• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدمة

ولله الحجة البالغة ربما يستعصي على الإنسان درك ما يقاسيه رجال الفكر والقادة ، من حملة العلم والفقاهة ، من الشدائد والنوازل والدواهي الفادحة ، دون سعيهم وراء صالح الأمة ،
وسيرهم في مناهج رقيها وتقدمها ، وإحيائهم تراثها العلمي ودعوتهم إلى العلم الناجع وجهادهم المثابر في حث الناس على المهيع اللاحب من الحق ، وإيقاظهم شعور الشعب الإسلامي ،
وإيقافهم رواد العلم والفضيلة على الحقائق الراهنة ، وتوجيههم إلى ما فيه الصلاح والفلاح والنجاح .
أنى ؟ ثم أنى ؟ يتأتى لمن نأى عن تلكم الميادين ، وبعد عن ذاك العالم بعد المشرقين أن يتصور ما هنالك من كوارث ونوائب ومواقف خطرة ، ودواه مدلهمة ومجاهدات ومناضلات ومحاماة .
فترى في كل قرن من أدوار الإسلام أفذاذا عباقرة من تلكم الفئة الصالحة ، والشخصيات البارزة قيضهم المولى سبحانه في غابر الزمن وحاضره لإعادة جدة الدين الحنيف ، ساروا
سيرا لحبا ركضا قسيا بهمة قعساء ، وعزم راسخ ، يزحزح الرواسي ، وكابدوا وعثاء السفر، وارتحلوا مرة بعد أخرى ، بين آونة وآونة ، وتجولوا في أرجاء العالم ، وساحوا في الأرض
أربعة أشهر ، وأربعة وأربعة ، ابتغاء لمعالم العلم والدين ، وإعلاء لكلمة العدل والصدق ، ودحضا على معرة الباطل ، وإقامة للحجة البالغة .
فهلم معي ننظر من كثب إلى مثال فذ بذ أوحدي من أولئك الفئام ، وإلى أشواطه البعيدة ، وخطواته الواسعة ، ونهضته العلمية بمفرده كأنه أمة واحدة .
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد ألا وهو شيخنا الأكبر حجة الشيعة ، وآية الشريعة ، المدافع الوحيد عن ناموس الدين والمذهب ، مولانا الأجل الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي صاحب ( الغدير ) الأغر ، حياه المولى سبحانه وبياه .
تراه منذ ردح من الزمن تتوالى رحلاته إلى أرجاء العالم الإسلامي لا يطمئن له قرار ولا يستقر له مبوأ ، تلتف عليه أينما حل ، وحيثما نزل ، زمر من أبناء الدين الحنيف من أي
فرقة كان ، وبأي مذهب اعتنق ، فيستفيدون من علمه الجم وفضله الكثير ، كأنه مدرسة سيارة تحوي صنوف علوم المذهب ، وصفوف معالم أهل البيت الطاهر ، ودروس الولاية الكبرى العالية المتخذة من الكتاب والسنة .
ومقالاته وخطاباته المبثوثة في بلاد إيران : عاصمتها طهران ، وخراسان ، وأصفهان ، وكرمانشاهان ، وغيرها مما قرطت به آذان عشرات آلاف من رجال العلم والدين ، ومواقفه
المشكورة الخالدة في صفحة التاريخ ، وخطواته الواسعة في بث الدعاية الدينية في بلاد الهند وعواصمها دوخ صيتها الأقطار ، وشاعت وذاعت في تلكم الديار . وحديث رحلته الأخيرة
إلى أرباض سورية سنة ( 1384 ه‍ ) لو جمعت نوادره وشتاته وألفت مقالاته ومقاماته ، وسجلت رسالاته وخطاباته ، ليأتي كتابا مفردا مفعما بالطرائف والظرائف .
أقام شيخنا الأعظم في أرجاء سورية أربعة أشهر ، مستفيدا من مكتبات دمشق وحلب الشهباء الضخمة الفخمة ، وقد أخذ أبناء تلك الأمة العربية المسلمة وأساتذتها ورجالها النبلاء ، دروسا عالية ناجعة
من علمه المتدفق ، ومحاضرات طائلة حول أبحاث قيمة تقصر عنها باع كثيرين من حملة العلم والدين ، أخذت بمجامع قلوب سامعيها وولدت في نفوسهم رغبة عظيمة في علوم الولاية
المطلقة العامة خصيصة آل الله ، أهل البيت الطاهر ، ومن تلكم المحاضرات هذه المحاضرة الرائعة الرائقة التي نعيد جدة طبعها ، وهي بمفردها تعرب عن قيم ما سواها مما ألقاه سماحة شيخنا الأكبر وأهمية مواضيعه .
