• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حقيقة التشيّع ومنشؤه4

 

 

بــذرة التشيّــع

في مقابل خط الاجتهاد الذي كان يرى عدم لزوم التسليم في كلّ الاُمور لوصايا وتعليمات النبيّ (ص)، كان هناك مَن يرى لزوم التعبّد بكلّ النصوص الواردة عن النبي (ص)، والالتزام بكلّ أوامره ونواهيه ووصاياه في أيّ أمر كان. سواء ما كان منها متعلقاً باُمور التشريع، أو ما كان متعلقاً بتسيير الاُمور بعد رحيله(ص). وقد برز رجال يمثّلون خط التعبّد بالنص لعلّهم كانوا لا يزيدون على العشرات، ثم انضم إليهم آخرون.
ومن الطبيعي أن يكون أتباع النص قد استمدوا من النبيّ(ص) شرعيّة مواقفهم فيما يتعلق بالمرجعية الدينية والسياسية في مرحلة ما بعد رسول الله(ص)، ولم يكن موقفهم اجتهاداً شخصيّاً أو متعلقاً بمسألة ولاءات شخصية أو قبلية. فإنّ هذه الفئة قد وجدت ـ إضافة للنصوص النبوية ـ في شخصية عليّ (ع) ملامح القائد الذي تؤهله مواهبه النفسية والخلقية لتسنّم هذا المنصب الخطير الذي يتوقف عليه مستقبل الدعوة التي أسّس النبيّ(ص) قواعدها وشاد بناءها، وصار لزاماً على من يأتي بعده أن يحافظ على هذا البناء النبوي ويصونه من رياح التغيير التي قد تعصف به نتيجة للظروف والاخطار التي أحاطت بالدعوة طيلة مسيرتها، والتي كان من أسبابها قرب عهد المسلمين بماضيهم الجاهلي، واشتداد حركة النفاق بعد الهجرة، وانطواء بعض النفوس على ضغائن ولّدتها الحروب الطاحنة بين المسلمين وخصومهم الذين أصبح الكثير منهم محسوبين على الدعوة الاسلامية بعد فتح مكة بالخصوص، وهم الذين أسماهم النبيّ(ص)بـ (الطلقاء) وتألّفهم بالمال وغيره طمعاً في إزالة سخائم نفوسهم على المسلمين وإسكاتاً لشره نفوس بعضهم الاخر لاُمور الدنيا وحبِّ زينتها، لعلم النبيّ(ص)بأنّ معظم اُؤلئك قد دخلوا الاسلام كرهاً بعد أن اُسقط ما في أيديهم ولم يكن لهم بدٌّ من الاستسلام للواقع الجديد، ولكن إسلام معظم اُولئك لم يكن تسليماً، فضلاً عن الاخطار التي كانت تتهدد مستقبل الدعوة من خارج الجزيرة العربية، والمتمثلة في وجود دول ذات جبروت وقوة ومن الطبيعي أن يروقها تحوّل المسلمين إلى قوّة تهدّد أطرافها إن لم يكن يهدّد كيانها كله.
إذن ، فقد استمدّ خط التعبّد بالنصّ المقابل لخط الاجتهاد أمام النص شرعية موقفه من شرعية موقف النبي (ص) تجاه علي (ع) من جهة، ومن ملاحظته انطباق هذا الموقف النبوي على الواقع الخارجي لشخصية علي(ع)من جهة اُخرى كقول النبي (ص): «من أطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني».([88]) وقوله (ص): «أنا وعلي حجة الله على عباده»([89]).
وقوله (ص): «اُوحي إليَّ في عليٍّ ثلاث: إنه سيد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجلين»([90]).
وقول النبي (ص): «علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة».
وقوله وقد مرّ علي (ع): «الحق مع ذا، الحق مع ذا»([91]).
من هذه النصوص وأمثالها، فهم اُولئك الاصحاب أنّ النبيّ(ص) يثبت لعلي (ع)أمراً بالغ الاهمية، وهو كونه على الحق، ومع الحق وأنّهما لا يفترقان، وقد مرّ فيما سبق أنّ النبيّ(ص) قد قرن أهل بيته بالقرآن في حديث الثقلين، وأخبر بأنهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض، ثم خصّ النبيّ(ص) علياً بذلك، فقال: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»([92]).
