• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الرؤية 3

 

 

الرؤية 3

أدلّة الاتّجاه الثالث القائل بالتنزيه واستحالة الرؤية
والاتّجاه الثالث في المسألة ما آمن به المعتزلة والإمامية والزيدية من استحالة رؤية الله سبحانه وتعالى، واستدلّوا على ذلك بالعقل والنقل.

الأدلّة العقلية على استحالة الرؤية:
استدلّ على استحالة رؤية الله سبحانه وتعالى باُمور كثيرة لا تعدو أن تكون وجوهاً وتقريرات مختلفة لأمر واحد، هو تلازم الرؤية مع الجسمية تلازماً ذاتياً لا يقبل الانفكاك، وحيث إنّ الجسمية تتنافى مع واجب الوجود، ومن المستحيل أن يكون واجب الوجود جسماً لاحتياج الجسم الى بعضه والى حيّز يكون فيه، بما يعني فقره ومحدوديته، والواجب تعالى يجب أن يكون غنياً ولا نهائياً . فلزم من ذلك أن لا يكون جسماً، وبالتالي أن لا يكون مرئياً، فكل الوجوه العقلية المذكورة لاثبات استحالة الرؤية تعود في لبّها الى تلازم الرؤية مع الجسمية.

فمن تلك الوجوه قولهم: إن الرؤية البصرية لا تقع إلاّ على ما يكون في جهة ومكان مقابل الرائي، وأنّ كل مرئي بجارحة العين يشار إليه بحدقتها، والإشارة لا تقع إلاّ على ما يكون جسماً، وأنّ الرؤية البصرية تستلزم شعاعاً يتوسط بين الرائي والمرئي وهو من خواص الأجسام، وأنّ الرؤية إما أن تقع على الله سبحانه وتعالى كلّه، وإما أ نّها تقع على بعضه، فإن وقعت عليه كلّه كان محصوراً في حدود دارت الرؤية من حولها، وإن وقعت على بعضه كان متكوناً من أجزاء يحتاج اليها في وجوده، وكلا الاحتمالين مما يتناسب مع التجسيم ولا يتناسب مع التنزيه.

فالمشكلة الأساسية التي يواجهها الأشاعرة هي في الحقيقة تلازم الرؤية مع الجسمية تلازماً ذاتياً لا يقبل الانفكاك، فإن استطاعوا التغلب عليها أمكنهم حينئذ دفع هذه الوجوه، وإن عجزوا عنها فسيعجزون عن دفعها أيضاً.

وقد ذكرنا فيما سبق أن الملازمة بين الرؤية والجسمية أمر لا يقبل الانكار من أحد من العقلاء، ولا يحتاج الى الاثبات حتى عند الأشاعرة ، إنّما الذي ادعوه هو أن هذه الملازمة ستنفك في الآخرة، وسيرى المؤمنون ربهم بلا كيفية و لاجسمية، وقد ناقشنا هذه الدعوى فيما مضى من جهة امكانية اقامة الدليل عليها، وذكرنا أ نّها لا يمكن اقامة أي دليل عقلي عليها، بدليل أن الأدلّة العقلية التي أقامها الأشاعرة عليها هي بحدّ ذاتها ادّعاءات اُخرى تحتاج الى الاثبات وليست أدلّة حقيقية، وهذا ما أوجد فجوة واضحة في الجانب العقلي من النظرية الأشعرية أورثها عجزاً بيّناً عن اثبات مدعايتها.

وقد صرّح بذلك الشيخ محمد أبوزهرة، حيث كتب يقول متلطفاً في الردّ على ابن تيمية ـ : «ولا يتسع عقولنا لادراك الجمع بين الاشارة الحسية بالأصابع والاقرار بأنّه في السماء، وأ نّه يستوي على العرش، وبين تنزيهه المطلق عن الجسمية والمشابهة للحوادث. وأنّ التأويل ـ حملها على المجاز والكناية ـ بلاشك في هذا يقرب العقيدة الى المدارك البشرية، ولا يصح أن يكلف الناس ما لا يطيقون، وإذا كان ابن تيمية قد اتّسع عقله للجمع بين الاشارة الحسية وعدم الحلول في مكان والتنزيه المطلق، فعقول الناس لا تصل الى سعة اُفقه إن كان كلامه مستقيماً» [1] .

ويقول أيضاً: «ومهما حاولوا نفي التشبيه فإنّه لاصق بهم، فإذا جاء ابن تيمية من بعدهم بأكثر من قرن فقال: إنّه اشتراك في الاسم لا في الحقيقة، فانّهم فسروا الاستواء بظاهر اللفظ فإنّ الاقعاد والجلوس، والجسمية لازمة لا محالة، وإن فسروه بغير المحسوس فهو تأويل ، وقد وقعوا فيما نهوا عنه، وفي الحالين قد خالفوا التوقف الذي سلكه السلف» [2] .

وذكرنا آنفاً أن المنكِر لا يحتاج الى البيّنة لجريانه مع الأصل، ويكفيه دليلاً على صحة انكاره صحة الأصل الذي يجري عليه وعجز المدّعي عن اثبات ادعائه، ونستطيع أن نؤكد هذا الأصل وهذا العجز ببيانات اضافية هي أن الأصل في الرؤية ينطوي على أربع قواعد أساسية هي:

1 ـ إن الرؤية البصرية لا تقع إلا بحاسة ، هذا ماعليه الإنسان باعتبار جسمانيته، أما رؤية الله لعباده ولمخلوقاته فأمر آخر نجهل كيفيته لكونه تعالى فوق المادّة غنياً عنها، فلا يحتاج في الرؤية الى حاسّة، ومحل بحثنا رؤية الإنسان لما سواه التي لا يمكن إلاّ أن تكون بصرية بحاسة معينة.

2 ـ الرؤية البصرية من نوع القضايا التي إذا صحت وجبت ، بمعنى أن ما يصح أن تراه العين مع توفر شرائط الرؤية وانعدام موانعها يجب أن تراه، ولا تملك العين أن لا ترى شيئاً اتّجهت حدقتها نحوه بلا موانع بينهما، ولو كان الله تعالى وسائر ما وراء الطبيعة مما يصح رؤيته لكانت واجبة ليس بوسع الرائي ولا المرئي الامتناع عنها.

3 ـ إنّ ما يصح أن يرى تقع رؤيته من الجميع ، فلا وجه لتخصيص الرؤية بجماعة دون اُخرى، فلا يقال: إنّ الشجرة الفلانية يراها زيد ولا يراها عمرو مع توفر شروط الرؤية البصرية في الطرفين على حدّ سواء.

