• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

جزئية البسملة من القرآن وحكمها في الصلاة

 

جزئية البسملة من القرآن وحكمها في الصلاة

 

جزئية «البسملة» من القرآن وحكمها في الصلاة
البسملة آية من كل سورة
أدلة جزئية البسملة للقرآن
2 ـ أحاديث أهل السنة:
ـ مضافاً الى مخالفتها
تواتر القول بجزئية «البسملة» من السورة في مدرسة الخلفاء
أدلة نفاة جزئية البسملة وردودها
وجوب قراءة البسملة في الصلاة
وجوب الجهر بالبسملة في الصلاة
معاوية منشأ الخلاف في القضية
منشأ تناقض الروايات في البسملة
الصلاة التي لم يقرأ فيها معاوية البسملة
خلاصة البحث

 

البسملة آية من كل سورة
اتفقت الشيعة الإمامية على أن البسملة آية من كل سورة بُدِئت بها، وذهب اليه ابن عباس، وابن المبارك، وأهل مكة كابن كثير، وأهل الكوفة كعاصم، والكسائي وغيرهما سوى حمزة. وذهب اليه أيضاً أغلب أصحاب الشافعي [2] وجزم به قرّاء مكة والكوفة [3] ، وحكي هذا القول عن ابن عمر، وابن الزبير وأبي هريرة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، ومكحول، والزهري، واحمد بن حنبل في رواية عنه، واسحاق بن راهويه وأبو عبيدالقاسم بن سلام [4] . وعن البيهقي نقل هذا القول عن الثوري ومحمد بن كعب [5] ، واختاره الرازي في تفسيره ونسبه الى قرّاء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز، والى ابن المبارك والثوري، واختاره أيضاً جلال الدين السيوطي مدّعياً تواتر الروايات الدالة عليه معنىً [6] .

وقال بعض الشافعية وحمزة: «إنها آية من فاتحة الكتاب خاصة دون غيرها» ونسب ذلك الى احمد بن حنبل، كما نسب

اليه القول الأول [7] .

وذهب جماعة، منهم: مالك، وأبو عمرو، ويعقوب الى أنها آية فذة وليست جزء من فاتحة الكتاب ولا من غيرها، وقد اُنزلت لبيان رؤوس السور تيمناً، وللفصل بين السورتين، وهو مشهور بين الحنفية [8] .

غير أن أكثر الحنفية ذهبوا الى وجوب قراءتها في الصلاة قبل الفاتحة، وذكر الزاهدي عن المجتبى أن وجوب القراءة في كل ركعة هي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة [9] .

وأما مالك فقد ذهب الى كراهة قراءتها في نفسها، واستحبابها لأجل الخروج من الخلاف [10] .

وفي هذه المسألة أقوال اُخر شاذة لا فائدة في التعرض لها، ولكن المهم بيان الدليل على المذهب الحق ويقع ذلك في عدة اُمور:

أدلة جزئية البسملة للقرآن
1 ـ أحاديث أهل البيت(عليهم السلام):

وهي الروايات الصحيحة المأثورة عن أهل البيت(عليهم السلام)الصريحة في ذلك [11] وبها الكفاية عن تجشم أي دليل آخر بعد أن جعلهم النبي(صلى الله عليه وآله) عدلاً للقرآن في وجوب التمسك بهم والرجوع اليهم [12] .

ألف ـ عن معاوية بن عمار قال:

قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إذا قمت للصلاة أقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» في فاتحة القرآن؟ قال: «نعم». قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» مع السورة؟ قال: نعم [13] .

ب ـ عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال:

كتبت الى أبي جعفر(عليه السلام) جُعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» في صلاته وحده في اُم الكتاب، فلمّا صار الى غير اُم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه : «يعيدها ـ مرتين ـ على رغم أنفه»، يعني العباسي [14] .

ج ـ وفي صحيحة ابن أبي اُذينة:

«... فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله اليه سمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول السورة، ثم أوحى الله اليه أن احمدني فلمّـا قال: الحمدلله ربّ العالمين، قال النبي(صلى الله عليه وآله) في نفسه: شكراً، فأوحى الله عزّوجل اليه قطعت حمدي فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل في الحمد: الرحمن الرحيم مرتين، فلمّـا بلغ «ولا الضالين» قال النبي(صلى الله عليه وآله): الحمد لله ربّ العالمين، شكراً، فأوحى الله اليه: قطعت ذكري فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل «بسم الله الرحمن الرحيم» في اول السورة، ثم أوحى الله عزّوجل اليه: إقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى: (قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد) [15] .

