• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العصمة في النبوة والإمامة 2

 

العصمة في النبوة والإمامة 2

 

الأدلّة النقلية على عصمة الأنبياء(عليهم السلام)
أما الأدلة النقلية على عصمة الأنبياء فيمكن تلخيصها بما يلي:

1 ـ عبر القرآن الكريم عن بعض الأفراد بأنّه مُخلص وهذه المفردة التي هي بفتح اللام غير المفردة التي بكسر اللام.

فالاُولى إشارة الى أن الله جعل الشخص مخلصاً.

أما الثانية فتشير الى أن الشخص يمارس عمله باخلاص ونيّة صادقة مخلصة.

والمخلَصون لا يطمع في إغوائهم حتى الشيطان، ومن هنا أقسم على إغواء بني آدم جميعهم واستثنى المخلَصين، كما جاء في قوله تعالى:

(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُـخْلَصِينَ) [1] .

ولاشك في أن مبعث يأس الشيطان من إغوائهم انّما هو; ما يملكونه من تنزيه وصيانة من الضلال والآثام، وإلاّ فإنّ عداءه شامل حتى لهؤلاء، ولو كان يمكنه إغواؤهم لما تخلّى عن إغوائهم وأعرض عنهم.

إذاً فعنوان (المخلَص) مساو لـ (المعصوم)، وإنّه وإن لم يوجد دليل على اختصاص هذه الصفة بالأنبياء، إلاّ أنّه لا يمكن الشك في شمولها لهم. وقد اعتبر القرآن الكريم بعض الأنبياء من المخلَصين كما جاء في قوله تعالى:

(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالْأَبصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَة ذِكْرَى الدَّارِ) [2] .

وقوله تعالى:

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) [3] .

وكذلك اعتبر السبب في تنزّه يوسف(عليه السلام) عن الانحراف في أشدّ الظروف هو أنّه كان مخلَصاً، كما في قوله تعالى:

(كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُـخْلَصِينَ) [4]

2 ـ لقد فرض القرآن الكريم على البشر إطاعة الأنبياء بصورة مطلقة كما جاء في قوله تعالى:

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُول إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) [5] .

وإنّما تصحّ اطاعتهم المطلقة فيما لو كانت في مسار اطاعة الله وبموازاتها، بحيث لا تكون إطاعتهم منافية لإطاعة الله، وإلاّ فإنّ الأمر بالإطاعة المطلقة لله تعالى، والأمر بالطاعة المطلقة لمن هم معرّضون للخطأ والانحراف سيكونان على طرفي نقيض.

3 ـ لقد خصّص القرآن الكريم المناصب الإلهية لاُولئك الذين لم يتلوّثوا بـ (الظلم)، يقول تعالى في جوابه لإبراهيم(عليه السلام)الذي طلب منصب الإمامة لأبنائه: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [6] .

ونحن نعلم أن كل معصية هي ظلم للنفس على الأقل، وكل عاص ومذنب ظالم في عرف القرآن، إذاً فالأنبياء أصحاب المنصب الإلهي ـ النبوة ـ لابدّ أن يكونوا منزّهين عن كل ظلم ومعصية .

سابعاً: العصمة وضرورتها في الإمام
تعتقد الإمامية أن العصمة مطلقة في النبي والإمام، وتعني أنّه معصوم عن الذنب ومنزّه عن الخطأ والنسيان والسهو، ولا يتلبس بالجهل والغفلة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو الإمامة أو بعدها، فهو إنسان كامل لا يعتريه النقص البشري ولا يغلب عليه الميل النفساني من ولادته الى مماته، فهو معصوم في معتقده وفي أفعاله الدينية وفي تكاليفه الشرعية وفي تبليغه للأحكام الشرعية الإلهية ومستقيم في طباعه.

وتأتي العصمة وضرورتها في الإمامة تبعاً لضرورة الإمامة بعد النبوة، ولهذا استدلّ الإمامية على وجوب الإمامة بقاعدة اللطف ، أي أن الإمامة لطف من الله عزّ وجل كما هي النبوة.