4 ـ إن ما يصح أن يرى تقع رؤيته على كل حال، فلا وجه لتخصيص الرؤية بزمان دون آخر، بأن يقال: الشجرة الفلانية لا ترى اليوم وسترى في الغد مع توفر شرائط الرؤية في الزمانين على حدّ سواء.

هذه هي أهم قواعد الرؤية البصرية، فما هو مقتضاها بالنسبة الى مسألتنا؟ مقتضى القاعدة الاُولى أنّ ما يرى بحاسة يجب أن يكون محسوساً ، وهذا ما لا ينطبق على واجب الوجود المتفق على عدم جسميته.

ومقتضى القاعدة الثانية أنّ الله سبحانه وتعالى لو كان ممّا يصح أن يرى لكانت رؤيته حاصلة بلا تكلّف، وبلا قدرة على الامتناع عنها، وحيث لا نرى الله رؤية بصرية فهذا يدل على أنّ الله سبحانه ممّا لا يصح أن يرى.

ومقتضى القاعدة الثالثة أنّ الله سبحانه وتعالى إذا كان ممّا يصح أن يرى رؤية بصرية فلازمه أن يراه المؤمن والكافر معاً، فما معنى تخصيص الأشاعرة لرؤية الله بالمؤمنين فقط؟

ومقتضى القاعدة الرابعة أنّ الله سبحانه وتعالى إذا كان ممّا يصح أن يرى فلازمه أن يراه الرائي في كل زمان فما معنى تخصيص الأشاعرة لرؤية الله بالآخرة فقط؟

أما ادعاء الأشاعرة بأنّ الأمر في الآخرة سيختلف عمّا عليه الحال في الدنيا فلابدّ من دراسته في ضوء احتمالات ثلاثة هي:

1 ـ إنّ التغيير سيطرأ على اُسس النظام الكوني القائم بحيث يصبح المستحيل في الدنيا ممكناً في الآخرة، والممكن في الدنيا مستحيلاً في الآخرة.

2 ـ إنّ التغيير سيطرأ على الملازمات الموجودة بين جوانب النظام الكوني بحيث إنّ الملازمات الكونية في الدنيا سوف تنحلّ في الآخرة ، كالملازمة بين الحرارة والنار، والملازمة بين الحلاوة والسكر.

3 ـ إنّ التغيير سوف يكون بمعنى بلوغ الكون صورة أتمّ وأكمل ممّا عليه الحال في الدنيا.

هذه هي الاحتمالات المتصورة في المسألة، فلندرس مسألة رؤية الله في ضوء هذه الاحتمالات. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: أنّ رؤية الله في الآخرة لو أنها تتحقق فسوف تتطلب أي احتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة؟ أو بتعبير آخر : أنّ اعتقاد الأشاعرة برؤية الله يوم القيامة رؤية بصرية بلا كيف ولا جهة سوف يتطلب أي احتمال من احتمالات التغيير هذه؟

عندما ننظر في عقيدة الأشاعرة هذه نجدها ـ وكما مرّ ـ تتصادم مع قواعد الرؤية الأربعة، ولو كانت تلك العقيدة صحيحة فسيلزم منها بطلان هذه القواعد في الآخرة، وبطلان هذه القواعد لا يتناسب مع الاحتمال الثالث الذي يعني احتفاظ الكون بخصائصه واضافة خصائص جديدة تزيد في كماله، كما لا يتناسب مع الاحتمال الثاني الذي يعني انفكاك ما بين الحقائق الكونية من تلازم ، لأن هذا الانفكاك إن كان في نفسه مستحيلاً أو يستلزم أمراً مستحيلاً فهو يعود الى الاحتمال الأوّل، وإن كان في نفسه ممكناً ولا يستلزم أمراً مستحيلاً فهو يعود الى الاحتمال الثاني، ونحن حينما ننظر ونقارن بين انفكاك النار عن الحرارة وبين انفكاك الرؤية عن الجسمية، نجد بينهما فرقاً جوهرياً، فإنّ انفكاك النار عن الحرارة ممكن في نفسه ولا يستلزم أمراً مستحيلاً، انّما يستلزم رفع قانون من القوانين المودعة في هذا الكون يربط بين الحرارة والنار بعلاقة معينة، وقد ارتفعت هذه العلاقة في نار ابراهيم(عليه السلام)فعلاً، فارتفاع هذا القانون أمر قابل للتصور ، بينما انفكاك الرؤية عن الجسمية أمر لا يقبل التصوّر، وقد مرّ كلام محمد أبو زهرة الذي يصرّح فيه بأن العقول قاصرة عن تصوّر الجمع بين الرؤية والتنزيه عن الجسمية، كقصورها عن تصورّ مربع بثلاث زوايا، وهذا القصور إنّما يكون في الأمر المستحيل ولا يكون في الأمر الممكن.

إذاً، انفكاك الرؤية عن الجسمية أمر يتطلب تغييراً كونياً من نوع الاحتمال الأوّل الذي هو الاحتمال المستحيل ، والمستحيل أمر ممتنع في نفسه. ولا معنى لأنّ نصف أمراً من هذا القبيل بأنه سيتحقق في المستقبل، فإن هذا الكلام تلزم منه السفسطة واللغوية، وقد أشار القرآن الكريم بنفسه الى انتفاء الاحتمال الأوّل واستحالته في الآخرة كما هو أمره في الدنيا بلا أيّ فرق. قال تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ) [3] ، فإنّ المستحيل يبقى مستحيلاً ولا معنى لتقييد الحكم عليه بالاستحالة بظرف دون آخر، لأنّ الاستحالة لا تعود الى أمر زمني، ولا الى نقص في القادر وإنّما تعود الى امتناع الشيء في نفسه.

هذه هي الاحتمالات في المسألة، وقد اتّضح الفرق بينها وهو أنّ الأوّل مستحيل ومسألتنا تعود إليه، والثاني ممكن في نفسه إلاّ أ نّه يلزم منه اختلال الكون ويحتاج القول به الى شواهد اثباتية غير متوفرة، والثالث ممكن ومقبول عقلاً وشرعاً ويؤدي الى مزيد الكمال في الكون، وحينئذ فالتغيير الذي سيحصل في الآخرة إما من نوع الاحتمال الثاني أو من نوع الاحتمال الثالث ، وحسم الأمر إنّما يكون بالأدلّة السمعية، وقد مرّ أنّ الأدلّة السمعية تؤيد الاحتمال الثالث. فالقرآن الكريم يتحدث عن قلوب غافلة ستصحو يوم القيامة، وعن نار ستكون حرارتها أشد، وعن جوارح ساكتة ستنطق، وهذا وأمثاله يشهد على أن الكون سيبلغ أوج كماله في الآخرة، وهو مما يتطابق مع العقل والحكمة، بينما يخالف الاحتمال الثاني الحكمة، ومقتضى الاحتمال الثالث أنّ الحقائق الماورائية سوف تنجلي انجلاءً تاماً أمام الإنسان في الآخرة. قال تعالى : (لَـقَدْ كُـنْتَ فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ ) [4] .

