• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الاحتفال بذكرى مولد النبي(صلى الله عليه وآله)

 

الاحتفال بذكرى مولد النبي(صلى الله عليه وآله)

 

مقدمة
الأمر الأوّل: الحدث المقدس يضفي قدسيّته على الزّمان
الأمر الثاني: هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أم من صميم الدين؟
الأمر الثالث: لزوم تكريم النبيّ(صلى الله عليه وآله)حياً وميتاً
الأمر الرابع: يوم ولادة النبي(صلى الله عليه وآله) من أيام الله
الأمر الخامس: الواقع التاريخي ليوم المولد النبوي
الاحتفال بالمولد النبوي عند الحكّام والساسة
خواص المولد وأحكامه:
ابن تيمية والغناء في العيد
الأمر السادس: مناقشة القائلين بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي
خلاصة البحث:

الاحتفال بذكرى مولد النّبيّ(صلى الله عليه وآله)
مقدمة

الاحتفال بمولد النبيّ من الاحتفالات التي اعتادها المسلمون منذ قرون عديدة، ولازالت هذه الذكرى ماثلة وحيّة في قلوب المسلمين جميعاً، حيث تقام الاحتفالات بهذا اليوم في المساجد والبيوت في مختلف بلدان العالم الإسلامي تخليداً لهذا اليوم المبارك، مثلهم في ذلك مثل أيّ اُمة تحترم مقدساتها، وتبجل أيّامها الكبرى وذكرياتها المجيدة.

كما يُراد من هذا الاحتفال أن يتحول من مجرد الفرح والسرور والشكر لله، إلى عملية استيحاء واعية للذكرى ومعطياتها.

ورغم وضوح شرعية الاحتفال بذكرى المولد النبويّ، إلاّ أن البعض راح يبحث عن اُمور تسوّغ له منع الاحتفال بهذا اليوم، إستناداً إلى فهم مغلوط لمعنى البدعة، ووظّف هذا الفهم لتحريم كثير من المباحات، بذريعة أنّها لم يرد فيها نصّ بخصوصها.

من هنا سوف نتناول مسألة الاحتفال بيوم المولد النبوي ونرى مدى شرعيته، ثم نناقش الرأي القائل بحرمته ضمن عدة اُمور:

الأمر الأوّل: الحدث المقدس يضفي قدسيّته على الزّمان
هل الأيّام والساعات التي تحققت فيها مناسبات وأحداث إلهية مقدسة; يضفي الحدث فيها قيمة على نفس اليوم، فيكتسب الزمان قدسيته من الحدث، كما هو الخير والبركة الذي اكتسبته ليالي القدر وأيام شهر رمضان ولياليه، أو عيد الفطر، أو عيد الأضحى، أو يوم المبعث النبوي من أحداثها؟

والجواب: أننا لو لاحظنا الروايات التي تناولت هذا المعنى لتأكد لدينا أن الحدث العظيم والمبارك يضفي شيئاً من عظمته على الزمن في كثير من الأحيان.

فقد جاء في فضل يوم الجمعة في صحيح مسلم: «إن الله خلق آدم يوم الجمعة وأدخله الجنة يوم الجمعة» [1] .

وهكذا الشأن في بركة شهر رمضان، قال تعالى: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان) [2] .

وكذلك البركة في ليلة القدر، حيث قال تعالى: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر) [3] .

فخلود البركة في هذه الأيام جاء نتيجة لحوادث إلهية مهمّة كنزول القرآن فيها.

فإذا كان المنشأ في تقديس الأيام يعود للحدث الإلهي المبارك; فلماذا لا يكون يوم مولد النبي(صلى الله عليه وآله)، يوماً مباركاً يستحق التقديس ويكون الاحتفال به من هذا القبيل؟

هذا التخريج يصدق بخصوص المناسبات التي هي مورد النص، أو التي أقامها المسلمون في عصر التشريع، كالاحتفال بعيد الفطر والأضحى أو بيوم الغدير أو يوم عرفة.

وهناك اتجاهات أفرطت في التقديس لهذه المناسبات، وتقابلها اتجاهات حاولت إلغاء أي تقديس لأي مناسبة تَمُتّ إلى الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) والإسلام بصلة، زاعمة أن مثل هذا الاحترام والتبجيل بالخصوص يعد بدعة في الدين لا ينبغي السكوت عنه، فأخذت تشوّش على المسلمين احتفالاتهم بالمولد النبوي، متنكرة لعموم النصوص وخصوصها، رافعة شعار التوحيد لتلغي تحت لوائه كل شيء يرتبط بأوليائه، الذين هم مصاديق الهداية ومناراته المعنوية لتدل العباد على معبودها الحقّ.

