• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصوم في السفر

 

الصوم في السفر

 مسألة الصوم في السفر
مقدّمة:
المسألة في ضوء القرآن:
المسألة في ضوء السنّة النبوية
نظرة الى أدلة القائلين بالرخصة

مسألة الصوم في السفر
مقدّمة:
من جملة ما تميّزت به مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) الفقهية قولها بوجوب الإفطار على المسافر وعدم جواز الصوم بالنسبة له، واختاره من الصحابة عبدالرحمن بن عوف، وعمر وابنه عبدالله وأبو هريرة وعائشة وابن عباس، ومن التابعين سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة بن الزبير وشعبة والزهري والقاسم بن محمد بن أبي بكر ويونس بن عبيد وأصحابه، وعليه فقهاء الظاهرية [1] .

بينما ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى كون الإفطار بالنسبة إلى المسافر رخصة، فله أن يصوم وله أن يفطر، ثم اختلفوا في أن الأفضل له هل هو الصوم أم الإفطار؟

والتحقيق في المسألة يستلزم استعراض أدلة الطرفين ثم تقويمها، ولكننا قبل ذلك نطرح مقدمتين ، نتناول في الاُولى المسألة من زاوية قرآنية، وفي الثانية المسألة من زاوية حديثية.

المسألة في ضوء القرآن:
وقبل أن نطرح المسألة في ضوء الفقه والحديث لابد لنا أوّلاً من أن ندرس كتاب الله ونصوصه وآياته فيها، وهي قوله تعالى:

(يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكُم لعلّكم تتّقون* أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر وعلى الذين يُطيقونه فِدية طعامُ مسكين فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون* شهر رمضان الذي اُنزل فيه القُرآن هُدىً للناس وبيّنات من الهُدى والفُرقان فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر يريد الله بكم اليُسر ولا يُريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون) [2] .

ومحل الشاهد فيها قوله تعالى: (فَمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر) فإن هذه الآية تدل بظاهرها دلالة واضحة وقطعية على أن وظيفة المسافر هي الافطار ثم القضاء، فالآية بظاهرها تشهد للقول بالعزيمة وبطلان الرخصة، ولذا يجد القائلون بالرخصة أنفسهم بلا سند قرآني فيضطرون إلى تأويل الآية ودعوى وجود كلمة محذوفة مقدّرة حتّى يوفروا لأنفسهم سنداً قرآنياً.

كما يشهد للقول بالعزيمة أيضاً قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ) فإن مفهوم هذه العبارة هو: إن مَن لم يشهد الشهر وكان مسافراً فليفطر فيه; ولذا قال الإمام الصادق(عليه السلام) عن هذه الآية: «ما أبينها! مَن شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه» [3] .

وقال السيد عبدالحسين شرف الدين:

وحسبنا حجة لوجوب الإفطار في السفر قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) فإنّ في الآية دلالة على وجوب الإفطار من وجوه:

أحدها: أن الأمر بالصوم في الآية إنّما هو متوجّه للحاضر دون المسافر، ولفظه كما تراه: فمن شهد منكم الشهر ـ أي حضر في الشهر ـ فليصمه وإذاً فالمسافر غير مأمور، فصومه إدخال في الدين ما ليس من الدين، تكلّفاً وابتداعاً.

ثانيها: أنّ المفهوم من قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ) أنّ من لم يحضر في الشهر لا يجب عليه الصوم، ومفهوم الشرط حجّة، كما هو مقرر في اُصول الفقه، وإذاً فالآية تدل على عدم وجوب الصوم في السفر بكل منطوقها ومفهومها.

ثالثها: أنّ قوله عزّ وجلّ: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر) تقديره فعليه عدّة من أيّام اُخر، هذا إذا قرأت الآية برفع عدّة، وإن قرأتها بالنصب ، كان التقدير، فليصم عدّةً من أيّام اُخر; وعلى كلٍّ فالآية توجب صوم أيام اُخر، وهذا يقتضي وجوب إفطار أيام السفر، إذ لا قائل بالجمع بين الصوم والقضاء; على أنّ الجمع ينافي اليسر المدلول عليه بالآية.