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» [5] ، لأنّ بصيرته القلبية كانت حديدية وهو في الدنيا، وكانت الحقائق الماورائية متجلية أمام بصيرته بتمامها، بحيث إنّه سوف لا يزداد في ذلك شيئاً عندما ستنكشف الاُمور في الآخرة، وهذا الانجلاء سوف يتم بواسطة بصيرة قلبية نافذة لا بحاسّة بصرية جديدة، لأن البصر قاصر عن ادراك الغيب، ولأنّ الغيب لا يهبط الى مستوى المادّة، ومقتضى كمال الآخرة أن يرقى الإنسان الى مستوى أكمل بحيث تتجلى الماورائيات امام بصيرته، لا أن يهبط عالم ما وراء المادة الى عالم مادّي يُدرك بالبصر العادي.

فالرؤية القلبية هي التي ستقع في الآخرة وهي التي تتطابق مع خصائص الرؤية التي يدّعيها الأشاعرة، فهي دعوى رؤية خاصة بالمؤمنين دون الكافرين، ورؤية تكون في زمان دون آخر، وأنها أكبر ما يلتذ به المؤمن في الآخرة، ورؤية بحاسة اُخرى غير البصر، ورؤية بلا كيفية ولا جهة، وهذه خواص الرؤية القلبية لا البصرية، فما هو المبرر لجعلها بصرية؟

وقد مرّ أنّ الرؤية القلبية تتطابق مع العقل والنقل، بينما الرؤية البصرية تواجه اشكال الاستحالة وتدور من حولها لوازم فاسدة عقلياً، وليس في الأدلّة السمعية ما يحتّمها حتى يتّجه القول بها، ولو كان هناك في الكتاب والسنّة ما يحتّمها لما اتّجه القول بها ولكان التأويل بالرؤية القلبية أولى من ركوب أشكال الاستحالة واللوازم العقلية الفاسدة ومخالفة الآيات القرآنية المصرحة بنفي الرؤية ، كيف والقرآن لا يحتمها؟ بل فيه ما يمنع عنها كما سيأتي.

الأدلّة القرآنية على انتفاء الرؤية البصرية
قلنا إنّ الأصل في المسألة هو الأدلة العقلية، لأن الأدلّة النقلية لا يمكن أن تشير الى أمر مستحيل ، ولابدّ لها من أن تشير الى أمر ممكن، والعقل هو الذي يحكم بكون الشيء ممكناً أم مستحيلاً. فإذا حكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين مثلاً فمن غير المعقول أنّ نجد في الكتاب والسنّة ما يشير الى امكانية اجتماعهما، ولو قيل بوجود ذلك فلابد من البحث عن وجوه من الكناية والمجاز يقصدهما الكتاب والسنّة غير المعنى الظاهري.

وفي مسألتنا نجد أن الأدلّة النقلية بين أدلة تصرّح باستحالة الرؤية البصرية، وأدلّة اُخرى متشابهة تقبل في ظاهرها الوجهين ، ومهما بذل الأشاعرة من جهد فإنّهم لا يستطيعون اثبات أ نّها منحصرة في الوجه الذي يريدوه ونفي الوجه الآخر نفياً تاماً. وهي الآيات التي مرّ ذكرها في المرحلة الثانية من النقاش مع الأشعرية.

أما الآيات التي تصرّح بنفي الرؤية فهي:

1 ـ قوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [6] .

وقد وجدت السيد عبدالحسين شرف الدين قد أجاد في تقرير الاستدلال بهذه الآية ودفع ما قيل في نقضه، فاستحسنت نقل كلامه بطوله مع حذف هوامشه، فقد كتب سماحته يقول: «إن الإدراك متى قرن بالبصر لا يفهم منه إلاّ الرؤية بالعين، كما أنه إذا قرن بآلة السمع فقيل: أدركته باُذني، لا يفهم منه إلاّ السماع. وكذلك إذا اُضيف الى كل واحدة من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه. فقولهم: أدركته بفمي معناه وجدت طعمه. وأدركته بأنفي معناه وجدت رائحته.

وقد دلّت هذه الآية على أنه سبحانه وتعالى قد تعالى على جميع الموجودات بمجموع هذين الأمرين اللذين اشتملت عليهما الآية الكريمة، لأن من الأشياء ما يَرى ويُرى كالأحياء من الناس، ومنها ما يرى ولا يُرى كالجمادات والأعراض المرئية، ومنها ما لا يرى ولا يُرى كالأعراض التي لاترى، فالله تعالى خالقها جميعها وتعالى عليها، وتفرد بأن يَرى ولا يُرى وتمدّح بمجموع الأمرين كما تمدح بقوله «وهو يطعم ولا يطعم» وقوله: «يجير ولا يجار عليه».

وحسبنا من التعليق على هذه الآية ما أخرجه العياشي بسنده المتصل أن الفضل بن سهل ذا الرئاستين سأل الإمام أبا الحسن علي ابن موسى الرضا(عليهما السلام)أخبرني عما اختلف فيه الناس من الرؤية، فقال: من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على الله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). ثم قال: لا تقع عليه الأوهام ولا يدرك كيف هو.

وقد أغرب الإمام الرازي فيما علقه على هذه الآية من سورة الأنعام، إذ زعم أن أصحابه ـ الأشاعرة ـ احتجوا بها على أنه تعالى تجوز رؤيته وأن المؤمنين يرونه يوم القيامة. ونقل عنهم من وجوه الاحتجاج بها على الأمرين أربعة أوجه في كلام له طويل بادي الرطانة ظاهر التكلف، فليراجعه من أراد الوقوف على كنهه من الاعتساف والخطل فما رأى كمن سمع. وإليك خلاصة تلك الوجوه.

