24 ـ قال : حدّثنا الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : حدّثني محمد بن سلام الكوفي ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد الواسطي ، قال : حدّثني محمد بن صالح ومحمد بن الصلت ، قال : حدّثنا عمر بن يونس اليماني ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : ( دخل الحسين بن علي على أخيه الحسن بن علي ( عليهم السلام ) في مرضه الذي توفّي فيه ، فقال له : كيف تجدك يا أخي ؟ قال : أجدُني [ في ] (1) أوّل يوم من أيام الآخرة ، وآخر يومٍ من أيام الدنيا ، وأعلم أنّي لا أسبق أجلي ، وأنّي واردٌ على أبي وجدّي ( عليهما السلام ) على كُرهٍ منّي لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبّة ، وأستغفرُ الله من مقالتي وأتوب إليه ، بل على محبّة منّي للقاءِ رسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام ، وأُمّي فاطمة ، وحمزة وجعفر ، وفي الله عزّ وجلّ خَلَفٌ من كل هالك ، وعزاءٌ من كل مصيبة ، ودَرْكٌ من كل ما فات ، رأيتُ يا أخي كبدي آنفاً في الطشت ، ولقد عَرِفتُ مَن دهاني ومن أين أتيت ، فما أنت صانعٌ به يا أخي ؟ قال الحسين ( عليه السلام ) : أقتُله والله . قال : فوالله لا أُخبِرُك به أبداً حتى ألقى (2) رسول الله ، ولكن اكتُب يا أخي : هذا ما أوصى به الحسن بن علي بن أبي طالب إلى أخيه الحسين بن علي ، أوصى إليه أنّه :
يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ، ولا وليّ له من الذُّل ، وأنّه خَلَق كل شيء فقدَّره تقديراً ، وأنّه أولى مَن عُبِدَ وأحقّ مَن حُمِدَ ، مَن أطاعه رَشَدَ ، ومَن عصاه غوى ، ومَن تاب إليه اهتدى ، فإنّي أُوصيك يا حسين بمن خَلَّفتُ من أهلي وولدي وأهل بيتك : أن تَصفَح عن مسيئهم ، وتَقبَل من محسنهم ، وتكون لهم خَلَفَاً ووالِداً ، وأن تدفنّي مع رسول الله ، فإنّي أحقّ به وببيته ممّن أُدخِل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله تعالى فيما أنزله على نبيّه في كتابه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (3) .
فوالله ما أذِنَ [ لهم ] (4) في الدخول عليه في حياته ، ولا جاءهم الإذنُ في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذونون (5) في التصرّف فيما ورثناه من بعده ، فإن أبتْ عليك المرأة فأنشِدُكَ بالقرابة التي قرّب الله عزّ وجلّ منّا (6) ، والرحم الماسّة من رسول الله : أن لا تُريقَ (7) في مِحجَمَةٍ [ من ] (8) دمٍ حتى تلقى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فنختصم إليه ، ونُخبِره (9) بما كان من الناس إلينا بعده . ثمّ قُبِضَ ( عليه السلام ) .
قال ابن عباس : فدعاني الحسين ( عليه السلام ) ، وعبد الله بن جعفر ، وعلي بن عبد الله بن العباس ، فقال : اغسلوا ابن عمّكم . فغسّلناه وحنّطناه وألبسناه وأكفنّاه (10) ، ثمّ خرجنا به حتى صلّينا عليه في المسجد ، وإنّ الحسين أمر أن يُفتَح البيت ، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومَن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان ، وقالوا [ أ ] (11) يُدفَن أمير المؤمنين عثمان الشهيد [ القتيل ] ظُلماً بالبقيع بِشَرّ مكان ، ويُدفَن الحسن مع رسول الله ، [ والله ] (12) لا يكون ذلك أبداً حتى تُكسَر السيوف بيننا ، وتنقصف الرماح ، وينفذ النَّبل .
فقال الحسين ( عليه السلام ) : [ أمَ ] (13) والله الذي حرّم مكّة ، لَلْحَسن بن علي بن فاطمة أحقّ برسول الله وببيته ممّن أُدخِل بيته بغير إذْنِه ، وهو والله أحقّ به من حمّال الخطايا مسيِّر أبي ذر ، الفاعل بعمّار ما فعل ، وبعبد الله ما صنع ، الحامي الحمى ، المؤوي طريد (14) طريد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، لكنّكم صرتم بعده الأُمراء ، وتابعكم (15) على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء . قال : فحملناه فأتينا به قبر أُمه فاطمة ( عليها السلام ) فدفنّاه إلى جنبها .
قال ابن عباس : فكنتُ أوّل مَن انصرف ، فسمعتُ اللغط وخِفتُ أن يعجل الحسين على مَن قد أقَبَلَ ، فرأيتُ شخصاً فعلِمتُ الشرّ فيه ، فأقبلتُ مبادراً فإذا أنا بعائشة في أربعين راكباً على بغلٍ مرحّلٍ تُقدّمهم وتأمرهم بالقتال ، فلمّا رأتني قالت لي : يا بن (16) عباس ، لقد اجترأتم عليَّ في الدنيا تؤذونني مرّة بعد أُخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي مَن لا أهوى ولا أُحبّ ، فقلت : واسوأتاه ، يومٌ على بغلٍ ، ويومٌ على جمل ، تريدين أن تُطفئي [ فيه ] (17) نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه أن يُدفَن معه ، ارجعي فقد كفى الله عزّ وجلّ المؤونة ، ودُفِنَ الحسن ( عليه السلام ) إلى جانب (18) أُمه ، فلم يزدد من الله تعالى إلاّ قُرباً ، وما ازددتم والله منه إلاّ بُعداً ، يا سوأتاه ، انصرِفي فقد رأيتُ ما سَرَّكِ ، قال : فقَطَبَتْ (19) في وجهي ونادتْ بأعلى صوتها : أو مَا نسيتم الجمل ؟ يا بن عباس ، إنّكم لذووا أحقاد ، فقلت : أمَ والله ما نسيتْه أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض ؟! فانصرفت وهي تقول :
فألقتْ عصاها واستقرّتْ بها النَّوى كمـا قرّ عيناً بالإياب المسافرُ ) (20) .
____________
( 1 ) من الأمالي .
( 2 ) في الأمالي : تَلقَى .
( 3 ) الأحزاب : 53 .
( 4 ) من الأمالي .
( 5 ) في الأمالي : مأذونٌ لنا .
( 6 ) في الأمالي : منك .
( 7 ) في الأمالي : تهرق .
( 8 ) من الأمالي .
( 9 ) في الأمالي : تلقى ، تَختَصِم ، تُخبِره .
( 10 ) في الأمالي : ألبسناه الفاقة .
( 11 ) و ( 12 ) و ( 13 ) من الأمالي .
( 14 ) في الأمالي : الطريد .
( 15 ) في الأمالي : بايعكم .
( 16 ) في الأمالي : قالت : إليَّ إليَّ يا بن .
( 17 ) من الأمالي .
( 18 ) في الأمالي : جَنْب .
( 19 ) قَطَبَ الرجل : زوى بين عينيه وكَلَحَ .
( 20 ) رواه الشيخ في أماليه 1 : 2 و 160 .
الجزء العاشر - القسم الرابع والعشرون
- الزيارات: 1591