واللطف فيض إلهي ، لأن المولى حينما خلق الإنسان أراد له أن يصل الى منتهى كماله الإنساني ، ولما كان الإنسان ملهماً بنوازع الخير والشر : (وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [7] فهو ميّال الى الداني ويترك ما جُعل سبباً لكماله، فمن لطفه سبحانه ورحمته الواسعة أن يهيّأ له سُبل الهداية، ولهذا فقد أرسل الأنبياء ليتكفّلوا بهداية الإنسانية.

وبنفس هذا التأسيس تأتي الحاجة للإمام المعصوم بعد غياب النبي باستثناء الوحي، فاللطف الذي هو فيض من المولى وأدى الى مجيء النبوة لا ينقطع حين غياب النبي ، لأن الداعي باق.

ومن ضرورات العصمة للإمام : أن وجود الإمام في وسط الاُمة يمثل خطاً طبيعياً للرسالة وامتداداً لنبيّها، فعلى هذا الأساس يكون عاملاً لبناء الرسالة ومرجعاً لهداية الناس، ذلك لأن الهدف من حركة الإنسان ووجوده هو الوصول الى أرقى المراتب في الكمال الإنساني، وإذا كان هذا الهدف فهو إذاً بحاجة الى إمام معصوم يربط بين عالم الغيب المتعالي والنوع الإنساني المحتاج.

ومن هذا المنطلق تأتي مسألة قبول الاُمة لارشاداته ، لأنه الممثل للنبوة ، وتتأكد الطاعة والقبول لشخصه فيما إذا كان معصوماً ، أما إذا كان غير معصوم فسوف يبرر للاُمة عدم طاعته وقبول أوامره ، وإذا لم تصدقه الاُمة سيؤدي هذا الأمر بطبيعة الحال الى ظلال الاُمة وعدم تحقق الغرض الإلهي.

ولا يوجد أي مانع من أن يكون الإمام معصوماً ، مادام المولى قادراً على تحقيق ذلك، ولا يوجد محذور عقلي في نفس القابل ، وقد أثبتنا ذلك في عصمة الأنبياء.

وتأتي مسألة اُخرى وهي أن الشريعة التي جاء بها النبي خالدة وعامة لكل البشر وعلى مختلف الأزمنة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [8] ، اذاً فهو مشروع لكل الاُمم ، وإذا كان بهذه السعة وهذا الامتداد فلابد من وجود عمر يمتد بامتدادها من أجل أن يساير النبي مشروعه حتى اكتماله واقتطاف ثماره ، ولما كان عمر النبي قصيراً ومحدوداً في مدته ، فلابد أن يلحق عمر النبي عمر آخر أطول منه يمتاز بنفس الطاقات والصفات والمؤهلات حتى تحقيق الغرض الإلهي.

وحيث لا يمكن أن يكون هذا القائد نبيّاً، لأنه لا نبي بعد رسول الله، فيبقى الأمر محدوداً بالإمام المعصوم، وهذا الأمر تؤكّده كثير من الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية [9] .

قال السيد المرتضى:

فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة(عليهم السلام) لا يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة، فهو أن الإمام إنّما احتيج إليه لجهة معلومة، وهي أن يكون المكلفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب فلو جازت عليه الكبائر لكانت علّة الحاجة إليه ثابتة فيه، وموجبة وجود إمام يكون إماماً له، والكلام في إمامته كالكلام فيه، وهذا يؤدي الى وجود ما لانهاية له من الأئمة، وهو باطل، أو الانتهاء الى إمام معصوم، وهو المطلوب.

وممّا يدل أيضاً على أن الكبائر لا تجوز عليهم، أن قولهم قد ثبت أنّه حجة في الشرع كقول الأنبياء(عليهم السلام) ، بل يجوز أن ينتهي الحال الى أن الحق لا يعرف إلاّ من جهتهم، ولا يكون الطريق إليه إلاّ من أقوالهم، وإذا ثبت هذا جملة جروا مجرى الأنبياء(عليهم السلام) فيما يجوز عليهم وما لا يجوز، فإذا كنا قد بيّنا أن الكبائر والصغائر لا يجوزان على الأنبياء(عليهم السلام) قبل النبوة ولا بعدها، لما في ذلك من التنفير عن قبول أقوالهم، ولما في تنزيههم عن ذلك من السكون إليهم، فكذلك يجب أن يكون الأئمة(عليهم السلام)منزّهين عن الكبائر والصغائر قبل الإمامة وبعدها، لأن الحال واحدة [10] .