2 ـ أحاديث أهل السنة:
وقد دلت على ذلك أيضاً روايات كثيرة من طرق أهل السُنّة نذكر جملة منها:

ألف ـ ما رواه أنس قال:

بينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «اُنزلت عليّ آنفاً سورة» فقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر...) » [16] .

ب ـ ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن علي(عليه السلام) :

أنه سئل عن السبع المثاني، فقال: (الحمد لله ربّ العالمين) ، فقيل له: إنّما هي ست آيات؟! فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم آية» [17] .

ج ـ ما أخرجه الدارقطني أيضاً بسند صحيح عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها اُمّ القرآن، واُمّ الكتاب، والسبع المثاني. وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» [18] .

د ـ ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال:

«السبع المثاني فاتحة الكتاب، قيل: فأين السابعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم» [19] .

هـ ـ ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

«استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم» [20] .

و ـ ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

«كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت» [21] .

ز ـ ما رواه سعيد عن ابن عباس:

«إن النبي(صلى الله عليه وآله) كان إذا جاءه جبرائيل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أن ذلك سورة» [22] .

ح ـ ما رواه ابن جريج قال:

«أخبرني أبي أن سعيد بن جبير أخبره، قال: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني قال: هي اُمّ القرآن، قال أبي: وقرأ عليَّ سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال سعيد بن جبير: وقرأها عليَّ بن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال ابن عباس: فأخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم» [23] .

ط ـ عن عبدالله بن عباس قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) آية [24] .

ي ـ عن طلحة بن عبيدالله قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «من ترك (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد ترك آية من كتاب الله» [25] .

ك ـ عن ابن عمر، قال: نزلت (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سورة [26] .

ل ـ عن ابن عباس قال: كان النبي(صلى الله عليه وآله) لا يعرف فصل السورة، وفي لفظ، خاتمة السورة حتى ينزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) . زاد البزار والطبراني: فإذا نزلت عرف أنّ السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدأت سورة اُخرى [27] .

م ـ في رواية ابن مسعود: كنّا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل: (بسم الله الرحمن الرحيم) .

ن ـ قال سعيد بن جبير: في عهد النبي(صلى الله عليه وآله) كانوا لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فإذا نزلت علموا أن قد انقضت السورة ونزلت اُخرى [28] .

س ـ عن ابن عباس قال: سألت عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، لِمَ لم تُكتب في براءة (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟ قال: لأنّ (بسم الله الرحمن الرحيم) أمان، وبراءة نزلت بالسيف [29] .

وليس بإزاء هذه الروايات إلاّ روايتان دلّتا على عدم جزئية البسملة للسورة:

احداهما: رواية قتادة عن أنس بن مالك، قال : صليت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم [30] .

ثانيتهما: ما رواه ابن عبدالله بن مغفل يزيد بن عبدالله، قال:

«سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: أي بني ! إيّاك ـ قال: ولم أرَ من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان أبغض اليه حدثاً في الاسلام منه ـ فإني قد صليت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومع أبي بكر وعمر، ومع عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقولها، فلا تقلها. إذا أنت قرأت فقل: الحمد لله رب العالمين» [31] .

والجواب عن الرواية الاُولى:

ـ مضافاً الى مخالفتها
للروايات المأثورة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأهل البيت(عليهم السلام) ـ أنها لا يمكن الاعتماد عليها من وجوه:

الوجه الأول: معارضتها بالروايات المتواترة معنىً، المنقولة عن طريق أهل السنة، ولا سيّما أن جملة منها صحاح الأسانيد، فكيف يمكن تصديق هذه الرواية؟ مع شهادة ابن عباس،وأبي هريرة، واُم سلمة على أن رسول الله كان يقرأ البسملة ويعدّها آية من الفاتحة، وأن ابن عمر كان يقول: «لِمَ كتبت إن لم تُقرأ!» وأن علياً(عليه السلام) كان يقول: «من ترك قراءتها فقد نقص» وكان يقول: «هي تمام السبع المثاني».

الوجه الثاني: مخالفتها لما اشتهر بين المسلمين من قراءتها في الصلاة، حتى أن معاوية تركها في صلاته في يوم من أيام خلافته، فقال له المسلمون: «أسرقتَ أم نسيت؟».

ومع هذا، كيف يمكن التصديق بأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومن بعده لم يقرأوها؟!.

الوجه الثالث: مخالفتها لما استفاض نقله عن أنس نفسه :

ألف ـ روى قتادة عن أنس: أن قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله) كانت مداً، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمدّ بسم الله، ويمدّ الرحمن، ويمدّ الرحيم [32] .

ب ـ وروى شريك عن أنس قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) . قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات.

