1 ـ قال : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال : حدّثني محمد بن إسحاق السقاني ، قال : حدّثنا عثمان بن عمر ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أنّها قالت :
( ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها ، فأخذ بيدها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إذا دخل عليها رحّبت به وقامت إليه وأخذت بيده فقبّلتها ، فدخلت عليه في مرضه الذي توفّي فيه ، فرحّب بها وقبّلها وأسرّ إليها فبكت ، ثمّ أسرّ إليها فضحكت ، فقلتُ في نفسي : كنتُ أحسب لهذه المرأة فضلاً [ على النساء ] (1) ، فإذا هي [ امرأة ] (2) منهنّ ، بينا هي تبكي إذ هي تضحك ، فسألتُها فقالت : إنّي إذاً لبذرة (3) . ولمّا توفّي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) سألتُها فقالت : أسرّ إليَّ وأخبرني أنّه ميّت ، فبكيت ، ثمّ أسرّ إليَّ وأخبرني أنّي أوّل أهله ألحقُ به ، فضحكت ) (4) .
قال الحاكم أبو عبد الله : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط صاحبي الصحيحين ، فإنّ رواية كلهم ثقات ، وتفسير قولها : ( إنّي لبذرة ) ، مفسّرة في الصحيحين : إنّي إن أخبرتُ بسرّ رسول الله لبذرة ، وهذا الحديث يصرّح بأنّ فاطمة ( عليها السلام ) كانت أعلم وأفقه من عائشة ، إذ لم تخبرنا بالسرّ في حياة مَن أسرّ إليها ثمّ أخبرت بعد وفاته ، وهذا فقه هذا الحديث قد خفى على عائشة ، فقد بيّن الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق معنى الحديث ، وأشار الأخبار الثابتة الصحيحة ـ الدالة على أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الدنيا ، كما هي سيّدة نساء أهل الجنّة ـ بما فيه الغُنية والكفاية لمن تدبّر . هذا كله كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ .
قال محمد بن أبي القاسم : الخبر كما يدلّ على قلّة علم عائشة ، يدلّ أيضاً على قلّة أمانتها وديانتها لإفشائها سرّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وليس يجوز لمن له أدنى علم أن يخلط ذكر فاطمة ( عليها السلام ) بذكر غيرها ، وكيف يجوز أن يُقاس من شَهدَ الله بطهارتها بقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (5) على مَن قال الله في حقّها : ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) (6) ، لكن العمى في القلب والعصبية وبُغضَ أهل بيت رسول الله يحمل بعض الناس على ما لا يليق بالعقل ، ونعوذ بالله ممّا كَرِه الله .
____________
( 1 ) و ( 2 ) من البحار وأمالي الشيخ .
( 3 ) البذر : الذي يفشي السرّ ويظهر ما يسمعه .
( 4 ) البحار 37 : 71.
( 5 ) الأحزاب : 33 .
( 6 ) التحريم : 4 .
الجزء التاسع - القسم الأول
- الزيارات: 1811