وهناك من يذهب الى أن البديل للإمام المعصوم هو الاُمة ، فعقل الاُمة ووعيها ورشدها الإسلامي ووجود المصلحين والأخيار فيها، يؤهّلها للقيام بدور الإمامة بدل الشخص المعصوم، والاُمة كنائبة لتولّي رعاية الشريعة وحفظها لا تختار الباطل ولا تنحدر نحو الهاوية، بفعل وجود عوامل شرعية مرة وعقلائية اُخرى.

ويعترض هذا التوجيه سؤال هو : هل يجوز على الاُمة الخطأ والنسيان والتضليل والانحراف أم لا؟

بالتأكيد سيكون الجواب إيجابياً، فلا يتصور أحد عدم نسيان الاُمة وعدم خطئها واختلافها، فلو نظرنا الى الحقائق القرآنية التي تحدثت عن اختلاف الاُمم في الماضي، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [11] . وقال أيضاً: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِمَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) [12] لانتهينا الى عدم عصمة الاُمم وعدم عصمة الاُمة الإسلامية بشكل خاص، لوجود الاختلافات والانقسامات التي أصابتها بعد غياب صاحب الرسالة، فضلاً عن كونها اُمة لا تختلف في طبائعها وميولها، وأن الاختلاف الذي يكون سبباً لتمزقها لابد له من مرجع ورئيس يحسم بقرار المعصوم ذلك النزاع والاختلاف وعدم صلاحية فئة من الاُمة لرفع الظلم والفساد عن الاُخرى، لادعاء الثانية بأنها تريد رفعه عن اُختها أيضاً .

الأدلة النقلية على عصمة الأئمة (عليهم السلام)
أما الأدلة النقلية على عصمة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) القرآنية والروائية فكثيرة، نقتصر على ذكر نماذج منها:

1 ـ آية التطهير
قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [13] .

إن الآية تنص على حصر إرادة الله تعالى هنا في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيراً كاملاً شاملاً، وهذا الحصر إنّما هو بالنسبة الى ما يتعلق بأهل البيت، وإلا فإن لله تعالى إرادات تشريعية وتكوينية غيرها بالضرورة، فالمعنى أن إرادة إذهاب الرجس والتطهير مختصة بهم دون غيرهم، فتصير في قوة أن يقال: يا أهل البيت، أنتم الذين يريد الله أن يذهب عنكم الرجس ويطهركم من الأدناس. فالإرادة هذه تكوينية لا محالة، فإن الإرادة التشريعية للتطهير لا تختص بقوم دون قوم وبيت دون بيت. والإرادة التكوينية منه تعالى لا تنفك عن المراد. فتطهير أهل البيت من الرجس أمر واقع بإرادة الله تعالى، فهم المعصومون من الذنوب والآثام والاخطاء.

هذا هو الظاهر من نفس الجملة بصرف النظر عما قبلها.

وروايات نزولها في أهل البيت ـ أهل بيت الوحي المطهّرين، النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ دون غيرهم كثيرة جداً تربو على سبعين حديثاً من طرق الفريقين، وإذا لم يكن مثل هذه الروايات معتمداً عليها فبأي حديث بعده يؤمنون؟!

وهذه الروايات التي روتها الشيعة بطرقهم، عن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعلي بن موسى الرضا(عليهم السلام) عن اُم سلمة وأبي ذر وأبي ليلى وأبي الأسود الدؤلي وعمر بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص، وروتها السنة بأسانيدهم عن اُم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأصقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي(صلى الله عليه وآله)وعبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي(عليهم السلام)، كلها تدل على أن الآية نزلت في الخمسة الطيبة: رسول الله وابن عمه علي وبنته فاطمة وسبطيه الحسنين(عليهم السلام)، وهم المرادون بأهل البيت دون غيرهم [14] .

ونطالع بهذا الصدد ما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل كأحد النماذج التي تؤكد هذه الواقعة.