رابعها: قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، واليسر هنا إنّما هو الإفطار، كما أنّ العسر هنا ليس إلاّ الصوم; وإذاً فمعنى الآية يريد الله منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم [4] .

المسألة في ضوء السنّة النبوية
وهكذا يتّضح من خلال دلالات آية الصوم أن القول بالعزيمة هو الرأي الطبيعي في المسألة، وأن القول بالرخصة أقل ما يقال فيه أنّه يحتاج إلى تكلّف، وأن دوران المسألة بين القولين دوران بين رأي طبيعي وآخر يحتاج إلى تكلّف واصطناع . هذا من الزاوية القرآنية.

وإذا جئنا إلى السنّة النبوية وجدنا فيها طائفتين من الروايات، طائفة تؤيّد القول بالعزيمة ، واُخرى تؤيد القول بالرخصة، والموقف العلمي بشأنها يتم في مرحلتين:

في المرحلة الاُولى تتم دراسة سند ودلالة كل حديث من أحاديث الطائفتين، وفي ضوء هذه الدراسة; فإن اتّضح ما إذا كان الصواب مع القول بالعزيمة أم مع القول بالرخصة، وزال التعارض بين الطائفتين بانتصار احداهما على الاُخرى، يكون المطلوب قد تحقق. وإن لم يتحقق ذلك وظلّ التعارض بين الطائفتين مستحكماً بين طرفين يتمتع كل منهما بقوة سندية ودلالية كافية انتقلنا إلى المرحلة الثانية.

وفي المرحلة الثانية نعود إلى القرآن الكريم كحَكَم له كلمة الفصل، وكمرجع نعرض عليه ما وصلنا من أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله)فنأخذ بما وافقه منها ونترك ما خالفه منها طبقاً للأحاديث الصحيحة الواردة عنه(صلى الله عليه وآله) التي تأمرنا بعرض الأحاديث على الكتاب والأخذ بما وافقه وترك ما خالفه، والتي يعبر عنها الاُصوليون بقاعدة العرض على الكتاب في بحوث التعادل والتراجيح.

وبعد هاتين المقدمتين ننظر في أدلة القائلين بالرخصة .

نظرة الى أدلة القائلين بالرخصة
استدلّ القائلون بالرخصة بأدلة عديدة ننقلها عن كتاب المجموع للنووي حيث كتب يقول:

واحتج أصحابنا بحديث عائشة أن حمزة بن عمرو قال للنبي(صلى الله عليه وآله) : أصوم في السفر؟ قال: «إن شئت فصم وإن شئت فافطر»، رواه البخاري [5] ومسلم [6] .

وعن حمزة بن عمرو أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه مسلم [7] .

وعن أبي الدرداءقال: خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في حرٍّ شديد ما فينا صائم إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)وعبدالله بن رواحة. رواه البخاري [8] ومسلم [9] .

وعن أنس قال: كنّا نسافر مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. رواه البخاري [10] ومسلم [11] .

وعن أبي سعيد الخدري وجابر ـ رضي الله عنهما ـ قالا: سافرنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيصوم الصائم ويفطر المفطر ولا يعيب بعضهم على بعض. رواه مسلم [12] .

وعن أبي سعيد الخدريقال: كنا نغزو مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رمضان فمنّا الصائم ومنّا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن، رواه مسلم [13] .

وعن أبي سعيد أيضاً قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من صام يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً» رواه البخاري [14] وابن ماجة [15] .

وعن ابن عباس(رضي الله عنه)قال: سافر رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رمضان فصام حتّى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهاراً ليراه الناس فأفطر حتّى قدم مكّة، فكان ابن عباس يقول: صام رسول الله(صلى الله عليه وآله)في السفر وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر. رواه البخاري [16] .

وعن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)في عمرة في رمضان فأفطر رسول الله(صلى الله عليه وآله)وصمت وقصّر وأتممت، فقلت: بأبي واُمي أفطرت وصمت وقصّرت وأتممت؟ فقال: أحسنت يا عائشة. رواه الدارقطني [17] .

وقال: اسناده حسن، وقد سبق بيانه في صلاة المسافر وفي المسألة أحاديث كثيرة صحيحة سوى ما ذكرته [18] .