ومن هذه المفردات التي طرحت في عصرنا هذا قضية الاحتفال بالمولد النبوي ومواليد سائر العظماء من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

الأمر الثاني: هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أم من صميم الدين؟
ولأجل أن نعرف متى يكون الشيء جائزاً في الدين، نقول: إن الشيء يكون جائزاً ومن صميم الدين; إذا وقع عليه النص بشخصه، كالاحتفال في عيدي الفطر والأضحى، والاجتماع في يوم عرفة، فهذه الموارد لا شك في جواز الاحتفال أو الاجتماع بها، وتخرج عن كونها من البدع.

وأحياناً يكون الشيء جائزاً وأيضاً من صميم الدين، في حالة ما إذا وقع النص عليه على الوجه الكلي، وفي هذا المورد يُترك اختيار الاُسلوب والطريقة للمسلم ليعبّر كيف يشاء وبأي طريقة كانت عن امتثاله لهذا الأمر، شريطة أن لا يدخله في المحرمات. ومن الأمثلة على ذلك:

1 ـ ندب الشارع إلى تعليم الأولاد وضرورة التعلم، ولا شك أن لهذا الأمر الكلي أشكالاً وألواناً تتغير حسب تبدّل وتغيّر الأزمان. والكتابة في السابق كانت متحققة بقلم القصب، أو بالكتابة بريش الطائر، أما الآن فقد تطورت أساليب الكتابة والتعليم، حيث استخدمت الأجهزة المتطورة كالتعليم بواسطة الكامبيوتر أو الأشرطة وما شاكل..

في هذا المثال نجد الشارع المقدس قد أمر بالتعليم على الوجه الكلي، إلاّ أنه ترك اختيار الاُسلوب لنفس المكلف.

2 ـ إن الصحابة ـ كما يقال ـ قاموا بجمع آيات القرآن المتفرقة في مصحف واحد، ولم يصف أحد منهم هذا العمل بأنه بدعة، وما هذا إلاّ لأن عملهم كان تطبيقاً لقوله سبحانه: (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون) [4] فعملهم في الواقع كان مصداقاً عملياً لظواهر عامة شرعية من الكتاب والسنّة، وعلى ذلك جرى المسلمون في مجال الاهتمام بالقرآن من كتابته وتنقيطه، وإعراب كلمه وجمله وعدّ آياته، وتمييزها بالنقاط الحمر وأخيراً طباعته ونشره، وتقدير حفّاظه وتكريمهم والاحتفال بهم، إلى غير ذلك من الاُمور التي كلها دعم لحفظ القرآن وتثبيته وبقائه، وإن لم يفعله رسول الله ولا الصحابة ولا التابعون، إذ يكفي وجود أصل له في الأدلة.

3 ـ الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده من الأعداء، أصل ثابت في القرآن الكريم، قال سبحانه: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة) [5] وأما كيفية الدفاع ونوع السلاح ولزوم الخدمة العسكرية فالكل تطبيق لهذا المبدأ وتجسيد لهذا الأصل، فربما يرمى التجنيد العمومي بأنه بدعة، غفلة عن حقيقة الحال وأن الإسلام يتبنّى الأصل ويترك الصور والألوان والأشكال إلى مقتضيات الظروف.

هذا هو الأصل الذي به يميز «البدعة» عن «التطبيق» و «الابتداع» عن «الاتباع» وإليك تصريحات بعض العلماء حول موضوع البحث :

أ ـ قال ابن رجب: قوله(صلى الله عليه وآله): «وإياكم ومحدثات الاُمور فإن كل بدعة ضلالة» تحذير للاُمة من اتباع الاُمور المحدثة المبتدعة، وأكد ذلك بقوله: «كل بدعة ضلالة»، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما له أصل فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغةً، وفي صحيح مسلم: عن جابر (رضي الله عنه) عنه أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يقول في خطبته: «إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشرّ الاُمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة...»، وقوله: «كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من اُصول الدين، وهو شبيه بقوله(صلى الله عليه وآله): «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» فكل مَن أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه; فهو ضلالة والدين بريء منه [6] .

ب ـ وقال ابن حجر في شرح قوله(صلى الله عليه وآله): «إن أحسن الحديث كتاب الله»: والمحدثات ـ بفتح الدال ـ جمع محدثة، والمراد ما أحدث وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع «بدعة» وما كان له أصل يدل عليه الشرع; فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة، سواء أكان محموداً أو مذموماً، وكذا القول في المُحدَثة [7] .