روى عبدالله بن أحمد بن حنبل في مسنده عن أبيه عن شداد أبي عمار، قال: دخلت على وائلة بن الأصقع وعنده قوم فذكروا علياً، فلما قاموا، قال: ألا اُخبرك بما رأيت من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة(عليها السلام) أسألها عن علي، قالت: توجّه، الى رسول الله(صلى الله عليه وآله). فجلست انتظره حتى جاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومعه علي وحسن وحسين (عليهما السلام) آخذاً كل ] واحد [منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه ـ أو قال: كساءاً ـ ثم تلا هذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق» [15] .

وجاء أيضاً في الدّر المنثور، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها زوج النبي(صلى الله عليه وآله): أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان بينهما على مقامة له عليها كساء خيبري فجاءت فاطمة(عليها السلام) ببرمة فيها قريرة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله):(إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) فأخذ النبي(صلى الله عليه وآله) بفضلة إزاره فغشاهم إياها، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها الى السماء، ثم قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» قالها ثلاث مرات [16] .

2 ـ آية المباهلة
قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَت اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [17] .

يتضمن الأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ـ بصيغ الجمع في الجميع ـ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضار ثلاثة أفراد من كل عنوان لا أقل منها، تحقيقاً لمعنى الجمع. لكن الذي أتى به النبي(صلى الله عليه وآله)في مقام امتثال هذا الأمر على ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله(صلى الله عليه وآله)وجه إلا انحصار المصداق في ما أتى به. فالآية بالنظر الى كيفية امتثالها بما فعل النبي(صلى الله عليه وآله)تدل على أن هؤلاء هم الذين كانوا صالحين للاشتراك معه في المباهلة، وأنهم أحب الخلق إليه، وأعزهم عليه، وأخص خاصته لديه، وكفى بذلك فخراً وفضلاً.

ويؤكد دلالتها على ذلك أنه(صلى الله عليه وآله) كان له عدّة نساء ولم يأت بواحدة منهن سوى بنت له، فهل يحمل ذلك إلا على شدّة اختصاصها به وحبه لها، لأجل قربها الى الله وكرامتها عليه؟

كما أن انطباق عنوان «النفس» على علي(عليه السلام) لا غير، يدل على أعظم فضيلة وأكرم مزية له(عليه السلام) ،حيث نزل منزلة نفس النبي(صلى الله عليه وآله) [18] .

ويؤيده ما رواه الفريقان عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، حيث قال لعلي(عليه السلام): «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أ نّه لا نبي بعدي» [19] وقوله «أنت مني وأنا منك» [20] .

وقد احتجّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) بهذه الفضيلة يوم الشورى واعترف بها القوم ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبق فيه مجال للإنكار من مثل ابن تيمية. فقد اعترف بصحة الحديث القائل: بأن نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الآية هو علي(عليه السلام)، إلاّ أنه جعل ملاك التنزيل هو القرابة. ولما التفت الى انتقاضه بعمّه العباس حيث إن العم أقرب من ابن العم قال: «إن العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاص بالرسول(صلى الله عليه وآله)كعلي». فاضطر الى الاعتراف بأن مناط تنزيل علي(عليه السلام)منزلة نفس النبي [21] ليس هو القرابة فقط، بل سبقه الى الإسلام واختصاصه بالنبي(صلى الله عليه وآله). وهل يكون اختصاصه به(صلى الله عليه وآله) إلا لأجل أفضليته من غيره وأقربيته الى الله سبحانه؟! [22]

ثم إن في قوله تعالى: ( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا...) إشارة الى أن لغيره(صلى الله عليه وآله)شأناً في الدعوة الى المباهلة، حيث أضاف الأبناء والنساء الى ضمير المتكلم مع الغير، مع أن المحاجّة كانت معه(صلى الله عليه وآله)خاصة، كما يدل عليه قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ..) . وهذا هو الذي يستفاد من قوله تعالى: (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) [23] وقوله تعالى: (قُلْ هذِهِ سَبِيلي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [24] كما يؤيده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضى إطلاق التنزيل في قوله(صلى الله عليه وآله)لعلي(عليه السلام)«أنت مني بمنزلة هارون من موسى».