ج ـ وروى العسقلاني قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا اُحصي صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك، وقال أنس بن مالك: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله).

قال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات [33] .

والجواب عن الرواية الثانية:

ـ وهي رواية ابن عبدالله بن مغفل ـ يظهر مما تقدم في الجواب عن الرواية الاُولى، على أنها تضمنت ما يخالف ضرورة الإسلام، فإنه لا يشكّ أحد من المسلمين في استحباب التسمية قبل الحمد والسورة، ولو بقصد التيمن والتبرك، لا لأن البسملة جزء [34] فكيف ينهى ابن مغفل عنها بدعوى أنها حدث في الإسلام ؟!.

3 ـ سيرة المسلمين:

لقد استقرت سيرة المسلمين على قراءة البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، وثبت بالتواتر أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يقرأها، ولو لم تكن من القرآن للزم على الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) أن يصرح بذلك، فإن قراءته ـ وهو في مقام البيان ـ ظاهرة في أن جميع ما يقرأ قرآن، ولو لم يكن بعض ما يقرأ قرآناً، ثم لم يصرح بذلك لكان ذلك منه إغراء منه بالجهل وهو قبيح، وفي ما يرجع الى الوحي الإلهي أشد قبحاً، ولو صرّح الرسول(صلى الله عليه وآله) بذلك لنقل الينا بالتواتر مع أنه لم ينقل حتى بالآحاد.

4 ـ مصاحف التابعين والصحابة

مما لا ريب فيه أن مصاحف التابعين والصحابة ـ قبل جمع عثمان وبعده ـ كانت مشتملة على البسملة، ولو لم تكن من القرآن

لما اثبتوها في مصاحفهم، فإن الصحابة منعت أن يدرج في المصحف ما ليس من القرآن، حتى أن بعض المتقدمين منعوا عن تنقيط المصحف وتشكيله. فإثبات البسملة في مصاحفهم شهادة منهم بأنها من القرآن كسائر الآيات المتكررة فيه.

وما ذكرناه يبطل احتمال أن إثباتهم إياها كان للفصل بين السور. ويبطل هذه الدعوى أيضاً إثبات البسملة في سورة الفاتحة، وعدم إثباتها في أول سورة براءة. ولو كانت للفصل بين السور، لاثبتت في الثانية، ولم تثبت في الاُولى. وذلك يدلنا قطعاً على أن البسملة آية منزلة في الفاتحة دون سورة براءة.

تواتر القول بجزئية «البسملة» من السورة في مدرسة الخلفاء
قال الرازي: إن النقل المتواتر ثابت، بأن ( بسم الله...) كلام أنزله الله على محمد(صلى الله عليه وآله)وبأنّه مثبت في المصحف بخطّ القرآن [35] .

وقال: وكل ما ليس من القرآن [36] غير مكتوب بخطّ القرآن، ألا ترى أنهم منعوا من كتابة أسامي السور في المصحف، ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس. والغرض من ذلك كلّه أن يمنعوا من أن يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخطّ القرآن، ولمّا أجمعوا على كتبها بخط القرآن علمنا أنها من القرآن [37] .

وقال السيوطي في ردّ من أنكر تواتر جزئية البسملة من السورة:

ويكفي في تواترها إثباتها في مصاحف الصحابة فمن بعدهم بخطّ المصحف مع منعهم أن يكتب في المصحف ما ليس منه، كأسماء السور وآمين والأعشار، فلو لم تكن قرآناً لما استجازوا إثباتها بخطّه من غير تمييز، لأن ذلك يحمل على اعتقادها قرآناً، فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاده ما ليس بقرآن قرآناً، وهذا ممّا لا يجوز اعتقاده في الصحابة. فإن قيل: لعلها اُثبتت للفصل بين السور، اُجيب بأنّ هذا فيه تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد الفصل، ولو كانت له لكتبت بين براءة والأنفال [38] .

وقد أفرد عدّة من العلماء كتباً في وجوب قراءة البسملة، مثل:

ألف ـ كتاب البسملة لابن خزيمة (ت: 311 هـ ).

ب ـ كتاب الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي (ت: 463 هـ ).

ج ـ كتاب الجهر بالبسملة لأبي سعيد البوشنجي (ت: 536 هـ ).

د ـ كتاب الجهر بالبسملة لجلال الدين المحلى الشافعي (ت: 864 هـ ).

هـ ـ كتاب في «بسم الله الرحمن الرحيم» لعلي بن عبدالعزيز الدولابي من أصحاب الطبري المؤرخ.

و ـ وكتب الدارقطني (ت: 385 هـ ) جزءً في البسملة وصحّحه [39] .