وهذه المحاضرة التي بين يدي القارئ هي من أغلى الدروس المذهبية وأعلاها لم نجد قط بيانا ضافيا حول ذلك الموضوع القيم في تآليف السلف ، ولم نر منة لبحاثة يميط الستر عن وجهه
والملأ الإسلامي اليوم في أمس حاجة إلى تحقيق هذا البحث الخطير وتحليله ، إذ الجهل بذلك شتت صفوف المسلمين ، وفرق جمعهم ، وبدد كلمتهم وقد وقع القوس بيد باريها ، ونشب
المنزع المرمى السحيق ، وتبين الرشد من الغي ، فلم يبق في المقام معضلة إلا وقد انحلت ، ولا مستغلقة مشكلة إلا وقد زاحت الشبه عنها ، وبدا بصورة بهية ، سافرة الوجه ، تصفق
عليها الأمة المسلمة الماضية وراء ضوء سنة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبها تتأتى بينها الوحدة ، والوئام ، والسلام .
وقد أقيمت حفلات تكريمية حافلة لسماحة شيخنا الأميني في دمشق ، وحلب ، ومعرة مصرين ، والفوعة ، وكفريا ، ونبل . وساهم فيها جل رجال تلكم الديار الأماجد .
نزل في ( حلب ) بدار ضيافة الوجيه المحسن الحاج سعيد رسول ، الفخمة المعمورة .
وفي ( معرة مصرين ) بدار الزعيم الصالح الحاج جميل رحال .
وفي ( الفوعة ) بدار الشريف الحاج سيد محمد حسين راغب آل زهرة .
وفي ( كفرية ) بدار الوجيه الزعيم الحاج محمد عزو .
وفي ( نبل ) بدار الوجيه الكبير الحاج عباس التقي .
كل ذلك كان بدعوة ملحة من أولئك الأكارم وغيرهم من أهالي تلكم الديار وقد أحسنوا القرى بكل حفاوة وتبجيل وتكريم ، تذكر تلكم العواطف الروحية ، والملكات الفاضلة ، والنفسيات الكريمة ، في صفحة التاريخ الخالدة مع الأبد وتشكر .
وقد ألقيت في تلكم الحفلات التكريمية كلمات عسجدية نظما ونثرا في الثناء على شيخنا الأجل ، والإعراب عن مبلغه من المقامات والكرامات منها : مقطوعة أنشدها العلامة المتضلع الشيخ موسى شمس الدين ( 1 ) في حلب لما وفد إليه زائرا من الفوعة ، وهي :
إلى ( الشهباء ) جئنا لا لقصد * سوى تقبيل راحات الأميني
إمام المرشدين بلا مراء * وقطب رحاهم العالي المكين
لمسنا منه آيات عظاما * بطي غديره الصافي المعين
حوى ما راق من صافي اللئالي * ما قد عز من در ثمين
بك الشهباء قد زادت جمالا * ولكن موطني شبه الحزين
إذا لم تأته سيظل دوما * يجود بدمع ناظره الغضون
أدام الله عزك في هناء * وجنبك المكاره كل حين
تقبل هذه الأبيات مني * وحاشا أن تخيب بكم ظنوني
ومنها : قصيدة الشيخ المفضال الشاعر المفلق الشيخ جواد الست ، ألقاها عنه راويته بالفوعة في حفلة تاريخية بدار الشريف السيد محمد حسين راغب من سادات بني زهرة الأكرمين ، ألا وهي :
سلام في صفا الماء النمير * وفي نشر الأزاهر في البكور
وإجلال وإعجاب وحب * مكين بات يزخر في الضمير
وبعد فيا إماما قد تسامى * على فاحتل أوساط الصدور
ليهنك ما حباك الله ربي * من الإلهام والعلم الغزير
بذذت فطاحل العلماء علما * وفقت الكل بالجد المرير
فمالك في اطلاعك من شبيه * ومالك في فضالك من نظير
وحسب المرء برهانا على ذا * مؤلفك المسمى ( بالغدير )
فذاك السفر معجزة الليالي * يظل الوتر في كتب العصور
به حارت عباقرة البرايا * وأعجب كل أرباب الشعور
يفوق البحر عمقا واتساعا * ومن عجب ( غدير )
