• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صيانة القرآن الكريم من التحريف 3

 

 

صيانة القرآن الكريم من التحريف 3

المبحث الرّابع
تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التّحريف

صرّح علماء المسلمين بشكل عام وعلماء الشيعة بشكل خاص عبر القرون كلّها بسلامة النصّ القرآني من التحريف، لكن مَن يتّهم الشيعة بالقول بالتحريف يهمل هذه التصريحات المهمّة التي تكشف عن الموقف الموضوعي للمذهب الإمامي بشكل واضح.

وإليك نماذج من هذه التصريحات عبر القرون التالية حتى عصرنا هذا:

1 ـ شيخ المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق ـ المتوفّى سنة 381 هـ ـ

قال في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة الإمامية:

«اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه(صلى الله عليه وآله) هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك وعدد سوره على المعروف (114) سورة.

ثمّ قال: ومن نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كذّاب»[1].

2 ـ الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الملقّب بالمفيد ـ المتوفّى سنة 413 هـ ـ

قال: «وقد قال جماعة من أهل الإمامة، إنه لم ينقص من كلمة، ولا من آية، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين(عليه السلام) من تأويله، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز.

وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله اسأل توفيقه للصواب»[2].

3 ـ الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، الملقّب بعلم الهدى ـ المتوفّى سنة 436 هـ ـ

قال:«إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه، لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيِّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!».

وقال: «إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها، حتّى لو أنّ مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرِف ومُيّز، وعلم أنّه ملحق وليس في أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء».

وقال: «إنّ القرآن كان على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن...».

«واستدلّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنّه كان يعرض على النبي(صلى الله عليه وآله) ويُتلا عليه، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي(صلى الله عليه وآله) وسلّم عدّة ختمات».

«كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث».

«وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا بصحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته»[3].

ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتّى ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السُنّة، وأضافوا أنّه كان يُكفّر من قال بتحريف القرآن، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه: «كان من كبار المعتزلة الدعاة، وكان إمامياً، لكنّه يكفّر من عزم أنّ القرآن بُدلّ أو زيد فيه، أو نقص منه، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي وأبو يعلى الطوسي»[4].

4 ـ الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة 460 هـ ـ قال في مقدمة تفسيره:

«والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات.

غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الاُمّة ولا يدفعه»[5].

5 ـ الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي، الملقّب بأمين الإسلام ـ المتوفّى سنة 548 هـ ـ قال ما نصّه:

«... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة: إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً...

والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات»[6].

6 ـ السيد أبو القاسم على بن طاووس الحلّي ـ المتوفى سنة 664 هـ ـ فقد نصّ على أن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، كما يقتضيه العقل والشرع[7].

واستنكر ما روى العامة عن عثمان وعائشة، من أن في القرآن لحناً وخطأً، قائلاً: «ألا تعجب من قوم يتركون مثل علي بن أبي طالب، أفصح العرب بعد صاحب النبوّة وأعلمهم بالقرآن والسنّة ويسألون عائشة؟ أما يفهم أهل البصائر أنّ هذا لمجرد الحسد، أو لغرض يبعد من صواب الموارد والمصادر... ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحناً جعلوه حجة»[8].

7 ـ العلاّمة الحلّي ـ المتوفى سنة 726 هـ ـ

وممّا قاله في بعض أجوبته حيث سئل: «ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟

«الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر»[9].

8 ـ الشيخ زين الدين البياضي العاملي ـ المتوفى سنة 877 هـ ـ

قال: «علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله، وكان التشديد في حفظه أتمّ، حتّى نازعوا في أسماء السور والتفسيرات. وانّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكّر في معانيه وأحكامه، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه، لمخالفة فصاحته واُسلوبه»[10].

9 ـ وألّف الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي العاملي، الملقّب بالمحقق الثاني ـ المتوفى سنة 940 هـ ـ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم.

وأجاب عن الأخبار التي تتضمن وجود النقص قائلاً: «بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل والسُنّة المتواترة أو الإجماع، ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه، وجب طرحه»[11].

10 ـ وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني ـ المتوفّى سنة 988 هـ ـ في مقدمة تفسيره منهج الصادقين، وفي تفسير الآية المباركة (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون).

