56 ـ قال : حدّثنا أخي أبو الحسن عن شيخه نفطويه ، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه ، عن أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي اللغوي ، عن محمد بن يزيد المبرد ، قال : سمعت يونس يحدّث عن ابن الأعرابي ، قال : قال الشعبي :
( بينا أنا في بعض أندية (1) العرب أيام بني أُميّة إذا قائل يقول لصاحبه : لا وحقّ مَن خصّه النبي بوصيّته من بين صحبته ، قال : فناديته ، فأقبل نحوي ، فقلت له : يا أخا العرب سمعت منك كلمة غريبة في زماننا هذا فصحت بها جهلاً منك بعواقبها ، أما تخاف سيوف بني أُميّة ؟ فقال لي : يا شيخ ، سيف الله تعالى أمضى من سيوفهم حدّاً ، ويد الله تعالى أعلا من أيديهم يداً ، فقلت له : مَن تُفضّل بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؟ قال : أُفضّل والله فرعَ دوحته (2) ، والمخترَع من طينته ، وسيف نبوّته ، وحامل رايته ، وزوج ابنته ، ومَن خصّه بوصيّته وجعله مولى لأُمته ، صادمَ عنه الوُعُول (3) ، وناطحَ (4) دونَه الفحول ، حتى عَلَت كلمته وظهرت دعوته ، ذلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقلت : أفضل منه من سُمّي صدّيقاً .
فقال : كذبت وربّ الكعبة ، فما صدّقه ، بل هرب عنه في القتال ، ودلّ على سوء ضميره وقد غشيه الكرب واستكلب لديه الحرب ، أسلمه لأسنّة الحتوف (5) وحدة السيوف ، انهزم والله الصدّيق عن صدقه ، إنّ الفار عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) شيطان مارد ، ليس كما قلت ، بل والله الفاضل مَن نام على فراشه ووقاه بنفسه ، مفرّج كربه وقاضي دينه ، ووارث علمه وخليفته على أُمته ، مبايع البيعتين ، صاحب بدر وحنين ، أسد الله ووليّه ، لا البلفاحة الهلباحة أين ابن أبي قحافة .
قال الشعبي : فأمسكت عنه لئلاّ يُسمع كلامه ويُكتب بخبره ، وقلت له : حفظت القرآن ؟ فقال : إي والله ، وعلمتُ منه ما أخرق الظلمة إلى النور ، فقلت له : ما تقول في المسح على الخفّين ؟ فقال : يا سبحان الله ، هل يجوز في حكم الله وعدله أن يفرض على جوارح البدن وهي أحياء فرضاً معلوماً ، فيشرك معها ميتة فجعل الميت شريكاً للحي في فرض معلوم ، وقد رُفِع عن الأموات أعمال الأحياء ؟ مثلك يقول هذا ! قال الشعبي : فأردَ كلاماً ما سمعتُ قط مثله ، فقلت له : أخبرني مَن أنت ، ومن أين أنت ؟ فقال لي : إليك عنّي ما كنت لأُخبر الحتف على نفسي ، وغاب عنّي فلم أره ( رضي الله عنه ) ) .
___________
( 1 ) النادي : جمعه أندية ، مجلس القوم ماداموا مجتمعين فيها .
( 2 ) الدوحة : جمعها دوح ، الشجرة العظيمة المتّسعة .
( 3 ) الوُعُول : تُيوس الجبل ، والمراد بهم الأشراف والرؤوس ، ضُرب المثل بها لأنّها تأوي رؤوس الجبال .
( 4 ) نَطَحَه : أصابه بقرنه .
( 5 ) الحَتْف : جمعه الحتوف ، الموت .
الجزء السابع - القسم السادس والخمسون
- الزيارات: 1312