أما الوجه الأول فمضمونه أن الله تعالى تمدح بقوله: (لا تدركه الأبصار) ولا وجه لهذا التمدح إلاّ مع امكان رؤيته عزّ وجلّ ليكون حينئذ هو الذي حجب الناس عنها بباهر قدرته الموجبة للتمدح، أما إذا كانت رؤيته في نفسها ممتنعة مستحيلة فلا وجه للتمدح بها، بل يكون التمدح بها مستهجناً لا يليق بالحكماء، إذ يكون عدم رؤيته تعالى كعدم رؤية المعدوم والطعوم والروائح والإرادة والقدرة فإنها وأشباهها مما لا يمكن رؤيته ولا يصح مدحه بأنه لا تدركه الأبصار (قال): فثبت بهذا أن الآية دالة على أن الله تعالى جائز الرؤية بحسب ذاته.

قلت: لا يخفى أن التمدح في الآية الكريمة لم يكن بمجرد قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار)وإنّما كان بمجموع الأمرين المذكورين في الآية اللذين تعالى الله عزّ وجل بمجموعهما على جميع مخلوقاته فحق له أن يتمدح بعلوه. كما أوضحناه في توجيه دلالة الآية على امتناع الرؤية.

على أن رؤية الله عزّ سلطانه إنّما امتنعت لامتناع الإحاطة بعظمته وجلاله وقصور الخلائق عن إدراك الكُنه من ذاته، وبهذا يكون مجرد امتناع الرؤية سبباً للمدح ومنشأ للتمدح، فقياس الحي القيوم على المعدوم والطعوم قياس مع فارق كما يعلمه هذا الإمام وأصحابه.

على أنا ننقض عليه بقوله تعالى: (وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذلّ وكبّره تكبيرا)ونحوه من الكتاب والسُنّة فإنّ الحمد هنا على عدم اتخاذ الولد والشريك والولي من الذل مع كون كل منها ممتنعاً مستحيلاً في نفسه. فهل يستطيع هذا الإمام أن يقول إن هذا الحمد لا وجه له، أو يقول: إن كلاًّ من الولد والشريك والولي جائز في نفسه ؟ كلاّ بل لا يفوه بهذا ولا بذاك .

... أما الوجه الثاني فحاصله: أن الله تعالى يدرك نفسه بدليل قوله: (وهو يدرك الأبصار). وبهذا ثبت جواز رؤيته ووقوعها منه سبحانه، وإذاً فيجب أن يراه المؤمنون يوم القيامة. ضرورة أن المسلمين في هذه المسألة على قولين لا ثالث لهما، لأنهم بين قائل بجواز الرؤية ووقوعها من المؤمنين يوم القيامة، وقائل بأن الله تعالى لا يراه أحد ولا تجوز رؤيته، أما القول بأنه تعالى جائز الرؤية في نفسه لكنه لا يدرك كنه ذاته أحد إلاّ هو فمما لم يقل به أحد من الاُمة، ولذا كان باطلاً بالإجماع المركب.

قلت: خرج الإمام الرازي في هذا الوجه عن محل البحث في المسألة كل الخروج فإنّ محل النزاع فيها إنّما هو إدراك غير الله لحقيقة ذات الله عزّ وجلّ، أما إدراك الله لحقيقة ذاته فمما لا خلاف فيه ولا ريبة لأحد. وأي مسلم أو غير مسلم من أهل الأديان يقول بأنه يمتنع على الله ان يدرك كنه ذاته تعالى وقد (وَسِع كل شيء علماً) باتفاق أهل التوراة والإنجيل والفرقان العظيم، وما أغناها عن إقامة البرهان على ذلك.

وإذااستطال الشيءقام بنفسه***وصفات ضوءالشمس تذهب باطلا

لكن الإمام الرازي احتجّ هنا بقوله تعالى: (وهو يدرك الأبصار)وفي احتجاجه هذا نظر بل منع، لأن لفظ الأبصار في الآية منصرف عن الله تعالى الى ذوي الأبصار من مخلوقاته ضرورة أن المراد من الأبصار التي نصّت الآية على أنه يدركها، هو المراد من الأبصار التي نصت أولاً على أنها لا تدركه، وهذا هو المتبادر الى الأذهان من الآية الكريمة، والإمام الرازي في فهمه وعلمه لا يخفى عليه ذلك لكنه شاء التشكيك، وإلاّ فأين الإجماع المركب عن مدلول هذه الآية: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) وأي عبارة في العربية أو غيرها أصرح منها في الدلالة على أنه لا يدركه أحد من جميع ذوي الأبصار من مخلوقاته وأنه تعالى يدركهم جميعاً.

على أن الإجماع هنا لا يصلح حجة ـ لو تم ـ سواء أكان مركباً أم بسيطاً، ولعل الإمام الرازي لا يخفى عليه ذلك عفا الله عنا وعنه.

وأما الوجه الثالث فخلاصته: أن لفظ «الأبصار» جمع دخل عليه الألف واللام، والجمع المحلّى بهما يفيد الاستغراق، فقوله: «لا تدركه الأبصار» يفيد أنه لا تراه جميع الأبصار، وهذا سلب للرؤية عن مجموع الأبصار من حيث المجموع، وسلبها عن المجموع يدل على ثبوتها لبعض أفراده. ألا ترى انّا إذا قلنا: إن زيداً ضربه كل الناس، فإنّه يفيد أنه ضربه بعضهم، وكذلك قوله: (لا تدركه الأبصار)فإنّ معناه أنه لا تدركه جميع الأبصار، فوجب أن يفيد أنه تدركه بعض الأبصار.

قلت: النفي في الآية إنما أفاد عموم السلب لا سلب العموم، ضرورة أن عموم السلب هو المتبادر الى الأذهان من اطلاق الآية الكريمة وأمثالها في كلام العرب، فقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار)نظير قولهم: لا تشتبه عليه الأصوات واللغات ولا تغشاه الظلمات والسنات ولا يبرمه الملحون عليه بالحاجات والطلبات، الى ما لا يحصى من أمثالها مما يكون السلب فيه عاماً شاملاً لكل فرد من أفراد الجمع المحلّى بالألف واللام الواقع في سياق النفي، نحو قولنا: لا يحب الله المفسدين، ولا يكره المصلحين، ولا ينسى من فضله المحسنين، الى ما لا نهاية له من أمثال ذلك.

الوجه الرابع: أن الله تعالى لا يرى بالعين وإنّما يُرى بحاسة سادسة يخلقها الله تعالى يوم القيامة، كما دلّت عليه هذه الآية: (لا تدركه الأبصار) لتخصيصها نفي إدراك الله تعالى بالبصر، وتخصيص الحكم بالشيء يدل على أن الحال في غيره بخلافه، فوجب أن يكون إدراك الله بغير البصر جائزاً، ولمّا ثبت أن سائر الحواس الموجودة الآن لا تصلح لذلك ثبت أن الله تعالى يخلق حاسة سادسة بها تحصل رؤية الله.

