر، قالت الملائكة: الله أكبر، الله أكبر، فلمّا قال: اشهد أن لا إله إلاّ الله ، قالت الملائكة: خلع الأنداد، فلمّا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قالت الملائكة: نبيّ بعث، فلمّا قال: حيّ على الصّلاة، قالت الملائكة: حثّ على عبادة ربّه، فلمّا قال: حيّ على الفلاح، قالت الملائكة: أفلح من اتّبعه [19] .

3 ـ وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: لما هبط جبرائيل (عليه السلام)بالأذان على رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان رأسه في حجر عليّ(عليه السلام) فأذّن جبرائيل وأقام، فلمّـا انتبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: يا علي سمعت؟ قال: نعم، قال: حفظت، قال: نعم، قال: ادع بلالاً فعلّمه، فدعا علي(عليه السلام) بلالاً فعلّمه [20] .

تؤيّد هذه الروايات روايات ذكرها العسقلاني وناقش في أسانيدها، فقال: «وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال: لما اُسري بالنبي(صلى الله عليه وآله) أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلّمه بلالاً. وفي إسناده طلحة ابن زيد وهو متروك.

وللدارقطني في «الأطراف» من حديث أنس: أنّ جبرائيل أمر النبي(صلى الله عليه وآله) بالأذان حين فرضت الصلاة، قال: وإسناده ضعيف.

ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعاً لما اُسري بي أذّن جبرائيل فظنّت الملائكة انّه يصلي بهم فقدّمني فصليت، قال: وفيه من لا يعرف.

وللبزار وغيره من حديث علي، قال: لما أراد الله أن يعلّم رسوله الأذان أتاه جبرائيل بدابة يقال لها: «البراق» فركبها فذكر الحديث [21] ... وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضاً، ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة... والحق أنّه لا يصح شيء من هذه الأحاديث .

هذه الروايات التي ينقلها العسقلاني تدل بوضوح على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في كيفية تشريع الأذان.

وأما نقاش العسقلاني في أسانيدها فذلك لأنه كان يروم إثبات أن مبدأ تشريع الأذان هو رؤيا عبدالله بن زيد أو عمر بن الخطاب. وقد عرفت بطلان ذلك فيما سبق. ومن أراد أن يكتشف الحقيقة في هذا المجال فعليه أن يلاحظ ما يلي:

أولاً: توفر مصادر الفريقين على نصوص تؤكد أن المبدأ في الأذان هو النص الإلهي لا غير، مثل:

1 ـ ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك، أنه قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يروا ناراً أو يضربوا ناقوساً فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة [22] .

وإليك بيان رجال هذا الحديث:

أ ـ عمران ابن ميسرة المنقري:

وثّقه الدارقطني وابن حجر وقال من العاشرة [23] .

ب ـ عبدالوارث بن سعيد أبو عبيدة العنبري البصري التنوري:

نسبه في التهذيب ابن سعيد ابن ذكوان التنوري بفتح وتشديد النون أحد الأعلام.

قال أبو زرعة: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق [24] .

ج ـ خالد الحذاء:

قال أحمد: ثبت .

وقال ابن معين: ثقة،

وكذا النسائي.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ به.

وقال فهد بن حبان: كان مهيباً كثير الحديث. [25]

د : أبو قلابة الجرمي عبدالله بن زيد بن عمر البصري:

ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة.

وقال: كان ثقة كثير الحديث [26]

هـ : أنس بن مالك بن النضر الأنصاري خادم رسول الله(صلى الله عليه وآله) نزيل البصرة:

قال البخاري في التاريخ الكبير عن قتادة: لما مات أنس بن مالك، قال مورّق: ذهب اليوم نصف العلم، قيل: كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث. قلنا: تعال الى مَن سمه من النبي(صلى الله عليه وآله) [27]

2 ـ وما روي عن أنس أنه قال: أُمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة [28] .

رجاله كالآتي:

أبو قلابة وأنس مرّ ذكرهما.

أ ـ سليمان بن حرب الأزدي البصري .

قال ابن نافع وابن سعد ويعقوب بن شيبة وابن خراش والنسائي وابن حجر: ثقة [29] .

ب ـ حماد بن زيد بن درهم.

أثنى عليه ابن المهدي.