أدلة نفاة جزئية البسملة وردودها
واستدلّ القائلون بأن البسملة ليست جزءً من السورة بوجوه:

الوجه الأول:

إن طريق ثبوت القرآن ينحصر بالتواتر، فكل ما وقع النزاع في ثبوته فهو ليس من القرآن، والبسملة مما وقع النزاع فيها.

والجواب :

أولاً: إن كون البسملة من القرآن مما تواتر معناه عن النبي(صلى الله عليه وآله)كما تقدم عن كثير من أهل العلم، وقد تواتر عن أهل البيت(عليهم السلام)أيضاً ولا فرق في التواتر بين أن يكون عن النبي(صلى الله عليه وآله) وبين أن يكون عن أهل بيته الطاهرين بعد أن ثبت وجوب اتّباعهم.

وثانياً: إن ذهاب الأقل من الفقهاء الى عدم كون البسملة من القرآن لشبهة لا يضرّ بالتواتر، مع شهادة جمع كثير من الصحابة بكونها من القرآن، ودلالة الروايات المتواترة عليه معنىً.

وثالثاً: أنه قد تواتر أن النبي(صلى الله عليه وآله) قرأ البسملة حينما يقرأ سورة من القرآن وهو في مقام البيان، ولم يبين أنها ليست منه، وهذا يدل دلالة قطعية على أن البسملة من القرآن. نعم، لا يثبت بهذا أنها جزء من السورة.

ويكفي لإثباته ما تقدم من الروايات، فضلاً عما سواها من الأخبار الكثيرة المروية من الطريقين. والجزئية تثبت بخبر الواحد الصحيح، ولا دليل على لزوم التواتر فيها أيضاً.

الوجه الثاني:

ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة قال:

سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: قال الله تعالى : «قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل: فإذا قال العبد: الحمدلله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي وإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله تعالى: مجّدني عبدي، وإذا قال العبد: إياك نعبد وإيّاك نستعين، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل» [40] .

وتقريب الاستدلال في هذه الرواية أنها تدل ـ بظاهرها ـ على أن ما بعد آية «إياك نعبد وإياك نستعين» يساوي ما قبلها في العدد، ولو كانت البسملة جزءً من الفاتحة لم يستقم معنى الرواية، وذلك: لأن سورة الفاتحة ـ كما عرفت ـ سبع آيات، فإن كانت البسملة جزءً كان ما بعد آية: «إياك نعبد وإياك نستعين» آيتين، ومعنى ذلك إنما قبل هذه الآية ضعف ما بعدها، فالفاتحة لا تنقسم الى نصفين في العدد.

والجواب عنه:

أولاً: إن الرواية مروية عن العلاء، وقد اختلف فيه بالتوثيق والتضعيف [41] .

ثانياً: أنه لو تمت دلالتها، فهي معارضة بالروايات الصحيحة المتقدمة الدالة على أن الفاتحة سبع آيات، مع البسملة لا بدونها.

ثالثاً: أنه لا دلالة في الرواية على أن التقسيم بحسب الألفاظ، بل الظاهر أنه بحسب المعنى، فالمراد أن أجزاء الصلاة بين ما يرجع الى الرب وما يرجع الى العبد بحسب المدلول.

رابعاً: أنه لو سلمنا أن التقسيم إنما هو بحسب الألفاظ فأي دليل على أنه بحسب عدد الآيات، فلعله باعتبار الكلمات، فإن الكلمات المتقدمة على آية «إياك نعبد وإياك نستعين» والمتأخرة عنها، مع احتساب البسملة وحذف المكررات عشر كلمات.

الوجه الثالث: ما رواه أبو هريرة:

«من أن سورة الكوثر ثلاث آيات [42] ، وأن سورة الملك ثلاثون آية» [43] فلو كانت البسملة جزءً منها، لزاد عددها على ذلك.

والجواب:

إن رواية أبي هريرة في سورة الكوثر على فرض صحة سندها معارضة برواية أنس، وقد تقدمت آنفاً، وهي رواية مقبولة روتها جميع الصحاح غير موطأ مالك [44] ، فرواية أبي هريرة مطروحة أو مؤولة بإرادة الآيات المختصة، فإن البسملة مشتركة بين جميع السور، وهذا هو جواب روايته في سورة الملك.

وجوب قراءة البسملة في الصلاة
والذي يطالع سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وعمل الصحابة والتابعين والجيل الأول من الفقهاء يتجلّى له بوضوح لزوم قراءة البسملة في الصلاة. وفي ذلك روايات وأخبار عديدة نقتصر على أبرزها مثل:

ألف ـ عن اُم سلمة قالت: إن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم* الحمدُ لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين* إياك نعبد وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين) [45] .