ولكن عندما نُراجع القرآن الكريم والسنّة الشريفة سنجد أن هناك أصلاً مهماً في الدين قد جاء في حق النبي(صلى الله عليه وآله)، وهو لزوم تكريمه(صلى الله عليه وآله) وتعظيمه حياً وميتاً، وهذا الأصل لا يمكن لمسلم إنكاره، أما كيفية تطبيق هذا التعظيم والتكريم فذلك متروك للمسلم بشرط أن لا يدخله في المحرمات.

الأمر الثالث: لزوم تكريم النبيّ(صلى الله عليه وآله)حياً وميتاً
ورد بشأن الحث على احترام وتعظيم ومحبة شخص رسول الله(صلى الله عليه وآله) في القرآن الكريم عدد من الآيات منها:

1 ـ قوله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الذي اُنزل معه اُولئك هم المفلحون) [8] .

ذكر المفسرون أن المراد من (التعزير) في الآية ليس مطلق النصرة، إذ أنه أفرد عن قوله: (نصروه)، ولو كان بمعنى مطلق النصرة; لما كان هناك داع للتكرار، فالمراد من (التعزير) هو التبجيل والتوقير والتعظيم أو النصرة مع التعظيم [9] .

2 ـ ومنها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون* إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) [10] .

بهذه الآية يشير القرآن إلى الأدب الخاص الذي ينبغي مراعاته حينما يتعامل المسلمون مع رسول الله، مع ضرورة حفظ مكانته(صلى الله عليه وآله) كرسول وهاد إلى ربّه، باعتبار وصفه بالنبوّة في الآية الكريمة.

3 ـ قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) [11] .

وفي هذه الآية ينهى القرآن الكريم أن يُدعى النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)باسمه، كما يُدعى سائر الناس.

4 ـ قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً) [12] .

في هذه الآية أمر للمسلمين بأن يذكروا النبي(صلى الله عليه وآله) بالدعاء والصلاة والتسليم، لما له من عظيم المنزلة عند الله سبحانه، ولما له من المقام المحمود.

وورد الحث على لزوم تكريم الرسول(صلى الله عليه وآله) وتعظيمه ومحبته في عدد من الروايات. وإليك جملة منها:

1 ـ عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين» [13] .

2 ـ وروي أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلاّ من نفسي، فقال(صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك». فقال له عمر: فأنت الآن أحبَّ إليُّ من نفسي، فقال: «الآن يا عمر» [14] ؟

3 ـ وعن ابن عباس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: «... وأحبوني بحبِّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبّي» [15] .

فثبت بدليل القرآن والسنّة الشريفة وجوب احترام النبي(صلى الله عليه وآله)وتكريمه ومحبته.

لكن الشريعة قد تركت كيفية إبراز هذا التكريم والاحترام والتبجيل إلى المسلمين أنفسهم، ليعبروا عنه وفق عاداتهم وتقاليدهم الحياتية المتنوعة والمتطورة، وبما تفيض به عواطفهم تجاه شخصية الرسول(صلى الله عليه وآله)، شريطة أن لا يُرتكب عمل محرّم أو مناف للآداب الإسلامية المقررة في الكتاب والسُنّة.

الأمر الرابع: يوم ولادة النبي(صلى الله عليه وآله) من أيام الله
ومن الأدلة على شرعية الاحتفال بذكرى مولد النبي(صلى الله عليه وآله)، قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور وذكّرهم بأيّام الله إنّ في ذلك لآيات لكل صبار شكور) [16] . حيث يطلب الله سبحانه من النبي موسى(عليه السلام) أن يذكّر اُمّته بأيام الله، ومعنى ذلك أن التذكير بأيام الله أمر مطلوب ومحبوب عند الله، إذ لا يختص ذلك بموسى واُمّته.

ولم يكن المقصود من الأيام هو محض الزمن، وإنّما المقصود هو التذكير بالحوادث الكبرى السالفة، وسميت بالأيام، لأن الأيام ظرف لهذه الوقائع سواء منها أيام النعمة أم أيام المحنة والبلاء، لأن الأيام جامعة لكلا النوعين من الحوادث.

وهذه الحوادث والوقائع هي مصاديق لفاعلية سنن الله في المجتمعات البشرية، لذا يكون التذكير بها من مهمّات الرسول(صلى الله عليه وآله)وجانباً من تبليغه وتربيته لاُمّته.

ولم يكن التذكير والوعظ هنا بأيام الله العظيمة كيفما اتفق، وإنّما التذكير كان مطلوباً بأيام معروفة في حوادثها.