قال يحيى بن يحيى النيسابوري : ما رأيت أحفظ منه.

وقال أحمد: هو من أئمة المسلمين من أهل دين الإسلام.

وقال ابن حجر: ثقة فقيه ثبت [30] .

ج ـ سماك بن عطية المهدي.

قال ابن معين والنسائي: ثقة [31] .

د ـ أيوب بن أبي تميمة السختياني العنزي:

قال ابن المديني: هو في ابن سيرين أثبت.

وثّقه ابن سعد وابن خيثمة والنسائي [32] .

3 ـ إنّ ابن عمر كان يقول: «كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة ليس ينادى لها ، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر أولاً تبعثون رجلاً ينادي للصلاة؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا بلال قم فنادي بالصلاة» [33] . رجاله كالآتي:

أ ـ محمود بن غيلان العدوي المروزي.

قال النسائي : ثقة.

وكذا قال مسلمة [34] .

ب ـ عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني .

قال هشام بن يوسف : كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ويحتجّ به.

وذكره ابن حبان في الثقات [35] .

ج ـ ابن جريج عبدالملك بن العزيز.

ذكره ابن حبان في الثقات ، من فقهاء أهل الحجاز.

قال ابن حجر: كان ثقة كثير الحديث.

يحتج بحديثه داخل في الطبقة الاُولى من أصحاب الزهري [36] .

د ـ نافع أبو عبدالله (مولى ابن عمر).

قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.

وقال ابن خراش: ثقة نبيل [37] .

وبعد أن انتهينا من صحة السند في هذه الروايات من جهة وعدم صحة الروايات التي قبلها أي التي تحدثت عن مبدأ الأذان بالرؤيا من جهة اُخرى يثور سؤال لابد من طرحه هو، ما هو المراد من قول الراوي «فأُمر بلال»؟

يقول ابن حجر العسقلاني في الجواب: قوله (فأُمر بلال) هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الاُصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه ، وأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتّباعه وهو الرسول(صلى الله عليه وآله). ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جداً [38] .

وهكذا ترى أن ابن حجر يصرح أن الأمر في العبادات يصدر عمن له الأمر الشرعي ويؤيد ذلك بإنها توقيفية.

أقول: كما يكون ذلك في تقرير العبادات يكون أيضاً في أصل نشأتها من دون فرق بينها.

ثانياً: أن القول الآخر الذي يذهب إلى أن مبدأ الأذان هو رؤيا رآها عبدالله بن زيد أو غيره يتنافى مع مقام النبوة والتشريع فهو مرجوح ومردود من هذه الجهة بينما ينسجم هذا القول مع مقام النبوة ولا يتنافى مع الاُصول المسلّمة لدى الفريقين.

وأما بالنسبة إلى ما ذكروا في مبدأ تشريع الأذان وهو رؤيا عبدالله ابن زيد وأن الرسول(صلى الله عليه وآله)أخذ الأذان منه، فهي فرية بالنسبة إلى الرسول(صلى الله عليه وآله)، كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام)إدانة ذلك وتقبيحه.

حيث روي عنه(عليه السلام) أنه لعن قوماً زعموا أن النبي(صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من عبدالله بن زيد فقال: ينزل الوحي على نبيّكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبدالله بن زيد؟! [39] .

ثالثاً: نجد الرسول(صلى الله عليه وآله) قد خطّ منهجاً عاماً لمعالجة الاختلافات والالتباسات التي تعترض المسلمين بعد غيابه وذلك بالرجوع إلى علي(عليه السلام) وأهل بيته الذين هم أدرى بما في البيت.

فعن أبي أيوب الأنصاري، قال: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله) يقول لعمار بن ياسر : «يا عمار تقتلك الفئة الباغية وأنت مع الحق والحق معك.. يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع علي ودع الناس، إنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من هدى» [40] .

وعن عائشة أن النبي(صلى الله عليه وآله) ، قال: «الحق مع علي يزول معه حيث ما زال» [41] .

وقد أمرنا الرسول الأكرم بالتمسك بأهل بيته في حديث الثقلين والمراد من التمسك بهم هو الأخذ بقولهم وفعلهم وتقريرهم في معالم الدين.