ولأجل اعتمادهم على هذه الروايات كأدلة لمذهبهم، وأصل يعتمدون عليه في الاستنباط اضطروا إلى تأويل الأدلّة المعارضة، فقالوا عن آية الصوم: إنّ فيها كلاماً مقدراً محذوفاً، وأن أصلها: «فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فعدّة من أيام اُخر» فحذفت كلمة فأفطر من الآية.

وقالوا عن الأحاديث المعارضة: إنها محمولة على من يتضرر بالصوم [19] .

ويناقش دليل القائلين بالرخصة أولاً بأنّ التأويل الذي اعتمدوا عليه يخضع لضوابط معروفة، ولا يُصار إليه بنحو عفوي لئلاّ يقع التحريف في الدين ، وتنطمس حقائقه، وتتميع معالمه بحيث تتقبل معان متعددة متضادة. واُولى هذه الضوابط أن الأصل عدم التأويل ولا يصار إليه إلاّ لأسباب كافية، وعند وجود قرائن دالّة على الاحتياج إليه.

وإذا جئنا إلى آية الصوم وجدناها غنية عن التأويل، وليس فيها ما يدل على محذوف في الكلام حتّى نقدّر وجوده تقديراً.

ثم على فرض أنّ هناك مقدّراً محذوفاً، فإن التقدير لا يجعل الآية دالة على الرخصة، فإن عبارة: (فمن كان مريضاً أو على سفر ـ فأفطر ـ فعدّة من أيّام اُخر) لا تدل على الرخصة في الإفطار دلالة حتمية حتّى يكون التقدير مساعداً للقول بالرخصة، فربّما كان غرض الآية أن تقول: إن المسافر الذي تقيّد بلزوم الإفطار عليه فأفطر لا تسقط عنه الفريضة بالمرّة، وإنّما عليه القضاء بعد انقضاء شهر رمضان، بمعنى أنّه لا يكفي أن نقدّر كلمة «فأفطر» حتّى نقول: إن الآية دالة على الرخصة، إذ قد يكون إفطاره لأجل تقيّده بوجوب الإفطار عليه، وقد يكون لأجل الرخصة في ذلك، وما دام الأمر مردداً بين الاحتمالين لا يكون التقدير بكلمة «فأفطر» مساعداً على القول بالرخصة.

قال العلاّمة الطباطبائي:

«وقد قال قوم ـ وهم المعظم من علماء أهل السنّة والجماعة ـ : إن المدلول عليه بقوله تعالى: (فَمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر) ، هو الرخصة دون العزيمة، فالمريض والمسافر مخيران بين الصيام والإفطار، وقد عرفت أن ظاهر قوله تعالى: (فعدّة من أيّام اُخر) هو عزيمة الإفطار دون الرخصة، وهو المروي عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وهو مذهب جمع من الصحابة كعبدالرحمن بن عوف، وعمر بن الخطاب، وعبدالله بن عمر، وأبي هريرة، وعروة بن الزبير، فهم محجوجون، بقوله تعالى: (فعدّة من أيام اُخر) .

وقد قدّروا لذلك في الآية تقديراً فقالوا: إن التقدير فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام اُخر.

ويرد عليه أولاً: أن التقدير ـ كما صرحوا به ـ خلاف الظاهر لا يصار إليه بقرينة ولا قرينة من نفس الكلام عليه.

وثانياً: أن الكلام على تقدير تسليم التقدير لا يدل على الرخصة، فإن المقام ـ كما ذكروه ـ مقام التشريع، وقولنا: فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر غاية ما يدل عليه أن الإفطار لا يقع معصية بل جائزاً بالجواز بالمعنى الأعم من الوجوب والاستحباب والإباحة، وأما كونه جائزاً بمعنى عدم كونه إلزامياً فلا دليل عليه من الكلام البتة بل الدليل على خلافه، فإن بناء الكلام في مقام التشريع على عدم بيان ما يجب بيانه لا يليق بالمشرّع الحكيم وهو ظاهر» [20] .

وقال العلاّمة الحلّي في ذيل الآية «إنّ التفصيل قاطع للشركة فكما أن الحاضر يلزمه الصوم فرضاً لازماً، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيقاً، وإذا وجب عليه القضاء مطلقاً سقط عنه فرض الصوم» [21] .