وفي رواية، سُئلت اُم سلمة عن قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقالت: كان يُقطِّع قراءته آية آية: (بسم الله الرحمن الرحيم* الحمدُ لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين* إياك نعبد وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) [46] .

ب ـ عن ابن عباس قال: كان النبي(صلى الله عليه وآله) يفتتح صلاته بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [47] .

ج ـ عن جابر، قال: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) : كيف تقرأ إذا قمت الى الصلاة؟ قلت: أقرأ، الحمد لله ربّ العالمين، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) [48] .

د ـ عن نافع، أنّ ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة يقرأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في اُمّ القرآن وفي السورة التي تليها. ويذكر أنّه سمع ذلك من رسول الله(صلى الله عليه وآله) [49] .

هـ ـ عن أبي هريرة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان إذا قرأ وهو يؤمّ الناس، افتتح بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، قال أبو هريرة: هي آية من كتاب الله، اقرأوا إن شئتم فاتحة الكتاب فإنّها الآية السابعة [50] .

و ـ عن قتادة، قال: سُئل أنس بن مالك، كيف كانت قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قال: كانت مدّاً ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يُمدّ (بسم الله) ويُمدّ (الرحمن) ويُمدّ (الرحيم) [51] .

ز ـ عن أبي هريرة(رضي الله عنه) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا قرأتم الحمد فاقرأوا (بسم الله الرحمن الرحيم) ، إنّها اُمّ القرآن واُمّ الكتاب والسبع المثاني، و(بسم الله الرحمن الرحيم) إحدى آياتها [52] .

وفي رواية: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يقول: «الحمدلله رب العالمين» سبع آيات، إحداهن: (بسم الله الرحمن الرحيم) ... ويعدّه كالحديث السابق [53] .

ح ـ عن أبي هريرة قال: كنت مع النبي(صلى الله عليه وآله) في المسجد إذ دخل رجل يصلي، فافتتح الصلاة وتعوّذ، ثم قال: الحمدلله رب العالمين فسمع النبي(صلى الله عليه وآله) فقال له: يا رجل قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أنّ (بسم الله الرحمن الرحيم) من الحمد؟ فمن تركها فقد ترك آية ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته [54] .

وعلى هذا جرت أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء:

ألف ـ قال البيهقي، عن عبد خير قال: سئل علي(عليه السلام) عن السبع المثاني، فقال: الحمدلله، فقيل له: إنّما هي ستّ آيات، فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) آية [55] .

ب ـ وعن عليّ(عليه السلام) أنّه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وكان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص، وكان يقول: هي تمام السبع المثاني [56] .

ج ـ وجاءت عن ابن عباس روايات متعددة في ذلك في بعضها بيان وتأكيد على البعض الآخر، نذكر موجز روايتين منها:

1 ـ قال: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني) هي اُم القرآن، وأنّه قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) الآية السابعة، وقال: أخرجها ـ الله ـ لكم وما أخرجها لأحد قبلكم.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، أي: البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأيّده على ذلك الذهبي [57] .

2 ـ قال: إن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب، وأنّه قرأها بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) سبعاً، فسُئل الراوي هل أخبرك أنّه قال (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من كتاب الله؟ قال: نعم، ثمّ قال: قرأها ابن عباس بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الركعتين معاً [58] .

د ـ عن نافع عن عبدالله بن عمر، كان يفتتح اُم الكتاب بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [59] ، وأنّه كان إذا افتتح الصلاة كبّر ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم* الحمدلله...) ، فإذا فرغ قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، قال: وكان يقول: لم كتبت في المصحف إن لم تقرأ؟! [60] .

هـ ـ عن محمد بن كعب القرظي، قال: فاتحة الكتاب سبع آيات بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [61] .

و ـ وقال البيهقي: (وروينا) الجهر بها عن فقهاء مكّة، عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير [62] .

ز ـ في مصنف عبدالرزاق، باب قراءة البسملة: (... عن أبي وآخرين من الصحابة والتابعين أنّهم كانوا يقرأونها) [63] .

وقد أجمع أتباع مدرسة أهل البيت تبعاً لأئمتهم في ما يروون عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) على أنّ البسملة آية من كلّ سورة. وأنّ قراءتها واجبة في الحمد والسورة في كلّ صلاة. ويجب الجهر بها في الجهرية [64] .

وجوب الجهر بالبسملة في الصلاة
ألف ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): علّمني جبرائيل الصلاة فقام فكبّر لنا ثمّ قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) فيما يجهر به في كلّ ركعة [65] .