قال: فهذه وجوه أربعة مستنبطة من هذه الآية يمكن التعويل عليها في اثبات أن المؤمنين يرون الله في القيامة...الخ

قلت: رجع هذا الإمام الهمام في هذا الوجه الى رأينا بأن الله تعالى لا يُرى بالعين وأن سائر الحواس الموجودة الآن لا تصلح لرؤيته تعالى، معترفاً بثبوت ذلك يرسل ثبوته إرسال المسلّمات بكل قبول ورضى وطمأنينة.

وبهذا هدم كل ما بناه في الوجوه الثلاثة المتقدمة، وكأ نّه الآن قد اعترف بأن تلك الوجوه كانت مجرد تلفيق بعيدة عن الحق كل البعد.

أما دعواه بأن الله يرى يوم القيامة بحاسة سادسة فقد خرج بها عن محل النزاع في المسألة، على أنها مما لا دليل عليه إلاّ ما لفقه بقوله: إن الآية الكريمة (لا تدركه الأبصار) قد دلّت على تخصيص نفي إدارك الله تعالى بالبصر، قال: وتخصيص الحكم بالشيء يدل على أن الحال في غيره بخلافه.

وهذا التلفيق لا يخفى فساده، إذ لا تخصيص في قوله: (لا تدركه الأبصار) كما لا تخصيص في نظائرها، نحو قولنا: «ما كلمته بفمي ولا شممت عرفه بأنفي ولا وطأت برجلي أرضه»، فكما أن قولنا ما وطأت برجلي أرضه لا يدل على أنه وطأها بغير رجله، كذلك قوله: (لا تدركه الأبصار) لا يدل على أنه يدرك بغير الأبصار، وأنا والله لا أدري كيف رضي هذا الإمام لنفسه هذه الفلسفات البعيدة كل البعد عن ظاهر الآية: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) وعن معناها المتبادر منها الى أذهان أهل اللغة والعرف كافة، حتى كأ نّه في منتزح عن العربية وأهلها، وأنه لا يرى ظواهرالألفاظ ونصوصها حجة فيما يخالف فلسفته، وما كان أولاه بأن يربأ بفضله وإمامته عن ذلك» [7] .

2 ـ قوله تعالى: (يَوْمَئِذ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا* يَعْلَمُ مَا بَـيْنَ أيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) [8] .

وامتياز هذه الآية أ نّها تتحدث عن الآخرة، أي عن الظرف الزمني الذي يدّعي الأشاعرة فيه أ نّه ستتحقق فيه رؤية المؤمنين لربّ العالمين، فكأنها تأتي ردّاً مباشراً عليهم وتقول لهم: بأنّ الله يحيط بخلقه ظاهرهم وباطنهم، وأن أحداً من خلقه الذين سيحضرون تلك المحكمة الإلهية العادلة العظيمة، وسيقفون أمام الحضرة الربوبية المقدسة سوف لا يحيط بهذا الحاكم العادل رغم هذا الحضور المشترك بين الحاكم والمحكوم.

وتعبير الآية (لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) أدق تعبير عن انتفاء رؤية الله في ذلك المشهد. وليت شعري إذا لم يكن هذا البيان وهذه الآية دليلاً على انتفاء الرؤية البصرية في يوم القيامة، فأي بيان سيكون دليلاً عليه؟ فإنّ الرؤية البصرية تفيد العلم بالمرئي بحيث يصبح المرئي معلوماً عند الرائي علماً حسيّاً، فجاءت الآية لتنفي هذا العلم نفياً قاطعاً وتنفي من خلاله الرؤية البصرية في يوم القيامة.

3 ـ قوله تعالى:( وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* وَإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأ نْتُمْ تَنظُرُونَ) [9] .

وقد وجدت كلام السيد عبدالحسين شرف الدين رضوان الله عليه في تقرير دلالة هاتين الآيتين على المطلوب ودفع المعترفين عليها من أجود ما قيل في المقام فاستحسنت نقله بطوله، كتب رحمه الله يقول: «هاتان آيتان متصلتان كما أوردناهما، والحجة على ما نحن فيه من امتناع الرؤية، إنّما هي الآية الثانية، وإنّما أوردنا الاُولى لأن لها دخلاً في بيان الوجه في الاحتجاج بوضوح، وذلك أن اُولاهما نصت على عقوبة متّخذي العجل بقتل أنفسهم، ونصّت الثانية على عقوبة الطالبين رؤية الله تعالى جهرة، بالصاعقة تأخذهم وهم ينظرون.

وهذا بمجرده يوجب القطع بتساوي الجرمين في الكفر لتساويهما في العقوبة من الله تعالى الملك الحق العدل المبين، وليس شيء أدل من هذا على امتناع الرؤية، ووجوب الإنكار على القائلين بها، بل وجوب كفرهم إذا أصروا عليها عناداً بعد أن تتم عليهم الحجة بامتناعها كما تمّت على أصحاب الصاعقة من قوم موسى، فإنّه عليه الصلاة والسلام حين سألوه الرؤية أخبرهم بامتناعها فألحّوا عليه ولجّوا في طغيانهم فعرّفهم أن رؤية الله تستلزم تحيزه وتكيّفه والإشارة إليه والله تعالى منزّه عن ذلك، وأوضح لهم أن من استجاز الرؤية على الله عزّ وجل فقد جهله وجعله من جملة الأجسام أو الأعراض، فعتوا وأصرّوا على طلبها عناداً ، فكانوا بذلك كعبدة العجل فأخذتهم الصاعقة بأمر الله كما أخذ القتل اُولئك بأمره تعالى لتساوي الجرمين، هذا ما استفدته من الآيتين في توجيه الاستدلال على امتناع الرؤية.

ويدل على ذلك ـ مضافاً الى ما سمعت ـ أن الله تعالى لم يذكر في كتابه الحكيم طلب رؤيته إلاّ استعظمه واستفظعه، فانظر إن شئت الى قوله عزّ من قائل: (يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) [10] فسمى ذلك ظلماً وعاقبهم بالصاعقة فوراً. وإن شئت فانظر الى قوله تعالى: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا اُنزل عليه الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوّاً كبيراً) [11] . فلو كانت الرؤية جائزة لم يكن التماسها عتوّاً ولا استكباراً، ولا سيما إذا كانت كما يقول مجوزها أنها أعظم شيء ينعم الله به على عباده وألذ أنواع النعيم. واستدل بعض أعلام المعتزلة على امتناع الرؤية بأنها لو كانت جائزة لكان ملتمسوها من موسى كالقائلين له: (... يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربّك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) [12] . فإنّ هؤلاء لم تأخذهم الصاعقة ولا ما هو دونها، بل لم يكن عليهم بسؤالهم هذا من بأس. وبالجملة، فإنّ استعظام الله تعالى طلب رؤيته وانكاره على طالبيها وانزاله الصاعقة عليهم مما يؤيد حكم العقل بامتناع رؤيته عزّ وجلّ.