ويؤيد ذلك قوله تعالى: (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [25] ، فإن المراد بالكاذبين هنا ليس كل من هو كاذب في كل إخبار ودعوى ، بل المراد هم الكاذبون المغرضون في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدعي في كلا الجانبين أكثر من واحد، وإلاّ لكان حق الكلام أن يقال مثلاً: «فنجعل لعنة الله على من هو كاذب» حتى يصح، انطباقه على الفرد أيضاً. فالمشتركون مع النبي(صلى الله عليه وآله) في المباهلة شركاء له في الدعوى.

وحيث إن المحاجّة إنّما وقعت بين النبي(صلى الله عليه وآله) وبين النصارى ، لا لمجرد الدعوى بل لأجل دعوتهم الى الاسلام ، وأن الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوى والدعوة، فحضور من حضر أمارة على كون الحاضرين مشاركين له في الدعوى والدعوة معاً.

والروايات التي صدرت من الصحابة في آية المباهلة كثيرة جداً ، كرواية جابر بن عبدالله، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد ابن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس، وأبي رافع مولى النبي(صلى الله عليه وآله)وغيرهم، ورواية جمع من التابعين عنهم كالسدي والشعبي والكلبي وأبي صالح، وطبقات المحدثين والمؤرخين والمفسرين على إيداعها في موسوعاتهم كمسلم، والترمذي، والطبري، وأبي الفداء، والسيوطي، والزمخشري، والرازي باتفاق الروايات وصحتها [26] .

قال جابر: فيهم نزلت (نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) قال جابر: (أنفسنا) رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) و(أبناءنا) الحسن والحسين(عليهما السلام) و (نساءنا) فاطمة(عليها السلام) [27] .

وإذا كان الإمام علي(عليه السلام) نفس النبي وأ نّه بمنزلته إلاّ أنه ليس بنبي.

يلزم منه أن تكون الصفات الاُخرى الثابتة للنبي ، ومنها العصمة ثابتة للإمام(عليه السلام) إلاّ أنه ليس بنبي.

3 ـ آية الإمامة

قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [28]

يمكن الاستفادة من هذه الآية بوجهين الأول: فيها إشارة من أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنص، والثاني: شرط العصمة في الإمام.

تقريب الاستدلال بطريقين:

الأول: الإمامة لا تكون إلاّ بالنص بدليل أنّ الإمامة عهد من الله، كما هو صريح الآية، وهذا العهد لا يمنح إلاّ من قبل الله، حيث يشاء من عباده ولذا جاء في الآية تعبير الظالمين ولم يُعبّر بـ (الظالمون)، لأن الظالمين مفعول به فالعهد يقع على الإنسان المختار للإمامة، لا الإنسان يقع عليها وهذا يعني أنه ليس لأحد أن يدّعيها لأن الارتقاء إليها ليس بمقدور الإنسان ولا باختياره فهي منصب ربّاني مختص به لا يشاركه في تعيينها أحد وبهذا تسقط كل الاُطروحات البديلة لمنصب الإمامة التي اخترعها الإنسان مثل الشورى أو الانتخاب أو البيعة أو العهد أو الوراثة.

الثاني: أن المولى قد صرح بأن موقع الإمامة والتصدي لها لا تكون إلاّ لمن هو معصوم وهذا الشرط الذي سجله المولى يعنى أنه سبحانه لا يختار الظالم للإمامة اطلاقاً، فاذا ادّعى الإمامة أحد وخطّ لنفسه صيغة جديدة وتجاوز المنصوص عليه المسدد منه سبحانه فهو ظالم بلاشك [29] .

3 ـ حديث الثقلين
جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال: «إنّي اُوشك أن اُدعى فاُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل مدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [30] .

ويعتبر هذا الحديث من الأدلة الواضحة في إمامة وعصمة أهل البيت(عليهم السلام) ، كما أ نّه لا شائبة في سنده ولا خدشة في اعتباره.