ومعنى الآية: عظهم يا رسول الله بالترغيب والترهيب، فالترغيب أن يذكرهم بما أنعم الله عليهم، وعلى من كان قبلهم ممن آمن بالرسل فيما سلف من الأيام المقرونة بالحوادث العظيمة مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم.

وإن أيام الله في حق موسى منها أيام محنة وبلاء، ومنها أيام نعمة وانتصار.

وقد ذكر القرآن الكريم بأنّ العلّة من وراء التذكير بهذه الأيام لغرض كونها دروساً وآيات لكل صبار شكور [17] .

فهي ذات نتائج إيجابية وتربوية في طريق إيجاد اُناس صابرين وشكورين، فبهم تنجح الاُمة وتنتصر على أعدائها وتفوز بتطبيق الرسالة الإلهية بشكل صحيح.

والاُمة الإسلامية في تأريخها العظيم، قد مرّت بحوادث ووقائع كبرى، كانت محلاًّ للعبرة والاتعاظ، فمنها أيام نعمة، ومنها أيام محنة وبلاء، ويوم ولادة النبي في حياة المسلمين يُعد حدثاً عظيماً ومن الأيام التي أنعم الله بها لا على المسلمين فقط، وإنّما على الإنسانية جمعاء، كباقي الأيام التي تكون مورداً للتذكير، فيأتي الاحتفال كممارسة عبادية ومصداقاً لذكر النعم التي منَّ الله بها علينا وتطبيقاً لمضمون الآية الكريمة (... وذكّرهم بأيام الله) [18] ...

ويوم الولادة في حياة الأنبياء يعدّ يوماً مهماً ومباركاً . فقد سلّم الله على نبيّه يحيى في هذا اليوم، حيث قال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّاً) [19] وسلّم النبي عيسى على نفسه في هذا اليوم بقوله: (والسّلام عليَّ يوم ولدتّ...) [20] .

ونبيّنا أفضل الأنبياء، فلابد أن يكون يوم ولادته أشرف من يوم ولادة غيره من الأنبياء، والتذكير به يكون أكبر حجماً وعطاءً من التذكير بولادة غيره، فإنه اليوم الذي أنعم الله به على البشرية بخاتم الأنبياء على الإطلاق.

الأمر الخامس: الواقع التاريخي ليوم المولد النبوي
يقول المؤرخون: كان ازدياد التعظيم للنبي(صلى الله عليه وآله) بين أهل الصلاح والورع سبباً في أن صار يحتفل بمولده عام (300 هـ ) [21] أي أن الاحتفال كان أسبق من هذا التاريخ، وفي هذه الفترة الزمنية قد انتقل من صورته الفردية إلى الاحتفال بصورته الجماعية، والسبب يعود للاهتمام المتزايد الذي كان يبديه أهل الصلاح والورع من أبناء الاُمة الإسلامية بهذا اليوم.

ولذا يُنقل عن الكرجي ـ المتوفّى عام 343 هـ ـ وكان من الزُهّاد المتعبدين، أنه كان لا يفطر إلاّ في العيدين، وفي يوم مولد النبي(صلى الله عليه وآله) [22] .

وقال القسطلاني: ولازال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده(صلى الله عليه وآله)ويعملون الولائم، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. الى أن قال: فرحم الله امرءً اتّخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً [23]

ثم يثني القسطلاني على موقف ابن الحاج بقوله: ولقد أطنب ابن الحاج في المدخل في الإنكار على ما أحدثه الناس من البدع والأهواء والغناء بالآلات المحرمة عند عمل المولد الشريف، فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل [24] .

قال السخاوي: لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم [25] .

وقال ابن عباد في رسائله الكبرى: وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزيّن بلباس فاخر الثياب، وركوب فاره الدواب، أمر مباح لا ينكر عليه أحد [26] .

وعن ابن حجر أنه قال: وأما ما يعمل فيه، فينبغي الاقتصار على ما يفهم منه الشكر لله تعالى من التلاوة، والإطعام، والصدقة، وإنشاء شيء من المدائح النبوية والزهدية... وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو، وغير ذلك، فما كان من ذلك مباحاً، بحيث لا ينقض السرور بذلك اليوم، لا بأس بإلحاقه به، وأما ما كان حراماً أو مكروهاً، فيمنع، وكذا ما كان خلاف الاُولى [27] .

الاحتفال بالمولد النبوي عند الحكّام والساسة
يُذكر أن أول من احتفل بمولد النبي(صلى الله عليه وآله) من الحكّام، هو الأمير أبو سعيد مظفر الدين الأربلي، المتوفى 630 هـ [28] .