فإذا كان القرآن حقّاً لا ريب فيه، وكان عليّ مع القرآن، فهو مع الحق بداهة، وطالما كان هو على الحق، فإنّ اتّباعه يصبح واجباً، لوجوب اتّباع الحق.
كانت هذه أهم الادلة التي جعلت اُولئك الاصحاب من أتباع النص يرون ضرورة التمسك بعلي وضرورة اتّباعه وعدم جواز مخالفته، وكانت مواقفهم واضحة حتى في زمن النبي (ص).
قال محمد كُرد علي: «عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة عليّ في عصر رسول الله(ص) ،مثل سلمان الفارسي، القائل: بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له.
ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. ولما سئل عن الاربع قال: الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج. قيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب. قيل له: وإنّها لمفروضة معهن؟! قال: نعم.
ومثل: أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الانصاري، وخالدبن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة».([93])
ويميل إلى هذه الحقيقة الدكتور صبحي الصالح حيث يقول:
كان بين الصحابة حتى في عهد النبيّ(ص) شيعة لربيبه علي، منهم: أبوذر الغفاري، والمقداد بن الاسود، وجابر بن عبد الله، واُبي بن كعب، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، والعباس بن عبد المطلب وجميع بنيه، وعمّار بن ياسر وأبو أيوب الانصاري.([94])
ومصطلح (الشيعة) أيضاً لم يكن من الالفاظ المبتدعة في عصور متأخرة عن عصر النبي (ص)، كما يحاول بعض الباحثين أن يوحي بذلك، فقد كان النبيّ يذكر تلك اللفظة بين حين وآخر، ليدل على أتباع علي(ع)، ويبشّرهم بأنهم على الحق، وأنّهم الفائزون، وأنّهم خير الناس، فقد أخرج المفسّرون والحفّاظ: أ
نّه لما نزل قوله تعالى: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات اُولئك هم خير البريّة) قال النبي(ص): «أنت يا علي وشيعتك».([95])
وضوح الخط:
كان الغالب على ظنّ اُولئك الصحابة من شيعة علي (ع)، أنّ الامر لن يخرج عن بني هاشم وعميدهم بعد تأكيدات النبي (ص)، وحثّه المستمر على التمسّك بعلي وأهل بيته(ع)، ولكن الاحداث المتسارعة في السقيفة قلبت الاوضاع رأساً على عقب، وكانت المفاجأة كبيرة لعلي(ع) وأتباعه ، بما لم يكن يخطر على بال أحدهم، رغم وجود علامات كانت تشير إلى أنّ أصحاب خط الاجتهاد من قريش لم يكونوا مسلّمين لارادة النبيّ(ص) في هذا الامر، وقد قالها أحد أساطينهم صراحة لابن عباس، بأنّ قريشاً كرهت أن تجتمع الخلافة والنبوّة في بني هاشم، فكانت الاجراءات المترتّبة على هذه الكراهية، والتي ظهرت آثارها في سقيفة بني ساعدة.
ويبدو أنّ إجراءات هذا الخط لم تكن خافية كلّ الخفاء على أتباع علي(ع)، فقد كان هناك شعور بين أفرادهم على أنّ قريشاً تدبّر أمراً ما في الخفاء لصرف هذا الامر عن زعيمهم وأبنائه، حيث يصف لنا البراء بن عازب ذلك بقوله:
لم أزل لبني هاشم محبّاً، فلمّا قبض رسول الله(ص) خفت أن تتمالا قريش على إخراج هذا الامر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله(ص)، فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبي(ص)في الحجرة، وأتفقّد وجوه قريش، فإنّي كذلك إذ فقدت أبابكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، وإذا قائل آخر يقول: قد بويع أبوبكر; فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالازر الصنعانية لايمرّون بأحد إلاّ خبطوه وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أم أبى; فأنكرت عقلي وخرجت أشتدّ حتى انتهيت الى بني هاشم والباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت: قد بايع الناس لابي بكر بن أبي قحافة. فقال العباس: تَرِبَت أيديكم الى آخر الدهر، أمّا إني قد أمرتكم فعصيتموني.
فمكثتُ اُكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً، وهم يريدون أن يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين...([96]).