وهكذا يتّضح:

1 ـ إن حمل الآية على الحقيقة هو الأصل، بحيث لا يصل المجال إلى المجاز والتأويل والتقدير إلاّ استثناءاً واضطراراً ، ولا اضطرار هنا ولا استثناء، كما اتّضح أن التأويل لا يغير من معنى الآية.

2 ـ إنّ الآية إن حملت على الحقيقة دلّت على لزوم الإفطار بالنسبة إلى المسافر، وإن حملت على المجاز وقُدِّر لها كلام محذوف لا تدل على القول بالرخصة، وستكون غاية دلالتها هو الاجمال، فإن المسافر المفطر في مفروض الآية قد يكون مفطراً لأجل لزوم الإفطار عليه وقد يكون مفطراً لأجل رخصة الإفطار له، وليس هناك قرينة تقطع الترديد وتوقفنا على احتمال دون آخر، فتصبح الآية مردّدة بين التعيين والإجمال، والإجمال دون نصب قرينة على تعيين أو ترجيح المراد قبيح من المتكلم الحكيم، فلابد من حمل الآية على الحقيقة، لأنها هي الأصل، ولأن التأويل يؤدي بنا إلى الاجمال وهو قبيح.

ثم إن القائلين بالرخصة تمسكوا بقوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) ببيان أن المخاطب المتناسب معها لابد وأن يكون فرداً معذوراً عن الصوم ومرخصاً باتيانه في الوقت نفسه حتّى يصح مخاطبته بـ (وأن تصوموا خير لكم) ولو لم يكن مرخصاً في ذلك لا معنى لأن يقال له هذا الكلام.

وردّ ابن حزم على هذه المحاولة بشدّة، إذ كتب يقول: أما قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) ، فقد أتى كبيرة من الكبائر وكذب كذباً فاحشاً من احتجّ بها في إباحة الصوم في السفر، لأنه حرّف كلام الله تعالى عن موضعه ـ نعوذ بالله من مثل هذاـ ، وهذا عار لا يرضى به محقّق، لأن نص الآية: (كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكُم لعلّكم تتّقون* أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر وعلى الذين يُطيقونه فِدية طعامُ مسكين فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم) ، وإنّما نزلت هذه الآية في حال الصوم المنسوخة، وذلك أنّه كان الحكم في أوّل نزول صوم رمضان إن من شاء صامه ومن شاء أفطره وأطعم مكان كل يوم مسكيناً وكان الصوم أفضل، هذا نص الآية، وليس للسفر فيها مدخل أصلاً، ولا للإطعام مدخل في الفطر في السفر أصلاً، فكيف استجازوا هذه الطامة؟ وبهذا جاءت السنن [22] .

فقد أورد البخاري في صحيحه باباً باسم : «وعلى الذين يُطيقونه فِدية» ونقل عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع أن هذه الآية نسختها الآية التي بعدها وهي: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم...) ، ثم نقل عن نمير في الباب نفسه عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن ابن أبي ليلى أن أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) حدثوه أن حكم الصوم في رمضان لما نزل على المسلمين شقّ عليهم ذلك فرخّص لهم في تركه على أن يطعموا مسكيناً بدل كل يوم يفطرون فيه، ثم نسخ هذا الترخيص بقوله تعالى في ذيل الآية: (وأن تصوموا خيرٌ لكم) فاُمروا بالصوم [23] .

وحتّى لو لم نقل بالنسخ فإن الاستدلال بها على الترخيص لا يتم، وفي ذلك كتب العلاّمة الطباطبائي يقول:

قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) جملة متمّمة لسابقتها، والمعنى بحسب التقدير ـ كما مر ـ : تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم فإن التطوّع بالخير خير والصوم خير لكم فالتطوّع به خير على خير.

وربما يقال: إنّ الجملة، أعني قوله: (وأن تصوموا خير لكم) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك فيناسب الاستحباب دون الوجوب، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر، فيستحب عليهم اختيار الصوم على الإفطار والقضاء.