وكان يفد إلى هذا العيد، طوائف من الناس من بغداد، والموصل، والجزيرة، وسنجار، ونصيبين، بل ومن فارس. منهم العلماء والمتصوفون، والوعاظ، والقرّاء، والشعراء، وهناك يقضون في أربلا من المحرم إلى أوائل ربيع الأول.

وكان الأمير يقيم في الشارع الأعظم مناضد عظيمة من الخشب، ذات طبقات كثيرة، بعضها فوق بعض، تبلغ الأربع والخمس، ويزيّنها، ويجلس عليها المغنّون، والموسيقيون، ولاعبوا الخيال حتّى أعلاها... الخ [29] .

ويقول السيد رشيد رضا: إن أول من أبدع الاجتماع لقراءة قصة المولد النبوي، أحد ملوك الشراكسة في مصر [30] .

كما قد اُ لّف العديد من المصنفات من الكتب والرسائل ونشرت بحوث كثيرة تتحدث عن مشروعية المولد النبوي وسائر المواسم والمراسم، هذا عدا البحوث المبثوثة في الكتب المختلفة، المؤلّفة لأغراض اُخرى فمن هذه الكتب والرسائل:

1 ـ كتاب (التنوير في مولد السراج المنير) لابن دحية الذي أ لّفه للأمير مظفر الدين حيث أعطاه الأمير ألف دينار غير ما غرم عليه مدة إقامته [31] .

2 ـ رسالة السيوطي المسماة بـ (حسن المقصد).

3 ـ كتاب (المولد) لابن الربيع.

4 ـ كتاب (النعمة الكبرى على العالم في مولد سيد ولد آدم) لشهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي، صاحب كتاب الصواعق المحرقة [32] .

خواص المولد وأحكامه:
وليوم المولد بعض الأحكام الشرعية الخاصة به، كما أن له بركات ومواهب يَمنّ بها الله سبحانه على عباده.

1 ـ يفهم من أقوال العلماء ـ سابقي الذكر ـ على أن يوم المولد يعتبر عيداً كباقي الأعياد، مثل القسطلاني، وابن الحاج، وابن عباد، وابن حجر [33] .

2 ـ قال ابن الجوزي: ومن خواصه، أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام [34] .

3 ـ استحباب القيام ووجوب الصلاة عليه، وقد ذكروا: أنهم كانوا يقومون وقوفاً احتراماً وإجلالاً، وقد تكلموا في حكم هذا القيام.

قال الصفوري الشافعي: مسألة القيام عند ولادته، لا إنكار فيه فإنّه من البدع المستحسنة. وقد أفتى جماعة باستحبابه عند ذكر ولادته. وقال جماعة بوجوب الصلاة عليه عند ذكره وذلك من الإكرام والتعظيم له(صلى الله عليه وآله)... [35] .

ابن تيمية والغناء في العيد
وقد أوضح ابن تيمية: أن العيد لا يختص بالعبادة، والصدقات، ونحوها، بل يتعدى ذلك إلى اللعب، وإظهار الفرح أيضاً.

وقد رأى ابن تيمية: أن لذلك أصلاً في السُنّة، أي في الرواية التي تذكر أنه قد كان عند النبي(صلى الله عليه وآله) جوار يغنين، فدخل أبو بكر، فأنكر ذلك، وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟

فقال النبي(صلى الله عليه وآله): «إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم» [36] .

وأضاف: أن المقتضي لما يفعل في العيد، من الأكل والشرب، واللباس والزينة، واللعب والراحة ونحو ذلك، قائم في النفوس كلها، إذا لم يوجد مانع، خصوصاً نفوس الصبيان، والنساء، وأكثر الفارغين [37] .

الأمر السادس: مناقشة القائلين بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي
رغم وضوح شرعية الاحتفال بمولد النبي(صلى الله عليه وآله) وارتباطه بأصل الدين، إلاّ أن المتسمّين بالسلفية مازالت تصرّ على أن الاحتفال يندرج ضمن دائرة الابتداع.

يقول ابن تيمية: وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى(عليه السلام) ، وإما محبة للنبي(صلى الله عليه وآله)، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من إتّخاذ مولد رسول الله(صلى الله عليه وآله) عيداً، مع اختلاف الناس في مولده، فإنّ هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف أحقّ به منّا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيماً له منّا...

ويضيف القول:

كما أن ابن الحاج رغم اعترافه ليوم مولد النبي(صلى الله عليه وآله) من الفضل، لا يوافق على الاحتفال بالمولد لما فيه من المنكرات، ولأن النبي أراد التخفيف عن اُمّته، ولم يرد في ذلك شيء بخصوصه فيكون بدعة [38] .