وللإمام فخر الدين الرازي هنا جواب كان الأولى أن يربأ بإمامته عنه، إذ قال: الجواب عن ذلك يحتمل وجوهاً. أحدها: أن رؤية الله لا تحصل إلاّ في الآخرة فكان طلبها في الدنيا مستنكراً.

قلت: لو سلم الأشاعرة لفخرهم أن رؤية الله لا تحصل إلاّ في الآخرة لا يسلمون له بأن طلبها في الدنيا مستنكراً، وإنّما يكون مجرد جهل لا يتكون به ذنب ليسمى ظلماً واستكباراً وعتوّاً ولا يوجب عقوبة بصاعقة أو بشيء ما من العذاب.

قال، ثانيها: أن حكم الله تعالى أن يزيل التكليف عن العبد حال ما يرى الله فكان طلب الرؤية طلباً لازالة التكاليف.

قلت: في أي آية من الكتاب أو سُنّة من السنن يوجد هذا الحكم؟ ومن ذا الذي أخبر به؟ وهل التلفيق إلاّ هذا ؟

قال، ثالثها: أنه لمّا تمّت الدلائل على صدق المدعي كان طلب الدلائل الزائدة على ذلك تعنتاً والتعنت يستوجب التعنيف .

قلت: هذا صحيح لكن الإمام الرازي ممن لا يخفى عليهم أن التعنيف والإنكار والصاعقة وما الى ذلك لم يكن شيء منها لمجرد التعنت، وإنّما كان له ولطلب المحال هذا ما يقتضيه الانصاف في فهم الآيات البيّنات التي سمعتها آنفاً.

وقد مرّت عليك الآية المشتملة على تعنت أهل الكتاب، إذ سألوا رسول الله أن ينزل عليهم كتاباً من السماء فلم تنزل عليهم صاعقة، وانّما أعرض رسول الله عنهم لمزيد حمقهم، وهكذا كان يعامل المتعنتين من مشركي قريش عملاً بقوله تعالى: (وأعرض عن الجاهلين) ولولا تعنت أصحاب موسى بطلب المستحيل عقلاً بعد أن تمّت عليهم الحجة ما أخذتهم الصاعقة بظلمهم.

قال، رابعها: لا يمتنع أن يعلم الله أن في منع الخلق عن رؤيته في الدنيا مصلحة لهم فلذلك استنكرها.

قلت: هذا مجرد احتمال سوفسطائي وفلسفة ضد الحقيقة المتبادرة الى الأذهان من اطلاق الآيات البيّنات، وكأن الإمام الرازي يقدم فلسفته على ظواهر الكتاب والسنّة وسائر ألفاظ العرب في محاوراتهم عفا الله عنّا وعنه» [13] .

4 ـ قوله تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرِنِي أنظُرْ إلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلَى الجَبَلِ فَإنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وَأ نَا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ) [14] .

وقد استدلّ بهذه الآية كلا الطرفين، كلّ منهم بتقريب وتقرير معين، أما تقرير أهل التنزيه فهو: أنّ موسى(عليه السلام) لما طلب منه قومه أن يروا الله جهرة، أراد(عليه السلام) أن يثبت لهم استحالة ذلك، فخاطب ربّه قائلاً: ( رَبِّ أرِنِي أنظُرْ إلَيْكَ) فجاء الجواب الربّاني يحمل نفيين، النفي الأوّل: قوله تعالى: (لَنْ تَرَانِي) ، والنفي الثاني: اندكاك الجبل وانصعاق موسى عندما تجلّى الله سبحانه وتعالى للجبل بالنحو الذي جعل موسى يقرر لأصحابه تنزيه الله عن الرؤية بقوله: (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وَأ نَا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ) ، أي أوّل المؤمنين بأنّك لن تُرى.

بينما يقرر الأشاعرة هذه الآية بنحو آخر مؤيد لهم وهو: أنّ طلب موسى رؤية الله سبحانه يدلّ على إيمانه(عليه السلام) بأنّ ذلك ممكناً، ولو كانت الرؤية ممتنعة ومنافية لشأن الربوبيّة لما طلبها موسى(عليه السلام)وهو نبي من اُولي العزم، فالطلب يدلّ على الامكان والنفي الوارد في الآية إنّما هو بلحاظ الدنيا، فيبقى أمر الرؤية في الآخرة ممكناً.

هكذا قرر الطرفان وجهة نظرهما من خلال الآية الشريفة، وقد لخّصنا ذلك تلخيصاً شديداً بالاستناد الى مصادر الفريقين، والخروج عن حالة التعارض الشديدة الموجودة في تفسير الطرفين للآية ممكن بأحد طريقين:

1 ـ الاعتماد على قرائن داخلية تحسم النزاع لصالح أحد الطرفين .

2 ـ الاعتماد على قرائن خارجية في ذلك.

والطريق الأوّل غير حاسم ، لأنّ كل قرينة لغوية أو سياقية من داخل الآية يأتي بها نفاة الرؤية لاثبات مطلوبهم يستطيع الطرف المقابل لهم التخلص منها بارجاعها الى الدنيا والادّعاء بعدم الدليل على شمولية هذه القرينة للآخرة.

والحسم لا يكون إلاّ بالطريق الثاني وهو القرائن الخارجية، وذلك بالاعتماد على ما قرّرناه آنفاً من أن القرآن الكريم لا يمكن أن يشير الى أمر مستحيل أو أن يحملنا على الاعتقاد بما هو ممتنع في نفسه، وحينئذ فإذا أثبتنا في مرحلة عقلية سابقة أنّ الرؤية أمر ممتنع ومستحيل ، كما أثبتنا ذلك فعلاً، فلابدّ وأن نأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار حينما نأتي الى القرآن ونتدبّر فيه أمثال هذه الآية لنخرج بنتيجة نهائية تقول: بأنّ الآية لا تقبل الحمل على الرؤية ، لأنّ ذلك ممتنع في نفسه، فيبقى الأمر منحصراً بنظرية نفاة الرؤية.