11 ـ وهو صريح السيد نور الله التستري، المعروف بالقاضي الشهيد ـ المستشهد سنة 1019 هـ ـ في كتابه مصائب النواصب في الإمامة والكلام، حيث قال:

«ما نسب إلى الشيعة الإمامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإمامية، إنّما قال به شرذمة قليلة منهم، لا اعتداد بهم فيما بينهم».[12]

12 ـ الشيخ محمد بن الحسين، الشهير ببهاء الدين العاملي ـ المتوفّى سنة 1030 هـ ـ

قال: «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك، زيادة كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالى: (وإنّا له لحافظون). وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين(عليه السلام) منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى: (يا أيها الرّسول بلّغ ما اُنزل إليك ـ في علي ) ، وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء»[13].

13 ـ الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني ـ المتوفى سنة 1019 هـ ـ

قال: «فلو تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة، وتكون على خلاف ما أنزله الله، فلا يكون القرآن حجّة لنا، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به، وعرض الأخبار المتعارضة عليه.

ثم استشهد ـ رحمه الله تعالى ـ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم، وبعض الأخبار[14].

وقال في تفسير قوله تعالى: (وإنا له لحافظون) : «من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان»[15].

14 ـ الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ـ المتوفى سنة 1104 ـ

قال: «إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم ـ علماً قطعياً ـ بأنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه، وأنّه كان على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)مجموعاً مؤلفاً»[16].

15 ـ العلاّمة محمد باقر المجلسي ـ المتوفّى سنة 1111 هـ ـ

قال: «غير أن الخبر قد صحّ عن أئمتنا (عليهم السلام) أنّهم أمروا بقراءة ما بين الدفّتين وأن لا نتعدّاه بلا زيادة فيه ولا نقصان منه.. وإنّما نهونا(عليهم السلام)عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف يزيد على الثابت في المصحف، لأنّه لم يأت على التواتر وإنّما جاء بالآحاد،

وقد يغلط الواحد فيما ينقله»[17].

16 ـ السيد محمد مهدي الطباطبائي، الملقّب ببحر العلوم ـ المتوفّى سنة 1212 هـ ـ

قال ما نصّه: «الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد، أنزله بلسان عربيّ مبين هدى للمتقين وبياناً للعالمين... ثم ذكر روايتي: القرآن أربعة أرباع، و: القرآن ثلاث أثلاث، ثم قال : والوجه حمل الأثلاث والأرباع على مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار...»[18].

17 ـ الشيخ الأكبر الشيخ جعفر، المعروف بكاشف الغطاء ـ المتوفّى سنة 1228 هـ ـ

قال ما نصّه: «لا ريب في أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر ، ما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولا سيّـما ما فيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله، لتوفر الدواعي عليه، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه؟!... فلابد من تأويله بأحد وجوه»[19].

18 ـ السيد محسن الأعرجي الكاظمي ـ المتوفّى سنة 1228 هـ ـ

قال ما ملخّصه: أنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي(عليه السلام) لما اشتمل عليه من التأويل والتفسير، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل، والذي يدلّ على ذلك قوله(عليه السلام) في جواب الثاني: «ولقد جئت بالكتاب كملاً مشتملاً على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ». فإنّه صريح في أنّ الذي جاءهم به ليس تنزيلاً كلّه[20].

19 ـ السيد محمد الطباطبائي ـ المتوفّى سنة 1242 هـ ـ

قال ما ملخّصه: «لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه، فكذلك عند محقّقي أهل السُنّة، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم مـمّا توفّرت الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يُقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً»[21].

20 ـ الإمام روح الله الموسوي الخميني ـ المتوفّى سنة 1409 هـ ـ

قال: «إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف على بطلان تلك الروايات المزعومة. وما ورد فيها من أخبار ـ حسبما تمسّكوا به ـ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو موضوع تلوح عليه إمارات الوضع، أو غريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمى الى مسألة التأويل والتفسير، وأن التحريف إنّما حصل في ذلك، لا في لفظه وعباراته.

وتفصيل ذلك يحتاج إلى تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون، ويتلخص في أن الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين، لا زيادة ولا نقصان، وأن الاختلاف في القراءات أمر حادث، ناشئ عن اختلاف الاجتهادات، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين»[22].

21 ـ السيد أبو القاسم الخوئي ـ المتوفّى 1413 هـ ـ

قال: «إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حبُّ القول به. والحب يعمي ويصم، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته»[23].