فإذاً لا يبقى أمام المسلمين إلاّ اتّباع مواقف علي وأهل بيته(عليهم السلام)وهم قد صرحوا بأن مبدأ الأذان كان هو التشريع الإلهي. وإليك جملة من النصوص الدالّة على ذلك:

1 ـ أخرج العسقلاني عن البزار عن علي(عليه السلام)، قال: لما أراد الله أن يعلّم رسوله الأذان أتاه جبرئيل بدابة يقال لها البراق فركبها [42] .

2 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث المعراج ، قال: ثم أمر جبرئيل (عليه السلام)فأذّن شفعاً وأقام شفعاً، وقال في أذانه: «حي على خير العمل»، ثم تقدم محمد(صلى الله عليه وآله) فصلّى بالقوم [43] .

3 ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لما اُسري برسول الله(صلى الله عليه وآله) حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل(عليه السلام) [44] .

4 ـ عليّ بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن أبان بن عثمان عن إسماعيل الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) ، يقول: الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً [45] .

وثّقه في مرآة العقول [46] .

5 ـ محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة وحمّاد بن عيسى، عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)، عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة؟ فقال(عليه السلام): ما نعرفه.

ورواه الصدوق باسناده عن معاوية بن وهب [47] .

ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن وهب، نحوه [48] .

ورواه ابن إدريس في آخر (السرائر) نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب، مثله [49] .

6 ـ وبإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن عبدالله [50] بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: قال لي أبو جعفر(عليه السلام) ـ في حديث ـ «إن شئت زدت على التثويب حيّ على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم» [51] .

قال الشيخ: لو كان ذكر الصلاة خير من النوم من السنّة لما سوّغ له العدول عنه إلى تكرار اللّفظ.

أقول: وأحاديث كيفيّة الأذان والإقامة تدلّ على ذلك [52] .

7 ـ وعنه، عن أحمد بن الحسن، عن الحسين، عن حمّاد بن عيسى، عن شعيب بن يعقوب، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «النداء والتثويب في الإقامة [53] من السنّة».

أقول: يأتي وجهه على أنّ التثويب لغة أعمّ من قول: «الصلاة خير من النوم» [54] ، فلعلّ المراد غيره، ويحتمل الحمل على الإنكار.

8 ـ وعنه، عن أحمد بن الحسن، عن الحسين، عن فضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) ،قال: «كان أبي(عليه السلام)ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم، ولو رددت ذلك لم يكن به بأس».

والإمام ليس في مقام تشريع الأذان ، حيث قال: ولو رددت ذلك أي ترديد لا بمعنى الأذان، ثم إن الظرف آنذاك قد كان يستوجب التقية حتى في داخل البيت.

ورواه ابن إدريس في آخر (السرائر) نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب [55] .

قال الشيخ: هذا، والذي قبله محمولان على التقيّة لاجماع الطائفة على ترك العمل بهما.

أقول: هذا لا إشعار فيه بكون النداء في الأذان أو الإقامة، فلعلّه لم يكن فيهما كما سيأتي في الحديث الأخير من هذه الفقرة.

9 ـ جعفر بن الحسن المحقّق في (المعتبر) نقلاً من كتاب أحمد ابن محمد بن أبي نصر، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «إذا كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم بعد حيّ على خير العمل [56] ، ولا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم إنّما هذا في الأذان».

أقول هذا محمول على التقيّة كما تقدّم [57] ، وهو معارض بما تقدم وما سيأتي من حديثهم(عليهم السلام) .

ومن مستدرك الوسائل أيضاً:

10 ـ باب عدم جواز التثويب في الأذان والإقامة، وهو قول «الصلاة خير من النوم».

11 ـ فقه الرضا(عليه السلام)، قال بعد ذكر فصول الأذان: «ليس فيها ترجيح ولا تردد، ولا الصلاة خير من النوم».

عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: «الصلاة خير من النوم بدعة بني اُميّة، وليس ذلك من أصل الأذان، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة، أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الأذان، فإنّا لا نراه أذاناً».

وتقدّم من الكتاب المذكور عنه(عليه السلام) ، أنّه قال: «لمن أراد أن ينبّه بالصلاة قبل الفجر، ولكن ليقل وينادي، بالصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، يقولها مراراً، وإذا طلع الفجر أذّن» [58] .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page