بدأ خطّ المؤيدين لعلي(ع) يتّضح أكثر فأكثر بعد حادثة السقيفة وبيعة أبي بكر المفاجئة، فكان هذا اللّقاء المصغّر الذي تحدّث عنه البراء، ثم أعقبه ذلك مراحل اُخرى تمثّلت بإبداء الرأي والاعتراض على البيعة التي تمّت فلتةً وبغتة، فكان مما قال سلمان: أصبتم ذا السنّ منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيّكم، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم إثنان، ولاكلتموها رغداً.
ولمّا أكثر الناس في تخلّف علي(ع) عن بيعة أبي بكر، واشتدّ أبوبكر وعمر عليه في ذلك خرجت اُم مِسطح بن اُثاثة، فوقفت عند القبر ـ يعني قبر النبي(ص) ـ وقالت:
كانت اُمور وأنباء وهنبثة لو كنتَ شاهدها لم تكثر الخُطبُ
إنّا فقدناك فقدَ الارض وابلَها واختلّ قومك فاشهدهم ولاتَغبُ([97])
وقد مرّ فيما سبق عرض البراء بن عازب لبدايات أحداث السقيفة، وخروجه لملاقاة نفر من الصحابة وفيها تتمّة قوله: فمكثت اُكابد ما في نفسي، فلمّا كان بليل، خرجت إلى المسجد، فلمّا صرت فيه، تذكّرت إنّي كنت أسمع همهمة رسول الله(ص)بالقرآن، فامتنعت من مكاني، فخرجت إلى الفضاء، فضاء بني بياضة، وأجد نفراً يتناجون، فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما أعرفهم، فدعوني إليهم فأتيتهم، فأجد المقداد ابن الاسود، وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسي، وأباذر، وحذيفة، وأبا الهيثم بن التيهان; وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكوننّ ما أخبرتكم به، والله ما كذبت ولا كذّبت، وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين .
ثم قال: ائتوا اُبيّ بن كعب فقد علم كما علمت ، قال: فانطلقنا إلى اُبيّ، فضربنا عليه بابه، حتى صار خلف الباب، فقال: من أنتم؟ فكلّمه المقداد، فقال: ماحاجتكم؟ فقال له: افتح عليك بابك فإنّ الامر أعظم من أن يجري وراء حجاب. قال ما أنا بفاتح بابي، وقد عرفت ماجئتم له، كأنّكم أردتم النظر في هذا العقد، فقلنا: نعم، فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: فالقول ما قال، وبالله افتح عني بابي حتى يُجرى على ماهي جارية، ولما يكون بعدها شرّ منها، وإلى الله المشتكى!([98]).
ويبدو أنّ اُبيّاً ظلّ يحمل هذا السّر بين جوانحه حتى أراد أن يفشيه بعد ذلك بسنوات لو لا أن عاجلته المنيّة قبل ذلك بيوم واحد، فعن عُتي بن صخرة، قال: قلت لاُبيّ بن كعب: ما شأنكم يا أصحاب رسول الله؟! نأتيكم من الغربة نرجو عندكم الخير فتهاونون بنا؟! قال: والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لاقولنّ قولاً لا اُبالي استحييتموني أو قتلتموني.
فلما كان يوم الجمعة خرجت فإذا أهل المدينة يموجون
في سكهها، فقلت: ما الخبر؟ قالوا: مات سيّد المسلمين اُبيّ
ابن كعب؟([99])
وفي رواية ابن سعد، قلت: والله إن رأيت كاليوم في السّتر أشدّ مما ستر هذا الرجل. ([100])
وفي رواية الحاكم أنّ اُبيّاً ، قال: لئن أخرتني إلى يوم الجمعة لاتكلمنّ بما سمعت من رسول الله(ص) ، لا أخاف فيه لومة لائم.([101])
قال اليعقوبي: وتخلّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والانصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم: العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، واُبي بن كعب.([102])
ولعلّ هذا قد دفع بعض الباحثين والمستشرقين إلى الاعتقاد بأنّ التشيّع قد ولد بعد حادثة السقيفة، إذ يقول جولد تسيهر: نشأ بين كبار الصحابة منذ بدأت مشكلة الخلافة، حزب نقم على الطريقة التي اُنتخب بها الخلفاء الثلاثة الاُوَل، وهم: أبوبكر وعمر وعثمان، الذين لم يراع في انتخابهم درجة القرابة من اُسرة النبيّ(ص)، وقد فضّل هذا الحزب بسبب هذا الاعتبار أن يختار للخلافة علي بن أبي طالب ابن عمّ النبيّ(ص) وادنى قريب له، والذي كان ـ فضلاً عن ذلك ـ زوجاً لابنته فاطمة، ولم يجد هذا الحزب فرصة مواتية يسمع فيها صوته عالياً ([103]).