ويرد عليه عدم الدليل عليه أوّلاً، واختلاف الجملتين، أعني قوله: (فمن كان منكم ... إلخ)وقوله: (وأن تصوموا خير لكم... الخ)، بالغيبة والخطاب ثانياً، وأ نّ الجملة الاُولى مسوقة لبيان الترخيص والتخيير، بل ظاهر قوله: (فعدّة من أيّام اُخر) تعيّن الصوم في أيام اُخر كما مرّ ثالثاً، وإنّ الجملة الاُولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم تذكر الصوم والافطار حتّى يكون قوله: (وأن تصوموا خير لكم) بياناً لأحد طرفي التخيير، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان وصوم عدّة من أيام اُخر، وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره من مجرد قوله: (وأن تصوموا خير لكم) من غير قرينة ظاهرة رابعاً، وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً ، بل المقام ـ كما مر سابقاً ـ مقام ملاك التشريع، وأنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن كما في قوله: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم) [24] وقوله تعالى:(... فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم) [25] وقوله تعالى: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) [26] والآيات من ذلك كثيرة خامساً [27] .

هذا تمام الكلام في ردّ دليلهم القرآني على الترخيص ، أما أدلتهم عليه من السنّة النبوية التي ذكرناها آنفاً فنأتي عليها واحداً بعد الآخر.

أما حديث عائشة بأن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لحمزة بن عمرو في جواب سؤاله عن الصوم في السفر: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» فيرد عليه ما يلي:

أوّلاً: بأن الحديث لم ترد فيه اشارة إلى صيام شهر رمضان، وكذا الأمر في سؤال السائل، فلعلّ السائل كان يسأل عن صيام منذور أو مستحب وكانت هناك قرائن حالية تفيد ذلك ، فأجابه النبي(صلى الله عليه وآله)بالترخيص، فان محل البحث عندنا ليس مطلق الصوم وإنّما صوم شهر رمضان، والحديث خال من القيد تماماً.

وثانياً : إن تمسّكوا بإطلاق الحديث وشموله لكل صوم، ومنه صوم شهر رمضان، فجوابنا أن هذا الاطلاق يُعمل به في كل ما لم يدل الدليل على استثناءه، وقد دلّت الآية ـ كما مضى ـ على عدم جواز الصوم في شهر رمضان بالنسبة إلى المسافر، وستأتي دلالة الأحاديث النبوية الكثيرة عليه، فإطلاق الحديث لصوم شهر رمضان، يعارضه ظهور الآية وصريح أحاديث نبوية كثيرة فنرفع اليد عنه في هذا المورد، ويبقى الباقي مشمولاً له.

وثالثاً: قد ورد في صحيح البخاري ما يدل على أن السائل لا يقصد شهر رمضان، ذلك أن عائشة وصفت السائل وهو حمزة بن عمرو بأنه كان كثير الصيام، وهذا الوصف لا يُذكر لمن يصوم شهر رمضان وإنّما لمن يأتي الصيام المستحب.

والحديث الثاني مروي عنه أيضاً : فانّه سأل النبي(صلى الله عليه وآله) قائلاً: يا رسول الله أجد بي قوّة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح ؟ فقال الرسول(صلى الله عليه وآله): «هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه». وهو خال أيضاً من الإشارة إلى شهر رمضان، ولما كان السائل معروفاً بكثرة الصيام فلعلّه كان يسأل عن الصوم المستحب في السفر. وهو خارج عن محل الكلام.

يضاف إلى ذلك أن ابن حزم قد ضعّف محمد بن حمزة الذي نقل الحديث عن أبيه [28] .

والحديث الثالث المروي عن أبي الدرداء أ نّه قال: خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في حرّ شديد ما فينا صائم إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعبدالله بن رواحة، هو الآخر يحتمل فيه أن يكون صيام النبي(صلى الله عليه وآله) وعبدالله بن رواحة كان نذراً معيناً، ومادام هذا الاحتمال موجوداً فيه ليس بوسع أحد الاستدلال به على جواز ايقاع صيام شهر رمضان في السفر.

والحديث الرابع والخامس مرويان عن أنس وجابر بن عبدالله ومضمونهما أن أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) كانوا يصاحبونه في أسفاره منهم الصائم ومنهم المفطر فلا الصائم يعيب على المفطر ولا المفطر يعيب على الصائم، وليس فيهما ما يدل على أن الصيام كان لأجل شهر رمضان، فلعلّ الصائم منهم كان لأجل نذر أو تطوع.