ب ـ عن عائشة، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [66] .

ج ـ عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قال: كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في السورتين جميعاً [67] .

د ـ عن أبي الطفيل قال: سمعتُ عليّ بن أبي طالب وعمّاراً يقولان: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يجهر في المكتوبات بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في فاتحة الكتاب [68] .

هـ ـ عن أبي هريرة قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة، فترك الناس ذلك [69] .

ز ـ عن أبي الطفيل قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [70] .

ح ـ عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [71] .

ط ـ عن ابن عمر، قال: صلّيتُ خلف النبي(صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [72] .

ي ـ عن محمد بن أبي السري العسقلاني، قال: صليتُ خلف المعتمر بن سليمان مالا اُحصي صلاة الصبح والمغرب، فكان يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل فاتحة الكتاب وبعدها. وسمعت المعتمر يقول: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك، وقال أنس بن مالك: ما آلوا أن أقتدي بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) [73] .

ك ـ روى الحاكم عن أنس قال: صليت خلف النبي(صلى الله عليه وآله)وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف عليّ فكلّهم كانوا يجهرون بقراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) .

قال الحاكم: (إنّما ذكرت هذا الحديث شاهداً لما تقدمه، ففي هذه الأخبار التي ذكرناها معارضة لحديث قتادة الذي يرويه أئمتنا عنه، وقد بقي في الباب عن أمير المؤمنين عثمان) وذكر أسماء جمع من الصحابة ترك إيراد حديثهم وقال: (كلّها مخرجة عندي إيثاراً للتخفيف...) [74] .

وبالاضافة الى الروايات السابقة التي رويت عمن صلّى خلف النبيّ(صلى الله عليه وآله) والخلفاء وأجهروا بالبسملة، في ما يأتي روايات عمن صلّى خلف بعض الخلفاء وسمعهم يجهرون بالبسملة:

1 ـ عمر بن الخطاب:

روى عبدالرحمن بن أبزي وقال: صلّيتُ خلف عمر بن الخطاب فجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) [75] .

2 ـ الإمام علي بن أبي طالب:

روى الشعبي وقال: رأيت علي بن أبي طالب وصلّيت وراءه فسمعته يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) .

وفي تفسير الرازي بسنده أنّ الإمام عليّاً كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ (بسم الله...)، وكان يقول من ترك قراءتها فقد نقص [76] .

3 ـ عبدالله بن الزبير:

روى الأزرق بن قيس وقال: صلّيت خلف ابن الزبير فقرأ فجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) .

قال البيهقي: وروينا عن أبي هريرة بإسناد صحيح عنه [77] .

ويتبع هذا الباب ما جاء في تفسير ابن كثير، قال:

وروى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة أنّه صلّى فجهر بقراءته بالبسملة، وقال ـ بعد أن فرغ ـ : إنّي لأشبهكم صلاة برسول الله(صلى الله عليه وآله)وصحّحه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم [78] .

وروى الدارقطني في سننه عن يحيى بن حمزة قال:

صلّى بنا المهدي المغرب فجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا؟ فقال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس: إن النبي(صلى الله عليه وآله) جهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) .

قال: فقلت: نأثره عنك ؟

قال: نعم [79] .

وإضافة الى ذلك روى البيهقي عن ابن عباس أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان يستفتح القراءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة، يعني كان يجهر بها. قال: وله شواهد عن ابن عباس ذكرناها في الخلافيات [80] .

ويؤيّد قول البيهقي (يستفتح القراءة... يعني كان يجهر بها)، ما رواه هو والذهبي عن ابن شهاب أنّه قال: من سنّة الصلاة أن يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ثمّ فاتحة الكتاب، ثمّ يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ثم يقرأ سورة، فكان ابن شهاب يقرأ أحياناً بسورة مع فاتحة الكتاب يفتتح كلّ سورة منها بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وكان يقول: أول من قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) سرّاً بالمدينة عمرو بن سعيد بن العاص وكان رجلاً حييّاً [81] .

فإنّ ابن شهاب لما قال: «يفتتح كلّ سورة منها بـ «بسم الله...» وأوّل من قرأ بسم الله... سرّاً بالمدينة عمرو»، جعل «يفتتح كل سورة» مقابل «قرأ سرّاً».

وبناءً على هذا، كلّ ما جاء في الحديث: «يفتتح، أو يستفتح القراءة بالبسملة»، يعني يقرأُها جهراً مثل الرواية الآتية:

عن بكر بن عبدالله قال: كان ابن الزبير يستفتح القراءة في الصلاة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ويقول: ما يمنعهم منها إلاّ الكبر [82] .