كالبحور به أثبت حادثة الغدير العظيمة * فهي شمس في الظهور
وقد حققت ما لمقال طه * بذاك اليوم من معنى كبير
كما أثبت ما لأبي تراب * من الآيات والشأن الخطير
أبنت فضائل الكرار حتى * بدت للمبصرين بلا ستور
وسلطت الضياء على كثير * من المروي عن طه البشير
بشأن مناقب وسمات فضل * إذا هو من أساطير الغرور
وكنت بكل بحث لا تبارى * بتمحيص الصواب وكشف زور
فريدا في الإحاطة والتقصي * بعيد الغور في سبر الأمور
فلم تترك لمعترض مجالا * ولا لأخي ارتياب من عذير فبورك
سعيك المحمود دوما * وجوزي بالمثوبة والشكور
ودمت مؤيدا بعزيز نصر * وتسديد من الله القدير
يصونك ربنا من كل شر * لتبقى للحقيقة خير نور
وأهلا في ختام ثم سهلا * بمولانا الأميني الشهير
ومنها قصيدة للشاعر الشهير شاعر أهل البيت صاحب ديوان ( سوانح الأفكار ) المطبوع ، الحاج أحمد رشيد مندو ، ألقاها بنفسه في حفلة السيد الشريف ، وهي :
أخلاي هذا اليوم عيد مؤكد * وفيه بدى طير السرور يغرد
ولاحت به الأفراح من كل جانب * وراحت به الأشعار تتلى وتنشد
وهب نسيم الكون فيه معطرا * وشع به نور العلا يتوقد
وألوية الإقبال والبشر حلقت * ترفرف في جو المعالي وتصعد
وحلت على الفوعا وكل ربوعها * من البركات الغر ما لا تحدد
بمقدم من في الكون زينة عصره * ومن هو في كل الفضائل أوحد
وآية دين الله والعلم الذي * يؤم لحل المشكلات ويقصد
ونبراس هذا العصر في العلم والهدى * وذو الفضل في الدنيا الذي ليس يجحد
وذو الإطلاع الواسع الثاقب الذي * أبى مثله بين البرية يوجد
وإنا نحييه ونهديه دائما * سلاما جزيلا كل يوم يجدد
تحية ترحيب بطلعته التي * بأنوارها كل الظلام يبدد
وإنا بهذا اليوم شرقا ومغربا * ننادي ولا نخشى ولا نتردد
على الطائر الميمون يا خير زائر * علينا به حل الفلاح المؤبد
وأفضل نحرير بفضل اجتهاده * وتأليفه كل الأفاضل تشهد
وعلامة الأعلام والأصيد الذي * على رأسه تاج الفضائل يعقد
ومن هو في دنياه نابغة الورى * ومنزله فوق العلاء مشيد
وقدوة كتاب الأنام جميعهم * ومرجعهم بين الورى والمقلد
ومن أذعنوا طرا لفضل يراع * ويكفيهم منه ( الغدير ) المخلد
فقد كان في الإسلام أعظم منهل * لأهل النهى والرشد فيه مؤكد
وأحرفه كانت نجوما منيرة * إذا غاب منها فرقد لاح فرقد
وقد عقم التأليف بعد وجوده * وآلى بأن يبقى به وهو مفرد
ويكفيه في مولى الأنام حديثه * ومن بعده ولاه طه محمد
ولا شك من ينصر عليا وحقه * وأبناءه فهو الولي المسدد
وأين لهم مثل ( الأميني ) ناصر * وسيف على كل الأعادي مجرد
ويكفيه بالتعريف عنه غديره * ومنه لأهل الفهم يكفي مجلد
وإن شيد من بعض الأفاضل في الثرى * لرفع كيان الدين ناد ومسجد
وفي كل قطر ( للأميني ) منبر * وجامعة من كل علم ومعهد
ويا أيها الضيف الكريم الذي أبت * فضائله في الدهر تحصى وتعدد
فمني على قدري تقبل هديتي * وإني على طول المدى لك أحمد
ويا أهل فوعانا اهنأوا بوجوده * بدولة سوريا ونادوا ورددوا
بحضرته أهلا وسهلا ومرحبا * ودام على الأيام وهو مؤيد

هذه نبذة من تلكم المواقف الكريمة ، ولا يسعنا في هذه العجالة سرد ما جرى هنالك كله ولا جله .