وقدم خالد بن سعيد بن العاص، وكان النبيّ(ص)قد استعمله على عمل، فقدم بعدما قُبض رسول الله(ص) وقد بايع الناس أبابكر، فدعاه إلى البيعة. فأبى، فقال عمر: دعني وإيّاه، فمنعه أبوبكر حتى مضت عليه سنة، ثم مرّ به أبو بكر وهو جالس على بابه، فناداه خالد: يا أبابكر هل لك في البيعة؟ قال: نعم، قال: فادنُ، فدنا منه فبايعه خالد وهو قاعد على بابه.([104])
وقد استمرّت معارضة الصحابة المؤيدين لعلي(ع) إلى أيام الشورى التي انتهت بتولية عثمان، وفي تلك الايام التي سبقت التولية أظهر اُولئك الصحابة موقفهم علناً، ففي اليوم الثالث ـ وهو اليوم الاخير من المهلة التي حدّدها عمر للاستشارة ـ قال عبد الرحمن بن عوف: أيها الناس، أشيروا عليّ في هذين الرجلين ـ يعني علياً وعثمان ـ ، فقال عمّار بن ياسر: إن أردت ألا يختلف الناس، فبايع علياً (ع) .
فقال المقداد: صدق عمّار، وإن بايعت علياً سمعنا وأطعنا.
فقال عبدالله بن أبي سرح([105]): إن أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان.
وقال عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي: صدق، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا.
فشتم عمّار ابن أبي سرح وقال له: متى كنت تنصح الاسلام؟!
فتكلّم بنو هاشم وبنو اُمية، وقام عمار، فقال: أيّها الناس، إنّ الله أكرمكم بنبيّه، وأعزّكم بدينه، فالى متى تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيّكم؟!
فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يابن سميّة، وما أنت وتأمير قريش لانفسها؟!
فقال سعد: يا عبدالرحمن، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس. فحينئذ عرض عبدالرحمن على عليّ (ع)العمل بسيرة الشيخين، فقال: بل اجتهد برأيي، فبايع عثمان بعد أن عرض عليه، فقال: نعم.
فقال علي(ع): ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون، والله ما وليّته الامر إلاّ ليردّه إليك، والله كلّ يوم
في شأن.
فقال عبد الرحمن: لا تجعلنّ على نفسك سبيلاً يا علي ـ وهو يقصد أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف ـ فقام علي(ع)فخرج وقال: سيبلغ الكتاب أجله.
فقال عمّار: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته، وإنّه من الّذين يقضون بالحق وبه كانوا يعدلون.
وقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم، واعجبا لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أنّ أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ولا أتقى منه! أما والله لو أجد أعواناً!
فقال عبد الرحمن: اتّقِ الله يا مقداد فإنّي خائف عليك الفتنة.([106])
وبعد أن تمّ الامر لعثمان، خرج المقداد من الغد، فلقي عبدالرحمن بن عوف، فأخذ بيده وقال: إن كنت أردت بما صنعت وجه الله، فأثابك الله ثواب الدنيا والاخرة، وإن كنت إنّما أردت الدنيا فأكثر الله مالك.
فقال عبدالرحمن: اسمع رحمك الله، اسمع. قال: لا أسمع والله، وجذب يده من يده، ومضى حتى دخل على علي(ع)فقال: قم فقاتل نقاتل معك.
قال علي: «فبمن اُقاتل رحمك الله؟!»
وأقبل عمار بن ياسر ينادي:
يا ناعي الاسلام قم فانعه قد مات عرفٌ وبدا نكرُ
أما والله لو أنّ لي أعواناً لقاتلتهم، والله لئن قاتلهم واحد
لاكونن ثانياً.