ثم إنّ قول الأشاعرة بامكان الرؤية في الآخرة بلا جهة ولا جسمية أمر خلاف الأصل، والأصل ما عليه أهل التنزيه المحض من تلازم الرؤية مع الجسمية، وحينئذ فإذا جاءت آية ودار ظاهرها بين اثبات الرؤية ونفيها ، فالمختار منهما هو الموافق للأصل حتى يُثبت المخالف رأيه بدليل قطعي، وتطبيق ذلك على الآية محل البحث يثبت أنّ نفاة الرؤية بإمكانهم الاستدلال بهذه الآية حتى لو كان ظاهرها يحتمل رأياً آخر، بينما ليس بوسع الأشاعرة الاستدلال بها مادام ظاهرها يقبل رأياً آخر، ولابدّ لهم حينئذ من اثبات انحصار دلالة الآية على مطلوبهم ، وأنّى لهم ذلك؟ فإنّ غاية ما يستطيعونه اثبات أنّ الآية تحتمل رأيهم، وليس بوسعهم اثبات أ نّها لا تحتمل رأياً آخر، وهذا هو العجز الفكري الذي أشرنا إليه آنفاً في النظرية الأشعرية. وإذا قيل : بأنّ نفاة الرؤية يعجزون أيضاً عن نفي الرأي الآخر في الآية، فالجواب: أن جريان نفاة الرؤية مع الأصل يعوّض لهم عن ذلك العجز ، لأنّ الأصل ينفي الرأي الآخر نفياً عقلياً فتصبح الآية مطابقة لرأيهم ومنحصرة به فقط، بينما تجري النظرية الأشعرية خلافاً للأصل، وهذا ما يؤكد عجزها عن معالجة الرأي الآخر واثبات انحصار الآية بما يقوله الأشاعرة. فيبقى الرأي الآخر قائماً لا يقبل الاسقاط لا بدليل عقلي ولا سمعي.

وحينئذ، فمحاولات الأشاعرة للاستدلال بالآية على مطلوبهم تبقى بلا جدوى ولا تثمر شيئاً لهم، بينما يستفيد أهل التنزيه من الآية، فإنّهم يثبتون مطلوبهم بظاهر الآية ويسقطون مطلوب الأشاعرة بالدليل العقلي على الامتناع. وهذا هو المحور الذي تدور عليه محاوراتهم ومناظراتهم ودفع شبهات الأشاعرة عليهم، والمثال البارز لذلك ما أخرجه الشيخ الصدوق في باب «ما جاء في الرؤية» من كتاب (التوحيد) بسنده الى علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى(عليهما السلام). فقال له المأمون: ياابن رسول الله، أليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن فكان ممّا سأله أن قال له: فما معنى قول الله عزّ وجلّ: (ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه* قال ربّ أرني أنظر إليك* قال لن تراني...) الآية، قال: فكيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأل هذا السؤال؟ فقال الرضا(عليه السلام): إن كليم الله موسى بن عمران(عليه السلام)علم أن الله تعالى عن أن يرى بالأبصار [15] ولكنه لمّا كلّمه الله عزّ وجل وقرّبه نجياً رجع الى قومه فأخبرهم أن الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، فاختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه، فخرج بهم الى طور سيناء وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ليسمعهم كلامه، فكلّمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من الجهات الست، لأن الله عزّ وجلّ أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثاً منها يسمعونه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك أن هذا الذي سمعناه هو كلام الله تعالى حتى نرى الله جهرة، فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتو بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقة تأخذهم بظلمهم فماتوا، فدعا موسى ربّه يا ربّ ما أقول لبني اسرائيل إذا رجعت اليهم وقالوا انّك ذهبت بهم فقتلتهم لأ نّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك، فأحياهم الله تعالى وبعثهم معه، فقالوا: إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو؟ فنعرفه حق معرفته.

قال موسى: يا قوم، ان الله لا يُرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنّما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه. فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله. فقال موسى: يا رب إنّك قد سمعت مقالة بني اسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جلّ جلاله إليه، يا موسى اسألني ما سألوك فلن اُؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى: (رب أرني انظر إليك. قال: لن تراني ولكن انظر الى الجبل فإنّ استقرّ مكانه ـ وهو يهوي ـ فسوف تراني فلما تجلّى ربّه للجبل ـ بآية من آياته ـ جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال: سبحانك تبت إليك. يقول: رجعت الى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أول المؤمنين)منهم بأ نّك لاترى، فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن... الحديث [16] .

وقد استطاع الزمخشري في كشّافه أن يدرك الحقيقة من هذا الوجه الذي أشار إليه الإمام(عليه السلام) فكتب يقول:

فإن قلت: كيف طلب موسى(عليه السلام) ذلك وهو من أعلم الناس بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز، وبتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواس، وذلك إنّما يصحّ فيما كان في جهة. وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة، ومنع المجبرة إحالته في العقول غير لازم، لأنه ليس بأوّل مكابرتهم وارتكابهم، وكيف يكون طالبه وقد قال ـ حين أخذت الرجفة الذين قالوا: ـ (أرنا الله جهرة) ـ (أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا) الى قوله (تضلّ بها من تشاء)فتبرّأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضُلاّلاً ؟

قلت: ماكان طلب الرؤية إلاّ ليبكّت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضُلاّلاً، وتبرأ من فعلهم، وليلقمهم الحجر، وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق، فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا: لابدّ ، ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك، وهو قوله: (لن تراني) ليتيقنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة، فلذلك قال: (ربّ أرني أنظر إليك) .

فإن قلت: فهلا قال: أرهم ينظروا إليك؟

قلت: لأنّ الله سبحانه إنّما كلّم موسى(عليه السلام) وهم يسمعون ، فلما سمعوا كلام ربّ العزّة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه، كما أسمعه كلامه فسمعوه معه، إرادة مبنية على قياس فاسد. فلذلك قال موسى: (أرني أنظر إليك) ، ولأنه إذا زجر عمّا طلب ، وأنكر عليه في نبوّته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى، وقيل له: لن يكون ذلك: كان غيره أولى بالإنكار ، ولأنّ الرسول إمام اُمّته، فكان ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعاً إليهم. وقوله: (أنظر إليك) وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم ، دليل على أنه ترجمة عن مقترحهم وحكاية لقولهم ، وجل صاحب الجمل أن يجعل الله منظوراً إليه، مقابلاً بحاسه النظر، فكيف بمن هو أعرق في معرفه الله تعالى من واصل بن عطاء، وعمر بن عبيد، والنظام، وأبي الهذيل والشيخين، وجميع المتكلمين؟

فإن قلت: ما معنى (لن) ؟

قلت: تأكيد النفي الذي تعطيه «لا» وذلك أن «لا» تنفي المستقبل. تقول : لا أفعل غداً، فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غداً. والمعنى : أنّ فعله ينافي حالي، كقوله : (لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) فقوله: (لا تدركه الأبصار) نفي للرؤية فيما يستقبل. ولن تراني تأكيد وبيان ، لأن المنفي مناف لصفاته.