ويمكن بيان عصمة الأئمة في هذا الحديث بما يلي:

الأوّل: أمر النبي(صلى الله عليه وآله) الاُمة الإسلامية بعده أن تتمسك بالقرآن الكريم، وأهل البيت(عليهم السلام)والتمسك بهما يورث النجاة ويمنع من الضلالة عن الاُمة، ويدفع البشرية نحو الهداية.

فقد جاء في الصواعق المحرقة:

«فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا» [31] .

والأمر النبوي منصبّ على التمسك بهما وكلنا يعلم أن التمسك بالقرآن الكريم يعني التمسك بمنهج لا يخطئ وبقول لا يكذب فهو منبع التعاليم الحقة ومصدر السيرة الصالحة فهو يهدي للتي هي أقوم.

(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [32] .

فالقرآن (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وهو عاصم لمن تمسك به، وقد قرن النبي(صلى الله عليه وآله)أهل البيت بالقرآن وجعلهما على حد سواء في التمسك.

والنجاة تقترن بهما ملازمة لكليهما، فلا التمسك بالقرآن وحده كاف، ولا بهم ـ أهل البيت ـ دون القرآن مغن.

وبما أن القرآن معصوم كذلك أهل البيت معصومون ، فلو كان في القرآن خطأ أو اشتباه لما أمر النبي بالتمسك به، كذلك أهل البيت(عليهم السلام)معصومون بالمقارنة والملازمة، ويعني التمسك بهما أي طاعتهما، وطاعتهما مطلقاً يعني كونهما معصومين ووجوب الطاعة مطلقاً ، يعني كون صاحبها معصوماً من الزلل مطهراً من الذنوب ، فالنبي(صلى الله عليه وآله)أمر بطاعته مطلقاً فلو أخطأ أو أذنب فهذا يعني أن النبي قد أمر باتباع الخطأ والذنب، وهذا محال على النبي(صلى الله عليه وآله) ، لأنه لا يتكلم عن نفسه ولا ينطق عن ذاته بل هو وحي يوحى.

الثاني: حكم النبي(صلى الله عليه وآله) بأنهما لن يفترقا يوماً من الأيام ، وهذا يعني دوام عصمتهما واستمراريتهما، ومنه نكتشف أنه لا يخلو زمان من الأزمنة من معصوم، فهما لن يفترقا الى يوم القيامة، فالأرض لا تخلو من حجة، لاننا نعتقد أن القرآن الكريم خالد ومستمر الى يوم القيامة.

ولعل قائلاً يقول: إن المراد بعدم الافتراق هو كون القرآن في جيوبهم ولا يفارق بيوتهم، أو هم بين الدفتين من القرآن ، فهناك آيات تشير إليهم، مثل آية المودة والمباهلة، فهم خالدون بالذكر لا أكثر من ذلك، وهذا هو عدم الافتراق.

والجواب: أولاً: يكفي النبي(صلى الله عليه وآله) القول: التمسك بالقرآن وحده، لأنهم حسب ما يدعي المعترض في القرآن الكريم والأمر بالتمسك بأهل البيت لا مبرر لذكره ولا موجب لبيانه.

وثانياً ، بناءً على هذا الفهم فإنّ الاُمة الإسلامية تحمل القرآن وتحفظه بالجملة وهي أيضاً مذكورة في القرآن الكريم، فلماذا خصّ أهل البيت(عليهم السلام)بالذات وذكرهم بالخصوص.

ثالثاً:لماذا ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) في مطلع حديثه «انّي تارك فيكم الثقلين» ، فإذا كان أهل البيت مجرد ذكر في القرآن فلماذا أصبحوا ثقلاً ، أليس الثقل يعني أماناً للاُمة وملجأً للبشرية؟ فاتصافهم بالثقل يدل على عظمتهم وعصمتهم وليس مجرد ذكرهم وبيان أسمائهم.

وقد ذكر الحمويني الحديث مع اختلاف بسيط: بسنده عن زيد ابن ثابت، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان بعدي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» [33] .

حدثنا عمر بن سعد أبو داود الحفري عن شريك عن الركين عن القاسم بن حسان عن زيد ابن ثابت قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) «إنّي تارك فيكم خليفتين من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض» [34]

فهاتان الروايتان تضيفان كونهما خليفتين، والخليفة هو الذي له الطاعة والولاية والإتّباع لا مجرد الذكر.