ومن الطبيعي أن لا يعيب أحد على أحد ما دام الرسول(صلى الله عليه وآله)بينهم وهو الذي يبيّن أحكام الله سبحانه وتعالى لهم، فعدم التعييب لا يدل على اجماع من الصحابة، وعلى فرض دلالته على ذلك، فالاجماع لا قيمة له مع وجود النبي(صلى الله عليه وآله)، فإذا كان هناك من دليل فهو سكوت النبي(صلى الله عليه وآله)وامضاءه لعملهم، ولكن من أين يتأتى لنا إثبات أن صيامهم كان بنيّة أداء شهر رمضان حتّى نقول إن سكوت النبي(صلى الله عليه وآله) عنهم يدل على شرعية عملهم هذا؟

والحديث السادس يرويه أبو سعيد الخدري بقوله: «كنا نغزو مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رمضان فمنّا الصائم ومنّا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن» . والظاهر من الحديث أن الراوي بصدد بيان عمل بعض الصحابة ، وليست هناك اشارة تدل على أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد اطّلع على وجود صائمين في عسكره حتّى يكون سكوته عنهم دليلاً على امضاء عملهم من قبله، وعملهم بحد ذاته لا حجّة فيه ولا يُعد اجماعاً ودليلاً ما دام النبي(صلى الله عليه وآله)موجوداً بينهم، وممّا يدل على أن الراوي منصرف إلى بيان عمل من كان معهم من الصحابة وما كان يدور في ذهنهم قوله: «يرون ـ أي الصحابة ـ إن من وجد قوّة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن». وكلام الراوي خال تماماً من أدنى اشارة تدل على أن الراوي كان يقصد بيان موقف النبي(صلى الله عليه وآله) ، أو أن الصحابة كانوا بصدد عرض عملهم على النبي(صلى الله عليه وآله)، وغاية ما في كلام الراوي بيان رؤية بعض الصحابة لمسألة الصوم في السفر، وقد اتّضح أن هذه الرؤية ليست دليلاً شرعياً يصح الاحتجاج به.

والحديث السابع أغرب ما في الباب، إذ يقول الراوي ـ وهو أبو سعيد الخدري أيضاًـ : ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «من صام يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً». فأي دلالة لهذا الكلام على مسألة الصوم الواجب في السفر؟

فإن الاستحباب طافح فيه، ومؤدّاه الحث على الصوم المستحب، وهو منصرف عن بيان التفاصيل، ومنها مسألة الصوم في السفر فضلاً عن صوم شهر رمضان في السفر.

والحديث الثامن مروي عن ابن عباس، فانه قال: «سافر رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رمضان فصام حتّى بلغ عسفان، ثم دعا باناء من ماء فشرب نهاراً ليراه الناس فأفطر حتّى قدم مكة، فكان ابن عباس يقول: صام رسول الله(صلى الله عليه وآله) في السفر وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر».

أما كلام ابن عباس الأول الذي فيه حكاية صيام النبي(صلى الله عليه وآله)حتّى بلوغه عسفان فكان الأولى بالنووي أن لا يذكره، لأنه على حرمة الصيام في السفر أدلُّ منه على جوازه فيه، لما فيه أن الرسول(صلى الله عليه وآله)دعا بماء فأفطر في منتصف النهار وبحالة كان يقصد منها بيان ذلك للناس، فإن صيام الرسول(صلى الله عليه وآله) في أول الأمر ثم افطاره نهاراً وتأكيده على أن يراه الناس وهو يشرب الماء دليل واضح على أن النبي(صلى الله عليه وآله)كان بصدد النهي عن الصيام للمسافر في شهر رمضان، ولو كان(صلى الله عليه وآله)قد أفطر في يوم من سفره وصام في يوم آخر منه لكان للقائلين بالرخصة وجه، لكنه لم يفعل ذلك.