فإن قلت: كيف اتصل الاستدارك في قوله : (ولكن انظر الى الجبل) بما قبله؟

قلت: اتصل به على معنى أن النظر إليَّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر: وهو أن تنظر الى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم، كيف أفعل به وكيف أجعله دكاً بسبب طلبك الرؤية؟ لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من عظم أثره، كأنه عزّ وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله : (وتخرّ الجبال هدّاً، أن دعوا للرحمن ولدا)(فإن استقر مكانه) كما كان مستقراً ثابتاً ذاهباً في جهاته (فسوف تراني) تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدكه دكاً ويسويه بالأرض، وهذا كلام مدمج بعضه في بعض، وارد على اُسلوب عجيب ونمط بديع. ألا ترى كيف تخلص من النظر الى النظر بكلمة الاستدراك؟

ثم كيف بنى الوعيد بالرجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية؟ أعنى قوله: (فإن استقرّ مكانه فسوف تراني)(فلمّا تجلّى ربّه للجبل) فلمّا ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته (جعله دكاً) أي مدكوكاً مصدر بمعنى مفعول كضرب الأمير. والدكّ والدقّ اخوان، كالشك والشق. وقرأ دكاء. والدكاء: اسم للراية الناشزة من الأرض، كالدكة أو أرضاً دكاء مستوية. ومنه قولهم: ناقة دكاء متواضعة السنام، وعن الشعبي: قال لي الربيع بن خثيم: ابسط يدك دكاء، أي مدّها مستوية. وقرأ يحيى بن وثاب: دكا، أي قطعاً دكا جمع دكاء (وخرّ موسى صعقاً) من هول ما رأى ، وصعق من باب : فعلته ففعل. يقال: صعقته فصعق. وأصله من الصاعقة. ويقال لها: الصاقعة، من صقعه إذا ضربه على رأسه ومعناه: خرّ مغشياً عليه غشية كالموت، وروى أنّ الملائكة مرّت عليه وهو مغشى عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون: ياابن النساء الحيض أطمعت في رؤية ربّ العزّة (فلمّا أفاق) من صعقته (قال سبحانك)أنزهك ممّا لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها (تبت إليك) من طلب الرؤية (وأنا أوّل المؤمنين)بأنّك لست بمرئي ولا مدرك بشيء من الحواس.

فإن قلت: فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته، فممّ تاب؟

قلت: من إجرائه تلك المقالة العظيمة وإن كان لغرض صحيح على لسانه، من غير إذن فيه من الله تعالى، فانظر الى إعظام الله تعالى أمر الرؤية في هذه الآية، وكيف أرجف الجبل بطالبها وجعله دكاً، وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر، وكيف سبّح ربّه ملتجئاً إليه، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال: أنا أوّل المؤمنين. ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنّة والجماعة كيف اتّخذوا هذه العظيمة مذهباً. ولا يغرّنك تسترهم بالبلكفة ، فإنّه من منصوبات أشياخهم ! والقول ما قال بعض العدلية فيهم:

لجماعةٌ سَموا هواهم سُنّة***وجماعة حُمرٌ لعمري مُوكفه

قد شبهوهُ بخلقه وتخوّفوا***شنع الورى فتستروا بالبلكفه

وتفسير آخر: وهو أن يريد بقوله: (أرني أنظر إليك) عرّفني نفسك تعريفاً واضحاً جليّاً، كأنها إراءة في جلائها بآية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق الى معرفتك (أنظر إليك) أعرفك معرفة اضطرار، كأنّي أنظر إليك، كماجاء في الحديث «سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر».

بمعنى: ستعرفونه معرفة جلية هي في الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى .

(قال لن تراني) أي لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية المضطرة ولكن انظر الى الجبل، فإنّي أورد عليه وأظهر له آية من تلك الآيات، فإن ثبت لتجلّيها واستقرّ مكانه ولم يتضعضع فسوف تثبت لها وتطيقها، (فلما تجلّى ربّه للجبل) فلمّا ظهرت له آية من آيات قدرته وعظمته (جعله دكا وخرّ موسى صعقا) لعظم ما رأى (فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك) ممّا اقترحت وتجاسرت (وأنا أوّل المؤمنين) بعظمتك وجلالك، وأن شيئاً لا يقوم لبطشك وبأسك [17] .

وهذا المقدار من البيان كاف في اثبات المطلوب ويغني عن الاستطراد فيما ذكره الأشاعرة من وجوه يرون أنّها تنفعهم في هذه الآية، وما أورده أهل التنزيه المحض من نقوض عليهم [18] .


--------------------------------------------------------------------------------

[1] ابن تيمية حياته وعصره: 270.

[2] المصدر السابق : 272 ـ 273.

[3] الأعراف: 40 .

[4] سورة ق: 22 .

[5] المناقب لابن شهر آشوب: 2/38، ارشاد القلوب: 2/14 .

[6] الأنعام: 102.

[7] كلمة حول الرؤية: 10 ـ 17 ط النجف.

[8] طه: 109 ـ 110 .

[9] البقرة: 54 ـ 55 .

[10] النساء: 153.

[11] الفرقان: 21.

[12] البقرة: 61.

[13] كلمة حول الرؤية: 20 ـ 22 ط النجف. انظر اعتراضات الفخر الرازي التي ذكرها السيد شرف الدين وأجاب عنها في تفسيره الكبير: 3/86 .

[14] الأعراف: 143.

[15] في الاحتجاج: جلّ أن يرى، وفي العيون: منزّه، ونسخة منه: أعزّ.

[16] التوحيد، الصدوق: 122، باب ما جاء في الرؤية، مقتطفات من الحديث 22. الاحتجاج: 2/220، بحار الأنوار: 13/218 .

[17] الكشاف: 2/153 ـ 157 .

[18] انظر مثالاً لذلك ادّعاء الإمام الرازي بأربعة وجوه تدلّ في هذه الآية على رؤية الله، وردّ السيد عبدالحسين شرف الدين عليه في كتاب الرؤية: 28 ـ 32 .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page