وقد بعث كثيرون من أعلام السنة ، ورجال الطائفة كتبا إلى سماحة شيخنا الأميني بعد أوبته من سورية تعرب عما أثرت رحلته الكريمة في نفوس أهليها ، نقتصر منها على ذكر ما أتاه
من جمعية الإعمار والإحسان بحلب بقلم رئيسها العلامة الورع الصالح فضيلة الشيخ إبراهيم الحاج حسين الضرير ، وإليك نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم
منار العلم ، ومشكاة الفضل ، العلامة البحاثة ، الإمام الحجة الأميني ( دام ظله آمين ) .
السلام عليك أيها البحر الذي جمع في غديره ما تفرق في غيره من اللئالئ اليتيمة والجواهر الثمينة ، مع تقبيل يدكم الكريمة ورحمة الله وبركاته .
وصلني كتابكم الكريم الذي ملؤه محبة ووداد ، وإيمان وجهاد ، نسأل العلي القدير أن يمدكم بطول الحياة ، ويجعلكم للمسلمين باب هداية وإرشاد ، ويبارك الله لكم في هذا العيد السعيد ، ويجعله الله عيد نصر وألفة واجتماع لكلمة المسلمين ، إنه سميع الدعاء . وبعد :
أقدم إليك أيها المولى الكريم الرحالة الذي فرض الله عليه أن يكون مدرسة سيارة ، وظيفتها التبليغ الإرشاد والدعاية إليه تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ونشر العلوم والمعارف ، وذلك شأن المبشرين والمنذرين ، وقد عمت رحلاتكم الكريمة أكثر بلاد المسلمين ، وخلدت لكم الذكر الجميل ، والأجر العظيم ، وكان الله معكم والتقوى زادكم ، وقد شملنا اللطف الإلهي بأنه كان لنا منها الحظ الأوفر ، والسهم الأسمى ، بقدومكم الشريف المبارك ربوع سورية ، مما خرجته تلك المدرسة من العلوم العقلية والنقلية ، وعلى الأخص في تلك الأيام المعدودة التي نزلتم بحلب دار رجل الإخلاص والولاء لأهل البيت الكرام ( عليهم السلام ) الحاج سعيد رسول ، كثر الله أمثاله وحفظه وحماه من كيد الأعداء ، ومضت علينا تلك السهرات والحفلات الدينية التي تزاحمت إليها الوفود من حلب ونواحيها لاجتناء ذلك الثمر الطيب والوقوف على تلك الحقايق والكنوز التي كانت في زوايا الخمول ، وكانت دروسا إسلامية صحيحة في أصولها وفروعها ، فتنورت منها القلوب ، وانكشف عنها الغطاء ، وأحراها بالذكر تلك الليالي الأربعة المباركة التاريخية التي قضيناها بحضرتكم في الحواضر الأربعة التي هي من قديم الزمان ولا تزال إلى الأبد - بفضل الله تعالى - مؤمنة بولاء أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، مع ما كانت تتحمله من وصمات كاذبة ونسب غير صحيحة ، وهي ثابتة على عقيدتها وولائها الخالص لأهل البيت، ( عليهم السلام ) مع قيامها بشعائرها الدينية .
الأولى منها : كفرية، شرفتموها بدعوة العالم العلامة الشيخ إسماعيل الحاج حسين آل الضرير ، والمجاهد النشيط والمثقف بالثقافة الدينية عبد العزيز جحجاح ابن الرجل البار أحد زعمائها
العاملين على إصلاحها وإرشادها الحاج محمد عزو ، وكانت ليلتنا تلك في محله العامر ليلة سعيدة تذكر في التاريخ ، لما كان قد جرى فيها من وعظ وإرشاد وأبحاث دينية قيمة .
الثانية منها : الفوعة ، كانت الدعوة من رجالها المؤمنين الكرام وعلى طليعتهم العلامة الشيخ موسى تقي آل شمس الدين ، والسيد الحاج محمد حسين راغب آل زهرة وكان المجتمع حافلا
في محله العامر الذي أعده لضيافة الوافدين من السادة والعلماء كثر الله أمثاله وحفظه وذويه ، وقد تناول الدرس مواضيع عديدة ، وبحوثا جليلة ، ومساءلات كثيرة جمة من الأصول المذهبية والفقه والعلوم الراقية من رجال لهم المكانة العظمى من الثقافة وفنون المعقول والمنقول ، فسمعنا أجوبة ضافية قيمة ببيان رصين فعمت الفائدة للحضور على اختلاف طبقاتهم وتشتت عقائدهم .
وفي الغد غادرناها إلى ناحية ، معرة مصرين ، ونزلنا بدار الزعيم الجعفري ، والقائم على مصالح الأمة الشيعية الدينية ، والمتولي على أوقافها : المجاهد الكبير الحاج جميل رحال بدعوة والده الزعيم الأكبر .
