6 ـ قال : حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن الحسين (1) بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن ( عليه السلام ) ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا بُني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيمن (2) ، ثمّ أقبل الحسين ( عليه السلام ) فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا بُني ، وأجلسه على فخذه الأيسر (3) ، ثمّ أقبلت فاطمة ( عليها السلام ) فلمّا رآها بكى ، ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا بُنيّة ، وأجلسها بين يديه ، ثمّ أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت أو ما فيهم من تسرّ برؤيته ؟
فقال ( صلّى الله عليه وآله ) : والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليَّ منهم ، أمّا علي بن أبي طالب فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كل مسلم وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأُمتي في حياتي وبعد موتي ، محبّه محبّي ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت أُمتي مرحومة وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأُمة به بعدي ، حتى [ إنّه ] (4) ليُزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ، ثمّ لا يزال الأمر به حتى يُضرب على قرنه [ ضربة ] (5) يخضّب منها لحيته في أفضل الشهور ، شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهُدى والفرقان .
وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وهي بضعة منّي ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الإنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر (6) نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته : يا ملائكتي ، انظُروا إلى أمَتي فاطمة سيّدة النساء (7) قائمة بين يدي ، ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت [ بقلبها ] (8) على عبادتي ، أُشهدكم أنّي قد أمنت شيعتها من النار ، وأنّي رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتُهكت حرمتها وغُصب حقّها ومُنعت إرثها ، [ وكُسر جنبها ] (9) وأسقطت جنينها ، وهي تنادي : يا محمد ، فلا تُجاب وتستغيث فلا تُغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة [ باكية ] (10) تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة وتتذكّر فراقي أُخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن ، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة .
فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك على نساء العالمين ، يا فاطمة ، اقنُتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ، ثمّ يبتدئ بها الوجع ، فتمرض ، فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذلك : يا ربّ إنّي [ قد ] (11) سئمت الحياة وتبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عزّ وجلّ بي ، فتكون أوّل مَن تلحقني من أهل بيتي ، فتُقدِم عليَّ محزونة مكروهة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمّ العن مَن ظلمها وعاقِب مَن غصبها وأذل (12) مَن أذلّها ، وخلّد في نارك مَن ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين .
وأمّا الحسن فإنّه ابني وولدي و [ بضعة ] (13) منّي وقرّة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وحجّة الله على الأُمة ، أمره أمري وقوله قولي مَن تبعه فهو منّي ومَن عصاه فليس منذي ، وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يُقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً ، فعند ذلك تبكي الملائكة السبع الشداد لموته ويبكيه كل شيء حتى الطير في جوّ السماء والحيتان في جوف الماء ، فمن بكى لم يعمَ عينه يوم تُعمى العيون ، ومَن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومَن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام .
وأمّا الحسين فهو (14) منّي وهو ابني وولدي وخير الخلق بعد ( أبيه و ) (15) أخيه ، وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وخليفة ربّ العالمين ، وغياث المستغيثين وكهف المستجيرين حجّة الله على خلقه أجمعين ، وهذا سيّد شباب أهل الجنّة وباب نجاة الأُمة ، أمره أمري وطاعته طاعتي ، مَن تبعه فإنّه منّي ومَن عصاه فليس منّي .
وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يُصنع به [ بعدي ] (16) ، كأنّي به قد استجار بحرمي وقبري فلا يُجار ، فأضمّه في منامي إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار هجرتي وأُبشّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء وقتلٍ وفناء ، ينصره عصابة من المسلمين أولئك من سادات شهداء أُمتي يوم القيامة ، كأنّي انظر إليه وقد رُمي بسهم فخر [ عن فرسه ] (17) صريعاً ، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً ، ثمّ بكى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وبكى مَن حوله وارتفع أصواتهم بالضجيح ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : [ وهو يقول : ] (18) اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي . ودخل منزله ) (19) .
____________
( 1 ) في الأمالي : الحسن .
( 2 ) في الأمالي : اليمنى .
( 3 ) في الأمالي : فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى .
( 4 ) و ( 5 ) من الأمالي .
( 6 ) في الأمالي : ظهر ، يظهر .
( 7 ) في الأمالي : سيّدة إمائي .
( 8 ) من الامالي .
( 9 ) و ( 10 ) و ( 11 ) من الأمالي .
( 12 ) في الأمالي : ذلّل .
( 13 ) من الأمالي .
( 14 ) في الأمالي : فإنّه .
( 15 ) ليس في الأمالي .
( 16 ) و ( 17 ) و ( 18 ) من الأمالي .
( 19 ) رواه الشيخ في أماليه : 100 ، والديلمي في إرشاد القلوب 2 : 295 .
الجزء السادس - القسم السادس
- الزيارات: 913