فالذي نلاحظه من خلال كل هذه المقولة المتقدمة، أنّ الذين حظروا على الناس الاحتفال بيوم المولد والمناسبات الإسلامية الاُخرى، وعدّوا هذا الأمر عملاً محرّماً، قد بنوا استدلالهم هذا على فهم مغلوط لمعنى (الابتداع)، فقد تصوّروا أن معنى عدم الارتباط بالدين، هو عدم وجود الأمر في الصدر الأول للتشريع، أو عدم ورود الدليل الخاص، الذي يذكره بشخصه وعنوانه، ومعنى الارتباط بالدين هو وجود ذلك الأمر في عصر التشريع الأول، أو ورود أمر فيه بخصوصه.

والمدار في الابتداع ليس هو ورود الدليل الخاص، أو عدم وروده فحسب; وإنّما يجب النظر في عموميات التشريع والأدلة الكلية التي تخرج العمل عن حيّز (الابتداع)، كما أنّ عدم وجود العمل في العصر الأول للتشريع لا يساوق عدم مطلوبية الشريعة له، ووجوده لا يساوق مطلوبيته، لأنّ المدار في الابتداع ليس هو وجود العمل أو عدم وجوده في عصر التشريع.

وقد حاول البعض أن يضيف دليلاً آخر لتحريم الاحتفال بالمولد النبوي، وهو اشتمال هذه الاحتفالات على الاُمور المحرّمة غالباً كالموسيقى، والغناء، واختلاط النساء بالرجال... وغير ذلك.

ونحن في الوقت الذي نرفض فيه وجود هذا النمط المدّعى من السلوك المحرّم في احتفالات المولد التي يقيمها أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) رفضاً قاطعاً، ونعتبر ذلك تهمة لا أساس لها.. نؤكد على أنّ الاقتران بحدِّ ذاته لا يشكل إلغاءً لأصل العمل، ولا يؤدي إلى القول بتحريمه، إذ أنّ القول بذلك يستلزم القول ببطلان اُصول العبادات المسلّمة فيما لو اقترنت بأي عنوان تحريمي، وهذا ما لا يتفوه به أحد، فلو اقترنت الصلاة الواجبة بالنظر إلى المرأة الأجنبية مثلاً الذي هو عمل محرّم قطعاً ; فهل يُقال هنا بأنّ الصلاة الواجبة أصبحت (بدعة) يحرم الإتيان بها ـ والعياذ باللهـ ؟ وهل يسري التحريم بطريقة تصاعدية إلى أصل تشريعها وإيجابها بمجرد هذا الاقتران؟

والذي يهمنا ذكره هنا هو أنّ النصوص الشرعية العامة الواردة في مقام التأكيد على ضرورة احترام شخصية الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وتبجيله، وتوقيره، حياً وميتاً، مما لا يسع أحد انكارها، أو التشكيك فيها لكثرتها وتواترها، وهي كافية لأن تصحح عمل المولد، وتضفي عليه طابع الشرعية، وتجعله من مظاهرها البارزة، ومصاديقها الواضحة والجلية.

من هنا فقد أدرك بعض علماء الجمهور، عمق انتساب هذا الأمر إلى الشريعة، عن طريق الأدلّة الكلية المتسالمة، فعبّر البعض عنه بـ (البدعة الحسنة)، فيقول (ابن حجر) بهذا الشأن: عمل المولد بدعة، لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنّها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدّها، فمن تحرّى في عملها المحاسن، وتجنّب ضدها كان بدعةً حسنةً، وإلاّ فلا [39] .

ويقول الإمام (أبو شامة): ومن أحسن ما اُبتدع في زماننا، ما يُفعل كلّ عام في اليوم الموافق ليوم مولده(صلى الله عليه وآله) من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة، والسرور، فإنّ ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته(صلى الله عليه وآله) وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكر الله على ما منّ به من إيجاد رسوله(صلى الله عليه وآله) الذي أرسله رحمةً للعالمين [40] .

ويقول السيوطي في رسالته (حسن المقصد في عمل المولد): عندي أنّ أصل عمل المولد، الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسّر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي(صلى الله عليه وآله)، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمدّ لهم سماطاً يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي(صلى الله عليه وآله)، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف [41] .

وينقل (ابن تيمية) أقوالاً عديدة تدل على مشروعية الاجتماع والاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف، على الرغم من أنّه من المتشددين على مَن يتخذه عيداً كما يزعم.

ويقول: قال المروزي: سألت أبا عبدالله عن القوم يبيتون، فيقرأ قارئ ويدعون حتّى يصبحوا؟ قال: أرجوا أن لا يكون به بأس... وقال أبو السري الحربي: قال أبو عبدالله: وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلّون ويذكرون ما أنعم الله عليهم، كما قالت الأنصار؟.