22 ـ الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني دام ظلّه .

قال: «فالقرآن الموجود بين الدّفتين هو كتاب دين الفريقين وهو أصلهم الأوّل الّذي تأتي بعده السنّة المشروط صحة الاعتماد عليها بأن لا تكون مخالفة للقرآن، وهذا الأمر يحتج به الجميع في الاُصول والفروع وفي خلافاتهم ويعتمدون عليه وعلى السنّة.

فكلّ الاُمة ـ شيعة وسنّة ـ يتمسّكون بجميع محكماته، وفي متشابهاته أيضاً يقولون: آمنّا به كل من عند ربّنا»[24].

المبحث الخامس أسباب نشوء شبهة التّحريف وإشاعتها

من الواضح أن إثارة هذه الشبهة من قبل أعداء الإسلام القدامى منهم والمحدثين تستهدف ما يلي:

1 ـ إدانة أهم دليل على حقّانية الإسلام وخلوده.

2 ـ إسقاط أهم مصدر للتشريع من الحجّية وسلب الثقة به.

3 ـ زعزعة ثقة المسلمين بكتابهم ورمز وحدتهم وأصالتهم، إن لم يستطيعوا كسبهم نحو دينهم الذي أثبت القرآن تحريفهم للكتب السماوية السابقة.

4 ـ إيجاد الفرقة بين المسلمين، حيث يتّهم بعضهم البعض الآخر بأنه يعتقد بتحريف القرآن.

5 ـ تربية ذهنية الإنسان المسلم وترويضها على أن تتقبّل المنهج العلماني الذي يتناول النصوص القطعية المقدّسة عندنا بذهنية مشكّكة.

6 ـ كما لا يبعد أن تكون هذه الإثارة ردّة فعل من قبل اليهود والنصارى الذين أدان القرآن سلوكهم تجاه كتبهم (التوراة والإنجيل) حيث حرّفوهما، وحين يشكك في سلامة النص القرآني لم يتميّز الإسلام وكتاب الإسلام عن الديانتين اليهودية والمسيحية من هذه الجهة.. قال تعالى: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم)[25].

المبحث السّادس الموقف الموضوعي من روايات التّحريف أوّلاً: الموقف من روايات التحريف في مصادر أهل السنّة

نذكر هنا نماذج من الروايات الموجودة في كتب أهل السُنّة، ونبيّن ما ورد في تأويلها، وما قيل في بطلانها وإنكارها، وعلى هذه النماذج يقاس ما سواها ، وهي على أقسام:

القسم الأ وّل: الروايات التي ذكرت سوراً أو آيات زُعِم أنّها كانت من القرآن وحُذِفت منه، أو زعم البعض نسخ تلاوتها، أو أكلها الداجن، نذكر منها:

الاُولى: أنّ سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة:

1 ـ رُوي عن عائشة: «أنّ سورة الأحزاب كانت تُقرأ في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) في مائتي آية، فلم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن»[26]. وفي لفظ الراغب : «مائة آية»[27].

2 ـ ورُوي عن عمر واُبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس: «أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم»[28].

وقد حمل ابن الصلاح المدّعى زيادته على التفسير، وحمله السيوطي وابن حزم على نسخ التلاوة، والمتأمّل لهذه الروايات يلاحظ وجود اختلاف فاحش بينها في مقدار ما كانت عليه سورة الأحزاب، الأمر الذي يشير إلى عدم صحّة هذه النصوص وبطلانها، أمّا آية الرجم الواردة في الحديث الثاني فستأتي في القسم الرابع من هذه الطائفة.

الثانية: لو كان لابن آدم واديان...

رُوي عن أبي موسى الأشعري، أنّه قال لقُـرّاء البصرة: «كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب»[29].

وقد حمل ابن الصلاح هذا الحديث على السُنّة، قال: «إنّ هذا معروف في حديث النبي(صلى الله عليه وآله)على أنّه من كلام الرسول، لا يحكيه عن ربِّ العالمين في القرآن، ويؤيّده حديث روي عن العباس ابن سهل، قال: سمعت ابن الزبير على المنبر يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لو أنّ ابن آدم اُعطي واديان...» وعدّه الزبيدي الحديث الرابع والأربعين من الأحاديث المتواترة وقال: «رواه من الصحابة خمسة عشر نفساً»[30]. رواه أحمد في (المسند) عن أبي واقد الليثي على أنّه حديث قدسيّ[31].