ومن أوقاف تلك الناحية مشهد منسوب لمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، مكتوب على نجفة بابه بالخط الكوفي اسم الإمام واسم المشهد والمشيد .
وقد كثرت أسئلة هامة في ذلك المحفل الكريم من سيادة محافظ إدلب ، والأستاذ السيد توفيق يوسف مدير الناحية ، وآخرين من الحضور ، ومما أفضتم القول حوله : آية التطهير النازلة في أهل البيت الطاهر ، ومسألة المتعة التي تعد - جهلا بها - من آفات الشيعة .
ومن معرة مصرين توجهنا إلى حلب الشهباء ، ومنها إلى قرية ( نبل ) بدعوة من العالم الفاضل الشيخ عباس الحاج خليل ، ورجالها المؤمنين ، على رأسهم عمدة الأخيار المصلحين
الحاج عباس التقي ، ونجله الحاج إبراهيم التقي ، زاد الله في تقاهم وبارك لهم في مسعاهم ، وأول الاجتماع كان في جامع القرية ، وتناول الحديث والدرس حول الخلافة والإمامة بعد
إقامة فريضة الظهرين ، وقد تزاحمت أقدام الناس على المسجد لاستماع الدرس ، وبيان وجوب حب أهل البيت وموالاتهم والتمسك بهم .
وبعد ذلك كان الاجتماع في دار الحاج عباس التقي المذكور ، وقد تناول البحث والتنقيب في تلك الليلة المباركة مواضيع شتى هامة من الأصول والفروع على سنة أهل بيت الرسول الأعظم ( عليهم السلام ) ، وتأييد تشييد مشروع المشهد الكائن بحلب الشهباء الذي قمنا بإعادة جدته ، يقع في مقربة من مزار الشريف محسن السقط ابن الإمام السبط الشهيد الحسين ( عليه السلام ) في جبل الجوشن غربي حلب .
وإن هذا المشهد الأثري التاريخي المشيد قبل ألف عام من المشاريع التي يحسن المسارعة إلى بذل المال في توطيدها ، وإنه من ( بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) وإنه من مشاهد
آل البيت الذين هم وديعة الله ورسوله لدى الأمة الإسلامية الواجب حفظها وتأدية حقها ، وإنما بني على صخرة وضع عليها رأس الشهيد الطاهر الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، يوجد تفصيل ذلك في غير واحد من كتب التاريخ .
فهنيئا لك أيها المولى على جهودك الجبارة ، وجهادك المقدس ، وأجزل الله لك الأجر والثواب ، وحشرك مع محمد وآله الأطهار ، ( صلوات الله عليهم ) والسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا .
مولانا الكريم : إن مما يهمنا أمره ، ويعنينا شأنه ، إنما هو إتمام تعمير المشهد الشريف المذكور ، وقد أثر عليه مر الدهور واحتاج جدا إلى إعادة جدته ، وسماحتكم رأيتم ضخامته ،
واطلعتم على جل الأمور وسير العمل ، وشاهدتم العب ء الفادح الذي تصدينا لحمله ، وهذا المشروع الخيري يتطلب المساعدة مادية ومعنوية من أهل الخير والصلاح ، ونحن كما
تعلمون نروم إنشاء مدرسة لطلاب العلوم الدينية في ذلك المشهد ونحتاج إلى توسعة المكتبة التي أسسناها في الجمعية فنرجوكم الآن بالإيعاز إلى الوجوه المحسنين الكرام أن يتبرعوا لهذه
المشاريع على حسب إمكانياتهم ، والأمر لكم يا سيدي والسلام عليكم وعلى أنجالكم الأفاضل . جمعية الإعمار والإحسان إبراهيم الحاج حسين هذه جملة خاطفة من تفصيل رحلة سماحة شيخنا الأميني إلى ربوع سورية ، ولعلنا نفرد في المستقبل العاجل كتابا في رحلته تلك مشفوعة ببقية رحلاته الكريمة ، قائمين بنشر بقية محاضراته القيمة الناجعة التي تربو عدتها على عشرين .
وما التوفيق إلا بالله عليه توكلت ، والحمد لله أولا وآخرا .