وأضاف: وهذا إشارة إلى ما رواه أحمد: حدّثنا اسماعيل، أنبأنا أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أنّ الأنصار قبل قدوم رسول الله(صلى الله عليه وآله) المدينة، قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا، فقالوا يوم السبت، ثم قالوا لا نجامع اليهود في يومهم، قالوا فيوم الأحد، قالوا لا نجامع النصارى في يومهم، قالوا فيوم العروبة، وكانوا يسمّون يوم الجمعة يوم العروبة، فاجتمعوا في بيت أبي اُمامة أسعد بن زرارة، فذُبحت لهم شاة فكفتهم [42] .

إذاً فمشروعية الاجتماع للاحتفال والابتهاج، بالذكريات الدينية المهمة نزعة إنسانية، تسير جنباً إلى جنب مع الفطرة البشرية، وتنبعث طبيعياً ما دام الإنسان يحيا في جوِّ الجماعة الإنسانية، ولذا نرى أنَّ المسلمين لم يتخلفوا عن مجاراة هذا السلوك الإنساني في مناسباتهم الدينية المختلفة، وهذا الذي ينقله لنا (ابن تيمية) واحد من عشرات المظاهر التي كانت تعبّر عن هذا الواقع، وتعكسه في حياة المسلمين، بما يتناسب وينسجم مع طبيعة الأعراف والتقاليد والاهتمامات التي كانت تحكم المجتمع آنذاك، الأمر الذي يدلل على أنّ جذور إقامة الاحتفال، والاجتماع لإحياء الذكريات الإسلامية كانت ممتدة إلى بدايات عصر ظهور الدعوة الإسلامية المباركة.

ولقد كان رأي (سعيد حوّى) أكثر تحرراً واعتدالاً من آراء الآخرين في هذه المسألة، حين دعم القول بجواز إحياء الذكريات الإسلامية عموماً، وذكرى مولد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) على نحو الخصوص، بالأدلة المقنعة، وحمل على المتشددين الذين لم يحسنوا فهم معنى (الابتداع)، على الرغم من أ نّه لم يبرح عاكفاً على الإيمان بأنّ (البدعة) تنقسم إلى مذمومة وممدوحة.

فيقول: والذي نقوله أن يعتمد شهر المولد، كمناسبة يُذكّر بها المسلمون بسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وشمائله فذلك لا حرج، وأن يعتمد شهر المولد، كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله(صلى الله عليه وآله)فذلك لا حرج فيه، وأن يعتمد شهر المولد، كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فذلك لا حرج فيه، وأنّ مما اُلف في بعض الجهات، أن يكون الاجتماع على محاضرة وشعر، أو إنشاد في مسجد، أو في بيت بمناسبة شهر المولد، فذلك مما لا أرى حرجاً فيه، على شرط أن يكون المعنى الذي يُقال صحيحاً.

إنّ أصل الاجتماع على صفحة من السيرة، أو على قصيدة في مدح رسول الله(صلى الله عليه وآله) جائز، ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فإن يُخصص للسيرة شهر يُتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج.

ألا ترى لو أنّ مدرسة فيها طلاّب، خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهراً بعينه، فهل هي آثمة؟ ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك.

ويضيف إلى ذلك القول:

لقد كان الاُستاذ حسن البنّا رجل صدق، وثاقب نظر، وإماماً في العلم، وكان يرى إحياء المناسبات الإسلامية في عصر مضطرب مظلم، قد غفل فيه المسلمون وجهلوا فيه كثيراً من اُمور دينهم. ومن كلامه(رحمه الله) في مذكراته: إحياء جميع الليالي الواجب الاحتفال بها بين المسلمين، سواء بتلاوة الذكر الحكيم، وبالخطب، والمحاضرات المناسبة...

ثم يحمل على المتشددين قائلاً:

والمتشددون في مثل هذه الشؤون تشددهم في غير محلّه، فليس الأصل في الأشياء الحرمة، بل الأصل فيها الإباحة، حتّى يرد النص بالتحريم، وفهمهم لحديث: «كل ما ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» فهم خاطئ... [43]

ففي الحقيقة أنّ التعبير الاجتماعي عن المشاعر والعواطف الدينية، التي تختزن في نفوس المسلمين أمر متروك لأعراف الناس، وطرقهم المختلفة، وعاداتهم الاجتماعية الخاصة، ونظير هذا الأمر ما تفعله أغلب الدول، أو كلها بالاحتفال في يوم استقلالها، إلاّ أنّ الفرق بين هذه الاحتفالات العامة، وبين الاحتفال بذكرى يوم المولد النبوي الشريف، أو بقية المناسبات الإسلامية المهمة، هو أنّ تلك الاحتفالات العامة خاضعة إلى الرسوم والآداب، والأعراف التي تحكم حياة الناس، من دون أن تكون مشمولة بعموميات التشريع التي تُدخلها في دائرة الندب والمطلوبية، وأمّا الاحتفال بالذكريات الإسلامية، ولا سيما بمولد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) فهو مشمول بأوامر الشريعة الإسلامية، ومأثور عنها كما تقدم الكلام فيه.