أمّا إخبار أبي موسى بأنّه كان ثمّة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول، فلو كانت لحصل العلم بها، ولما غفل عنها رسول الله(صلى الله عليه وآله) والصحابة وكُـتّاب الوحي وحُـفّاظه وقُـرّاؤه.

الثالثة : سورتا الخلع والحفد

روي أنّ سورتي الخلع والحفد، كانتا في مصحف ابن عباس واُبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما... وهما:

1 ـ «اللّهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك».

2 ـ «اللّهمّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق»[32].

وقد حملهما الزرقاني والباقلاني والجزيري وغيرهم على الدعاء، وقال صاحب الانتصار: «إنّ كلام القنوت المروي: أنّ اُبي بن كعب أثبته في مصحفه، لم تقم الحجّة بأنّه قرآن منزّل، بل هو ضرب من الدعاء، ولو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحتّه» إلى أن قال: «ولم يصحّ ذلك عنه، وإنّما روي عنه أنّه أثبته في مصحفه ، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل... الخ»[33].

وقد روي هذا الدعاء في الدر المنثور والإتقان والسنن الكبرى والمصنّف وغيرها، من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر، ولم يُصرّحوا بكونه قرآناً»[34].

الرابعة: آية الرجم

روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: «إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فإنّا قد قرأناها»[35].

وأخرج ابن أشته: في المصاحف عن الليث بن سعد، قال: «إنّ عمر أتى إلى زيد بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده»[36].

وقد حمل ابن حزم آية الرجم في المحلّى على أنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه ، وهو حملٌ باطلٌ، لأنّها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف، وأنكر ابن ظفر في الينبوع عدّها ممّا نسخ تلاوة، وقال: «لأنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن»[37].

وحملها أبو جعفر النحاس على السُنّة، وقال: «إسناد الحديث صحيح، إلاّ أنّه ليس حكمه حكم القرآن، الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنها سُنّة ثابتة، وقد يقول الإنسان: كنت أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل على هذا أنّه قال: لولا أنّي أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدته»[38].

الخامسة: آية الجهاد

رُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: «ألم تجد فيما اُنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة، فأنا لا أجدها؟ قال: اُسقطت فيما أسقط من القرآن»[39].

نقول: ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن أنّ الآية تُكتب بشهادة شاهدين من الصحابة على أنّها ممّا أنزل الله في كتابه؟ فما منع عمر وعبدالرحمن بن عوف من الشهادة على أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه؟ فهذا دليل قاطع على وضع هذه الرواية، وإلاّ كيف سقطت هذه الآية المدّعاة عن كُتّاب القرآن وحُفّاظه في طول البلاد وعرضها، ولم تبق إلاّ مع عمر وعبدالرحمن بن عوف؟

السادسة: آية رضاع الكبير عشراً

رُوي عن عائشة أنّها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»[40].

وظاهرٌ من هذه الرواية أنه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة، وهو أمرٌ في غاية البُعد والغرابة، فأين سائر الصحابة والحُفّاظ والكتبة منهم ؟! قال السرخسي: «حديث عائشة لا يكاد يصح، لأن بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة اُخرى، فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحديث»[41].

أما بالنسبة لآية الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدّم أنّه لا يصحّ اعتبارها قرآناً لكونها من أخبار الآحاد، وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله).

ثم إنّ هذا الحكم ـ في رضاع الكبير عشراً ـ قد انفردت به عائشة، وعارضها فيه سائر أزواج النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك، وأنكره أيضاً ابن مسعود على أبي موسى الأشعري، وقال: «إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم» فرجع أبو موسى عن القول به[42] عن سائر الصحابة وكُـتّاب الوحي منهم وحفّاظه وجمّاعه، واختصت به عائشة دونهم؟ ولو صحّ فهو رواية عن الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فاعتقدت عائشة كونها من القرآن فكتبتها، حيث روي عن البراء ابن عازب أنّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الاُول»[43]، وروي عن عائشة أنّها قالت: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن الله وملائكته يصلّون على الذين يَصِلون الصفوف»[44]، ولعلّه أيضاً ممّا يُكْتب في حاشية المصحف، حيث كانوا يسجّلون ما يرون له أهمية وشأناً في حاشية مصاحفهم الخاصّة.