معاوية منشأ الخلاف في القضية
مع كلّ تلكم الروايات الصحيحة والموثقة والصريحة بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) والخلفاء وجمع من الصحابة والتابعين أجهروا بقراءة البسملة في الصلاة وقالوا إنّها جزء من الحمد وأمروا بقراءتها الى زمن فقهاء الحرمين، نجد في كتب صحاح الحديث روايات تناقض الروايات المتواترة السابقة مثل رواية مسلم في صحيحه والنسائي في سننه وأحمد في مسنده عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: صلّيت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) [83] .

ومثل ما رواه الثلاثة ـ أيضاً ـ :

عن أنس أنه قال: صليت خلف النبي(صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله ربّ العالمين لا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول قراءة، ولا في آخرها [84] .

وما رواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده عن يزيد بن عبدالله، قال: سمعني أبيوأنا أقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فقال: أيّ بني إياك! قال: ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلها. إذا أنت قرأت فقل: الحمدلله ربّ العالمين [85] .

وعبدالله المذكور هو الصحابي عبدالله بن مغفل المزني، سكن المدينة ثم بعثه عمر عاشر عشرة الى البصرة ليفقهوا الناس، توفي سنة (59 أو 60 هـ ) في البصرة أيام ولاية ابن زياد، ترجمته في الاستيعاب واُسد الغابة والإصابة وابنه الراوي عنه مجهول الحال عندنا.

من الطبيعي أن يؤدي تناقض الروايات الآنفة في شأن البسملة الى اختلاف مدرسة الخلفاء في وجوب قراءة البسملة أو عدمه، وفي الجهر بها أو عدمه.

فقد قال الشافعي: إنّها آية من أوّل سورة الفاتحة ويجب قراءتها معها.

وقال مالك والأوزاعي: أنّه ليس من القرآن ولا يقرأ لا سرّاً ولا جهراً إلاّ في قيام شهر رمضان.

وقال أبو حنيفة: تقرأ ويسرّ بها، ولم يقل: إنّها آية من السورة أم لا. قال يعلى: سألت محمد بن الحسن عن (بسم الله...) فقال: ما بين الدفتين قرآن، قال: قلت فلم تسرّه ـ أي تقرأُه سرّاً ـ قال: فلم يجبني [86] .

وهذه الأحاديث التي رويت مناقضة لروايات وجوب قراءة البسملة علل تكشف عن عدم صحتها. وقد أفاض القول في دراية أحاديث البسملة، كل من البيهقي في سننه والحاكم في مستدركه والرازي في تفسيره، كل واحد منهم تحدث باسلوبه الخاص به. وأشار إليها الذهبي في تلخيص المستدرك، وأقام الشافعي الدليل على ما اختاره في كتاب الاُم.

وإذا بحثنا عن منشأ اختلاف الروايات في قراءة البسملة; أدركنا بعد دراسة بعض الملابسات التي حصلت في قراءتها اُسّ علل الروايات المناقضة للروايات المتواترة في وجوب قراءتها.

منشأ تناقض الروايات في البسملة
ألف ـ روى الشافعي في الاُمّ والحاكم في المستدرك بسندين والبيهقي في سننه بثلاثة أسانيد، وتبعهم الرازي والسيوطي في تفسيرهما، عن أنس بن مالك واللفظ للحاكم:

أنّ أنس بن مالك قال: صلّى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) لاُمّ القرآن ولم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، فلمّا سلّم ناداه من سمعه ذلك من المهاجرين والأنصار من كلّ مكان، يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلّى بعد ذلك قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعد اُمّ القرآن وكبّر حين يهوي ساجداً. هذا حديث صحيح على شرط مسلم...

قال الحاكم ـ أيضاً ـ وهو علّة لحديث شعبة وغيره من قتادة على علوّ قدره، يدلّس ويأخذ عن كلّ أحد وإن كان قد أدخل في الصحيح حديث قتادة، فإنّ في ضدّه شواهد، أحدها ما ذكرناه، ومنها...، ثمّ ذكر الأحاديث التي رواها في قراءة البسملة والتي ذكرناها سابقاً.

وقد أيّد الذهبي قول الحاكم في قتادة، وقال: (فإنّ قتادة يدلّس).

وقال الرازي بعد ذكر الحديث:

وهذا الخبر يدلّ على اجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنّه من القرآن ومن الفاتحة، وعلى أ نّ الأولى الجهر بها [87] .