وختاماً، لابدّ من القول بأ نّا إذا نظرنا إلى دوافع ومنطلقات هذا اللون من السلوك الذي يتمسك به أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، ويصرّون على ممارسته، والمواظبة عليه في مختلف الذكريات الإسلامية المفرحة، والمحزنة، ولا سيما إصرارهم على الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف، فإنّا نجد الحرص الأكيد من قبل هؤلاء على إبقاء معالم شخصية الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)متألقةً، وحيّةً في ضمائر المسلمين حيناً بعد حين، والاعتزاز بتعاليم الرسالة الإسلامية، وتجديد الانبعاث نحوها، والتمسك بها، إذ أنّ المطّلع على برامج هذه الاحتفالات، يلاحظ أنّها تستهدف أول ما تستهدف تجلية مكانة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وإبراز آثارها ومعطياتها الخالدة، من خلال الكلمات، والقصائد، والخطب والخواطر، والمقالات الإسلامية الهادفة، بل وقد يتضمن البعض منها تقديم الدراسات المتنوعة، حول الجوانب المختلفة من حياته الكريمة، وجهاده الكبير، في إعلاء كلمة الله على وجه الأرض، وغير ذلك من الاُمور التي ترتبط به(صلى الله عليه وآله)، وتشد المسلمين نحو سيرته، وتحثّهم على الاقتداء به، والسير على هداه.

ولمزيد من توضيح القول نطالع قول السيد محسن الأمين العاملي :

وأما جعل التذكار لمواليد الأنبياء والأولياء الذي يسمّيه الوهابية بالأعياد والمواسم بإظهار الفرح والزينة في مثل يوم ولادتهم التي كانت نعمة من الله على خلقه. وقراءة حديث ولادتهم كما يتعارف قراءة حديث مولد النبي(صلى الله عليه وآله)، وطلب المنزلة والرفعة من الله لهم وتكرار الصلوات والتسليم على الأنبياء، والترحّم على الصلحاء، فليس فيه مانع عقلي ولا شرعي، إذا لم يشتمل على محرم خارجي، كغناء أو فساد أو استعمال آلات اللهو أو غير ذلك، كما يفعل جميع العقلاء وأهل الملل في مثل أيام ولادة عظمائهم وأنبيائهم، وتبوئ ملوكهم عروش الملك وكل ذلك نوع من التعظيم، فإن كان صاحبه أهلاً للتعظيم; كان طاعة وعبادة لله تعالى، ولكن ليس كل تعظيم عبادة للمعظم. فقياس ذلك بفعل المشركين مع أصنامهم قياس فاسد [44] .

خلاصة البحث:
مسألة الاحتفال بالمولد النبوي قد اعتادها المسلمون منذ قرون ولازالوا حتّى الآن.

وليس بصحيح دعوى من يقول بأن الاحتفال بذكرى المولد من البدع، وليس من صميم الدين، لأن مستند هذه الدعوى مبنيٌّ على فهم مغلوط لمعنى الابتداع ; إذ تصوروا أن معناه هو عدم وجود الظاهرة في الصدر الأول، أو عدم وجود الدليل الخاص عليها.

لكن الصحيح أن الشيء أو الفعل يكون جائزاً في الدين على وجهين :

الأول: إذا وقع النص عليه بشخصه، كالاحتفال في عيدي الفطر والأضحى.

والثاني: إذا وقع النص عليه على الوجه الكلي، ولكن يترك كيفية التنفيذ إلى الناس أنفسهم، كما هو الأمر في تهيئة معدّات وأساليب الجهاد المتطورة بشكل مستمر.

والاحتفال بذكرى المولد النبوي من هذا القبيل، حيث ورد الأمر بتعظيم الرسول(صلى الله عليه وآله)وتكريمه، إلاّ أنّ مصداق التعظيم متروك للمكلف.

وعلى هذا الأساس يحتفل المسلمون، بما فيهم أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، بيوم مولد النبي(صلى الله عليه وآله) انطلاقاً من هذا التصور المشروع.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page