فالاشكال لا وجه له في المقام ، فأهل البيت(عليهم السلام) هم عدل القرآن الكريم والتمسك بالقرآن أخذ التعاليم والأحكام منه، وكذلك التمسك بأهل البيت(عليهم السلام) أخذ الأحكام منهم وبيان تفصيلات القرآن الكريم.

ومن الدلالات الاُخرى التي يمكن استفادتها من هذا الحديث على عظم منزلتهم وعصمتهم.

إنّ القرآن الكريم فيه من العلوم الإلهية ما يجعلها تفوق علوم الأرض كلها حيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها كما نطق به عزّ وجل: (مَالِهَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلاَّ أحْصَاهَا) [35] .

وأهل البيت(عليهم السلام) هم عدله فهم في معارفهم الربّانية التي حصلوا عليها منه سبحانه تفوق من على وجه الأرض.

ومن هذه الرواية المباركة والتي ورد فيها لفظ : «كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي». يستفاد أن الكتاب مع الأئمة هم حبل الله الممتد من الأرض الى السماء، فهذا يعني أنهم الطريق الوحيد الموصل الى الله، وأن الطرق الاُخرى لا تغني الاُمة شيئاً، وقد جاء في بعض الروايات عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، أ نّه قال : «إنّي تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي، إن اعتصمتم به: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وقد فسّر الشافعي (حبل الله) في أبياته التي يقول فيها:

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم***مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النجا***وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم ***كما قد اُمرنا بالتمسّك بالحبل [36]

فإذا كانوا هم حبل الله، فلاشك أن هذا الحبل مانع عن الضلالة ومبعّد عن الغواية الى يوم القيامة، وهل يمكن أن يفعل الدنس من يكون حبلاً ، أو يقترف الجريمة من يكون وصلاً مع الله سبحانه وتعالى.

فنلخّص ممّا تقدم:

1 ـ إنّ الله أمر في هذا الحديث باتباع أهل البيت(عليهم السلام) وحاشا أن يأمر رسول الله باتباع المذنبين والخاطئين والمخالفين لكتاب الله.

2 ـ اقترانهم بالقرآن الكريم يدل على كمالهم وعصمتهم.

3 ـ في قول النبي(صلى الله عليه وآله) : «لن تضلّوا بعدي» دلالة على عصمتهم وكمالهم.

4 ـ عدم الافتراق والورود على النبي(صلى الله عليه وآله) يوم القيامة معاً وعلى الحوض دليل على عصمتهم ودوامها واستمراريتها الى يوم القيامة.

5 ـ وقد جاء في الحديث لفظ أن السبق على أهل البيت هلاك، كما هو الوارد في الصواعق المحرقة: (فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم) [37] وهو يفيد خلافتهم وولايتهم وعصمتهم.

6 ـ قد تبيّن من اقتران أهل البيت(عليهم السلام) بالقرآن الكريم أنّهم لن يخالفوه ولن يعارضوه في يوم من الأيام، وهذا أيضاً يدل على عصمتهم وكمالهم.

7 ـ أمر بالتمسك بهما حتى تحصل النجاة للاُمة من الضلالة، والمذنب لا يعتبر منجياً من الضلالة ولا مانعاً عنها.

وهناك روايات تبين منزلة أمير المؤمنين(عليه السلام) من القرآن الكريم وكأنها تشير الى حديث الثقلين.

«هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض».

ويمكن أن نقول: إنّ هذه الرواية خصصت الأمر في أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد التعميم الذي ورد في حق أهل البيت(عليهم السلام) .

ولاشك أنّ التمسك بهذا الحديث والابتعاد عن الضلالة ينبغي أن يكون مباشرة وبلا فاصلة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) ، لأن النبي(صلى الله عليه وآله)صرح في بعض ألفاظ هذا الحديث كما جاء عن الحمويني: «ألا وهما الخليفتان بعدي» وخليفة النبي(صلى الله عليه وآله) من اتصل بعهده وسار بنهجه.