ب ـ روى البيهقي بثلاثة أسانيد والشافعي بسندين عن عبدالله ابن عثمان عن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه: أن معاوية قدم المدينة فصلّى بهم فلم يقرأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ولم يكبّر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلّم والأنصار: ـ أن ـ يا معاوية! أسرقت صلاتك! أين (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟ وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ فصلّى بهم صلاة اُخرى، فقال: ذلك فيها الذي عابوا عليه [88] .

الصلاة التي لم يقرأ فيها معاوية البسملة
قال عبدالله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد: إنّ معاوية صلّى بالمدينة للناس العتمة، فلم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار، فقالوا: يا معاوية! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ أين (بسم الله الرحمن الرحيم) ... الحديث [89] .

إن هذا الخبر يوضّح لنا ما غمض من بعض الروايات التي سبق إيرادها، منها قول ابن الزبير: ما يمنعهم منها إلاّ الكبر .

وقول ابن شهاب: أول من قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) سرّاً بالمدينة عمرو بن سعيد بن العاص، وكان رجلاً حيياً [90] .

لست أدري ممّ حياؤه في الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية التي يقرأ فيها الحمد والسورة جهراً؟ لعلّه الحياء من معاوية وعصبة الاُمويين أن يجهر بها مع ما بدر من معاوية من عدم قراءتها، والحياء من المهاجرين والأنصار أن يترك قراءتها.

ومنها قول ابن عباس كما نقله السيوطي في الاتقان، قال:

أخرج ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: (بسم الله الرحمن الرحيم) [91] .

وفي لفظ البيهقي في السنن: أنّ الشيطان استرق من أهل القرآن أعظم آية في القرآن [92] .

وقال يحيى بن جعدة: قد اختلس الشيطان من الأئمة آية (بسم الله...) [93] .

وكان الزهري يفتتح بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ويقول: آية من كتاب الله تعالى تركها الناس [94] .

يقصدون من سرقة الشيطان البسملة واختلاسه إيّاها، ترك الناس إيّاها في الصلاة.

إذا جمعنا الروايات في البسملة وأخبارها، بعضها الى بعض، نرى فيها مصداق قول ابن عباس كالآتي:

كان المسلمون في الحرمين الشريفين مذ عصر الرسول(صلى الله عليه وآله) حتى خلافة معاوية يقرأون البسملة مع السور، كما يكتبونها كذلك في المصاحف، وكان معاوية لا يقرأُها مع السورة في الصلاة وهو خليفة المسلمين بالشام، فلمّـا جاء الى المدينة وأمّ المهاجرين والأنصار بمسجد الرسول(صلى الله عليه وآله)تركها في الصلاة على عادته، فناداه من سمعه من المهاجرين والأنصار من كلّ مكان: «أسرقت الصلاة أم نسيت؟» فلما صلّى بعد ذلك قرأ البسملة للسورة وكان ذلك في المدينة، ويظهر من استعراض الأخبار أنّه عاد الى تركها في صلاته بالشام وتبعه على ذلك الخلفاء من آل اُمية من بعده.

ويقول ابن الزبير في وصف فعلهم: (ما يمنعهم إلاّ الكبر)، ويقول ابن عمر محتجّاً عليهم (لم كتبت في المصحف إن لم تقرأ)؟!

واستمرّ على قراءتها أهل الحرمين فلما ولي عمرو بن سعيد بن العاص الاُموي والي الحرمين، كان أوّل من قرأها سرّاً في المدينة، راعى في قراءته كرامة معاوية من جانب ورأي المهاجرين والأنصار والتابعين من جانب آخر. ثم قويت شوكة الاُمويين بعد قتل منافسهم ابن الزبير بمكة.

ورويت بعض الأحاديث تأييداً لمعاوية وصوناً لكرامته.

واختلف المسلمون في مدرسة الخلفاء بعد ذلك، فمنهم من يقرأُها، ومنهم من اتّبع سنّة معاوية وترك قراءتها سواء من كان منهم في الحرمين الشريفين أم في غيرها.

خلاصة البحث
وهكذا عرفنا أن البسملة آية وجزء من كل سورة، وإيرادها في الصلاة في أول الحمد والسورة واجب، وبنحو الجهر في الصلاة الجهرية، وعلى هذا جرت سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله)والصحابة، وإن منشأ الخلاف في هذه المسألة هو معاوية بن أبي سفيان حينما كان يصلي في الشام بلا بسملة، وقد صلى في المدينة أيضاً ذات مرّة بلا بسملة فأنكر عليه المسلمون بقولهم: أسرقت الصلاة أم نسيت؟

وانكارهم هذا خير دليل على ثبوت سيرة المسلمين في الصدر الأول على جزئية البسملة بلا ريب ولا ترديد، وأن معاوية هو منشأ الخلاف فيه.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page