فقال علي: يا أبا اليقطان! والله لا أجد عليهم أعواناً، ولا أحب أن اُعرّضكم لما لا تطيقون.([107])
ومن هنا يبدو أنّ معارضة الموالين لعلي(ع) قد بدأت تتخذ شكلاً أكثر عنفاً، حيث كان يصل أحياناً إلى الدعوة للنهوض لانتزاع الحق بعد أن فرغ صبر هؤلاء.
ولو أطاع علي (ع) نداءاتهم لنهض بالامر، ولكنه كان أبعد منهم نظراً وأكثر تقديراً للمخاطر المترتبة على ذلك. وأعرف بما يعتمل في نفوس مؤيدي خط الخلافة والذين كانوا يمثّلون الاكثرية لاسباب ذكرها عليّ(ع)، وهي تتّضح من رواية جندب بن عبد الله الازدي.
قال جندب: دخلت مسجد رسول الله، فرأيت رجلاً جاثياً على ركبيته يتلهّف من كأنّ الدنيا كانت له فسُلبها، وهو يقول: واعجباً لقريش ودفعهم هذا الامر عن أهل بيت نبيّهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عمّ رسول الله، أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم غناء في الاسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحاً للاُمة ولا صواباً في المذهب، ولكنّهم آثروا الدنيا على الاخرة، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين.
فدنوت منه، فقلت: من أنت يرحمك الله؟ ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال: فقلت: ألا تقوم بهذا الامر فأعينك عليه؟ فقال: يابن أخي، إنّ هذا الامر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان، ثم خرجت، فلقيت أباذر فذكرت له ذلك فقال: صدق أخي المقداد، ثم أتيت عبدالله بن مسعود فذكرت ذلك له فقال: لقد أخبرنا فلم نألُ.([108])
وأورد ابن أبي الحديد الرواية باختلاف يسير([109]).
إلاّ أنّ الاحداث التي وقعت بعد ذلك في خلافة عثمان، والتي أدّت إلى نقمة الناس عليه، قد فتحت أعين الناس على حقائق جديدة، وبدأت المعارضة لسياسة عثمان تتسع وتكتسب قاعدة أكبر حتى شعر المجتمع بفداحة الخطأ الذي ارتكبه بحقّ عليّ بن أبي طالب(ع)، وأدرك الناس أنّ الخطأ في المسيرة قد تعمّق نتيجة الاعراض عنه وعن أهل بيت النبي (ص)، وكان أوائل الشيعة من أمثال: عمار وابن مسعود وأبي ذر الغفاري في طليعة الدعاة لتصحيح المسيرة وإعادة الحقّ الى نصابه، ولقيت دعوتهم آذاناً صاغية كثيرة، وسرعان ما تحوّلت المعارضة الكلامية إلى معارضة مسلّحة أطاحت بالخليفة الثالث.
وعندما وصلت الاخبار إلى حذيفة بن اليمان ـ وهو من الشيعة الاوائل ـ وكان على فراش الموت، وسئل عن الامر، فقال لهم: آمركم أن تلزموا عمّاراً. قالوا: إنّ عمّاراً لا يفارق علياً! قال: إنّ الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفّركم من عمار قربه من عليّ، فوالله لعليّ أفضل من عمّار، أبعد ما بين التراب والسحاب، وإنّ عماراً لمن الاحباب، وهو يعلم أنّهم إن لزموا عمّاراً كانوا مع عليّ.([110])
ولما بلغ حذيفة بن اليمان أنّ علياً قد قدم (ذي قار) واستنفر الناس، دعا أصحابه فوعظهم وذكّرهم الله وزهّدهم في الدنيا ورغّبهم في الاخرة، وقال لهم: الحقوا بأمير المؤمنين ووصيّ سيد المرسلين، فإنّ من الحقّ أن تنصروه.([111])
وكان حذيفة يحذّر من الفتن، ويدعو إلى التمسك بعلي (ع)في فترة الدعوة التي كان يتولاّها شيعة علي (ع)، ويقول: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر عليّ فالزموها فإنّها على الهدى.([112])
وكان أبوذر يقعد في المسجد ويقول: ... ومحمد وارث علم آدم وما فضّل به النبيّون، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد ووارث علمه. أيتها الاُمّة المتحيّرة بعد نبيّها! أما لو قدّمتم من قدّم الله، وأخّرتم من أخّر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيّكم، لاكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال وليّ الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه، فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.([113])
وكان عدي بن حاتم يقول: والله لئن كان الى العلم بالكتاب والسنة، إنّه ـ يعني عليّا ـ لاعلم الناس بهما، ولئن كان إلى الاسلام، إنّه لاخو نبيّ الله والرأس في الاسلام، ولئِن كان إلى الزهد والعبادة، إنّه لاظهر الناس زهداً وأنهكهم عبادة، ولئن كان إلى العقول والنحائز([114])، إنّه لاشد الناس عقلاً وأكرمهم نحيزة. ([115])
________________________________________
( [1] ) لسان العرب: 12/293 .