وقد أورد البعض إشكالاً قالوا: إن البخاري لم يخرج هذا الحديث، أي حديث الثقلين وهذا يدلّ على ضعف الحديث ووهنه.

والجواب، نقول: إن الحديث منقول عن العامة والخاصة.

فالعامة ذكرت تسعة وثلاثين حديثاً بعضها عن مسند أحمد بن حنبل، وبعضها في صحيح مسلم ، وبعضها عن ابن المغازلي ، وبعضها عن الموفق بن أحمد الخوارزمي، وممّن ذكره أيضاً من العامة أبو عبدالله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي المتوفى سنة (658 هـ) في كتابه [38] .

وهذه الكتب التي ذكرت هذا الحديث معتبرة عند العامة ولا يمكن الخدش فيها وبعضها معدود في الصحاح الستة، هذا أولاً.

وثانياً: إن البخاري لم يهمل حديث الثقلين المتواتر عند العامة والخاصة وحده عن صحيحه كما يدّعي، بل أهمل غيره كذلك، والسبب كون أمير المؤمنين بطل الروايات ، فقد أهمل (حديث الولاية يوم الغدير مع تواتره، وحديث المؤاخاة مع كونه من البديهيات، وحديث سد الأبواب غير باب علي(عليه السلام) مع ثبوته، وحديث إنذار عشيرته الأقربين المشتمل على النص بخلافة أمير المؤمنين، ولم يخرج حديث السبب في نزول (إنّما وليّكم الله ورسوله...) ولا حديث السبب في نزول: (يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل اليك من ربّك) ولا شيئاً من الأحاديث في أسباب نزول الآيات الهاتفة بفضل أهل البيت(عليهم السلام) ، وقد أهمل أحاديث سفينة نوح وغيرها [39] .

وثالثاً: إن هذا الحديث باعتقاد مسلم صحيح، وقد أخرجه في صحيحه، فإذاً الحديث الصحيح لا يضرّه ولا يزعزعه إن لم يخرجه البخاري في صحيحه.

أما طرق الخاصة ففيها اثنان وثمانون حديثاً، بعضها عن ابن بابويه، وبعضها عن الكليني وبعضها عن الشيخ [40] وبعضها عن العياشي وغيرهم، فيقول ابن بابويه بسنده عن الصادق(عليه السلام)عن آبائه عن علي(عليه السلام) ، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأ نّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين» وضم بين سبابتيه، فقام إليه جابر بن عبدالله، فقال يا رسول الله من عترتك؟ قال: علي والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين الى يوم القيامة[41] .

فالإمام الذي أشارت إليه رواية الثقلين وبيّنت خصوصياته معصوم من الزلل أعلم مَن في الأرض حجة على عباده ولا تخلو الأرض منه الى يوم النشور، فكما أن الله عزّ وجل تكفّل ببقاء القرآن الى يوم القيامة، كذلك المعصوم فهو الحافظ للشريعة، المبيّن لأحكامها، المفسر للقرآن الكريم، والمطلع على علومه وآثاره .

يقول الإمام الرضا(عليه السلام): «وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجل لاُمورعباده شرح صدره لذلك وأودع فيه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً فلم يَعْيَ بعد بجواب ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم» [42] .

فالإمام إذاً لا يصدر منه الخطأ والعصيان والذنب سواء كان عن عمد أو سهو، لأنه في كل الأحوال سوف يفارق القرآن الكريم ولم يقرن به،والذي يجوّز على أهل البيت(عليهم السلام) الذنب والخطأ وماشاكل فقد كذّب قول النبي(صلى الله عليه وآله) ، وادّعى شططاً، ومن خلال الاقتران الدائم والمستمر نكتشف أنّ خط أهل البيت(عليهم السلام) مع القرآن، وأن القرآن معهم، والهدف لهما واحد.

ومن ذيل الرواية التي ينقلها، قال شهاب الخفاجي في شرحه: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما»: نستدلّ على وجوب اتباع أهل البيت(عليهم السلام) ، فإنّي انظر عملكم بكتاب الله واتباعكم لأهل بيتي ورعايتهم وبرهم بعدي فإنّ ما يسرّهم يسرّني وما يسوؤهم يسوؤني [43] .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page