وأخيراً فإنّ الملاحظ على كثير ممّا ادّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة واُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية، ممّا يدل على أنّه ليس بكلام الخالق تعالى، وليست له طلاوته، ولا به حلاوته وعذوبته، وليست عليه بهجته، بل يتبرّأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون، فكيف برب العالمين، وسموّ كتابه المبين؟!

ومن أراد الاطلاع على ما ذكرناه، فليراجع مقدمة (تفسير آلاء الرحمن) للشيخ البلاغي ففيه مزيد بيان.

والملاحظ أيضاً أن قسماً منه هو من الأحاديث النبوية، أو من السُنّة والأحكام التي ظنّوها قرآناً، كما روي أنّ قوله(صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» هو آية، ولا يشكّ أحد في أنّه حديث، والملاحظ أيضاً أنّ أغلبه روي بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة، فلو كان قرآناً لتوحّدت ألفاظه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] كتاب اعتقادات الإمامية المطبوع، مع شرح الباب الحادي عشر: 93 ـ 94.

[2] أوائل المقالات في المذاهب المختارات: 55 ـ 56.

[3] نقل هذا في مجمع البيان: 1/15، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى.

[4] لسان الميزان : 4/223، ولا يخفى ما فيه من الخلط والغلط.

[5] التبيان في تفسير القرآن: 1/3.

[6] مجمع البيان: 1/15.

[7] سعد السعود: 192.

[8] سعد السعود: 266.

[9] أجوبة المسائل المهناوية: 121.

[10] الصراط المستقيم : 1/45.

[11] مباحث في علوم القرآن ـ مخطوط. راجع شرح الوافية في علم الاُصول ، نقل أكثر عباراته.

[12] آلاء الرحمن، البلاغي: 1/25، قول الإمامية بعدم النقيصة في القرآن نقلاً عن كتاب مصائب النواصب، الشيعة في الميزان: 314 .

[13] آلاء الرحمن: 26.

[14] الوافي: 1 / 273 ـ 274.

[15] الصافي في تفسير القرآن: 3 / 348.

[16] جاءت الرسالة بالفارسية مع ترجمتها العربية في الفصول المهمة لشرف الدين: 168.

[17] بحار الأنوار: 92/74.

[18] الفوائد في علم الاُصول مبحث حجية ظواهر الكتاب ـ مخطوط.

[19] كشف الغطاء في الفقه ، كتاب القرآن: 299.

[20] شرح الوافية في علم الاُصول، مخطوط.

[21] مفاتيح الاُصول ، مبحث حجّية ظواهر الكتاب.

[22] تهذيب الاُصول: 2/165.

[23] البيان في تفسير القرآن ، الخوئي: 259.

[24] القرآن مصون عن التحريف: 5، دار القرآن الكريم. وراجع للمزيد: صيانة القرآن من التحريف للعلاّمة معرفة: 44 ـ 70 والتحقيق في نفي التحريف: 10 ـ 26 .

[25] البقرة: 109.

[26] الإتقان: 3/82، تفسير القرطبي: 14/113، مناهل العرفان: 1/273، الدرّ المنثور: 6/560.

[27] محاضرات الراغب 2: 4/434.

[28] الإتقان: 3/82، مسند أحمد: 5/132، المستدرك : 4/359، السنن الكبرى: 8/211، تفسير القرطبي: 14/113، الكشاف: 3/518، مناهل العرفان: 2/111، الدر المنثور: 6/559.

[29] صحيح مسلم 2: 726/1050.

[30] مقدمتان في علوم القرآن: 85 ـ 88 .

[31] مسند أحمد: 5/219.

[32] مناهل العرفان: 1/257، روح المعاني: 1/25.

[33] المصدر السابق : 1/264.

[34] السنن الكبرى : 2/210، المصنف : 3/212.

[35] المستدرك: 4/359 و 360، مسند أحمد: 1/23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد: 3/334، سنن الدارمي: 2/179.

[36] الإتقان: 3/206.

[37] البرهان للزركشي : 2/43.

[38] الناسخ والمنسوخ: 8.

[39] الإتقان: 3/84، كنز العمال: 2 حديث 4741.

[40] مسند أحمد: 6/269، المحلّى: 11/235، سنن ابن ماجة: 1/625، الجامع لأحكام القرآن: 14/113.

[41] اُصول السرخسي: 2/79.

[42] جامع بيان العلم: 2/105.

[43] المصنّف: 2/484.

[44] المستدرك: 1/214.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page