( [2] ) الحشر (59) : 7 .
( [3] ) النساء (4): 59 .
( [4] ) النساء (4): 65 .
( [5] ) الحجرات (49): 14 .
( [6] ) و (2) السيرة النبوية والاثار المحمدية بهامش السيرة الحلبية : 1/370 ـ 373 .
( [8] ) السيرة النبوية والاثار المحمّدية ، لاحمد زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 1/371، والاية في سورة الانفال: 5 .
( [9] ) المغازي للواقدي: 1/47 ـ 48 .
( [10] ) المصدر السابق .
( [11] ) المائدة (5): 24 .
( [12] ) المغازلي للواقدي: 1/47 ـ 48 .
( [13] ) مسند احمد: 3/15 .
( [14] ) صحيح البخاري: 2/81، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، صحيح مسلم: باب صلح الحديبية.
( [15] ) صحيح مسلم: 4/34، سنن ابن ماجة: 2/993، مسند احمد: 4/286 و6/175، وفي رواية البراء بن عازب أن النبي قال: «اجعلوا حجكم عمرة» فقال الناس: يا رسول الله، كيف نجعلها عمرة وقد أحرمنا بالحج؟ قال: «انظروا الذي آمركم به فافعلوه»، فردّدوا عليه القول... الخ. قال الذهبي: هذا حديث صحيح من العوالي، أخرجه ابن ماجة، سير اعلام النبلاء: 8/498.
( [16] ) صحيح البخاري: 8/145 .
( [17] ) المصنف لابن أبي شيبة : 7/727، مسند الحميدي: 2/543، مسند أحمد: 3/308، مسند أبي يعلى: 3/373.
( [18] ) الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/190، تاريخ اليعقوبي: 2/74 ط بيروت، الكامل لابن الاثير: 2/317، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 1/53، السيرة الحلبية: 3/207، السيرة النبوية لدحلان بهامش السيرة الحلبية: 2/339، كنز العمال: 5/312، انساب الاشراف: 1/474، ترجمة اُسامة من تهذيب تاريخ دمشق.
( [19] ) الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/190، تاريخ اليعقوبي: 2/74 ط بيروت، الكامل لابن الاثير: 2/317، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 1/53، السيرة الحلبية: 3/207، السيرة النبوية لدحلان بهامش السيرة الحلبية: 2/339، كنز العمال: 5/312، انساب الاشراف: 1/474، ترجمة اُسامة من تهذيب تاريخ دمشق، وانظر المغازي للواقدي: 3/1119 .
( [20] ) تاريخ الطبري: 3/226، الكامل: 2/335، السيرة الحلبية: 3/209.
( [21] ) صحيح البخاري: 1/22، كتاب العلم.
( [22] ) صحيح البخاري: 5/137 باب مرض النبيووفاته، ووردت بلفظ مقارب في الجزء الرابع
ؤ صفحة 65 من صحيح البخاري كتاب الجزية باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، والسكوت عن الوصية الثالثة من جانب ابن عباس أو إدعاء سعيد نسيانها توحي بخطوره موضوعها وهو ما سوف يتبيّن في الابحاث القادمة، وانظر أيضاً صحيح البخاري : 8/61، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة باب كراهية الخلاف ، وصحيح مسلم: 5/75 كتاب الوصية، ومسند أحمد: 4/356 ح 2992، بسند صحيح وغيرها من المصادر.
( [88] ) المستدرك على الصحيحين: 3/121 عن أبي ذر وقال: هذا حديث صحيح الاسناد: 3/128، الرياض النضرة: 2/167.