سيرتنا وسنتنا
محاضرة ألقاها الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
صاحب الغدير بسورية
بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة مباركة فسيحوا في الأرض أربعة أشهر
قال الأميني : أتيحت لنا في سنتنا هذه ( 1384 ه‍ ) زيارة ديار الجمهورية العربية السورية ، وقمنا بها أربعة أشهر ، واستفدنا من مكتباتها العامرة القيمة المشحونة بالنوادر والنفائس من
التراث العلمي الإسلامي من الكتب المخطوطة بخطوط حفاظ الحديث ، وأئمة الفقه والتفسير ، ورجال العلم والفضيلة والأدب ، واتصلنا من أساتذتها ورجالها الأفذاذ بأناس لم نفارقهم إلا
معجبين بملكاتهم الفاضلة ، ونفسياتهم الكريمة ، وحسن طويتهم ، وجميل عشرتهم ، ومحاسن أخلاقهم ، ولهم منا الشكر المتواصل غير مجذوذ .
ونزلنا بحلب الشهباء اثنين وعشرين يوما ، وكنا نسهر في كل تلكم الليالي محتفلين ، والحفل مكتظ بوجوه البلد والأساتذة ، ورواد الفضيلة ، وأبناء الدين ، وكانت ترد علينا أسئلة هامة
في مواضيع دينية ، وأبحاث علمية ناجعة، نبحث عنها بصورة ضافية بجميع نواحيها ، وربما كان يستوعب البحث من الساعة الثامنة الزوالية إلى الساعة الواحدة أو أكثر بعد نصف الليل.
وفي خلال تلك الأيام زرنا في صحبة رجل الفضيلة الأستاذ المفضال الشيخ محمد سعيد دحدوح إمام مسجد النوحية أسعد الله حظه من العلم والدين ، مكتبة دار الكتب الوطنية بحلب ، فلما استقر بنا القرار في غرفة المدير ، وألهتني عن الصحبة مطالعة فهارس المكتبة ، دخل إلينا أستاذ جسيم بسيم ، وجلس على يمين الشيخ السعيد ، وطفق يناجيه ، ويتكلم معه همسا ، فاسترقنا السمع
بقول الشيخ للأستاذ : قدم إشكالك إلى سماحة الحجة ، فقال الأستاذ : هو مشغول عنا ، فولى فضيلة الشيخ وجهه إلى شطري فقال : سماحة الحجة إن الأستاذ له إشكال يحب إصاختكم إليه
وحله ، فرحبت به وأهلت وأدنيته مني ، واقترب الشيخ السعيد منا ، فتفضل الأستاذ بقوله : كنت أقول : غلو الشيعة في حب أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفيهم علماء أمثالكم ، لماذا ؟
والمسلمون كلهم على بكرة أبيهم يحبون عليا وأولاده ، ونحن أيضا نحبهم ، ما هذه المآتم للعزاء ، والدؤوب بالتأبين كل يوم ؟
ما سيرتهم هذه : حسين حسين ؟
ما هذا التعبد بتربته ، والالتزام بالسجدة عليها ؟
هكذا كان مقال الأستاذ ، وكنا نسمع ذات المرار جمل النقد والاعتراض هذه أو ما يؤدي مؤداها من رجال سورية ، كأنها صيغت بيد تلك الدعاية الممقوتة والأثيمة التي تفرق صفوف
المسلمين ، وتشتت شملهم ، وتمزق جمعهم ، بمثل هذه الشبهة التي هي وليدة الجهل المبير ، فبثتها بين تلكم الحواضر ، ودبت البلاد ، وعمت البلية وشاعت ، وأخذها الإنسان الظلوم الجهول كحقائق جهلا منه بالآراء والمعتقدات .
يهمنا عندئذ جدا إجابة لطلبة فئة من إخواننا أن نفرد جوابنا لأولئك الرجال عن تلكم الأسئلة ببيان ضاف في رسالة تحدو الأمة المسلمة إلى حقيقتها ، وتميط الستر عن مبادئنا تلك في
الملأ الديني ، حتى تتجلى سافرة الوجه ، ناصعة الجبين ، ويتأتى للسائلين عنها مقنع كما وجدناهم لدى مساءلتهم ومشافهتهم بذلك مخبتين إليه ، متسالمين عليه متلقين إياه بحسن القبول ، ( والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب )  .
___________________________
( 1 ) أحد أعلام الأسرة الكريمة العريقة في الفقه والعلم والأدب ، بيت شمس الدين آل الفقيه الأكبر الشهيد الأول شيخنا محمد بن مكي العاملي المترجم له ولكثيرين من رجالات بيته في شهداء الفضيلة لشيخنا الأميني . ( * )


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page