وأما كلامه الثاني المنقول عنه: أن الرسول صام في السفر وأفطر، فإن كان ابن عباس ناظراً في كلامه هذا إلى الحادثة المذكورة ، فقد اتّضح أن هذه الحادثة لا تدل على الرخصة والتخيير بالنسبة لمن أراد الصيام في أداء شهر رمضان، بل هي على المنع وتحريم الصيام أدلّ، وإن لم يكن ناظراً إلى هذه الحادثة وكان ناظراً إلى مجموع سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) في هذا الموضوع، فكلامه لا يدل على الرخصة في صوم رمضان بالنسبة إلى المسافر، وإنّما يدل على جواز الصوم بالنسبة إلى المسافر، وهذا في الجملة لا نقاش فيه ، إنّما البحث والنقاش كلّه في خصوص صيام شهر رمضان الذي قام الدليل من الكتاب والسنّة على استثنائه، فعلى مدعي الرخصة أن يثبت شمولها لصيام شهر رمضان وعدم ورود استثناء بشأنه، وهذا ما لم يثبت ، وكلام ابن عباس الثاني لا وجه للاستدلال به عليه.

يضاف إلى ذلك كلّه ما سيأتي من أن ابن عباس قد وردت عنه رواية تفيد نسخ رخصة الصوم في السفر.

والحديث التاسع المروي عن عائشة أنّها قالت: «خرجت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصّر وأتممت فقلت: يا رسول الله بأبي أنت واُمي أفطرت وصمت وقصّرت وأتممت؟ فقال(صلى الله عليه وآله): أحسنت يا عائشة».

قال ابن قدامة في المغني: رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وهذا صريح في الحكم.

غير أن الذي يطالع المسند المذكور وروايات عائشة المذكورة فيها لا يجد فيها هذه الرواية، نعم رواها الدارقطني في سننه تارة عن الأسود واُخرى عن ابنه عبدالرحمن [29] .

وجوابنا على الاستدلال بهذا الحديث أن الامرأة التي تصرّح بمخالفتها للرسول(صلى الله عليه وآله) ، وعدم متابعتها له في أعزّ المسائل الدينية وهي مسائل الصلاة والصوم، كيف يُعتمد على روايتها للسنّة النبوية؟

فهي تصرّح بأن النبي قد أفطر وقصّر وأ نّها لم تتابعه في إفطاره ولا تقصيره ، بل مضت في صيامها وإتمامها للصلاة، وبعد ذلك سألته عن عملها المخالف لعمله(صلى الله عليه وآله)، والمفروض أ نّها إما أن تتابعه بلا سؤال ، أو تسأله قبل العمل، ولا معنى لأن تراه في افطار وتقصير، وتخالفه في الحالتين، ثم تسأله بعد فوات الأوان عن عملها .

ولأجل ما يستلزمه هذا الحديث من نسبة النقص إلى شخصية عائشة ، قال ابن القيّم الجوزية: «سمعت من شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذب على عائشة،ولم تكن عائشة تصلّي بخلاف صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسائر الصحابة، وهي تشاهدهم يقصّرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب... الخ» [30] .

ثم التفت ابن القيّم الجوزية إلى نقض آخر يرد على حديث عائشة، وهو تناقض هذا الحديث مع حديث آخر مروي عنها ذكرناه آنفاً، وهو : أن الصلاة فرضت ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر، فقال ابن القيّم: «كيف وهي القائلة: فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر، فكيف يظنّ أ نّها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأصحابه؟! قال الزهري لعروة لما حدّثه عن أبيه عنها بذلك: فما شأنها تتم الصلاة؟ فقال: تأوّلت كما تأوّل عثمان، فإذا كان النبي(صلى الله عليه وآله) قد حسّن فعلها وأقرّ ها عليه، فما للتأويل حينئذ من وجه، ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير» [31] .

وممّا يشهد لعدم صحة الحديث أن أصحاب السنن والسيَر ينفون وجود عمرة للرسول(صلى الله عليه وآله)في شهر رمضان، ويؤ كّدون أ نّه(صلى الله عليه وآله) قد اعتمر في حياته ثلاث مرات في ذي القعدة ومرة اُخرى كانت مقرونة مع الحج في ذي الحجة، وهي التي في حجة الوداع، ذكر ذلك صاحب السيرة الحلبية وأكده بأخبار نقلها عن صحيح البخاري وصحيح مسلم، منها خبر عن عائشة، كما نقل عن ابن القيّم، أن خبر عائشة في عمرة شهر رمضان خطأ نُسب إليها [32] .