( [89] ) كنوز الحقائق للمناوي: 43، تاريخ بغداد: 2/88، الرياض النضرة: 2/193، ذخائر العقبى: 77 وقال: أخرجه النقاش.
( [90] ) المستدرك: 3/137 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد، كنز العمال: 6/157، الاصابة:
4 / 33 ، اُسد الغابة: 1/69، 3/116، الرياض النضرة: 2/177، حلية الاولياء: 1/66، تاريخ بغداد: 13/122، الاستيعاب: 2/657، مجمع الزوائد: 9/102، فيض القدير للمناوي: 4/358 وغيرهم.
( [91] ) تاريخ بغداد: 14/321، المستدرك: 3/119، 124، جامع الترمذي: 2/298، مجمع الزوائد: 9/134، 7/235، وقال الفخر الرازي: أما إن علي بن أبي طالب (ع) كان يجهر بالبسملة، فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله (ص): «اللهم أدر الحق مع علي حيث دار» ، التفسير الكبير: 1/204، مبحث الجهر بالبسملة.
( [92] ) المستدرك: 3/124، مجمع الزوائد 9/124، كنز العمال: 6/153، فيض القدير: 4/356.
( [93] ) خطط الشام: 5/251.
( [94] ) النظم الاسلامية: 69.
( [95] ) تفسير الطبري: 30/171، الدر المنثور للسيوطي وقال: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله، قال: كنا عند النبي (ص) فأقبل علي(ع)، فقال النبي(ص): «والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة» ، ونزلت: ( إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية) ، فكان أصحاب النبي(ص)إذا أقبل علي(ع)، قالوا: جاء خير البرية، وقال أيضاً: وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خيرالبرية) ، قال رسول الله (ص) لعلي: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين» ، وذكر ان ابن مردويه أخرج في تفسير الاية قوله(ص): «أنت وشيعتك موعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاُمم للحساب، تدعون غراً محجلين» .
( [96] ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/219.
( [97] ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/49ـ50.
( [98] ) شرح نهج البلاغة: 2/51ـ52.
( [99] ) سير أعلام النبلاء: 1/399.
( [100] ) الطبقات الكبرى: 3/501.
( [101] ) المستدرك: 3 / 305 .
( [102] ) تاريخ اليعقوبي: 2/124.
( [103] ) العقيدة والشريعة في الاسلام: 186، وانظر فجر الاسلام لاحمد أمين: 266.
( [104] ) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6/41.
( [105] ) عبدالله بن سعد بن أبي سرح، قال ابن عبدالبر في ترجمته: أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول الله(ص) ثم ارتدّ مشركاً، وصار الى قريش مكة فقال لهم: إنّي كنت أصرف محمداً حيث اُريد، كان يملي عليّ: ( عزيز حكيم) فأقول: أوَ عليم حكيم؟ فيقول: «نعم، كل صواب» فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله(ص) بقتله وقتل عبدالله بن خطل، ومقيس بن حبابة ولو وجدوا تحت أستار الكعبة. ففرّ عبدالله بن أبي سرح الى عثمان، وكان أخاه في الرضاعة، أرضعت اُمه عثمان، فغيّبه عثمان حتى أتى به رسول الله(ص)بعدما إطمأنّ أهل مكة، فاستأمنه له، فصمت رسول الله(ص) طويلاً. ثم قال: «نعم» . فلمّا انصرف عثمان، قال رسول الله(ص) لمن حضره: «ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» . وقال رجل من الانصار: فهلاّ أومأت إليّ يا رسول الله؟ فقال: «إنّ النبيّ لا ينبغي أن يكون له خائنة الاعين» . الاستيعاب: 3/50 رقم 1571.
( [106] ) شرح نهج البلاغة : 1/193ـ194.
( [107] ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/55.
( [108] ) تاريخ اليعقوبي: 2/57.
( [109] ) شرح نهج البلاغة: 9/57 ـ 58 .
( [110] ) مجمع الزوائد: 7/243 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات .
( [111] ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2 / 187 ـ 188 .
( [112] ) مجمع الزوائد 7/236 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، فتح الباري: 13/45.
( [113] ) تاريخ اليعقوبي: 2 / 67 ـ 68.
( [114] ) جمع نحيزة: أي الطبيعة.
( [115] ) جمهرة الخطب: 1 / 379 رقم 267 .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page