واضافة إلى ما ذكره النووي من أحاديث ، استدلّ فقهاء المذاهب الأربعة بأحاديث اُخرى منها الحديث المروي عن عائشة:

إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يتم في السفر ويقصر [33] .

أورده الدارقطني في سننه بثلاثة أسانيد: الأوّل والثالث منها ضعيفان عنده، والثاني بسند صحيح عنده [34] .

ويرد عليه ـ وعلى سابقه أيضاً ـ أ نّه مخالف لعمل الصحابة، ومعارض للسيرة النبوية الثابتة على القصر في السفر بعشرات الأدلة المذكورة سابقاً، ومنها أحاديث روتها عائشة نفسها، وحينما يدور الأمر بين طرح حديث واحد وعشرات الأحاديث المعارضة له ، لا يمكننا إلاّ العمل بالأحاديث الكثيرة وطرح الحديث الواحد.

بل إن بعض أعلام السنّة قد صرّح بأنّ هذا الحديث غير صحيح .

قال ابن القيّم بعد أن ذكر الحديث: فلا يصح. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

وقد روى «كان يقصّر وتتم» الأوّل بالياء آخر الحروف والثاني بالتاء المثناة من فوق. وكذلك «يفطر وتصوم» أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين.

قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل ما كانت اُم المؤمنين لتخالف رسول الله(صلى الله عليه وآله) وجميع أصحابه فتصلّي خلاف صلاتهم . كيف والصحيح عنها أنّ الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلمّا هاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة زيد في الحضر واُقرّت صلاة السفر فكيف يظن بها ـ مع ذلك ـ أن تصلّي بخلاف صلاة النبي(صلى الله عليه وآله)والمسلمين معه. قلت: وقد أتمت عائشة بعد موت النبي(صلى الله عليه وآله). قال ابن عباس وغيره: إنّها تأوّلت كما تأ وّل عثمان، وإنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان يقصر دائماً، فركّب بعض الرواة من الحديثين حديثاً، وقال : فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقصّر وتتم هي. فغلط بعض الرواة فقال كان يقصر ويتم، أي هو [35] .

ونقل الشوكاني استنكار الإمام أحمد لهذا الحديث واستبعاد صحته باعتبار أن عائشة كانت تتم الصلاة [36] .

هذه هي الأحاديث التي احتجّ بها القائلون بالرخصة ، وقد اتّضح عدم صحة الاستدلال بكل واحد منها لاثبات الرخصة بالنسبة إلى صيام المسافر في شهر رمضان. واضافة إلى إبطال كل واحدة منها بما مضى، يرد عليها جميعاً أ نّها معارضة بآية الصوم، وبأحاديث كثيرة ستأتي دلّت على بطلان الصوم في السفر.

ولو فرض تساوي الطائفتين من الروايات في السند والدلالة فإن طائفة الترخيص قابلة للحمل على النسخ بطائفة المنع عن صيام شهر رمضان في السفر، لما ورد في صحيح مسلم بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خرج عام الفتح في رمضان فصام حتّى بلغ الكديد، ثم أفطر، قال: وكان صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره [37] .

والأخير من أمره(صلى الله عليه وآله) هو الأمر بالإفطار لما رواه مسلم بسنده عن الزهري قال: وكان الفطر آخر الأمرين، وإنّما يؤخذ من أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالآخر فالآخر [38] .

وبسنده عن ابن شهاب قال: فكانوا يتبعون الأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم [39] .

هذا كلّه في المرحلة الاُولى من فقه المسألة في ضوء الأحاديث النبوية، ولو فرض استحكام التعارض بين الطائفتين، وعدم وجود مزية لطائفة المنع على طائفة الترخيص ، انتقل الأمر إلى المرحلة الثانية، وهي تساقط الطائفتين وعدم الاحتجاج بأي منهما والرجوع إلى القرآن الكريم، وقد مرّ أن آية الصوم ظاهرة في المنع عن صيام شهر رمضان بالنسبة إلى المسافر، بدليل أن القائلين بالترخيص احتاجوا إلى تأويل وتقدير كلمة محذوفة فيها، والأصل عدم التأويل والتقدير، ومادامت الآية دالّة على حكم ما بلا تأويل فالأصل العمل بهذا الحكم، وليست هناك ضرورة تضطرنا إلى التقدير والتأوّل.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page